على مسرح الاقتصاد اليمني المضطرب، يلوح شبح أزمة جديدة، حيث يواجه الريال اليمني انهياراً قياسياً غير مسبوق أمام العملات الأجنبية.
هذا التدهور الحاد في قيمة العملة الوطنية يلقي بظلاله الثقيلة على الحياة اليومية للمواطنين، مهدداً قدرتهم الشرائية ومفاقماً أزمة اقتصادية وإنسانية متصاعدة في بلد أنهكته سنوات من الصراع والاضطرابات السياسية.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانهيار الريال:
تتجاوز تداعيات انهيار العملة اليمنية حدود الأرقام والمؤشرات الاقتصادية لتطال حياة الملايين من اليمنيين في تفاصيلها اليومية.
فوفقاً لتصريحات الخبير الاقتصادي وفيق صالح، فإن "كل دورة هبوط للعملة تأخذ معها فئات جديدة من السكان إلى خط الجوع والفقر والمجاعة"، مما يعني أن كل انخفاض جديد في قيمة الريال يدفع بشريحة إضافية من المجتمع نحو هاوية الفقر المدقع.
في الوقت ذاته، يتسبب هذا الانهيار في ارتفاع حاد في معدلات التضخم، مما يؤدي إلى قفزات متتالية في أسعار السلع الأساسية والضروريات المعيشية.
هذا الارتفاع في الأسعار، إلى جانب تآكل القيمة الشرائية للدخل، يضع المواطن اليمني في معادلة قاسية تتمثل في زيادة المصروفات وتناقص القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، مما يهدد بتفشي الجوع على نطاق أوسع في مجتمع يعاني بالفعل من أزمات إنسانية متعددة.
إجراءات ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي:
في خضم هذه الأزمة المتفاقمة، يشدد الخبراء الاقتصاديون على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وفعالة من قبل الجهات المسؤولة.
يرى وفيق صالح أن "لا قيمة لأي إجراءات حكومية لا يكون على رأس أولوياتها تحسين قيمة العملة ووقف الاضطراب المستمر في سعر الصرف"، معتبراً أن استقرار العملة يمثل "فريضة غائبة وأولوية لا تقبل التأخير" في المرحلة الراهنة.
تتطلب مواجهة هذه الأزمة تضافر جهود الحكومة والمجلس الرئاسي والبنك المركزي اليمني، وذلك من خلال "تسخير كل جهودهم وقدراتهم" لاستعادة استقرار العملة.
كما يحذر الخبراء من أن استمرار التدهور لن يكون "من مصلحة أحد"، وأن الحكومة نفسها ستكون من بين أوائل المتضررين من تداعيات هذه السياسات، حيث أشار صالح بصراحة إلى أنه "لا شرعية لأي سلطة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي".
التدخلات المحلية والدولية المحتملة:
أمام خطورة الوضع واحتمالات تفاقمه، تبرز الحاجة الملحة لتدخلات على المستويين المحلي والدولي.
وعلى الصعيد المحلي، يتعين على الحكومة اليمنية وضع خطط فورية ومدروسة لتحسين قيمة العملة، تتضمن إجراءات نقدية ومالية تستهدف وقف النزيف المستمر في قيمة الريال.
وبينما يمكن للتدخل الدولي، سواء عبر المنظمات الدولية أو الدول المانحة، أن يساهم في توفير دعم مالي عاجل لتثبيت العملة ودعم الاقتصاد المتعثر.
هذه التدخلات أصبحت ضرورة ملحة لاحتواء أزمة قد تؤدي إلى انهيار شامل للنظام الاقتصادي في اليمن، مع ما سيترتب على ذلك من آثار كارثية على المستويين الإنساني والاجتماعي.
ويبقى التحدي الأكبر يتمثل في استعادة الثقة بالعملة الوطنية، تلك الثقة التي تتآكل مع كل انخفاض جديد في قيمة الريال.
واستمرار فقدان هذه الثقة يهدد بتدهور أكبر ويجعل مهمة استعادة الاستقرار الاقتصادي أكثر صعوبة وتعقيداً.
وفي هذا السياق، تصبح الإجراءات العاجلة ليست مجرد خيار، بل ضرورة حتمية للحفاظ على ما تبقى من مقومات الاقتصاد اليمني ووقف التدهور المتسارع في الأوضاع المعيشية للمواطنين، قبل أن تتحول الأزمة الاقتصادية إلى كارثة إنسانية شاملة في بلد يعاني بالفعل من تداعيات حرب مستمرة وصراعات متعددة.