في تطور صادم هز الأوساط السياسية العربية، أعلن رئيس الحكومة اليمنية سالم بن بريك قرارات جذرية تمنع سفر الوزراء للخارج، بينما يواجه 28.5 مليون يمني شبح المجاعة ويعتمد 80% من السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. هذه أول مرة منذ بداية الحرب يتجرأ فيها مسؤول يمني على وقف نزيف الأموال العامة في بلد لا يحتمل المزيد من الانتظار.
في قاعة مجلس الوزراء بعدن، ألقى بن بريك قنبلة سياسية حقيقية عندما أعلن أن "التوسع غير المبرر في سفريات الوزراء للمشاركات الخارجية لن يُسمح باستمراره". الرجل الذي يحمل منصبي رئاسة الحكومة ووزارة المالية كشف أن 70% من إيرادات البلاد معطلة بسبب توقف صادرات النفط، بينما يشاهد المسؤولون يسافرون على نفقة الشعب الجائع. "محمد الصالحي"، موظف حكومي من عدن، يروي مرارته: "رأيت الوزير يسافر 3 مرات في شهر واحد، بينما لم أتسلم راتبي منذ 8 أشهر ولا أعرف كيف سأطعم أطفالي".
وراء هذا القرار التاريخي قصة مأساوية تمتد لأكثر من عقد من الزمن، حيث حولت الحرب اليمن من بلد كان يُطلق عليه "العربية السعيدة" إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم. استهداف الحوثيين لموانئ التصدير النفطية قبل 3 سنوات قطع شريان الحياة الاقتصادي للبلاد، مما أدى إلى انهيار عملة كانت قوية وتحويل اقتصاد كامل إلى رقم في تقارير المساعدات الدولية. الخبير الاقتصادي د. أحمد النعيمي يؤكد: "هذه أول خطوة حقيقية نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها تأتي متأخرة جداً".
تأثير هذا القرار سيصل إلى كل بيت يمني، حيث قد يعني الفرق بين الحياة والموت لملايين الأسر. "أم محمد" من عدن، التي تعيل 5 أطفال براتب زوجها المتوفى الذي لم تتسلمه منذ 8 أشهر، تقول بدموع تختلط بالأمل: "ربما أخيراً سيتذكر المسؤولون أن لدينا أطفال جائعين". توفير مئات الآلاف من الدولارات شهرياً من سفريات المسؤولين قد يعني دفع رواتب آلاف الموظفين أو توفير الدواء للمستشفيات المنهارة. لكن الخبراء يحذرون من مقاومة داخلية قد تواجه هذه الإصلاحات من مسؤولين اعتادوا على امتيازات السفر على حساب معاناة الشعب.
قرار بن بريك الشجاع يضعه في مواجهة مباشرة مع منظومة فساد راسخة، لكنه قد يكون شرارة التغيير التي ينتظرها 35.6 مليون يمني. كلماته الحازمة "نحن ندرك أن الشعب يراقبنا، والتاريخ يسجل كل موقف" تحمل وعداً بعهد جديد من المساءلة والشفافية. السؤال الذي يحبس أنفاس الملايين الآن: هل سيكون هذا القرار نقطة التحول في تاريخ اليمن الحديث، أم مجرد قطرة في محيط من الأزمات اللامتناهية؟