في نفس اللحظة التي تشتري فيها جنيه ذهب بـ515,000 ريال في صنعاء، يكلفك نفس الجنيه 1,561,000 ريال في عدن - فارق خيالي يزيد عن المليون ريال! دولة واحدة، عملة واحدة، لكن أسعار من عوالم مختلفة تماماً. هذه الفجوة الجنونية التي تصل إلى 300% تعيد تشكيل خريطة الاقتصاد اليمني بصورة صادمة لم يشهدها التاريخ الحديث.
ثورة حقيقية تضرب أسواق الذهب اليمنية، حيث سجلت الفروقات السعرية أرقاماً لا تصدق. جرام الذهب عيار 21 في عدن يكلف 195,000 ريال مقابل 63,300 ريال فقط في صنعاء - فارق يبلغ 130,000 ريال للجرام الواحد! علي الصائغ، تاجر ذهب ذكي، يكشف: "أربح الملايين من نقل الذهب بين المحافظتين، لكن المخاطر عالية والرحلة محفوفة بالمخاطر". بينما تروي أم محمد من عدن قصتها المؤلمة: "اضطررت لبيع ذهبي القديم بربع قيمته الحقيقية لأطعم أطفالي".
خلف هذا الانقسام السعري المدمر تقف تداعيات انقسام البنك المركزي اليمني منذ 2016، وتعدد السلطات النقدية التي خلقت اقتصادين منفصلين داخل الدولة الواحدة. انهيار الريال اليمني والعقوبات المتبادلة بين الشمال والجنوب أدت إلى ظهور أسعار صرف مختلفة تماماً. يحذر د. أحمد الاقتصادي قائلاً: "هذا انهيار اقتصادي حقيقي، والوضع سيزداد سوءاً ما لم يحدث تدخل عاجل". المشهد يذكر بأزمات لبنان وفنزويلا، لكن بطعم يمني أكثر مرارة.
من الذهب كرفاهية إلى الذهب كضرورة حتمية للحفاظ على المدخرات - هكذا تحولت حياة اليمنيين اليومية. فاطمة العروس ألغت حفل زفافها بعد أن اكتشفت أن تكلفة الذهب ارتفعت إلى ما يعادل راتب والدها لـ6 أشهر. العائلات في عدن تبيع منازلها لشراء الذهب كملاذ آمن، بينما تشهد صنعاء هروباً جماعياً من الريال نحو المعدن الأصفر. موجة هجرة داخلية بدأت تتشكل، حيث يسافر المستثمرون من عدن إلى صنعاء لشراء الذهب وإعادة بيعه، رغم المخاطر الأمنية العالية.
فجوة سعرية تاريخية تقسم اليمن اقتصادياً إلى دولتين، مع توقعات بتفاقم الأزمة ما لم يحدث توحيد عاجل للسياسة النقدية. الخبراء ينصحون بمراقبة الأسعار عن كثب والاستثمار بحذر شديد في ظل التقلبات الجنونية. السؤال المطروح الآن: هل سيبقى اليمن دولة واحدة اقتصادياً، أم أننا نشهد ولادة دولتين جديدتين بعملتين مختلفتين وأسعار من عوالم متباعدة؟