في مشهد يشبه أفلام الكوارث الاقتصادية، 1283 ريال - الفارق الصاعق لسعر دولار واحد بين محافظتين يمنيتين في نفس اليوم! هذا ليس خطأ طباعي أو خبر مزيف، بل الحقيقة المرة التي تعيشها الأسواق اليمنية اليوم الثلاثاء. في اليمن اليوم، يمكن لرجل أن يكون فقيراً في صنعاء وغنياً في عدن بنفس المبلغ! كل دقيقة تأخير قد تكلفك مئات الريالات من قيمة مدخراتك، في أزمة نقدية تتطور بسرعة البرق.
الصدمة بدأت صباح اليوم عندما تراوح سعر الدولار بين 533-535 ريال في بعض المناطق، بينما قفز إلى 1806-1816 ريال في محافظات أخرى - فارق يصل إلى 340% للعملة الواحدة! أحمد المقطري، موظف حكومي في صنعاء، يقف مذهولاً أمام شاشة الأسعار: "راتبي 60 ألف ريال كان يساوي 240 دولار قبل الحرب، اليوم لا يتجاوز 33 دولار. كيف أطعم أطفالي الأربعة؟" أصوات المساومة الحادة تملأ أسواق الصرف، بينما تتراكم أكوام الأوراق النقدية البالية أمام التجار المتحيرين.
الانقسام السياسي الذي بدأ عام 2014 تحول إلى كارثة نقدية حقيقية مع تعدد السلطات المصرفية وغياب التنسيق بينها. د. محمد الشرجبي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "الوضع خارج عن السيطرة تماماً، نحن نشهد انهياراً يذكرنا بألمانيا في العشرينيات حين كان سعر الخبز يتغير بين الصباح والمساء." الحرب المستمرة والحصار الاقتصادي ونقص العملة الصعبة حولت الريال اليمني إلى ما يشبه الثلج تحت الشمس - يذوب أمام عينيك دون أن تستطيع إيقافه.
فاطمة العولقي، أم لأربعة أطفال، تقف في طابور طويل منذ الفجر أمام محل صرافة في تعز: "زوجي يرسل 500 دولار شهرياً من السعودية، لكن بهذه الأسعار الجنونية لن تكفي لشراء الدواء حتى." آلاف العائلات تواجه نفس المأساة حيث توقف العديد من المغتربين عن التحويل انتظاراً لاستقرار نسبي قد لا يأتي. التجار امتنعوا عن البيع، والمحلات التجارية تغلق أبوابها واحداً تلو الآخر، بينما ينتشر نظام المقايضة كبديل عن النقد المنهار.
الخبراء يتوقعون سيناريوهات كارثية: انهيار كامل للنظام المصرفي خلال أشهر دون تدخل دولي عاجل. الفارق البالغ 1283 ريال لسعر دولار واحد - يكفي لشراء وجبة عائلة كاملة - يكشف عمق الأزمة التي تهدد بنزوح اقتصادي جماعي. هل سيشهد اليمن انهياراً نقدياً كاملاً مثل فنزويلا، أم أن التدخل الخليجي المرتقب سينقذ ما يمكن إنقاذه؟ الساعات القادمة ستحدد مصير مدخرات الملايين ومستقبل اقتصاد بأكمله.