في العام 1902 في قرية ” قرض ” عزلة الأعروق ناحية القبيطة الحجرية محافظة تعز ولد الحاج هائل سعيد أنعم زيد علي ناصر،الترتيب الرابع بين أخوته .. لم تكن أسرته ثرية أو صاحبة جاه أو سلطان بل كانت مفعمة بالقيم الإنسانية التي تجسدت فيما بعد بهذه الأسرة الكريمة على امتداد هذا الوطن البائس..
هائل سعيد أنعم اتسع مدى عمله وفعله للخير على مستوى اليمن وخارجه بنية شخصية على نسق القيم الروحية والأخلاقية التي صقلت روحه وهذبت نفسه .. فأصبح يجود بالخير بنفس راضية مطمئنة . أعتبر العمل عبادة يتقرب بها إلى الله وجسدها في حياته العملية منذ البداية أسس المساجد والمصانع .. زاوج بين العمل والعبادة وأشبع المحتاجين.. رعى الأغنام وتاجر بالجلود وعمل بحاراً من مرسيليا إلى الصومال، ثم عدن، حتى استقربه المقام في مدينة تعز .. انسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
تاجر .. في زمن سقط فيه التجار إلى مهاوي الجشع والاحتكار الا من رحم ربي .. عملاق نبيل وخلوق وتاجر مع الله … هكذا كان هائل سعيد أنعم وهكذا جاءت اسرته من بعده.. في رمضان نذكره وفي العشر الأواخر بالتحديد يتلمس الفقراء وجهه الباسم، جاء مع ليلة القدر وذهب معها …
الانطلاقة
في العام 1923 كان يودع أهله وزوجته متوجهاً نحو عدن مع مجموعة من ابناء عمومته وأصحاب قريته ومنها إلى فرنسا ، وبعد رحلة دامت ثلاثة أيام وصل الحاج هائل سعيد إلى ميناء عدن ومن ثم استقل الباخرة المتجهة إلى مرسيليا فكانت هناك أول حكاية رحلة المرحوم هائل سعيد مع قدره في التجارة ، فمن خلال هذه الرحلة تعرف على الكثير من الأمور التي تهم التجارة وكيفية معاملة الناس.
مشاهدة مدينة مرسيليا .. ورغم كل المعاناة التي لاقها هناك حوالى خمس سنوات إلا أنه استطاع إختطاف الخبرة والرجولة في معترك الحياة .. حتى عاد إلى قريته في محافظة تعز . وكانت هذه الانطلاقة الأولى هي أول خطوة لرسم ملامح العمل التجاري.
في الصومال
وبعد العودة من فرنسا و الظروف العائلية، حيث توفي والده ، وتعثر ظروف العمل داخل مرسيليا ، قرر الحاج هائل عدم السفر، والإغتراب إلى فرنسا واتجه بعد ذلك بمساعدة ابن عمه وبعض أصدقائه إلى الصومال “بربره” ، والعمل هناك بتجارة الجلود وتوريدها إلى ميناء عدن ، ونجح في هذه التجارة رغم بعض الخسارة في البداية ، واستمر العمل في هذا المجال حوالى عامين . قبل قرار العودة إلى اليمن ..
ومن خلال هذه الرحلات بين فرنسا والصومال وجيبوتي وميناء عدن تستطيع القول بأن هذه المسيرة في الإغتراب قد اقفلت آخر فصولها بعد تجارة الصومال وهي تجارة الجلود .. لتبدأ مسيرة جديدة بالنزول إلى عدن للإستقرار.. وبإنشاء أول بادرة في العمل التجاري ، من خلال دكان صغير في منطقة المعلا التي كانت حينها منطقة نائية وليس داخل المدينة ، وقيل أنه اختار هذا الدكان لأنه قريب من جامع حرصاً على إدراك الصلاة في وقتها- جماعة.. وكان ذلك في العام 1938 ويعتبر هذا التاريخ الأول والفعلي لإنطلاقة الحاج هائل سعيد أنعم رحمة الله عليه .
العلاقة مع “البس ، وبارك”
“البس” هو تاجر فرنسي كان من كبار التجار وأشهرهم على مستوى منطقة البحر الأحمر وشرق إفريقيا ، وكان يحتكر تجارة المواد الغذائية و الملابس ، والكثير من السلع .. وكان الحاج هائل قد بدأ يتعامل معه بشراء السلع الغذائية والأقمشة من شركة “البس ” وتوزيعها على تجار ” المكلا” حتى كسب ود مدير الشركة الهندي ” السيد بارك ” الذي ارتاح لمعاملته وحسن أخلاقه ووفائه وقد تطورت العلاقة بين الحاج هائل وبارك حتى أنه أعطى الحاج هائل الكثير من البضائع دون أي ضمان يذكر، وبهذه العلاقة كان التوسع في مجال الخدمات التجارية وبدأ يتوسع في تطوير الدكان .. من خلال شراء طاحون.. وبدأ إخوانه وأبناء اخوانه يشتركون في العمل .. في الدكان والطاحون .. واستمر الحال إلى نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً بعد 1945 . إذ دخلت المنطقة مرحلة من الإنتعاش الاقتصادي والتجاري في البلاد .
هائل سعيد انعم وشركاءه
خلال المرحلة الممتدة من عام 1938-1952 كان النشاط التجاري يعرف باسم هائل سعيد أنعم وإخوانه ولكن التسمية للشركة تغيرت عام 1952 إلى شركة هائل سعيد أنعم وشركائه ، إثر وفاة المرحوم الحاج محمد سعيد الأخ الأكبر للحاج هائل .
الاتجاه نحو آفاق جديدة
كانت فترة الخمسينات قد شكلت تطوراً واسعاً في جوانب الحياة المختلفة في الجنوب والشمال .. سواء على المستوى الاقتصادي أوالتجاري بعد إنشاء المصافي .. في “البريقة” عام 1954، إذ تم إنشاء هذه المصافي كتعويض للمصالح الإنجليزية البترولية التي فقدتها في إيران بعد تأميمها اثر ثورة مصر عام 1952م وبدأت المؤسسة تتوسع في مجال العمل و على مستوى التصدير للسلع اليمنية الزراعية بعد انتقالها إلى الشمال عام 1969 … وبعد تأميم بعض الممتلكات، إلا أن الأسرة كانت قد أسست نشاطها في الشمال .. في مواصلة مشوارها العلمي والتنموي المبدع . وقد جسدت حنكة التاجر الحاج هائل سعيد، أسمى معاني القيم الوطنية في ايجاد صيغة تربط شمال الوطن بجنوبه وتمكنت المؤسسة من تصدير العديد من المنتجات الزراعية (الذرة .. والغرب والدخن .. والسمسم والبن) والجلود.. وشحنها بعد تجميعها من التجار إلى ميناء عدن ومن ثم إلى أوروبا والهند . ودول أخرى .
دعم الحركة التعليمية والثقافية
لقد اشتهر الحاج هائل سعيد في بدايته داخل عدن بالرجل الصالح والتاجر المحب لاصدقائه في عمله وفي إصلاح ذات البين ، و بدأ بعملٍ مؤسسي لمساعدة المساكين في إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد، هذه الصفة التي كانت وما زالت الصفة السائدة في المرحوم وأبنائه من بعده حتى يومنا هذا .. هذه لفتة قلما نجدها عند الكثير من التجار في الاهتمام بهذا الشكل الكبير في رفع الظلم الاجتماعي والإسهام إلى حد كبير في رفع مستوى التعليم لدى أبناء اليمن .
دوره النضالي
لم تكن أعمال الحاج هائل سعيد موقوفة على التجارة فحسب، بل لقد كان الإسهام في دعم الأعمال الوطنية وحركة التغيير طوال الفترة التي سبقت الثورة وما بعدها بتجرد كامل ، وقد وصف المرحوم الأستاذ / محمد على الأسودي في كتابه “حركة الأحرار” بأن دور الحاج هائل سعيد وابناء عمومته دوراً وطنياً، وأنهم كانوا يقومون بأعمال جليلة وصادقة . وكانوا لا يرجون من وراء ذلك شهرة ولا جزاء وهذه ميزة نادرة في بلادنا.. (وقد شارك في المجهود الوطني رائد وطني وقطب من أقطاب رأس المال الوطني ـ المواطن الغيور الحاج هائل سعيد انعم….) هذه العبارة جاءت في موضوع في صحيفة ” صوت العمال ” للكاتب الأستاذ المرحوم عبد الرحمن عبدالله الحكيمي. وبعد قرار الإبعاد من قبل السلطة البريطانية التي كانت تحتل عدن آنذاك وبعد الدور الذي قام به الحاج هائل سعيد في تغذية القيم الوطنية ومساندة الثوار كانت له كلمة قبل رحيله إلى شمال الوطن من جنوبه قائلاً ” سوف أقبل هذا القرار بكل سرور .. لأنني سوف أنتقل من داري الأول إلى داري الثاني وقال “أن ما نقدمه وما قدمناه في دعم الثورة انما نقدمه لأنفسنا ولأبنائنا ولأجيالنا القادمة و واجب علينا أن نحمي انجازات الشهداء الذين ضحوا من اجلنا ” ..
هائل سعيد في القدس
بعد قرار الإبعاد إلى شمال الوطن واستقراره في مدينة تعز عام 1974 قرر السفر في زيارة إلى أبنائه وابناء أخيه الذين كانوا يتابعون دراستهم هناك .. وكان الحاج هائل سعيد يحب زيارات المساجد والمآثر الإسلامية ، عكس أغلب التجار الذين يذهبون في أيامنا هذه إلى شواطئ العالم لقضاء فترة نقاهة ،لكن الحاج هائل سعيد كان التاجر المؤمن بإذن الله يبحث عن غذاء الوجدان وتنمية العبادة في وجدانه .. عندها قرر زيارة بيت المقدس التي كانت آنذاك خارج الاحتلال الصهيوني والتي ضمت بعد ذلك بعد نكسة 1967م.
خلق التواضع والحياء
من الصفات الاخلاقية الرئيسية في شخصية المرحوم خلق التواضع من غير تكلف أو تصنع ، لأنها صفة ملازمة له .. صفة أساسية في سلوكه وعلاقاته حتى في مظهره والجميع يعرف كيف كان الحاج هائل سعيد أنعم متواضعاً مع كل الناس .. الكثير من الشهادات من علماء تعز وهم يتحدثون عن صلاح الحاج هائل سعيد وحرصه على حضور حلقات العلماء والعلم والإستفادة منها رغم انشغاله بالأعمال التجارية التي اصبحت كثيرة خاصة بعد انشاء المصانع عام 1970 في منطقة الحوبان بمدينة تعز .
مواقف إنسانية رائدة
في عام 1972م اجتاحت البلاد مجاعة وشح في المنتجات الزراعية إضافة إلى بعض النزوح من أبناء الجنوب إلى الشمال هروباً من الوضع السياسي هناك وفي هذه الحالة كان الحاج هائل سعيد هو التاجر الإنساني الوطني المؤمن ، قام باستيراد القمح وقدم الدعم لتغطية حاجة البلاد .. وتغطية ثمنه بالعملة الصعبة ـ نظراً لعدم توفر العملة لدى البنك اليمني للإنشاء والتعمير .
المرضى و رعايتهم
لقد عرف المرحوم مدة حياته بأنه صديق المرضى،يحنو عليهم ويرعاهم الرعاية الكاملة، يعودهم في المستشفيات ويوفر لهم الدواء وكذلك الدم لمن يحتاج اليه وينقلهم بسيارته الليل والنهار دون كلل أو منٌة بل تغمره الفرحة ويغشاه السرور.. والمريض الذي يستعصي عليه المرض في اليمن يسفره إلى الخارج على حسابه.
رحلة الوداع
بدأت رحلة الوداع للحاج هائل سعيد انعم رحمه الله تعالى في أول شعبان من العام 1990م لتنتهي في الثامن والعشرين أوالسابع والعشرين من رمضان ، وما أحلى وأغلى على قلوب المؤمنين هذا التوقيت الذي ختمه الله على رحلة ذلك العملاق النبيل الخلوق التاجر مع الله قبل الناس الحاج هائل سعيد انعم.. ويشاء الله أن يجعل السنة التي توفي فيها الحاج هائل سعيد كلها تشرح النفس والروح، فكان قد أدى العمرة في شعبان وقرر البقاء في اليمن خلال شهر رمضان -غير العادة – رغم أنه عاد إلى مكة وزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى بلده بعد أن إطمأن على صحة زوجته وأحفاده والأمراض الذين يعالجون في مستشفى عرفات بجده على حسابه وبعد الاطمئنان عليهم كان موعده مع ربه .. وبينما هو ذاهب إلى قريته في الاعروق كان يمر على بعض المناطق المترامية على طريق قريته وكان يساعد أهلها ويقف أمام كل مركز وسوق – وهكذا تعود عليه الكثير من الناس في كل عام ..
ويحكى أنه بينما كان في الطريق إلى قريته قبل وفاته شاهد فتاتين ترعيان أغنام فناداهما وأعطاهما من المال وقال الحمد لله الذي أدخل السرور عليهما، بعد ان خافتا من توقف السيارة ومناداتهما.. وقبل أن يتجه إلى الصلاة والتهجد ..ذهب إلى غرفه نومه وقبل أن يريح جسمه على السرير توضأ وصلى ركعتين .. وكانت هذه عادته ألا ينام إلا بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين.. وكان شعوره إذا لاقى الله وانتقل إليه لاقاه وهو طاهر.. وكانت هذه اللحظات هي الأخيرة لامتداد ذلك التاجر الانسان في افضل الشهور وأفضل الليالي وأفضل الساعات نهاية لوخير الإنسان في توقيت موته لم يختار الا ساعة ووقت ما توفي الحاج هائل سعيد انعم.. أسكنه الله فسيح جناته وغفر له .. اللهم آمين..
* يمن فويس
هائل سعيد أنعم اتسع مدى عمله وفعله للخير على مستوى اليمن وخارجه بنية شخصية على نسق القيم الروحية والأخلاقية التي صقلت روحه وهذبت نفسه .. فأصبح يجود بالخير بنفس راضية مطمئنة . أعتبر العمل عبادة يتقرب بها إلى الله وجسدها في حياته العملية منذ البداية أسس المساجد والمصانع .. زاوج بين العمل والعبادة وأشبع المحتاجين.. رعى الأغنام وتاجر بالجلود وعمل بحاراً من مرسيليا إلى الصومال، ثم عدن، حتى استقربه المقام في مدينة تعز .. انسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
تاجر .. في زمن سقط فيه التجار إلى مهاوي الجشع والاحتكار الا من رحم ربي .. عملاق نبيل وخلوق وتاجر مع الله … هكذا كان هائل سعيد أنعم وهكذا جاءت اسرته من بعده.. في رمضان نذكره وفي العشر الأواخر بالتحديد يتلمس الفقراء وجهه الباسم، جاء مع ليلة القدر وذهب معها …
الانطلاقة
في العام 1923 كان يودع أهله وزوجته متوجهاً نحو عدن مع مجموعة من ابناء عمومته وأصحاب قريته ومنها إلى فرنسا ، وبعد رحلة دامت ثلاثة أيام وصل الحاج هائل سعيد إلى ميناء عدن ومن ثم استقل الباخرة المتجهة إلى مرسيليا فكانت هناك أول حكاية رحلة المرحوم هائل سعيد مع قدره في التجارة ، فمن خلال هذه الرحلة تعرف على الكثير من الأمور التي تهم التجارة وكيفية معاملة الناس.
مشاهدة مدينة مرسيليا .. ورغم كل المعاناة التي لاقها هناك حوالى خمس سنوات إلا أنه استطاع إختطاف الخبرة والرجولة في معترك الحياة .. حتى عاد إلى قريته في محافظة تعز . وكانت هذه الانطلاقة الأولى هي أول خطوة لرسم ملامح العمل التجاري.
في الصومال
وبعد العودة من فرنسا و الظروف العائلية، حيث توفي والده ، وتعثر ظروف العمل داخل مرسيليا ، قرر الحاج هائل عدم السفر، والإغتراب إلى فرنسا واتجه بعد ذلك بمساعدة ابن عمه وبعض أصدقائه إلى الصومال “بربره” ، والعمل هناك بتجارة الجلود وتوريدها إلى ميناء عدن ، ونجح في هذه التجارة رغم بعض الخسارة في البداية ، واستمر العمل في هذا المجال حوالى عامين . قبل قرار العودة إلى اليمن ..
ومن خلال هذه الرحلات بين فرنسا والصومال وجيبوتي وميناء عدن تستطيع القول بأن هذه المسيرة في الإغتراب قد اقفلت آخر فصولها بعد تجارة الصومال وهي تجارة الجلود .. لتبدأ مسيرة جديدة بالنزول إلى عدن للإستقرار.. وبإنشاء أول بادرة في العمل التجاري ، من خلال دكان صغير في منطقة المعلا التي كانت حينها منطقة نائية وليس داخل المدينة ، وقيل أنه اختار هذا الدكان لأنه قريب من جامع حرصاً على إدراك الصلاة في وقتها- جماعة.. وكان ذلك في العام 1938 ويعتبر هذا التاريخ الأول والفعلي لإنطلاقة الحاج هائل سعيد أنعم رحمة الله عليه .
العلاقة مع “البس ، وبارك”
“البس” هو تاجر فرنسي كان من كبار التجار وأشهرهم على مستوى منطقة البحر الأحمر وشرق إفريقيا ، وكان يحتكر تجارة المواد الغذائية و الملابس ، والكثير من السلع .. وكان الحاج هائل قد بدأ يتعامل معه بشراء السلع الغذائية والأقمشة من شركة “البس ” وتوزيعها على تجار ” المكلا” حتى كسب ود مدير الشركة الهندي ” السيد بارك ” الذي ارتاح لمعاملته وحسن أخلاقه ووفائه وقد تطورت العلاقة بين الحاج هائل وبارك حتى أنه أعطى الحاج هائل الكثير من البضائع دون أي ضمان يذكر، وبهذه العلاقة كان التوسع في مجال الخدمات التجارية وبدأ يتوسع في تطوير الدكان .. من خلال شراء طاحون.. وبدأ إخوانه وأبناء اخوانه يشتركون في العمل .. في الدكان والطاحون .. واستمر الحال إلى نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً بعد 1945 . إذ دخلت المنطقة مرحلة من الإنتعاش الاقتصادي والتجاري في البلاد .
هائل سعيد انعم وشركاءه
خلال المرحلة الممتدة من عام 1938-1952 كان النشاط التجاري يعرف باسم هائل سعيد أنعم وإخوانه ولكن التسمية للشركة تغيرت عام 1952 إلى شركة هائل سعيد أنعم وشركائه ، إثر وفاة المرحوم الحاج محمد سعيد الأخ الأكبر للحاج هائل .
الاتجاه نحو آفاق جديدة
كانت فترة الخمسينات قد شكلت تطوراً واسعاً في جوانب الحياة المختلفة في الجنوب والشمال .. سواء على المستوى الاقتصادي أوالتجاري بعد إنشاء المصافي .. في “البريقة” عام 1954، إذ تم إنشاء هذه المصافي كتعويض للمصالح الإنجليزية البترولية التي فقدتها في إيران بعد تأميمها اثر ثورة مصر عام 1952م وبدأت المؤسسة تتوسع في مجال العمل و على مستوى التصدير للسلع اليمنية الزراعية بعد انتقالها إلى الشمال عام 1969 … وبعد تأميم بعض الممتلكات، إلا أن الأسرة كانت قد أسست نشاطها في الشمال .. في مواصلة مشوارها العلمي والتنموي المبدع . وقد جسدت حنكة التاجر الحاج هائل سعيد، أسمى معاني القيم الوطنية في ايجاد صيغة تربط شمال الوطن بجنوبه وتمكنت المؤسسة من تصدير العديد من المنتجات الزراعية (الذرة .. والغرب والدخن .. والسمسم والبن) والجلود.. وشحنها بعد تجميعها من التجار إلى ميناء عدن ومن ثم إلى أوروبا والهند . ودول أخرى .
دعم الحركة التعليمية والثقافية
لقد اشتهر الحاج هائل سعيد في بدايته داخل عدن بالرجل الصالح والتاجر المحب لاصدقائه في عمله وفي إصلاح ذات البين ، و بدأ بعملٍ مؤسسي لمساعدة المساكين في إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد، هذه الصفة التي كانت وما زالت الصفة السائدة في المرحوم وأبنائه من بعده حتى يومنا هذا .. هذه لفتة قلما نجدها عند الكثير من التجار في الاهتمام بهذا الشكل الكبير في رفع الظلم الاجتماعي والإسهام إلى حد كبير في رفع مستوى التعليم لدى أبناء اليمن .
دوره النضالي
لم تكن أعمال الحاج هائل سعيد موقوفة على التجارة فحسب، بل لقد كان الإسهام في دعم الأعمال الوطنية وحركة التغيير طوال الفترة التي سبقت الثورة وما بعدها بتجرد كامل ، وقد وصف المرحوم الأستاذ / محمد على الأسودي في كتابه “حركة الأحرار” بأن دور الحاج هائل سعيد وابناء عمومته دوراً وطنياً، وأنهم كانوا يقومون بأعمال جليلة وصادقة . وكانوا لا يرجون من وراء ذلك شهرة ولا جزاء وهذه ميزة نادرة في بلادنا.. (وقد شارك في المجهود الوطني رائد وطني وقطب من أقطاب رأس المال الوطني ـ المواطن الغيور الحاج هائل سعيد انعم….) هذه العبارة جاءت في موضوع في صحيفة ” صوت العمال ” للكاتب الأستاذ المرحوم عبد الرحمن عبدالله الحكيمي. وبعد قرار الإبعاد من قبل السلطة البريطانية التي كانت تحتل عدن آنذاك وبعد الدور الذي قام به الحاج هائل سعيد في تغذية القيم الوطنية ومساندة الثوار كانت له كلمة قبل رحيله إلى شمال الوطن من جنوبه قائلاً ” سوف أقبل هذا القرار بكل سرور .. لأنني سوف أنتقل من داري الأول إلى داري الثاني وقال “أن ما نقدمه وما قدمناه في دعم الثورة انما نقدمه لأنفسنا ولأبنائنا ولأجيالنا القادمة و واجب علينا أن نحمي انجازات الشهداء الذين ضحوا من اجلنا ” ..
هائل سعيد في القدس
بعد قرار الإبعاد إلى شمال الوطن واستقراره في مدينة تعز عام 1974 قرر السفر في زيارة إلى أبنائه وابناء أخيه الذين كانوا يتابعون دراستهم هناك .. وكان الحاج هائل سعيد يحب زيارات المساجد والمآثر الإسلامية ، عكس أغلب التجار الذين يذهبون في أيامنا هذه إلى شواطئ العالم لقضاء فترة نقاهة ،لكن الحاج هائل سعيد كان التاجر المؤمن بإذن الله يبحث عن غذاء الوجدان وتنمية العبادة في وجدانه .. عندها قرر زيارة بيت المقدس التي كانت آنذاك خارج الاحتلال الصهيوني والتي ضمت بعد ذلك بعد نكسة 1967م.
خلق التواضع والحياء
من الصفات الاخلاقية الرئيسية في شخصية المرحوم خلق التواضع من غير تكلف أو تصنع ، لأنها صفة ملازمة له .. صفة أساسية في سلوكه وعلاقاته حتى في مظهره والجميع يعرف كيف كان الحاج هائل سعيد أنعم متواضعاً مع كل الناس .. الكثير من الشهادات من علماء تعز وهم يتحدثون عن صلاح الحاج هائل سعيد وحرصه على حضور حلقات العلماء والعلم والإستفادة منها رغم انشغاله بالأعمال التجارية التي اصبحت كثيرة خاصة بعد انشاء المصانع عام 1970 في منطقة الحوبان بمدينة تعز .
مواقف إنسانية رائدة
في عام 1972م اجتاحت البلاد مجاعة وشح في المنتجات الزراعية إضافة إلى بعض النزوح من أبناء الجنوب إلى الشمال هروباً من الوضع السياسي هناك وفي هذه الحالة كان الحاج هائل سعيد هو التاجر الإنساني الوطني المؤمن ، قام باستيراد القمح وقدم الدعم لتغطية حاجة البلاد .. وتغطية ثمنه بالعملة الصعبة ـ نظراً لعدم توفر العملة لدى البنك اليمني للإنشاء والتعمير .
المرضى و رعايتهم
لقد عرف المرحوم مدة حياته بأنه صديق المرضى،يحنو عليهم ويرعاهم الرعاية الكاملة، يعودهم في المستشفيات ويوفر لهم الدواء وكذلك الدم لمن يحتاج اليه وينقلهم بسيارته الليل والنهار دون كلل أو منٌة بل تغمره الفرحة ويغشاه السرور.. والمريض الذي يستعصي عليه المرض في اليمن يسفره إلى الخارج على حسابه.
رحلة الوداع
بدأت رحلة الوداع للحاج هائل سعيد انعم رحمه الله تعالى في أول شعبان من العام 1990م لتنتهي في الثامن والعشرين أوالسابع والعشرين من رمضان ، وما أحلى وأغلى على قلوب المؤمنين هذا التوقيت الذي ختمه الله على رحلة ذلك العملاق النبيل الخلوق التاجر مع الله قبل الناس الحاج هائل سعيد انعم.. ويشاء الله أن يجعل السنة التي توفي فيها الحاج هائل سعيد كلها تشرح النفس والروح، فكان قد أدى العمرة في شعبان وقرر البقاء في اليمن خلال شهر رمضان -غير العادة – رغم أنه عاد إلى مكة وزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى بلده بعد أن إطمأن على صحة زوجته وأحفاده والأمراض الذين يعالجون في مستشفى عرفات بجده على حسابه وبعد الاطمئنان عليهم كان موعده مع ربه .. وبينما هو ذاهب إلى قريته في الاعروق كان يمر على بعض المناطق المترامية على طريق قريته وكان يساعد أهلها ويقف أمام كل مركز وسوق – وهكذا تعود عليه الكثير من الناس في كل عام ..
ويحكى أنه بينما كان في الطريق إلى قريته قبل وفاته شاهد فتاتين ترعيان أغنام فناداهما وأعطاهما من المال وقال الحمد لله الذي أدخل السرور عليهما، بعد ان خافتا من توقف السيارة ومناداتهما.. وقبل أن يتجه إلى الصلاة والتهجد ..ذهب إلى غرفه نومه وقبل أن يريح جسمه على السرير توضأ وصلى ركعتين .. وكانت هذه عادته ألا ينام إلا بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين.. وكان شعوره إذا لاقى الله وانتقل إليه لاقاه وهو طاهر.. وكانت هذه اللحظات هي الأخيرة لامتداد ذلك التاجر الانسان في افضل الشهور وأفضل الليالي وأفضل الساعات نهاية لوخير الإنسان في توقيت موته لم يختار الا ساعة ووقت ما توفي الحاج هائل سعيد انعم.. أسكنه الله فسيح جناته وغفر له .. اللهم آمين..
* يمن فويس