الرئيسية / تقارير وحوارات / المقرئ محمد حسين عامر ... الصوت الذي يأسر القلوب والعقول
المقرئ محمد حسين عامر ... الصوت الذي يأسر القلوب والعقول

المقرئ محمد حسين عامر ... الصوت الذي يأسر القلوب والعقول

03 أغسطس 2012 09:01 صباحا (يمن برس)
يصادف اليوم الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك الذكرى الرابعة عشرة  لوفاة شيخ القراءات السبع العلامة محمد حسين عامر والذي توفي يوم السبت الخامس عشر من رمضان عام 1419 هـ عن عمر ناهز الإحدى والستين سنة بعد مرض مفاجئ ألم به.

توفي الشيخ العلامة محمد حسين عامر بعد مسيرة حافلة بالعطاء والعلم وخدمة حفاظ كتاب الله، والذين كانوا يقصدونه من مختلف المحافظات اليمنية ومن بعض الأقطار العربية والإسلامية.

ورغم مرور كل هذه السنوات على وفاته رحمه الله لم ينسَ العديد من المواطنين ومحبيه وهم كثر في مختلف المحافظات اليمنية صوته وهو يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى، لهذا لا يمكن أن يمر شهر رمضان المبارك دون سماع هذا الصوت الجهوري الذي يأسر القلوب والعقول.

فكان الشيخ محمد حسين عامر المقرئ والحافظ الأول للقرآن الكريم في اليمن والجزيرة, بل إنه تفوق على الشيخ الحصري كما سيأتي خلال الأسطر القادمة، كما أنه يعتبر أول مجدد للإنشاد في اليمن، ومن أبرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين، فهو صاحب الصوت الرخيم والعذب والذي ما يهل علينا رمضان إلا وهو أول المبشرين بهذا الشهر الكريم من خلال تلاوته للقرآن وكذلك التسبيح والدعاء والإنشاد.

ولد الشيخ العلامة محمد حسين عامر عام 1938م في قرية (الظواهرة), منطقة (حيد السواد), مديرية (الحدا) محافظة ذمار، ونشأ فيها، وأصيب بالعمى في عامه الأول, وفي الشهر السادس منه تحديدًا.

مكث في قريته 9 سنوات وبدأ من خلالها حفظ القرآن الكريم على يد والده الشيخ حسين عامر، ثم اصطحبه أبوه مع أخيه الأكبر (أحمد حسين) - وكان أعمى أيضًا - إلى مدينة صنعاء سنة 1366هـ/1947م، فدرسا القرآن الكريم, حيث حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره خلال سنة وأربعة أشهر.

ثم درس علوم القرآن الكريم على يد عدد من العلماء مثل: الشيخ (حسن شندف), والشيخ (عبدالله الطائفي), والشيخ (حسين مبارك القيسي), والشيخ (العزي الجنداري), والشيخ (أحمد بن حسين الخولاني).

ثم انتقل إلى مدرسة (دار العلوم) فدرس فيها علم القراءات السبع, ومن شيوخه فيها: الشيخ (حسين الجلال), والشيخ (محمد علي الأكوع).

ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة العلمية ودرس فيها بعض المتون مثل: متن الأزهار في الفروع ومتن الآجرومية وقطر الندى في النحو، وغيرها من العلوم، وقد أخذ العلم على يد الشيخ (علي الطائفي) والشيخ (حسين الغيثي) وغيرهما من العلماء الأجلاء.

ثم عمل في تدريس القرآن الكريم وأسس عددًا من مدارس التحفيظ في جامع (النهرين) في مدينة صنعاء وفي غيره من الجوامع والمساجد، وأسس مدرسة لقراءات القرآن السبع خاصة قراءة نافع، وقد تأثر بتلاوة المقرئ (يحيى الحدائي) إمام جامع المظفر بتعز، وحاكاه في التلاوة ونبرات الصوت وتفوق على القرّاء، وتميز بنبرات صوتية غير مسبوقة.

تخرج على يديه الكثير من حفظة القرآن من أشهرهم المقرئ (يحيى الحليلي)، والعديد من طلبة العلم والمنشدين.

كانت حياته حافلة بالعطاء وخدمة العلم، وقد اشتهر مقرئًا من خلال إذاعة وتلفزيون صنعاء وعدد من الإذاعات اليمنية, وعبر أشرطة الكاسيت التي انتشرت حتى صار من أشهر المقرئين اليمنيين. وفي بداية الستينيات بدأت إذاعة صنعاء بالنقل المباشر لصلاة الفجر يومياً من الجامع الكبير بصنعاء كل شهر رمضان، فكان صوته العذب يدوي في مآذن صنعاء ومازالت حتى اليوم تسجيلات صوته تتردد في الأفق.. وإلى جانب ذلك عُرف منشدًا دينيًا في الإذاعة والتلفزيون, وفي الأعراس اليمنية التي كان يدعى إليها.

مازال في قلوبنا
الأستاذ مطهر تقي وكيل وزارة الثقافة يقول: مازلنا نتذكر شيخنا العظيم والمقرئ الكبير الشيخ الجليل محمد حسين عامر رغم مرور ثماني سنوات من وفاته ورحيله من عالمنا حيث ما زلنا نتذكر صوته الجميل ودعاءه قبل صلاة الفجر. الشيخ محمد حسين عامر الذي ارتبط بالله سبحانه وتعالى وارتبط بالمواطنين الذين كانوا يتابعون دعاءه قبل صلاة الفجر حتى ظن الكثير من الناس بعد وفاة الشيخ محمد حسين عامر أن هناك شيئاً كبيراً نقص عليهم في شهر رمضان وهو حبهم لسماع تلاوته ودعائه كل يوم في هذا الشهر الكريم، كما نتذكر كيف كانت جنازته العظيمة، وكيف توافد المواطنون من مختلف المناطق والمحافظات اليمنية لوداع الشيخ الكبير محمد حسين, عامر حيث كانت أعظم جنازة شهدتها صنعاء حيث كان أول المشيعين في مقبرة خزيمة وآخرهم بالجامع الكبير رحمه الله تعالى - ونقول له ياشيخ محمد سوف تظل ذكراك في قلوبنا رحمك الله تعالى.

شيخي ومعلمي الأول
الشيخ الحافظ الأستاذ يحيى الحليلي ما زال يتذكر أستاذه ومعلمه الشيخ محمد حسين عامر ولم يذهب أبداً من ذاكرته، ولايزال يتذكر اليوم الذي ذهب به والده إلى الشيخ محمد عامر في الجامع الكبير بصنعاء وهو في الثامنة من عمره، كان ذلك في عام 1960م.

وقال الشيخ يحيى: مازلت أتذكر عندما ختمت القرآن «أي حفظه كاملاً» فقام الشيخ محمد حسين عامر بتنظيم حفل كبير في الجامع الكبير تكريماً لي ، وكان هو من تولى توجيه الأسئلة واختباري في القرآن الكريم، واستمرت العلاقة بيني وشيخي لأكثر من تسعة وثلاثين سنة كنا أعظم من الإخوة، لذلك رحيل شيخي وأستاذي الشيخ الجليل محمد حسين عامر كان فاجعة كبرى وخسارة عظيمة لي، حيث فقدت رفيق دربي ومعلمي وخسارة للوطن بشكل عام وعزاؤنا أن تراثه وصوته مازال حياً معنا نعيشه يومياً سواء في تلاوة كتاب الله عز وجل أو في الإنشاد والتواشيح الإسلامية التي أسس لها مدرسة مستقلة.

إحياء التراث الإنشادي
علي محسن الأكوع - رئيس جمعية المنشدين اليمنيين قال: يعتبر الشيخ محمد حسين عامر حافظاً ومقرئاً للقرآن الكريم وكمنشد بارز للموشح, حيث إن للشيخ الجليل محمد بن حسين عامر باعاً طويلاً في مجال الإنشاد وهو المجدد الأول للموشحات في اليمن، لأن المنشدين سابقاً كانوا يعدون بالأصابع, وعندما أنشد تلك القصائد والموشحات التي كادت أن تنقرض وتنتهي ونحن كمنشدين حفظنا أكثر الموشحات وقصائد الإنشاد من أشرطة الكاست الخاصة بالشيخ الجليل محمد حسين عامر ،كما يعتبر الشيخ محمد حسين عامر أبرز المؤسسين لجمعية المنشدين اليمنيين وأول الحاضرين لحفل تدشين الجمعية في مركز الدراسات والبحوث في عام 1989م.

وأضاف الأكوع قائلاً: كما يعتبر محمد حسين عامر مدرسة مستقلة بالإنشاد حيث تميز بأدائه وبصوته الجميل وإنشاد القصائد التي كان أغلب المنشدين ينشدونها لصعوبة كلماتها وقوافيها وتخرج الكثير من المنشدين الكبار حالياً أمثال الاستاذ عبدالله علي الثور كما يعتبر الشيخ محمد حسين عامر جسراً ممتداً من خلال ماقدم للتراث والإنشاد اليمني وظل إلى اليوم رغم أنه قد رحل عن عالمنا وعن الحياة منذ ثماني سنوات إلا أنه ظل يدرسنا ويعلمنا الكثير من خلال موشحاته المسجلة التي تتعلم منها الكثير ومن خلال ماسجله للإذاعة والتلفزيون ،لذلك ما زال الشيخ محمد حسين عامر يعيش بيننا حتى اليوم من خلال موشحاته ومن خلال صوته العذب في تلاوة كتاب الله العظيم بالقراءات السبع لذلك هو نجم من نجوم اليمن في العلم والفقه وقراءة القرآن وفي الإنشاد - رحمه الله تعالى - في هذا الشهر الكريم.

وعن أبرز تلاميذ الشيخ محمد حسين عامر في الإنشاد قال الأخ علي الأكوع: هناك الكثير من تلاميذ الشيخ في مجال الإنشاد ولكن أبرزهم قاسم زبيدة والأستاذ علي الثور وأنا أحد تلاميذه والأستاذ يحيى المحفدي أما أهم أصدقائه فكان الشيخ عبدالرحمن الحليلي، والشيخ محمد النعماني، وأحمد موسى.

من أعلام اليمن
الأستاذ المنشد يحيى المحفدي قال الشيخ محمد حسين عامر: كان علماً من أعلام اليمن وقد تتلمذ على يد العلامة السيد محمد محمد إسماعيل المنصور أطال الله في عمره، وأيضاً السيد حسن باصيد وأيضاً تتلمذ الشيخ محمد حسين عامر على يد العديد من مشائخ العلم والفقه والحديث والقرآن الكريم الذين كانوا يدرسون العلم في الجامع الكبير كالشيخ حسين الغيثي رحمه الله وكان في الجامع الكبير يتعلم وفي نفس الوقت يُعلم وكان حريصاً كل الحرص على الذهاب إلى جامع الطاووس في حارة طلحة للتعلم من الشيخ الكبير السيد حسن باصيد.

وبعد أن أتقن تلاوة القرآن الكريم وبالقراءات السبع بدأ في إنشاد الموشحات الدينية وانشاء القصائد الإسلامية التراثية وفي هذا المجال شجعه المرحوم عبدالرحمن الحليلي والسيد محمد النعماني والسيد أحمد موسى ومن ثم كون مدرسة مستقلة في الإنشاد لأنه كان رجلاً ذكياً جداً وشديد الحفظ ويمتاز بذاكرة قوية، ولذلك أبدع في الإنشاد مثلما أبدع وأجاد كثيراً في تلاوة كتاب الله عز وجل، وفي الذكرى الثامنة لوفاته نقول له: رحمة الله تغشاك يا شيخ محمد حيث لن ننساك ما دمنا على قيد الحياة لأنك رجل عظيم ومتواضع ورجل علم وفقه باع نفسه لله سبحانه.

أنقذ التراث الإنشادي من الانقراض
في الستينيات تقريباً طغت المزامير والأغاني على كل المناسبات وكاد التراث الإنشادي الصنعاني مثل الزفة الصنعانية وغيرها من الموشحات والأناشيد الإسلامية أن تنقرض، خاصة أن عدد المنشدين في ذلك الوقت بعدد أصابع اليد الواحدة, لولا حنجرة الشيخ محمد حسين عامر الذهبية، والتي أطربت السامعين بعذوبة صوته وألحانه فأعاد عامر رحمه الله للتراث الإنشادي الصنعاني مكانته ورد إليه اعتباره وأسس مدرسة مستقلة بهذا التراث الإنشادي وساهم بدور بارز في تأسيس جمعية المنشدين اليمنيين، وتخرج على يده الكثير من أساتذة الإنشاد والموشحات الإسلامية ولعل أبرزهم علي محسن الأكوع، ويحيى المحفدي، وقاسم زبيدة وغيرهم من كبار المنشدين.

يتفوق على الشيخ الحصري
كان الشيخ الجليل الحافظ محمد حسين عامر يحب كثيراً سماع القرآن الكريم بتلاوة الشيخ محمود خليل الحصري والشيخ عبدالباسط عبدالصمد.

وفي العام 1963 م قام الشيخ الحصري بزيارة إلى اليمن وذلك للتعرف على الجامع الكبير بصنعاء كونه من أقدم المساجد في العالم الإسلامي،وفي الجامع الكبير استمع لتلاوة الشيخ محمد حسين عامر للقرآن الكريم فشد انتباهه ذلك الصوت العذب والمميز، وعندما فرغ الشيخ عامر من التلاوة قال الحصري: «هذا الكفيف الصغير أقرؤنا لكتاب الله عز وجل».

نجل الشيخ الحافظ محمد حسين عامر رحمه الله
الأستاذ محمد نجل الشيخ الحافظ العلامة محمد حسين عامر وهو بالمناسبة موظف بمجلس النواب يتحث من جانبه عن كيفية إصابة والده بفقدان البصر فيقول: لقد خلق والدي كفيف البصر منذ ولادته هو ولد هكذا كفيف البصر،  بعض الأطباء يقولون إن ذلك قد يكون عاملاً وراثياً لأن جدي حسين له أربعة أولاد, اثنان ذكور كفيفو البصر, وابنتان واحدة كفيفة والأخرى مبصرة وكما ذكرت لك أن بعض الأطباء أرجعوا سبب ذلك إلى عامل وراثي لأن جد والدي من والدته أيضاً كان كفيفاً من يوم ولادته.

طفولته
وعن طفولته يقول: كان جدي يحدثنا دائماً أن والدي كان يعيش طفولته في القرية بشكل طبيعي، فكان يلعب مع أولاد الجيران ويجري معهم رغم أن المنطقة وعرة كونها جبلية فكان يلعب ويجري مثلهم تماماً رغم أنه كفيف البصر، فأدرك جدي أن والدي كان يمتاز بذكاء غير عادي.

وكان جدي يقول إنه كان متأكداً أن والدي سيكون له شأن في الدنيا رغم أن عمي أحمد الذي كان يكبر والدي بتسع سنوات كان كفيف البصر أيضاً.

ويضيف قائلا: كان جدي يحب الذهاب دائماً إلى الجامع الكبير بصنعاء رغم أنه كان يعمل مزارعاً في القرية وكان عند ذهابه يلاحظ كفيفي البصر وهم يتسولون في الجامع الكبير فخاف على ولديه من ذلك, فقطع على نفسه عهداً أن يعلم أولاده تلاوة كتاب الله وحفظه والتعمق فيه حتى يصبحوا شيوخاً في تلاوة كتاب الله وحتى لا يضطروا إلى التسول كبعض كفيفي البصر.

لهذا أمسك بيد طفليه أحمد ومحمد وذهب بهما إلى صنعاء للتعلم في مساجد صنعاء لأن بها علماء كباراً في مختلف العلوم، وكانت البداية في مسجد العلمي بصنعاء القديمة وهناك بدأ حفظ القرآن وتلاوته على يد العلامة المجتهد محمد محمد اسماعيل المنصور أطال الله تعالى في عمره والذي أعجب كثيراً لقدرة الطفلين في حفظ كتاب الله فأخرج قلمه وكتب إلى الحسن سيف الإسلام «ولدان ضريران صغيران مع والدهما يتدارسان القرآن إذا سمعتهما يذكر أحدهم الآخر يأخذك بهما السرور والغبطة» فكانت هذه الرسالة بداية دخولهما إلى المدرسة العلمية بصنعاء والتي من خلالها تلقيا العلوم المختلفة والقراءات السبع، وكان ذلك في الخمسينيات.

رحم الله شيخ القرآن العلامة محمد حسين عامر الذي رحل عن عالمنا الفاني وقد ترك في نفوس الكثير فراغاً وأثراً بالغاً وحزن عليه اليمنيون جميعهم لما كان يتمتع به من صفات حسنة وإيمان بالله وبكتابه -رحمه الله.
شارك الخبر