في مشهد صادم هز أسواق عدن صباح اليوم، وصلت أسعار البصل إلى مستوى خيالي بلغ 8000 ريال للكيلو الواحد، بينما لامست أسعار التفاح والبرتقال حاجز الـ 5000 ريال، في فجوة سعرية مرعبة تبلغ 700% بين أرخص وأغلى الخضروات. هذا الارتفاع الجنوني يعني أن كيلو البصل الواحد يساوي راتب موظف ليومين كاملين، أو 8 كيلوجرامات من البطاطس، مما يهدد بحرمان آلاف العائلات اليمنية من الوجبات المتوازنة.
في أسواق عدن المكتظة بالمتسوقين، تحولت أكوام البصل إلى كنز ثمين لا يقدر عليه إلا القلة، بينما استمرت أسعار الخضروات الأساسية كالبطاطس والطماطم في الاستقرار عند 1000 ريال للكيلو. فاطمة العدنية، المدرّسة التي تتسوق يومياً، تروي صدمتها: "البصل أصبح كالذهب، لا نستطيع شراءه إلا في المناسبات الخاصة. أطفالي يسألونني لماذا تغيرت طعم الطبخة، ولا أعرف كيف أجيبهم." عشرات ربات البيوت غادرن السوق بوجوه عابسة وأكياس فارغة من البصل، بعد أن اكتشفن أن ميزانيتهن اليومية البالغة 5000 ريال لا تكفي حتى لكيلو واحد.
يأتي هذا الارتفاع الكارثي في إطار التحديات الاقتصادية المدمرة التي تواجه اليمن منذ سنوات، حيث يؤكد د. أحمد الصالحي، الخبير الاقتصادي المتخصص في أسعار السلع: "نقص الإنتاج المحلي وارتفاع تكاليف الاستيراد وتدهور سلاسل التوريد، كلها عوامل تضافرت لتخلق هذه الأزمة." آخر مرة شهدت فيها أسعار البصل ارتفاعاً مماثلاً كان في 2019 خلال أزمة الوقود، لكن الوضع اليوم أشد خطورة، حيث يتوقع الخبراء استمرار هذا الجنون السعري حتى موسم الحصاد القادم.
على مستوى الحياة اليومية، تضطر العائلات اليمنية لإعادة كتابة وصفات الطبخ التقليدية أو الاستغناء عن البصل نهائياً، فيما تحاول أم محمد، ربة البيت الأربعينية، توفير وجبة متوازنة لأطفالها الثلاثة بميزانية محدودة: "أصبحت أقطع البصلة الواحدة على خمس وجبات، وأحياناً أستخدم أوراق البصل الأخضر كبديل." خبراء التغذية يحذرون من نقص خطير في الفيتامينات والمعادن الأساسية، بينما يدافع التجار عن الأسعار بحجة ارتفاع التكاليف، مما يخلق صراعاً صامتاً بين الضرورة والقدرة.
في ظل أسعار تتراوح بين المعقول للبطاطس والطماطم والجنوني للبصل والفواكه المستوردة، تقف العائلات اليمنية أمام خيار مؤلم بين التغذية المتوازنة والحفاظ على الميزانية. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستجد الحكومة حلولاً عاجلة قبل أن تصبح الوجبة المتوازنة حلماً بعيد المنال لملايين اليمنيين؟ وكم من الوقت ستحتاج العائلات للتكيف مع واقع أصبحت فيه البصلة الواحدة أغلى من وجبة طفل ليوم كامل؟