في تطور صادم هز أركان سوق العمل في الخليج، بدأت الشركات السعودية تقليص رواتب الموظفين الأجانب بنسب تصل إلى 40% من البدلات التي اعتادوا عليها لسنوات طويلة. هذا القرار التاريخي، الذي أكدته أربعة مصادر موثوقة لوكالة رويترز، يطوي صفحة كاملة من تاريخ العمل في المملكة ويفتح فصلاً جديداً قد يُعيد تشكيل وجه المنطقة بالكامل. المئات من الآلاف من العمالة الأجنبية يواجهون الآن خياراً صعباً: التأقلم مع الواقع الجديد أو البحث عن بدائل خارج المملكة.
في مكاتب الشركات الكبرى بالرياض وجدة، تدور مناقشات حادة حول مستقبل مشاريع بقيمة 500 مليار دولار مثل نيوم وتروجينا، بينما يجد أحمد المهندس المصري - الذي يعمل في المملكة منذ 8 سنوات - نفسه أمام انخفاض راتبه بـ35%. "شعرت وكأن الأرض تهتز تحت قدمي عندما علمت بالقرار، فقد بنيت حياتي كلها على هذا الراتب" يقول أحمد وهو يتصفح عروض العمل في القاهرة. هذا المشهد يتكرر في آلاف المكاتب حيث تواجه العمالة الأجنبية عالية المهارة واقعاً جديداً لم تحسب له حساباً.
الأسباب خلف هذا التحول الجذري تكشف عن إعادة هيكلة شاملة لأولويات رؤية 2030، حيث يحتاج الاقتصاد السعودي إلى سعر نفط يبلغ 100 دولار للبرميل لتحقيق التوازن المالي - أي أعلى بـ25% من المستوى الحالي. كما واجهت المشاريع الكبرى تأخيرات مؤثرة دفعت صندوق الاستثمارات العامة لإعادة توجيه استثماراته نحو الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بدلاً من مشاريع البنية التحتية التقليدية. هذا التغيير يشبه إعادة تنظيم بيت كامل - تقليل الكماليات للتركيز على الأساسيات الحقيقية.
على الجانب الآخر، يشهد فهد السعودي - مهندس حديث التخرج - قفزة في مسيرته المهنية بعد حصوله على منصب مدير مشروع كان مخصصاً سابقاً لخبير أجنبي. "هذه فرصة ذهبية لإثبات قدرات الشباب السعودي وبناء اقتصاد يعتمد على مواهبنا المحلية" يقول فهد بحماس. وتؤكد الدكتورة سارة، خبيرة الموارد البشرية، أن النمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 4.4% رغم التحديات يشير إلى نجاح نسبي لهذه الاستراتيجية، بينما ارتفعت مشاركة السعوديين في القطاع الخاص بشكل ملحوظ.
رغم التحديات الواضحة، تبقى المملكة وجهة جاذبة للمواهب العالمية، لكن بشروط جديدة تعكس واقع اقتصادي أكثر واقعية. كما تشير لويس كنوتسون من شركة "ماتشيس تالنت" إلى أن الشركات تسعى اليوم لتقديم حزم مالية عادلة وشفافة تراعي تكلفة المعيشة الحقيقية، وليس المنافسة غير المبررة على المواهب. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح المملكة في تحقيق توازنها الاقتصادي الجديد دون فقدان الخبرات المهمة التي راكمتها عبر عقود؟ الأشهر القادمة ستحمل إجابات حاسمة لهذا التساؤل المصيري.