هذا لأسبوع، يكون قد مرّ عامين منذ أن بدأت السّعودية والتّحالف الذي يقوده مجلس التّعاون الخليجي حملةً جويةً عسكرية ضدّ المتمرّدين الحوثيّين في اليمن. بيد أنّ التّوصّل إلى حلّ للنّزاع لا يزال بعيدَ المنال عن أيّ وقتٍ مضى.
وقد توقّفت المفاوضات السّياسية، وذلك على الرّغم من أنّ المبعوث الخاص للأمم المتّحدة إلى اليمن من المتوقّع أن يدعو إلى تجديد محادثات السّلام، إلا أنّه ليس هناك أملٌ كبير في أن تحقّق نجاحًا.
وقد أبدى الرّئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» حتى الآن عدم رغبته في التخلّي عن السّلطة، وكان المتمردون الحوثيون، بالإضافة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يؤيدونه، غير راغبين بنفس القدر في التّخلي عن الأراضي والأسلحة التي حصلوا عليها، الأمر الذي يترك مجالًا ضئيلًا للتّفاوض.
وعسكريًا، يعدّ الصراع في حالة ركود. غير أنّ القوات الحكومية اليمنية، التي تدعمها الغارات الجوية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي، استطاعت تحقيق تقدمٍ في جبهتي نهم وسيروا، شمال شرق العاصمة صنعاء، خلال الأسابيع القليلة الماضية.
واندلعت الاشتباكات بعد أن انتشر المقاتلون الحوثيّون في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في صعدة. كما شنّ التّحالف ضرباتٍ جويّة في عددٍ من المناطق الشمالية الوسطى اليمنية الأخرى، بما فيها محافظتي شبوة والجوف.
ودفعت التطّورات المتواضعة هادي إلى القول الأسبوع الماضي أنّ الجيش اليمني كان مسيطرًا على 80% من البلاد.
ويعدّ هذا الزّعم مبالغٌ فيه إلى حدٍّ ما، ولكن على الرّغم من أنّ صنعاء لا تزال تحت سيطرة الحوثيين، فقد اكتسب التّحالف بالفعل مناطق ساحلية وداخلية ذات قيمة. ومع ذلك، لم تتحقّق تلك الانتصارات بسهولة: فقد كافحت القوّات الحكومية عبر الأراضي المزروعة بالألغام بكثافة في المناطق الوسطى والشمالية اليمنية، الأمر الذي أدّى إلى تباطؤ تقدّمها.
تحليل
وقد انطلقت عملية الرّمح الذّهبي التي قادها تحالف مجلس التّعاون الخليجي إلى الأمام بطول السّاحل الغربي لليمن، حيث تحرّكت من مضيق باب المندب إلى وادي الضّباب وعبر مدينة المخا في تعز. وتعمل قوّات التّحالف حاليًا على السّيطرة على المراكز السكّانية مع الحرص على حماية أجنحتها. ومع استعادة الجزء الأكبر من ساحل تعز، فإنهم حقّقوا هدفهم تقريبًا. وتبتعد القوّات الحكومية الآن فقط بمسافة 80 إلى 90 ميلًا (129 إلى 145 كيلومترًا) جنوب مدينة الحديدة الساحلية، وهي واحدة من المناطق الأكثر أهمية تحت سيطرة الحوثيين.
وتعتبر الحديدة نقطة عبور رئيسية للسّلع، بما في ذلك الغذاء والدواء، التي تصل إلى بقية شمال اليمن. وعلى الرّغم من امتلاك التّحالف للسّيطرة على موانئ المكلا والمخا وعدن (حيث تصل 20% من واردات اليمن)، لا يزال ميناء الحديدة جزءًا من البنية التحتية الحيوية التي تعزّز موقف الحوثيين.
ويعتمد تحرّك قوّات التّحالف للسّيطرة على الحديدة قريبًا، في الحقيقة، على ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستتبع سياسة أكثر عدوانية في اليمن إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي. وقد تعاونت الولايات المتّحدة مع الحملة الجوية التي تقودها السعودية في اليمن منذ بدايتها عام 2015، حيث ساعدت في الاستهداف والإمداد بالوقود وتقديم المشورة. غير أنّ واشنطن قد حرصت على تجنّب المشاركة المباشرة في الحرب الأهلية. (تشارك الولايات المتحدة بعمق في عمليات ضدّ القاعدة في شبه الجزيرة العربية في جنوب ووسط البلاد، لكنّها منفصلة إلى حدٍّ كبير عن الحرب الأهلية).
وكان التدخّل الأقرب في الخريف الماضي، عندما قصفت مواقع للرادارات الحوثية كانتقامٍ مباشر لهجماتٍ طالت سفنًا بحرية أمريكية في مضيق باب المندب. ولكن قد يتغير هذا قريبًا.
تعزيز أمريكي
وقد أثيرت أخبار حول أنّ وزير الدّفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» قد طلب من البيت الأبيض رفع القيود عن تقديم الدّعم العسكري للائتلاف، وهي القيود التي فُرضت أثناء رئاسة الرئيس الأمريكي السّابق «باراك أوباما».
وعلى وجه التّحديد، يتعلّق طلبه بتبادل المعلومات الاستخباراتية واللوجستيات والتخطيط، وسيجري استعراضه لمدّة شهر لدراسة تداعياته.
وإذا أصبحت الولايات المتّحدة أكثر انخراطًا في حرب التّحالف ضدّ الحوثيين، فإنها ستتورط في الحرب الأهلية في اليمن، في انسجامٍ تام مع السعودية. ومن شأن ذلك أن يكون له مغزىً سياسي يمتد إلى أبعد من نهاية الصراع في النهاية، حين يتوقع من الولايات المتّحدة أن تساعد في إدارة المفاوضات بعد انتهاء الصراع. وعلى الرّغم من عدم اتّخاذ قرارٍ رسمي في واشنطن حتّى الآن، فإنّ بعض دول الخليج تشيد بالفعل بإمكانية مشاركة أميركية أكبر في الصّراع اليمني. وقد أشادت دولة الإمارات العربية المتحدة بإمكانية تكثيف الجهود الأمريكية في حين تدرس هجومًا منفردًا من جانبها على الحديدة.
وقال السّفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، «يوسف العتيبة»، هذا الأسبوع، أنّه يعتقد أنّ الولايات المتّحدة والسعودية والإمارات «في نفس الجانب» فيما يتعلّق باليمن.
ويعتبر وجود إيران في اليمن هو الحافز الأكبر للولايات المتّحدة لزيادة دورها في البلاد. وعلى الرّغم من أنّ الحوثيين معروفون بأنّ لهم بعض العلاقات مع إيران، إلا أنّه قد ظهرت أدلّة ملموسة على تلك الرّوابط الأسبوع الماضي. وقد حدّدت منظمة أبحاث صراع التسلّح، التابعة للاتّحاد الأوروبي، أنّ سبع طائراتٍ بدون طيّار تابعة للحوثيين، كانت الإمارات قد استولت عليها في المناطق اليمنية الوسطى، أنتجت في إيران. ولدعم هذه الأدلّة، أفادت تقارير إخبارية أن قائد قوة القدس، «قاسم سليماني»، التقى بمسؤولين حوثيين في وقتٍ ما الشهر الماضي لمناقشة زيادة الدّعم العسكري الإيراني للحوثيين، وهو الأمر الذي إن ثبتت صحته، سيكون مجرد نوع من الاستخبارات التي قد تبرّر مشاركة أكبر للولايات المتّحدة في اليمن.
وفي الواقع، ونظرًا لمحدودية دور الولايات المتّحدة في هذه المرحلة، فإنّ ذلك كان مدفوعًا إلى حدٍّ كبير بالرّغبة في تخفيف مخاوف حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقّعت بين واشنطن وطهران. وقد أرادت الحكومة الأمريكية طمأنة حلفائها الإقليميين، لاسيّما السّعودية، بأنّها لن تتخلّي عنها ولن تسمح لإيران بالعمل في المنطقة من خلال دعم الحوثيين، دون عقاب. واليوم، وبعد مرور عامين، لا تزال خطّة العمل الشاملة المشتركة قائمة، وحتّى المسؤولون السعوديون قد أعربوا عن رغبتهم في الإبقاء عليها.
وعلى الرّغم من الضّغط الواقع على واشنطن لإعادة التّفاوض حول الاتّفاق، فإن عددًا قليلًا من الجهات الفاعلة الإقليمية قد يرغب في إلغائها تمامًا. بدلًا من ذلك، ترغب الغالبية فقط في أن تراقب بنود وشروط الاتّفاق بشكلٍ أكثر صرامة.
لكنّ المخاوف من تدخّل إيران في مسرحٍ استراتيجيٍ مثل مضيق باب المندب لا تزال حية وقائمة، ويمكن أن تدفع الولايات المتّحدة إلى التورّط في الحرب الأهلية اليمنية.
المصدر | ستراتفور