في تطور صادم يعيد رسم خريطة اللوجستيات في المنطقة، استثمرت شركة أبيات 100 مليون ريال في يوم واحد لتدشين أضخم مركز لوجستي إقليمي على مساحة تفوق 15 ملعب كرة قدم دولي. هذا المجمع العملاق بالدمام لا يعمل بالتقنيات التقليدية، بل بالطاقة الشمسية والأرفف الأوتوماتيكية، ليحول السعودية إلى قوة لوجستية تنافس أكبر المراكز العالمية. بينما تقرأ هذه الكلمات، آلاف الشحنات تتحرك بسرعة البرق عبر هذا المعقل التقني المذهل.
شهد ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام حدثاً تاريخياً عندما دشن وزير النقل صالح الجاسر شخصياً هذا المجمع الذي يضم منطقة إيداع جمركي متكاملة بمساحة 40 ألف متر مربع. "هذا المشروع سيعيد رسم خريطة اللوجستيات في الخليج"، يؤكد محمد خالد أبل، الرئيس التنفيذي للشركة، وهو يشاهد الرافعات الآلية وهي تنقل البضائع بدقة ملليمترية. فاطمة المهندسة، مديرة مشاريع، تروي إعجابها: "استطعت إنجاز مشروعي قبل الموعد بثلاثة أسابيع بفضل سرعة التخليص الجمركي الجديدة". صفوف لا نهائية من الأرفف الأوتوماتيكية تمتد للأفق، مشهد يثير الذهول والإعجاب.
هذا الإنجاز ليس وليد الصدفة، بل جزء من استراتيجية رؤية 2030 الطموحة لتحويل الموقع الجغرافي المتميز إلى مزية تنافسية عملاقة. د. عبدالله الشمري، خبير اللوجستيات، يرى أن هذا المركز يشبه إنشاء ميناء هامبورغ في القرن الـ19 الذي حول ألمانيا لقوة تجارية. النمو الاقتصادي المتسارع في المملكة وزيادة الطلب على مواد البناء دفعا أبيات للتوسع بقوة، حيث تجاوز حجم استثماراتها 3.5 مليار ريال محققة نمواً سنوياً بنسبة 23%. الخبراء يتوقعون نمو القطاع اللوجستي السعودي بنسبة 40% خلال السنوات الثلاث القادمة.
التأثير سيطال كل مواطن ومقيم في المنطقة، حيث ستنخفض أسعار مواد البناء وتتحسن سرعة التوصيل للطلبات بشكل جذري. سالم العامل، الذي شهد تحول المنطقة من صحراء إلى مدينة تقنية خلال عامين، يصف المشهد: "بريق الألواح الشمسية تحت شمس الصحراء السعودية مشهد لا يُنسى". لكن أحمد المقاول، صاحب مقاولة متوسطة، يعبر عن قلقه من صعوبة مواكبة هذه السرعة الجديدة. المنطقة الشرقية تتجه لتصبح مركز جذب للاستثمارات الدولية، بينما يشعر المنافسون بالقلق من هذا التطور المفاجئ الذي يهدد مواقعهم.
النتيجة واضحة: السعودية تعيد تعريف مفهوم اللوجستيات في العالم العربي، مستفيدة من استثمارات ضخمة وتقنيات متطورة وموقع استراتيجي لا يضاهى. هذا التحول النوعي يفتح الباب أمام فرص استثمارية ذهبية لمن يتحرك بسرعة. هل ستكون جزءاً من هذه الثورة اللوجستية التي تعيد تشكيل مستقبل التجارة في المنطقة، أم ستقف متفرجاً وتندم لاحقاً على الفرصة الضائعة؟
