في مشهد صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية المدمرة، تشهد أسواق الصرافة اليمنية فجوة مرعبة تصل إلى 202% بين السعر الرسمي للدولار والسوق السوداء، حيث يُباع الدولار الواحد بـ 1632 ريال في عدن مقابل 535 ريال فقط في التسعيرة الرسمية. هذا التدهور الكارثي يعني أن كل يوم تأخير في مواجهة هذه الأزمة يدفع بملايين اليمنيين نحو هاوية الفقر المدقع.
في قلب أسواق الصرافة المزدحمة بعدن، يروي أحمد محمد - موظف حكومي براتب 50 ألف ريال - مأساته بصوت مختنق: "احتجت 100 دولار لشراء دواء والدتي المريضة، لكنني اكتشفت أن راتب الشهر كله لا يكفي لشراء 30 دولاراً فقط". المشهد يتكرر يومياً في طوابير طويلة من المواطنين الذين يحملون أكياساً مليئة بالأوراق النقدية المتهالكة، بينما تتصاعد أصوات المساومة والصراخ في جو مشحون بالتوتر والقلق.
الأزمة ليست وليدة اللحظة، فمنذ عام 2015 والريال اليمني يسير في طريق الانهيار بسبب الصراع المستمر ونقص الاحتياطي النقدي وضعف الإيرادات النفطية. الوضع يشبه إلى حد كبير ما شهدته فنزويلا ولبنان خلال أزماتهما الاقتصادية الحادة. د. عبدالله الحميري، الخبير الاقتصادي اليمني، يحذر قائلاً: "نحن أمام انهيار كامل للعملة إذا لم تتخذ السلطات إجراءات عاجلة وجذرية خلال الأسابيع القادمة".
في الشارع اليمني، تتحول الحياة اليومية إلى معاناة حقيقية، حيث يحتاج المواطن اليوم إلى 3 أضعاف المال لشراء نفس السلع مقارنة بالعام الماضي. فاطمة علي، صاحبة محل صرافة صغير، تحاول توفير العملة الصعبة للمحتاجين بأسعار معقولة رغم الضغوط الهائلة. موجة التضخم الجديدة التي تلوح في الأفق ستضرب الأسواق خلال الأيام القادمة، مما يعني مزيداً من المعاناة للأسر محدودة الدخل التي تشكل الغالبية العظمى من الشعب اليمني.
أمام هذا المشهد الكارثي الذي يهدد المعيشة اليومية لملايين اليمنيين، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيصمد المواطن اليمني أمام هذا الانهيار الاقتصادي المتسارع؟ الوقت ينفد بسرعة، والحاجة ملحة لتدخل عاجل قبل أن تتحول الأزمة الاقتصادية إلى كارثة إنسانية أكبر تدفع بالبلاد نحو هاوية أعمق.