في تطور صادم هز الأسواق اليمنية، سجلت أسعار الذهب في عدن أرقاماً قياسية مرعبة وصلت إلى 200 ألف ريال للجرام الواحد عيار 21، في مشهد يذكرنا بأزمة التضخم المفرط في ألمانيا عام 1923. الأرقام الجنونية تكشف حقيقة صادمة: فرق 8 آلاف ريال بين الشراء والبيع يعني أن التاجر يحقق ربحاً يساوي راتب أسرة كاملة ليوم واحد في دقائق معدودة. الخبراء يحذرون: الأسعار تتحرك كالبرق وتتغير كل دقيقة، وقرارك اليوم قد يكلفك آلاف الريالات غداً.
وسط أصوات رنين الذهب في محلات الصاغة وهمسات المساومة المتوترة، يكشف سالم الحضرمي، تاجر ذهب في عدن، أسرار السوق المحمومة: "الذهب اليوم ليس مجرد معدن ثمين، بل شريان الحياة الاقتصادي للعائلات اليمنية". بينما يقف أحمد المحطوري، موظف حكومي براتب 15 ألف ريال شهرياً، أمام واجهات المحلات وعيناه تنظران بحسرة إلى خاتم ذهب لخطيبته، يدرك أن راتبه الشهري كاملاً لا يكفي لشراء جرام واحد فقط. الأرقام تصرخ: 200 ألف ريال للجرام الواحد يساوي 10% من متوسط دخل الأسرة اليمنية السنوي بأكمله.
منذ بداية الأزمة اليمنية في 2015، تحول الذهب من مجرد رفاهية أو تقليد للمناسبات إلى ضرورة استثمارية للنجاة الاقتصادية. العوامل المدمرة تتراكم كالعاصفة المثالية: انهيار الريال اليمني، عدم الاستقرار السياسي المستمر، وتقلبات أسعار النفط العالمية التي تضرب الاقتصاد اليمني كالمطرقة. د. عبدالله الشامي، الخبير الاقتصادي اليمني، يحذر من مقارنة مرعبة: "أسعار اليوم تشبه أزمة لبنان الاقتصادية، وقد نشهد وصول سعر الجرام إلى 300 ألف ريال إذا لم تتحسن الأوضاع".
في مأساة إنسانية تتكرر يومياً، تحكي فاطمة العدنية قصتها المؤلمة وهي تبيع ذهبها القديم: "اضطررت لبيع مجوهراتي التي احتفظت بها لعقود لتغطية نفقات علاج زوجي المريض". آلاف العائلات تؤجل مناسباتها، والعرائس يبحثن عن بدائل للذهب التقليدي في مشهد يكسر القلب. الحقيقة المرة: الأونصة الواحدة بمليون و620 ألف ريال تساوي راتب موظف حكومي لمدة سنتين كاملتين، وثمن سيارة مستعملة جيدة، بينما جرام الذهب عيار 21 يساوي ثمن خروف صغير كامل. النتائج المتوقعة مدمرة: تراجع معدلات الزواج، ظهور أسواق للذهب المقلد، وتنامي الاستثمار في العملات الأجنبية كبديل يائس.
الأرقام القياسية التي نشهدها اليوم، والتقلبات المستمرة التي تحدث كل دقيقة، والتأثير العميق على حياة ملايين اليمنيين تطرح السؤال المصيري: هل سنشهد وصول سعر الجرام إلى 300 ألف ريال؟ أم أن هناك بارقة أمل في الأفق؟ النصيحة الذهبية من الخبراء واضحة: راقبوا الأسعار لحظة بلحظة، استشيروا المتخصصين قبل أي قرار، ولا تستثمروا أبداً أكثر مما تستطيعون تحمل خسارته. في نهاية المطاف، في عالم تتحكم فيه المعادن الثمينة بمصائر الشعوب، هل ما زال الذهب صديقاً أم تحول إلى عدو لدود للمواطن اليمني البسيط؟