في تطور اقتصادي مروع هز أركان اليمن، كشفت البيانات الحديثة عن فجوة كارثية في أسعار صرف العملة تصل إلى 1097 ريال يمني للدولار الواحد بين عدن وصنعاء. هذا الرقم المذهل يعني أن نفس الدولار يُباع بـ1632 ريال في عدن مقابل 535 ريال فقط في صنعاء - فارق يزيد عن 205% في نفس البلد ونفس اللحظة! الخبراء يحذرون: كل دقيقة تأخير في معالجة هذه الأزمة تعني مئات الريالات من الخسائر لملايين اليمنيين.
الأرقام تحكي قصة انهيار مروعة: بينما يدفع المواطن في عدن 428 ريال للريال السعودي الواحد، يحصل عليه نظيره في صنعاء بـ140 ريال فقط. محمد الحديدي، التاجر الخمسيني من تعز، يروي مأساته: "فقدت 60% من رأس مالي خلال شهرين فقط بسبب هذا الجنون. كيف يُعقل أن أشتري البضاعة من صنعاء وأبيعها في عدن فأخسر نصف قيمتها في الصرف؟" الصرافات تشهد طوابير طويلة من المواطنين الذين يحملون حقائب مليئة بأوراق النقد المتهالكة، بينما تتصاعد أصوات آلات عد النقود وسط همهمات التجار وهم يحسبون خسائرهم المتزايدة.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تعود للانقسام السياسي الذي ضرب البلاد منذ 2014، حين أصبح لليمن بنكان مركزيان منفصلان يتبعان سياسات نقدية متضاربة تماماً. د. أحمد الكبسي، الخبير الاقتصادي، يوضح: "هذا الوضع أسوأ من انهيار الليرة التركية في الثمانينات. نحن أمام تفكيك حقيقي للاقتصاد اليمني". المقارنة صادمة: قبل الحرب عام 2014، كان الدولار يُباع بحوالي 215 ريال موحد في كامل البلاد، أما اليوم فالفرق وحده بين المدينتين يفوق سعر الدولار الكامل آنذاك بخمسة أضعاف!
التأثير المدمر يتغلغل في كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. سالم المقطري، الموظف الحكومي في صنعاء، يكافح لإطعام عائلته: "راتبي 120 ألف ريال لا يساوي 75 دولار، بينما كيلو اللحم وصل لـ8000 ريال". على الطرف الآخر، استطاعت فاطمة العولقي، الصرافة الذكية، مضاعفة أموالها ثلاث مرات من خلال المراوحة بين المدينتين، مستغلة هذا الجنون المالي. التجارة بين الشمال والجنوب شبه متوقفة، والشركات الصغيرة تنهار تحت وطأة عدم القدرة على التخطيط المالي في ظل هذا التذبذب الجنوني.
الخيارات أمام اليمن محدودة وخطيرة: إما تدخل دولي عاجل لتوحيد السياسة النقدية، أو مواجهة انهيار اقتصادي شامل قد يدفع البلاد لهجر عملتها الوطنية نهائياً واعتماد عملات أجنبية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كم من الوقت يمكن لاقتصاد أن يصمد أمام هذا التشرذم المدمر قبل أن ينهار بالكامل؟