الرئيسية / تقارير وحوارات / الانتقام والإرادة غير المنضبطة تدفعان الشعوب إلى "سحل" زعمائها (3-3)
الانتقام والإرادة غير المنضبطة تدفعان الشعوب إلى \"سحل\" زعمائها (3-3)

الانتقام والإرادة غير المنضبطة تدفعان الشعوب إلى "سحل" زعمائها (3-3)

15 نوفمبر 2011 06:10 مساء (يمن برس)
مثلما تسرّبت شائعات نبش قبر الرئيس الراحل صدام حسين من قبل مجهولين، فإن قبر والدة القذافي لم يسلم من الأمر نفسه، فقد إنتُشِلت عظامها، وأُحرِقَت من قبل ليبيين، لتقدم أبشع صور الانتقام في الزمن الحاضر.

صاحَبَ انتفاضات الربيع العربي تركيز كبير على الزعيم فحسب، وليس النظام، بغية إذلاله وقهره والانتقام منه والتشفي به، ولاغرو في ذلك، فلطالما كان الرقص على الجثث ظاهرة متخلفة ومقززة، فهو يختصر ثقافة ثأرية اختمرت طويلاً في أعماق المجتمع بأجياله كافة، بحسب الكاتب العربي عبد الوهاب بدرخان، في حديثة لـ "إيلاف".
 
ففي مصر أولى المنتفضون اهتماماً كبيرًا برأس النظام، وليس النظام ككل، حتى بدا وكأنه مطلبهم الوحيد، وفي الوقت الذي آل إليه مصير الرئيس المصري المخلوع إلى السجن، تلاحقه قضايا رفعت ضده أمام المحاكم، إلا أن مصير التغيير في ليبيا هو ملاحقة القذافي والقبض عليه وقتله على أيدي ملثمين و"أنصاف" ملثمين، بدت في بعض تفاصيلها مشابهة لـ"حفلة" إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي حوكم وأُعدم في محاكمة علنية، تحت الحماية الأميركية، لكن التشابه كان في إحاطته لحظة الإعدام بأفراد اختفت وجوههم خلف الأقنعة، وبدوا، بحسب مشاهد الفيديو التي سُرّبت، أنهم ينتقمون من الرئيس المخلوع أي انتقام.
 
لكن الكاتب خير الله خير الله يرى في ما حدث بديهية في العالم العربي، فقد حصد معمّر القذافي، وقبله صدام حسين، ما زرعاه لا أكثر ولا أقل، حيث لعبا دورًا مهمًا في القضاء على كل ما هو حضاري في البلد، تاركين كلاهما البلد للرعاع.
 
ومثلما تسربت شائعات نبش قبر الرئيس الراحل صدام حسين وقتها، من قبل مجهولين، فإن قبر والدة القذافي لم يسلم من الأمر نفسه، فقد انتشلت عظامها، وأحرقت من قبل ليبيين، لتقدم أبشع صور الانتقام في الزمن الحاضر.

هذا التقرير يسلّط الضوء على وجهات النخب المثقفة في ما يخص حفلات إعدام الزعماء العرب، لاسيما وأن بعض الكتاب، مثل الكاتب المصري فؤاد التوني، يسرد تفاصيل دقيقة عن لحظات الرئيس العراقي صدام حسين، حيث يصفها كالآتي في حواره مع إيلاف: انتهز "مقتدى الصدر" الفرصة للتشفي، وحضر لحظة الإعدام، وتعمد رجاله إطالة الحبل الملفوف حول عنقه، حتى يسقط على الأرض حيًا، ثم تولوا تعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ثم وضعوا الحبل حول عنقه لإعطاء الانطباع بأنه أُعدم شنقًا.
 
وفصل رجال الصدر رقبته عن رأسه، قبل أن تسلم الجثة إلى شيوخ بلدة "العوجة" مسقط رأسه لدفنه (بحسب وصف التوني)، وهو ما يتفق والحالة الليبية في أنه ينافي الأعراف الدولية ومبادئ القانون والأديان السماوية.
 
أحمد عبدالملك: روح الانتقام تشوّه الثورات
من جانبه يقول الأكاديمي والإعلامي القطري أحمد عبدالملك إن ثقافة الانتقام معروفة في التاريخ العربي. ويجب ألا نخجل من الاعتراف بذلك منذ مقتل الخلفاء المسلمين الثلاثة!.
 
ويتابع: المجتمع المدني، الذي يجب أن تؤسسه الثورات، يجب أن يرسّخ قيم التحضر والعدالة والقانون. وإذا أخطأ الحكام فلا بد أن يحاكمهم قضاء عادل ونزيه.
 
ويرى عبدالملك أن روح الانتقام تشوّه صورة الثورات أو الأنظمة الجديدة، التي جاءت عن طريق الانتفاضات السلمية غير العنيفة. ويقف عبدالملك ضد العنف بكل أشكاله، مؤكدًا أن أي ظالم يجب أن يعاقبه قضاء نزيه، وإلا تحوّل المجتمع إلى غابة.
 
أحمد أبو مطر: عميد الطغاة
الكاتب والأكاديمي الفلسطيني أحمد أبو مطر يرى أنه لا يختلف عاقلان على أنّ الطريقة التي تمّ من خلالها قتل الديكتاتور عميد الطغاة العرب معمّر القذافي، الذي قتل ليبيا شعبًا ووطنًا طوال 42 عامًا، لم يكن من المؤمل حصولها بهذه الوسيلة، رغم أنّه يستحقها، وذلك كي يعطي الثوار الذين أطاحوا باستبداده علامة مضيئة عن وجه ليبيا الجديد، الذي سوف يقومون ببنائه بعد كل عمليات القتل والترويع التي قام بها الطاغية.
 
ويضيف: لكن في السياق نفسه لا يمكن التحكم في مشاعر وعواطف أهالي وأصدقاء وأقارب آلاف من الليبيين، الذين قتل منهم في مجزرة سجن أبو سليم فقط عام 1996 أكثر من 1200 سجينًا، غالبيتهم من المعارضين السياسيين.
 
ويتابع: الديكتاتور صدام حسين، الذي تمّ اعتقاله وامتدت محاكمته شهورًا عدة، وحكم عليه بالإعدام، أيضًا محاكمته لم تعجب بعض العرب.
 
علينا أن نتذكر كم سنة احتاجت الثورة الفرنسية كي تتوقف عمليات الثأر والإعدامات بعد نجاحها، وصولاً إلى فرنسا الحضارة والقانون اليوم. أنا لست فاقدًا الأمل في هذا الربيع العربي ونتائجه.
 
عواد ناصر: معاملة حضارية للجلادين
ويرى الشاعر العراقي عواد ناصر أنه مهما يكن الدكتاتوريون قساة ومجرمين... على الضحايا أن لا يقلدوا أخلاق الجلادين. من يسمّون أنفسهم ثوارًا، عليهم أن يقدموا السلوك البديل والنقيض لتصرفات الحاكم المستبد.
 
ويقول ناصر إن صدام حسين حظي بمحاكمة، حتى لو كانت مثيرة للجدل، وأعطي فرصة كبيرة للدفاع عن نفسه.. وكذلك مبارك مصر.. ما أتمناه أن يحظى بقية الجلادين بمعاملة حضارية، تتناسب مع دعاوانا بحقوق الإنسان والحرية والدولة المدنية.
 
أحمد غلوم بن علي: عدم قبول التبرير
ويجد الكاتب الكويتي أحمد غلوم بن علي صعوبة في تبرير التعذيب والتمثيل بالجلاد والديكتاتور، لكن في الوقت نفسه يصعب عدم قبول تبرير من يقوم بذلك، فالشعوب التي عانت السحق والإبادة الجماعية، لا يمكن أن تتعقل وتتفهم معنى العدالة عند لقاء الجلاد والمبيد، وهو اللقاء الذي ظل حلمًا يراوده منذ الطفولة.
 
ويتابع: لكن ما يجب دومًا التأكيد عليه هو أن العدالة قيمة يجب أن تتأصل في مخيلة وروح المجتمع، لذلك لا يمكن القبول بالتمثيل والتعذيب والسحل وغير ذلك من الطرق غير الإنسانية، وذلك حتى لا يتحول المجتمع إلى مجتمع مسلوب القيمة والإرادة.
 
فلاح المشعل: إرادة الشعوب غير منضبطة
ويقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي فلاح المشعل في حواره مع "إيلاف" إن
ظاهرة إعدام أو سحل الرؤساء والاعتداء عليهم من قبل ملثمين أو مجهولين، وهو ما حصل بوضوح مع صدام حسين وكذلك القذافي، تعطي رسالة واضحة للعالم بأن إرادة الشعوب غير منضبطة، ولا تخضع لمعايير دقيقة في اكتشاف نفسها، وعمق الخزي الذي يرتكب بصور مختلفة، منها جرائم سياسية و فوضى إدارية أو حروب وممارسات منحرفة، شاذة، فتأتي هذه السلوكيات الملثمة بالانتقام لتشكل سياقًا دلاليًا وإجرائيًا مع ما سبقها من سلوكيات للحاكم، ولكن تحت عنوان الثورية أو الروح الانتقامية أو سلوك الرعاع، كما يحلو للبعض تسميتها.
 
ويتابع: تكشف هذه السلوكيات عن محاولة التخلص من الذاكرة وآثامها وقوانين الصدفة التي تدفع بهذه المجتمعات إلى أحداث كبيرة، تأتي بمعزل عن إرادتها، لهذا لا تريد أن تحاكم المرحلة الماضية، عبر الكشف عن أسرارها في محاكمات، تثبت سلطة العدالة والمعرفة وتثبيت قوانين الحق والتحول التاريخي البنيوي، وهكذا تكون سلوكيات القتل الملثم تعبيرًا عن المشاركة في الجريمة بلحظتها الأخيرة.
 
عبدالأمير الماجدي: أوجه التشابه بين الطغاة
ويجد الصحافي العراقي عبدالأمير الماجدي تشابهًا في الصورة من زوايا كثيرة بين الرؤساء العرب ،الذين تمت إزاحتهم بالقوة من كراسي الحكم بعدما جلسوا عليها طويلاً.
 
يقول الماجدي: أوجه التشابه هي تمسكهم بالحكم لأطول فترة ممكنة والمراوغة والوعيد وعرض العضلات المزيفة التي يهددون بها الشعوب، من خلال بعض المرتزقة والمقربين من المستفيدين. فالسيناريو متشابه، لكنه، وبرغم وجود قواسم مشتركة، تختلف من رئيس إلى آخر ومن محاكمة إلى أخرى، فقد شهدنا جميعًا انهيار الكراسي، وكان صدام حسين قدوتهم، كما كان قائدهم سابقًا، ولحقه زين العابدين، الذي فضّل الهرب، وترك الجمل بما حمل، ليلحق به حسني مبارك، الذي حاول إظهار بعض الكرامة المتأخرة، التي أبت أن تنطلي على أرض الكنانة، ويختتم المشهد وبتصاعد درامي، بمساعدة خارجية، بالقذافي الذي حاول التشبث حتى آخر نفس لولا إصرار وقوة المقاومة، التي انتصرت أخيرًا، لكنها عجزت في أن تنهي مسيرتها بالشكل اللائق، لتخفق أخيرًا، وتضيع بعضًا من نصاعتها بقتل القذافي مع سبق الإصرار والترصد.

ويتابع الماجدي حديثه لـ"إيلاف": أعتقد أن هذا القتل جاء عبر أيادي كانت تتربص بمسيرة المقاومة الناصعة، وهذا الأمر لا يشبه بشكله ما جرى لصدام، فقد قدم صدام إلى المحاكمة العادلة، وفق قرائن وشهود، كانت تقدم، وعرضت على شاشات التلفاز. ولايزال الحديث عن الباقين مبكرًا، فلا نعرف كيف سيكون سقوطهم، برغم تشابه المظهر.
 
أحمد الصراف: تراثنا اللا إنساني
ولا يعتقد الكاتب الكويتي أحمد الصراف أن قتل زعيم أو أكثر وسحله يمكن أن يطلق عليه بالظاهرة، بل هو جزء من تراثنا اللا إنساني، فلا تزال دولنا العربية تحديدًا، والإسلامية بشكل عام، تسير حسب النهج الذي سار عليه السلف.
 
ويتابع: قيام الزعيم أو الحاكم أو القدوة والشعلة والمنارة، باغتيال معارضيه خلسة وغدرًا، وتحت جنح الظلام، كان ولا يزال جزءًا من تاريخنا، الذي أورثونا إياه، والفرق أننا نجده بصورة حادة في هذه المنطقة مقارنة بغيرها، وتاريخنا الديني مليء بالأمثلة التي يصعب حصرها.
 
ويرى الصراف أن ما جرى مع القذافي أخيرًا، وما سبق ذلك من عمليات سحل في العراق، على سبيل المثال، حدث بسبب الطريقة الدموية التي حكم بها هؤلاء شعوبهم.
 
سامى البحيري: الثوار الطغاة
ويرى الكاتب سامى البحيري في قتل القذافي، ثم عرض جثته للفرجة، جريمة أخلاقية، وإذا كان من يعتبرون أنفسهم ثوارًا يرتكبون مثل هذه الأفعال، فماذا تركنا للطغاة الذين يثورون عليهم؟.
 
ويتابع: ذكر التاريخ لنا كيف تم سحل الملك فيصل الأول ملك العراق، ونوري السعيد رئيس الوزراء في ثورة عام 1958، ثم عاد العراقيون، الذين عاصروا عهد الملك ورئيس وزرائه، يتحسرون على تلك الأيام، ويعتبرونها أيامًا ذهبية في تاريخ العراق الحديث.
 
ويرى البحيري أن إنتشار روح الانتقام في الثورة يخلق "ثوارًا" طغاة وأكثر عنفًا من الطغاة الذين يثورون عليهم، ويجب على الثوار من شباب العرب أن يبتعدوا عن الإنتقام، ويتمسكوا بالتسامح، وليكن لنا فى نيلسون مانديلا زعيم جنوب أفريقيا أسوة حسنة، وهو الذي حبس ظلمًا 27 عامًا، وقتل العديد من بني وطنه على أيدي البيض، وكان بإمكانه أن ينتقم، وكان بإمكانه أن يبرر الانتقام، ولكنه تحلى بروح "ثائر" حقيقي وتخلى عن روح "الرعاع"، وقرر أن يسامح بني وطنه من البيض، وبهذا ساعد على توحيد جنوب أفريقيا.
 
بلقيس حميد حسن: هل سُحِل صدام
وتعترض الكاتبة العراقية بلقيس حميد حسن على من يقول إن صدام قد سُحل، وتتساءل:
وهل سُحِل صدام؟، أم صدرت بحقه عقوبة من محكمة دامت سنوات، وجاءت عقوبة الإعدام على جرائمه ضد الإنسانية؟.
 
أسامة عثمان: التعامل المُرْتجل
وفي رأي الكاتب أسامة عثمان فإن السؤال الأبرز هنا هو: هل يستحق من ارتكب جرائم بحقِّ شعبه، أو غيره من بني الإنسان التمتعَ بحقوق الإنسان؟، هل يحقُّ لمنتهك القوانين الإنسانية والأعراف الاستفادةُ منها؟.
 
ويجيب عثمان عن السؤال: من الناحية النظرية والأخلاقية الإجابة هي "نعم"، فالقوانين لا تستثني حتى المجرمين، ومن حقهم أن يحظوا بمحاكمات عادلة، وليس من اللائق أن يعدم هؤلاء في ظروف غامضة، وفي أجواء انفعالية ثأرية، فالقصاص القانوني لا يتطلب التعتيم، ولا التَّخفّي.
 
ويتابع عثمان حديثه لـ"إيلاف": لكن قتل القذافي، مثلاً، نحا منحنيات عاطفية بالغة الانفعال، في لحظة تراجيدية، كانت ذروة ما يزيد على أربعين عامًا من الظلم...، و اشتدت جرائمه في الأشهر الأخيرة، بعد الثورة، حيث قامت كتائبه، وفق شهادات عديدة، بجرائم اغتصاب، وأنواع من الانتهاكات البالغة الاستفزاز والشناعة، في مجتمع لا يزال يغلب عليه طابع البداوة، ويعني له العِرْضُ الشيءَ الكثير والثمين.
 
ويقول عثمان إن هذا التعامل المُرْتجل، أو (القانوني) المحاط بالنزعات القبلية، أو الطائفية، أو سواهما، يؤكد افتقار الثورات العربية والعرب، بنية اجتماعية قادرة على إنتاج مؤسسات قضائية مستقلة، وذات سيادة.
 
التوني يصف شنق صدام بتفاصيل جديدة ويقارنه بمقتل القذافي
في الحلقة السابقة رأى الكاتب المصري فؤاد التوني خروقًا للقانون الدولي، شارك فيها الإعلام في مسألة قتل "القذافي"، على أيدي الثوار، الذين تجاهلوا بنود اتفاقية جنيف الأولى والثانية، الداعية إلى ضرورة معاملة المعتقل بشكل إنساني، وظهر الثوار وكأنهم الوجه الآخر للعملة، على افتراض أن القذافي الوجه الأول لها.
 
وأضاف: لا ننسى أن القذافي في يوم ما كان "ثائرًا" حين قام بانقلاب 1969، قبل أن ينتشي بمجد السلطة، ويتجه إلى عبادة الذات، وإهدار ثروات شعبه على نزواته للبحث عن زعامة مقابل المال. أما "صدام حسين" فالأمر يختلف لديه، فقد فضل مواجهة حبل المشنقة بكل شجاعة قبل خمس سنوات، وتحديدًا في أول أيام عيد الأضحى في 30 ديسمبر 2006.
 
مقتدى الصدر وصدام حسين
ووصف التوني تفاصيل دقيقة عن لحظات الرئيس العراقي صدام حسين، في حواره مع إيلاف كالآتي: انتهز "مقتدى الصدر" الفرصة للتشفي، وحضر لحظة الإعدام، وتعمد رجاله إطالة الحبل الملفوف حول عنقه، حتى يسقط على الأرض حيًا، ثم تولوا تعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ثم وضعوا الحبل حول عنقه، لإعطاء الانطباع بأنه أُعدم شنقًا. وفصل رجال الصدر رقبته عن رأسه، قبل أن تسلم الجثة إلى شيوخ بلدة "العوجة" مسقط رأسه لدفنه (بحسب وصف التوني)، وهو ما يتفق والحالة الليبية في أنه ينافي الأعراف الدولية ومبادئ القانون والأديان السماوية.
شارك الخبر