في تطور صادم هز مديرية تبن بمحافظة لحج، قفزت أسعار أسطوانات الغاز المنزلي إلى مستوى جنوني وصل 14 ألف ريال للأسطوانة الواحدة، وهو رقم يعادل راتب موظف حكومي لأسبوع كامل. هذا الارتفاع الكارثي، الذي يتجاوز 400% عن الأسعار الطبيعية، حول منازل مدينة العند إلى خيام صامتة حيث تجلس العائلات حول موائد باردة والأطفال يسألون عن سبب عدم وجود طعام ساخن.
أم محمد، ربة منزل تعيل أربعة أطفال، تروي معاناتها بصوت مختنق: "اضطررت لاستخدام الحطب للطبخ بعد عجزي عن شراء أسطوانة الغاز، والدخان يملأ البيت ويؤذي أطفالي". وفي المقابل، يقف محمد سالم، سائق التاكسي، عاجزاً أمام زوجته قائلاً: "أصبحت أخاف من دخول البيت، زوجتي تطلب مني أسطوانة غاز وراتبي كله لا يكفي". هذا المشهد المؤلم يتكرر في مئات البيوت، بينما يستغل مالكو المحطات الأزمة التي اندلعت في حضرموت لتحقيق أرباح فاحشة.
تأتي هذه الكارثة الاقتصادية في سياق التدهور المستمر منذ بداية الحرب عام 2015، حيث ضعفت الرقابة الحكومية وانتشر الاحتكار. وعلى الرغم من وصول قاطرات الغاز من مأرب، إلا أن التجار يتذرعون بأزمة حضرموت لمواصلة نهب جيوب المواطنين. يحذر الدكتور علي الحضرمي، خبير الطاقة، من أن "أسعار الغاز في لحج أصبحت الأعلى في المنطقة العربية مقارنة بمتوسط الدخل"، مشيراً إلى أن هذا الوضع يذكرنا بأزمة الوقود في لبنان 2021.
واقع مرير يعيشه سكان العند، حيث اضطرت الأسر لتغيير عادات الطبخ كلياً، مع اللجوء للطعام البارد أو حرق الحطب الذي يسبب أمراض الجهاز التنفسي. طوابير طويلة من النساء يحملن أطفالهن أمام محطات الغاز شبه المهجورة، وصمت مؤلم يخيم على البيوت التي لا تستطيع طبخ وجبة واحدة. وبينما وعد مكتب الصناعة والتجارة باتخاذ إجراءات عاجلة، تبقى هذه الوعود حبراً على ورق والمواطنون يدفعون الثمن غالياً من صحتهم وكرامتهم.
إن أزمة الغاز في لحج ليست مجرد ارتفاع أسعار عابر، بل مأساة إنسانية حقيقية تهدد حياة آلاف الأسر وتنذر بكارثة أوسع إذا لم تتدخل السلطات فوراً. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم من الوقت ستصمد الأسر اليمنية أمام هذا الاستغلال المنظم الذي يحول الحاجات الأساسية إلى سلع ترفيهية؟ الوقت ينفد، والمعاناة تتزايد، والصمت الرسمي لم يعد مقبولاً.