في تطور صاعق هز الأوساط السياسية اليمنية والدولية، أطلق رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي تهديداً مباشراً بقطع المرتبات والكهرباء عن 4 ملايين مواطن يمني في 8 محافظات جنوبية وشرقية، في خطوة وصفها خبراء بأنها "عقاب جماعي لا إنساني" يذكر بحصار صدام للشعب العراقي. الساعات القادمة قد تشهد تنفيذ هذا القرار الكارثي الذي يهدد بتحويل ملايين اليمنيين إلى لاجئين في وطنهم.
في لقاء مغلق جمعه بسفراء الدول الأربع الراعية للعملية السياسية، ألقى العليمي بقنبلة سياسية حين ربط بين التحركات الجنوبية في حضرموت والمهرة وبين "تعثر الرواتب ونقص الوقود والكهرباء". فاطمة أحمد، أم لخمسة أطفال من عدن، تحتضن صغارها وهي تقول بصوت مختنق: "راتب زوجي الـ80 دولار هو شريان حياتنا الوحيد، إذا انقطع فكيف سأطعم أطفالي؟". وفي الطرف الآخر، رد محمد النقيب متحدث القوات الجنوبية قائلاً إن "الجنوب بنى مؤسساته الرسمية بنفسه في الوقت الذي انهارت فيه الدولة المركزية".
الصراع الحالي يغوص جذوره في عقود من التهميش والإقصاء شهدها الجنوب اليمني، حيث بدأت بوادر الانفصال تتصاعد منذ حرب 1994. خبراء القانون الدولي يحذرون من أن هذا التهديد ينتهك اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي للمدنيين. الدكتور عبدالسلام محمد، أستاذ القانون الدولي بجامعة عدن، يؤكد أن "استخدام الحاجات الأساسية كسلاح سياسي يعتبر جريمة حرب". المشهد يذكرنا بحصار لينينغراد، لكن هذه المرة الحصار من الداخل وليس من عدو خارجي.
في المستشفيات الجنوبية، يرتجف أحمد سالم موظف كهرباء المكلا وهو يتخيل توقف أجهزة الإنعاش عن العمل. "انقطاع الكهرباء يعني موت مرضى العناية المركزة، وانقطاع الرواتب يعني جوع الأطفال" يقول بصوت متهدج. الشوارع الجنوبية تشهد منذ الأحد اعتصامات غاضبة تطالب بـ"إعلان دولة الجنوب العربي"، بينما تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الدول الراعية الأربع ترفض أي مقاربة تتضمن معاقبة السكان اقتصادياً. العقيد سالم باعوم، الذي رفض الانضمام للقوات الحكومية وبقي يحمي مدينته، يقول: "لن نسمح بتجويع شعبنا من أجل لعبة سياسية قذرة".
اليوم، يقف اليمن على مفترق طرق تاريخي بين كارثة إنسانية بحجم مجاعة الصومال أو تدخل دولي عاجل ينقذ ملايين الأرواح. المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لالتزامه بحماية المدنيين، والساعات القادمة ستكشف ما إذا كانت المبادئ الإنسانية أقوى من الحسابات السياسية. السؤال الذي يؤرق الضمير العالمي: هل سيشهد العالم صامتاً على تحويل لقمة العيش إلى سلاح دمار شامل ضد الأبرياء؟