في تطور كارثي يهز الضمير الإنساني، تواجه مدينة عدن بـ 2 مليون نسمة أسوأ أزمة كهرباء في تاريخها، حيث تعمل المدينة بـ 65 ميجاوات فقط من أصل 700 ميجاوات - أقل من 10% من احتياجاتها الفعلية. وسط درجات حرارة قاتلة تصل إلى 45 درجة مئوية، يخوض ملايين البشر سباقاً محموماً مع الموت البطيء، بينما تتحول مدينة كانت تنبض بالحياة إلى جحيم مظلم تحت الشمس الحارقة.
أم أحمد، ربة منزل من حي كريتر، تروي مأساتها بصوت متهدج: "شاهدت مدخرات طعام عائلتي لثلاثة أشهر تتحلل أمام عيني في الثلاجة المتوقفة. أطفالي يبكون من الحر، والماء صار دافئاً كالشاي." في المقابل، يكافح د. سالم الهادي، مدير مستشفى الجمهورية، للحفاظ على حياة مرضى العناية المركزة: "نعمل 72 ساعة متواصلة لضمان عمل مولدات الطوارئ. كل دقيقة انقطاع تعني وفيات محتملة." السيطرة العسكرية المفاجئة على شركة بيترومسيلة النفطية قطعت شريان الحياة عن المدينة بالكامل.
هذه ليست أزمة عادية - إنها خطأ استراتيجي قاتل كشف هشاشة مرعبة في البنية التحتية. اعتماد المدينة بنسبة 100% على مصدر وقود واحد حولها إلى رهينة سهلة لأي صراع عسكري. د. عبدالله النصيري، خبير الطاقة المتجددة، يحذر: "ما يحدث في عدن اليوم أشبه بحصار لينينغراد، لكن بالظلام بدلاً من الجنود. إذا لم نتحرك خلال أسبوع، فسنشهد أكبر نزوح جماعي في تاريخ المنطقة." المقارنة مؤلمة: مدينة بحجم الدوحة تحاول البقاء حية بطاقة لا تكفي لإنارة حي واحد فيها.
الحياة اليومية تنهار بوتيرة مرعبة كانهيار جليدي لا يمكن وقفه. محمد التاجر، الذي أغلق محله منذ أسبوع، يقول بمرارة: "نحن لا نعيش.. نحن نحتضر ببطء." المدارس على وشك إنهاء العام الدراسي نهائياً، والعائلات تنام على الأسطح هرباً من جحيم الشقق المختنقة. رائحة الطعام المتعفن تملأ الشوارع، وصمت مرعب يخيم على مدينة كانت تعج بالحياة. الخبراء يتوقعون نزوح 500,000 شخص - نصف مليون لاجئ جديد قد يطرقون أبواب الدول المجاورة إذا استمرت الأزمة لأسابيع.
مدينة كاملة باتت رهينة لقرار عسكري واحد، و2 مليون إنسان يدفعون ثمن خطأ استراتيجي قاتل. الحل لم يعد ترفاً - الاستثمار الفوري في الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتعددة قضية حياة أو موت. السؤال المرعب يطرح نفسه: كم مدينة أخرى في المنطقة تقف على شفا نفس الهاوية؟ وكم مليون إنسان آخر ينتظر نفس المصير المأساوي؟