في تطور صاعق هز أروقة صنع القرار في الخليج، كشفت تسريبات سرية عن انسحاب القوات المدعومة سعودياً من مناطق نفوذ تساوي ثرواتها النفطية مليارات الدولارات خلال أقل من 48 ساعة، في أول انسحاب سعودي أمام النفوذ الإماراتي منذ تشكيل التحالف العربي. الساعات القادمة قد تشهد إعادة تشكيل جذرية لخريطة أهم منطقة نفطية يمنية، فيما يحذر المحللون من تفكك لا رجعة فيه لآخر آمال الوحدة اليمنية.
وفقاً لاتصالات مسربة حصريةً كشف عنها موقع "دارك بوكس"، فإن المسؤولين السعوديين باتوا يشعرون بقلق متزايد إزاء رفض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً الانسحاب من المحافظات الشرقية رغم المطالبات المتكررة. أحمد المهري، شيخ قبلي من حضرموت، يروي بمرارة: "شاهدت نفوذ قبيلتي يتآكل خلال أسابيع، بينما ترفرف أعلام لا نعرفها فوق أراضي أجدادنا". السيطرة على حقول النفط والموانئ الاستراتيجية وتهميش القوى القبلية المحلية تجاوز عتبة خطيرة في نظر المخططين السعوديين، ما دفع الرياض للانسحاب بدلاً من المواجهة.
هذا الانسحاب الهادئ يمثل نقطة تحول حاسمة في صراع امتد لسبع سنوات دون حل، كاشفاً عن اتساع الهوة الخطيرة بين السعودية والإمارات حول مستقبل اليمن. التوسع السريع للمجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة لم يكن عفوياً، بل جاء بعد أشهر من التحضير والتنسيق من أبوظبي التي تنظر إلى شرق اليمن كجائزة استراتيجية لا مجرد ساحة معركة. كما حدث في انقسام السودان عام 2011، تؤدي الخلافات الإقليمية لتقسيم دولة موحدة، والمشهد الحالي ينذر بتكرار نفس المأساة.
التقييمات السعودية المسربة تصف النهج الإماراتي بأنه "مزعزع للاستقرار ومدمر"، محذرة من أنه يؤدي لانقسام دائم بدلاً من إعادة البناء، فيما تنظر الإمارات للامركزية والحكم الانفصالي كأدوات للنفوذ. د. خالد الدخيل، محلل الشؤون الخليجية، يحذر: "التصعيد بين السعودية والإمارات يهدد استقرار المنطقة بأكملها، وما يحدث في اليمن اليوم قد ينتشر كالنار في الهشيم". المجلس الانتقالي أنشأ مؤسسات إدارية وأمنية وحتى دينية موازية، ممهداً الطريق لانفصال لا رجعة فيه، بينما سالم العولقي، تاجر من المكلا، يصف مشاهداته: "رأيت السيطرة على الميناء تتغير في أيام معدودة، وسمعت هدير طائرات النقل العسكري طوال الليل".
العواقب على اليمن وخيمة ومدمرة، حيث تتراجع السعودية لتجنب حرب داخلية بين حلفائها الاسميين، بينما يملأ المجلس الانتقالي الفراغ مزيداً من التشرذم. انسحاب القوات المدعومة سعودياً ليس سبب تفاقم الأزمة اليمنية، بل أحد أعراضها، والمحرك الحقيقي هو الصدام المتزايد بين رؤيتين إقليميتين متناقضتين. إحداهما تسعى للحفاظ على اليمن كدولة موحدة مهما كانت هشة، والأخرى تسعى لتفتيتها لتحقيق مكاسب استراتيجية. بدلاً من جبهة موحدة ضد التهديدات المشتركة، يتحول الجنوب لفسيفساء من السلطات المتنافسة، كلعبة شطرنج عملاقة تحرك فيها القوى الكبرى قطعها الصغيرة دون اعتبار للخسائر البشرية.
الصراع لم يعد خفياً، والتباين السعودي-الإماراتي امتد لمناطق إقليمية متعددة بما فيها السودان، حيث تدعم الدولتان أطرافاً متنازعة. ما لم يُواجه هذا التباين فوراً، سيتسارع تفكك اليمن وتتلاشى آفاق الوحدة تدريجياً. هل ستشهد المنطقة انهياراً كاملاً لليمن كدولة موحدة، أم أن الحكمة ستسود قبل الوصول لنقطة اللاعودة؟ الإجابة تكمن في قدرة القوى الإقليمية والدولية على التدخل العاجل قبل أن تصبح اليمن مجرد ذكرى في كتب التاريخ.