على امتداد المسار الرياضي في العاصمة السعودية، بدأت تظهر صورة جديدة للأمن تتناغم مع الحياة العصرية التي تشهدها المملكة. تنساب السكوترات الكهربائية المزودة بتجهيزات أمنية متطورة بهدوء بين المتنزهين والرياضيين، لتضيف بعداً جديداً لمفهوم الأمن المجتمعي الذي يواكب تطلعات المملكة نحو مستقبل أكثر حيوية وأماناً.
أطلقت دوريات الأمن هذه المبادرة النوعية في إطار مساعيها المستمرة لتعزيز جودة الحياة وتوفير بيئة آمنة لمرتادي المسار الرياضي بالرياض. السكوترات الأمنية ليست مجرد وسيلة تنقل سريعة، بل منظومة أمنية متكاملة تتناسب مع طبيعة المكان وتحافظ على الطابع الرياضي والترفيهي له، مما يجسد توجهات رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تحسين نمط الحياة وتعزيز الشعور بالأمان في المرافق العامة.
ملامح السكوترات الأمنية
تمتاز السكوترات الأمنية التي انتشرت مؤخراً في المسار الرياضي بالرياض بمواصفات تقنية متطورة تتجاوز كونها مجرد وسيلة تنقل سريعة. وفقاً للمعلومات المتاحة، زُودت هذه السكوترات بمنظومة تكنولوجية متكاملة تشمل أنظمة اتصال مباشر تتيح لرجال الأمن التواصل الفوري مع غرف العمليات، مما يضمن الاستجابة السريعة للحالات الطارئة التي قد تواجه مرتادي المسار. كما تحتوي هذه المركبات الصغيرة على كاميرات مراقبة متطورة قادرة على التقاط صور واضحة وتسجيل مقاطع فيديو بجودة عالية، الأمر الذي يعزز من القدرة على توثيق أي مخالفات أو حوادث قد تحدث في نطاق المسار الرياضي.
وأشار مصدر مطلع إلى أن السكوترات الأمنية مجهزة أيضاً بأجهزة إنذار صوتية وضوئية تساعد في التنبيه عند الضرورة وتسهل عملية تأمين الممرات في الحالات الطارئة. تتميز هذه السكوترات بتصميمها العملي الذي يراعي طبيعة المسار الرياضي، حيث تتحرك بسهولة بين المتنزهين دون إزعاج أو تعطيل لحركتهم، وبسرعات معتدلة تناسب أجواء المكان. كما تعمل بالطاقة الكهربائية الصديقة للبيئة، مما يتماشى مع المعايير البيئية الحديثة ويعكس الالتزام بالاستدامة البيئية التي تتبناها المملكة ضمن رؤيتها المستقبلية.
وتتضمن التقنيات المدمجة في هذه السكوترات أيضاً أنظمة ملاحة متطورة تمكِّن رجال الأمن من التحرك بكفاءة عبر المسار والوصول إلى أي نقطة بسرعة وسهولة. هذا بالإضافة إلى أجهزة لوحية متصلة بقواعد البيانات الأمنية، تتيح إمكانية التحقق الفوري من الهويات عند الحاجة والاستعلام عن المعلومات الضرورية. وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن هذه المركبات الصغيرة تمثل نقلة نوعية في مفهوم الأمن المجتمعي، حيث تجمع بين الكفاءة العالية والمظهر الودود الذي يتناسب مع البيئة الرياضية والترفيهية للمسار.
أثر المبادرة على المجتمع
أحدثت مبادرة السكوترات الأمنية صدىً إيجابياً واسعاً بين مرتادي المسار الرياضي بالرياض، الذين عبروا عن ارتياحهم لهذا النهج الأمني المبتكر. يقول أحمد السعيد، أحد الرياضيين المواظبين على زيارة المسار: "وجود رجال الأمن بهذه الطريقة العصرية يبعث الطمأنينة في نفوسنا ويشجعنا على الاستمرار في ممارسة الرياضة في أوقات مختلفة من اليوم". وأضافت سارة الخالدي، وهي أم لطفلين تحرص على اصطحابهما للمسار الرياضي أسبوعياً: "أشعر بأمان أكبر عندما أرى دوريات الأمن تتحرك بسلاسة بين الناس، فهي غير مزعجة كالمركبات الكبيرة وتوفر حضوراً أمنياً لطيفاً ومريحاً".
وفي السياق ذاته، أوضح خبراء في الأمن المجتمعي أن هذه المبادرة تعكس توجهاً عالمياً نحو "الأمن الناعم" الذي يركز على الوقاية والحضور الفعال غير المتطفل، بدلاً من الأساليب التقليدية. ويرى الدكتور فهد العتيبي، أستاذ علم الاجتماع: "تغيير صورة رجل الأمن من خلال هذه المبادرات يساهم في كسر الحواجز النفسية بين المواطنين والأجهزة الأمنية، مما يعزز التعاون المجتمعي في الحفاظ على الأمن". هذا التحول في المنظور الأمني يساهم في خلق بيئة اجتماعية أكثر انفتاحاً وتشاركية، حيث يصبح الأمن مسؤولية جماعية بدلاً من كونه مهمة حصرية للأجهزة الرسمية.
ربط المبادرة برؤية السعودية 2030
تندرج مبادرة السكوترات الأمنية في المسار الرياضي ضمن الجهود المتكاملة لتحقيق مستهدفات برنامج جودة الحياة، أحد البرامج الرئيسية لرؤية السعودية 2030. يسعى هذا البرنامج بشكل أساسي إلى تعزيز نمط الحياة الإيجابي للفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن. وتكشف الدكتورة نورة الشمري، المتخصصة في السياسات العامة: "تعكس هذه المبادرة توجه المملكة نحو تبني مفاهيم مبتكرة في الخدمات العامة، حيث يتم دمج التكنولوجيا مع احتياجات المجتمع لتقديم حلول عصرية تلبي تطلعات المواطنين والمقيمين". وبحسب تقارير رسمية، تسعى المملكة من خلال مشاريع مماثلة إلى رفع مستوى مؤشرات جودة الحياة وتصنيف المدن السعودية بين أفضل المدن عالمياً في هذا المجال.
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة قد اتخذت خطوات متسارعة في تطوير المرافق الرياضية والترفيهية ضمن استراتيجيتها الشاملة للتحول الوطني. ويمثل المسار الرياضي في الرياض أحد المشاريع النوعية التي تهدف إلى تشجيع ممارسة الرياضة وتعزيز الصحة العامة. وفي هذا السياق، تقول منال القحطاني، المتخصصة في التخطيط الحضري: "تطوير المرافق الرياضية مثل هذا المسار يساهم بشكل مباشر في تحقيق هدف رفع نسبة ممارسي الرياضة بانتظام من 13% إلى 40% بحلول عام 2030". هكذا تتكامل مبادرة السكوترات الأمنية مع الجهود الأوسع لتحويل المدن السعودية إلى وجهات حيوية تنبض بالحياة وتوفر لساكنيها وزائريها تجارب متنوعة ومثرية.
تجسد تجربة السكوترات الأمنية في المسار الرياضي بالرياض نموذجاً ناجحاً للتكامل بين الأمن والترفيه، حيث استطاعت الأجهزة الأمنية تقديم خدماتها بأسلوب عصري يراعي طبيعة المكان ويستجيب لتطلعات المجتمع. هذه المبادرة ليست مجرد خطوة تجميلية، بل استراتيجية متكاملة لتعزيز جودة الحياة وترسيخ الشعور بالأمان في المرافق العامة، الأمر الذي سيشجع بلا شك على زيادة الإقبال على ممارسة الرياضة والأنشطة الاجتماعية المختلفة. ومع استمرار المملكة في تنفيذ مشاريعها الطموحة ضمن رؤية 2030، يمكن توقع المزيد من المبادرات المبتكرة التي ستعيد تشكيل المشهد الحضري والاجتماعي، وتساهم في تحويل المدن السعودية إلى نماذج عالمية في الجودة والاستدامة والأمان.