في مشهد يبدو مستحيلاً، تحكي أرقام اليوم قصة صادمة: 1617 ريال مقابل 535 - نفس العملة، نفس البلد، لكن قيمتان مختلفتان تماماً! فبينما يحارب 202% فرق في قيمة الريال اليمني بين عدن وصنعاء، نجح البنك المركزي في عدن في تحقيق معجزة حقيقية: كسر حلقة المضاربة القاتلة وإجبار العملة على الاستقرار في عاصفة اقتصادية مدمرة.
"هذا الاستقرار معجزة حقيقية في ظل الأزمة الحالية"، يؤكد د. عبدالله السقاف، الخبير الاقتصادي، بينما تشهد محلات الصرافة في عدن مشاهد مختلفة تماماً عن الفوضى المعتادة. سالم باعشن، صراف في عدن، يروي: "أصوات آلات عد النقود اليوم هادئة، الناس مطمئنون لأول مرة منذ شهور". الأرقام تتحدث بوضوح: الدولار استقر عند 1617-1632 ريال في عدن، بينما الريال السعودي ثبت عند 425-428 ريال، في تناقض صارخ مع أسعار صنعاء.
القصة تعود لعام 2016 عندما انقسم البنك المركزي اليمني، محولاً اليمن إلى ألمانيا الشرقية والغربية لكن بعملة واحدة منقسمة القيمة. منذ ذلك الحين، يعيش أحمد المقطري، الموظف الحكومي في صنعاء، مأساة حقيقية: "راتبي اليوم لا يساوي ثلث قيمته في عدن، كأنني أعيش في بلد فقير بينما إخوتي في عدن يعيشون في دولة مختلفة". أزمة 2018 كانت الأسوأ عندما وصل الدولار لـ 700 ريال في عدن، لكن إجراءات د. فؤاد الميسري، محافظ البنك المركزي في عدن، نجحت في كسر هذه الدوامة المدمرة.
اليوم، يشعر المواطنون في عدن بـراحة نسبية لأول مرة منذ أشهر طويلة، حيث استقرت أسعار الخبز والوقود بشكل ملحوظ. رائحة الأوراق النقدية القديمة في محلات الصرافة لم تعد مقترنة بالقلق والتوتر كما في السابق. الفرصة الذهبية أمام المستثمرين واضحة: قطاع التحويلات المالية والتجارة بين المناطق، لكن الخبراء يحذرون من أن هذا الاستقرار "هش كبيت من ورق". التحدي الأكبر يكمن في ضمان استمرار هذه الإجراءات التنظيمية الصارمة التي فرضها البنك المركزي ضد شركات الصرافة المخالفة.
البنك المركزي في عدن نجح في ضبط السوق رغم عاصفة من التحديات، محولاً المضاربة القاتلة إلى استقرار نسبي يمنح الأمل لملايين اليمنيين. لكن السؤال الأهم يبقى معلقاً في الهواء: هل يمكن لهذا الاستقرار الهش أن يصمد أمام عواصف اقتصادية جديدة، أم أن العملة اليمنية على موعد مع انهيار أكبر؟