في تطور صادم هز اليمن من الشمال إلى الجنوب، غرقت محافظة حضرموت الغنية بالنفط في ظلام دامس بعد انقطاع 85% من شبكة الكهرباء عن الخدمة، تاركة مليون ونصف مواطن في جحيم حقيقي. المفارقة المؤلمة تكمن في أن هذه المحافظة التي تنتج النفط والغاز تعيش كارثة كهرباء مدمرة - كمن يموت عطشاً بجانب النهر. كل ساعة تمر تعني مزيداً من المعاناة لملايين المحاصرين في هذا الكابوس اليومي الذي تحول إلى أزمة إنسانية حادة.
القصة بدأت بقرار صاعق اتخذه محافظ حضرموت بوقف شركة بترومسيلة النفطية عن تموين محطات الكهرباء بالديزل، مما أدى لخروج أكثر من 85% من القدرة التوليدية عن الخدمة فوراً. أم محمد، ربة منزل من سيئون، تحمل طفلها الرضيع وتبحث عن مكان بارد في حر الصيف الخانق: "نشعر وكأننا عدنا للعصر الحجري فجأة، طفلي لا يستطيع النوم من شدة الحر". والأرقام تتحدث عن نفسها: 90% من المحال التجارية أغلقت أبوابها في عصيان مدني شامل، بينما بعض المناطق لم تحصل على الكهرباء سوى مرة أو مرتين فقط في الشهر الواحد.
الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات مريرة منذ بداية الحرب الأهلية عام 2014. المهندس أحمد الحضرمي، فني كهرباء يعمل بلا كلل لإصلاح ما يمكن إصلاحه يشرح: "كنا نعيش على 6 ساعات كهرباء يومياً فقط، والآن حتى هذا القليل اختفى تماماً". السبب المباشر يكمن في عدم وصول ديزل المنحة السعودية للمحطات، بينما القرارات الإدارية المتضاربة تدفع بالمحافظة نحو الهاوية. هذا المشهد يذكرنا بانقطاعات الكهرباء الكارثية التي شهدتها بغداد وبيروت، لكن الوضع في حضرموت أكثر مأساوية لأنها تجلس فوق خزانات نفط ضخمة.
الحياة اليومية تحولت إلى كابوس حقيقي حيث انقطعت المياه عن الأحياء السكنية، وتوقفت المستشفيات عن تقديم الخدمات الأساسية. خالد التاجر يصف المشهد المأساوي: "الشوارع تشتعل بالإطارات المحترقة والناس ينتفضون في وجه أزمة قضت على كل مقومات الحياة الطبيعية". د. سالم باوزير، خبير الطاقة اليمني، يحذر من انهيار كامل للبنية التحتية: "إذا لم تحل هذه الأزمة خلال أسبوع، فسنشهد كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة". والمعاناة تمتد لكل التفاصيل: لا مكيفات في حر خانق، لا مراوح، لا ثلاجات لحفظ الطعام، والمولدات الخاصة باتت ترفاً لا يستطيعه سوى القلة.
في ظل صمت حكومي مطبق، تواجه حضرموت مصيراً مجهولاً بين سيناريوهات متعددة: إما تدخل عاجل ينقذ المحافظة من الانهيار الكامل، أو تحولها إلى منطقة منكوبة يهجرها سكانها. سعيد الناشط الحضرمي، الذي حذر من هذه الأزمة منذ 3 أشهر، يؤكد: "الحل الوحيد هو تدخل فوري من الحكومة المركزية أو الجهات الدولية المانحة قبل فوات الأوان". هل ستبقى حضرموت، أرض النفط والغاز، غارقة في الظلام بينما العالم ينعم بالنور؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، والساعات تجري بسرعة ضد مليون ونصف مواطن ينتظرون معجزة تنير ظلمة حياتهم.