في مشهد مأساوي يهز الضمير، تغرق عدن في ظلام دامس لـ 16 ساعة يومياً مقابل ساعتين كهرباء فقط - أي أن 87.5% من يوم سكان المدينة يمر في عتمة حالكة. مدينة بحجم عاصمة تحصل على طاقة أقل مما يحتاجه مستشفى متوسط، بينما 800 ألف مواطن يصارعون من أجل البقاء. الخبراء يحذرون: كل دقيقة تمر تعني فساد المزيد من الأدوية وخطر محدق على حياة المرضى في كارثة لا تحتمل التأخير.
انهارت شبكة الكهرباء في العاصمة المؤقتة انهياراً مدوياً، حيث ارتفعت ساعات الانطفاء من 8 ساعات إلى 16 ساعة خلال أسبوع واحد فقط - زيادة صادمة بنسبة 100%. محطة بترومسيلة الوحيدة تنتج 65 ميجاوات فقط من أصل 800 ميجاوات تحتاجها المدينة - أي أقل من 10% من الحاجة الفعلية. المهندس سالم، الذي يعمل في المحطة، يقول بصوت منكسر: "نعمل ليل نهار، لكن الوقود ينفد أمام أعيننا ولا نستطيع فعل المعجزات". أم أحمد من كريتر تحتضن رضيعها في الظلام قائلة بدموع: "ابني يبكي من الحر، والمروحة توقفت منذ 14 ساعة، لا أعرف كيف سأحميه هذه الليلة".
الأزمة ليست وليدة اليوم، بل تراكم عقد كامل من الإهمال والفساد الذي نخر في عظام البنية التحتية. نفاد الوقود في محطات الديزل والمازوت، مع عدم وصول أي إمدادات جديدة، حول المدينة التي كانت يوماً عروس البحر العربي إلى مدينة منكوبة. د. عبدالله الحضرمي، خبير الطاقة، يحذر بقلق: "إذا لم تصل إمدادات الوقود خلال 48 ساعة، ستدخل عدن في ظلام كامل قد يستمر أسابيع". الفساد الإداري والمالي استنزف الموارد، بينما الحلول المستدامة بقيت حبراً على ورق وسط صراعات السلطة والمصالح.
الحياة اليومية تحولت إلى جحيم لا يُطاق، حيث تتوقف المحلات التجارية، وتفسد الأطعمة والأدوية، ويزداد اعتماد الناس على المولدات الباهظة التكلفة. خالد التاجر، صاحب صيدلية في المعلا، يروي مأساته: "خسرت أدوية بقيمة مليون ريال خلال أسبوع، والمولدات لا تكفي لتشغيل الثلاجات 22 ساعة يومياً". المستشفيات تصارع للحفاظ على حياة المرضى، والمدارس تتوقف عن العمل، بينما العائلات تفكر جدياً في الهجرة من مدينتهم. الدعوات الشعبية تتصاعد مطالبة الحكومة بالتدخل العاجل، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة قد تجعل المدينة مهجورة تماماً.
عدن تقف اليوم على حافة الهاوية، بين 65 ميجاوات هزيلة و16 ساعة ظلام تخنق أنفاس المدينة. الخيارات محدودة: إما حلول عاجلة تنقذ ما يمكن إنقاذه، أو انهيار كامل يحول العاصمة المؤقتة إلى ذكرى مؤلمة. المجتمع الدولي والحكومة اليمنية أمام اختبار حقيقي لإنقاذ مدينة بأكملها من الاختناق. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم من الوقت تحتاج مدينة بلا كهرباء لتتحول إلى مدينة أشباح؟ عدن على وشك اكتشاف الجواب، والوقت ينفد بسرعة مرعبة.