في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، سجلت أسعار صرف الدولار فارقاً مدمراً يزيد عن 1093 ريال بين عدن وصنعاء، حيث وصل سعر الدولار في عدن إلى 1630 ريال مقابل 537 ريال فقط في صنعاء - فجوة تتجاوز 200% تكشف انقساماً اقتصادياً لم يشهد العالم مثيلاً له في التاريخ المعاصر. هذا الانهيار الكارثي يهدد بتفكيك الوحدة الاقتصادية اليمنية إلى الأبد.
أحمد محمد، موظف حكومي في عدن، يروي مأساته بصوت مكسور: "راتبي 50 ألف ريال لا يكفي لشراء 31 دولاراً، بينما زميلي في صنعاء يشتري بنفس المبلغ 93 دولاراً". هذا المشهد المؤلم يتكرر يومياً في محلات الصرافة، حيث تتراكم طوابير اليأس أمام شاشات الأسعار المتقلبة. الريال اليمني فقد أكثر من 98% من قيمته منذ بداية الحرب، محولاً مدخرات الأجيال إلى أوراق لا قيمة لها.
الأزمة ليست وليدة اليوم، بل نتاج انقسام النظام المصرفي منذ 2016 مع وجود بنكين مركزيين منفصلين يديران سياسات نقدية متضاربة. "كما انقسمت ألمانيا إلى شرقية وغربية، انقسم اليمن اقتصادياً إلى 'عدن الغالية' و'صنعاء الرخيصة'" كما يصفها د. عبدالله الحكيمي، الخبير الاقتصادي. العوامل المدمرة تتراكم: الحرب المستمرة، العقوبات الدولية، انقطاع عائدات النفط، وتدهور البنية التحتية المصرفية.
التأثير المدمر يخترق كل جانب من جوانب الحياة اليمنية. العائلات تنقسم اقتصادياً، والتجارة بين المدينتين شبه متوقفة، بينما يعيش المواطنون في حالة ذعر مستمر من مزيد من الانهيار. خالد العامري، صراف في عدن، يشهد المأساة يومياً: "يأتينا زبائن من صنعاء يبكون عندما يرون أسعارنا، يقولون إنها كارثة حقيقية". السيناريوهات المستقبلية قاتمة: إما انهيار كامل للريال وعودة لنظام المقايضة، أو استمرار الانقسام مع تفاوت أكبر في الأسعار.
الأرقام تصرخ بحجم الكارثة: مواطن عدن يحتاج راتب شهر كامل لشراء ما يشتريه نظيره في صنعاء بثلث الراتب. هذا الانقسام الجنوني لا يهدد الاقتصاد فحسب، بل يمزق النسيج الاجتماعي للبلاد. بدون تدخل عاجل لتوحيد النظام النقدي ووقف النزيف الاقتصادي، قد تشهد السنوات القادمة انقساماً نهائياً لليمن. السؤال المصيري يبقى معلقاً: هل ما زال هناك أمل في عودة الوحدة الاقتصادية، أم أن القطار قد فات إلى الأبد؟