الرئيسية / تقارير وحوارات / أحمد صالح: علي عبدالله صالح لايزال في سدة الحكم
أحمد صالح: علي عبدالله صالح لايزال في سدة الحكم

أحمد صالح: علي عبدالله صالح لايزال في سدة الحكم

02 أبريل 2012 08:01 صباحا (يمن برس)
يقرأ ما يعتمل على الساحة اليمنية من زاوية مغايرة للمألوف، نظرته إلى القادم متشائمة ولا يستبعد الحرب الأهلية أو التقسيم الداخلي.. يقول: إن الثورة لم تتمكن من المضي في المسار الذي تسير فيه الثورات عادة، ولم تتمكن من تحقيق التغيير الجذري، ولهذا فهي عنده خُمس ثورة فقط.. المفكر والمهندس أحمد صالح الفقيه في حوار مع «الجمهورية» يدلل على ما قال إنها خُمس ثورة باستحضار التاريخ القريب والحاضر المضطرب والمستقبل المخيف..

-كيف يقرأ المهندس والمفكر الأستاذ أحمد صالح الفقيه ما يعتمل اليوم على الواقع؟
ما يعتمل على الساحة اليمنية اليوم يخيف ويثير أعمق المخاوف لدى كثير، لم تتمكن هذه الثورة من أن تمضي في المسار الذي تسير فيه الثورات عادة، لم تتمكن من تحقيق التغيير الجذري ولهذا أصبحت خُمس ثورة ولا أقول نصف ثورة، ولايزال الوضع يعتمل بتفاعلات جديدة ربما تؤدي إلى الحرب الأهلية أو التقسيم الداخلي، التغيير الذي حصل في صنعاء مثلاً هو صوري، أنا أعتقد أن علي عبدالله صالح لايزال في سدة الحكم ولم يتنازل عن السلطة إلا شكلياً، في اليمن لا يمكن لرئيس أن يحكم إلا إذا كان مدعوماً من الجيش وقوة قبلية كبيرة، بعد ثورة 26 سبتمبر في الشمال 62م لم يكن هناك جيش بالمعنى المؤسسي، ولم تكن القبائل تساند الرئيس السلال فانتهى السلال، عندما ازدادت حدة الصراع بين الرئيس الحمدي والقبائل اغتيل بسهولة، ما يتعلق بالإرياني كثيرون ربما لا يعرفون أن الإرياني كان ينادي بالدولة المدنية، كان يريد أن يوجد دولة حديثة لكنه لم يتمكن، وفي تعامله ربما اتبع الطريقة الأمريكية مع القبائل القائلة: ارمِ له الحبل ودعه يشنق نفسه، عندما رأى الضغط القبلي ازداد عليه عين المشايخ محافظين مثلاً، الصعدي في صعدة، العواضي في تعز، الشيخ سنان أبو لحوم في الحديدة، وكان ينتظر أن هؤلاء الناس سيرتكبون من الأخطاء ما يفضي إلى إحراق كروتهم ولكن كان هناك ما هو أكثر، في أواخر عهد الإرياني حدث تجمع كبير لمشايخ بكيل في ريدة وأردت أنا أن أذهب إلى هناك لأرى ما ذا يحدث، فذهبت مع الملازم محمد علي عمران إلى هناك أتذكر أني كتبت بياناً باسم تنظيم اتحاد القوى الثورية الديمقراطية الشعبية في عام 71م وكتبت رداً عليه من المشايخ وطلبت منهم التوقيع فوقعوا، على الرغم من أن البيان يدينهم أو ضدهم في الواقع وكان فيه بنود تدعو إلى القضاء على الإقطاع، وكانوا بالطبع يسألوننا هل لنا علاقة بعدن؟ وأظن أنهم توهموا أن هذه العلاقة موجودة، بعد طباعة البيانين وتوزيعهما كانت الخطوة التي بعدها أنهم ذهبوا إلى عدن وكانوا يعتقدون أنهم سيجدون في عدن مصدرا للمال، لأن الأموال كانت قد جفّت من السعودية بعد المصالحة، وهم لهم فلسفة في هذا الموضوع لو قرأت مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم، قال: ذهبت إلى الشيخ الغادر وقلت له: لقد جمعنا كثيراً من المال والسلاح فيكفي، ولنعد الآن نبني بلدنا، قال لي: لقد جمعت من المال والسلاح ما لم يجمعه الإمام، وصار عندي الكثير، ولكن انظر من النافذة هؤلاء الذين يجلسون على باب بيتي يريدون مدداً مستمراً من المال والسلاح، وإذا لم يجدوا المدد لن تجد أحداً منهم يجلس على بابي أو يلتف حولي. اليمنيون برجماتيون يقفون وراء مصالحهم. وقد ذهب الشيخ الغادر إلى عدن بالمثل بحثاً عن المال والسلاح وحصلت تلك المجزرة الشهيرة التي قتلت ما يزيد عن سبعين شيخاً في بيحان، في هذه الفترة كنت في صنعاء وقد شاهدت قبائل خولان تدخل صنعاء بحوالي خمسمائة سيارة وبالزوامل وكنت بين الحشود التي تستقبلهم بساحة القصر الجمهوري بصنعاء، وتحدث خطيبهم بالانتقام للمشايخ الذين قتلهم الشيوعيون، فرد عليه القاضي الإرياني في خطبة ابتدأها بقوله: الغادر أتعبني صغيراً وحملني دمه كبيراً، ومما قال لهم: إذا كنتم يا خولان قد عدتم إلى جادة الصواب ووصلتم إلى صنعاء، لتنالوا نصيبكم من المشاريع كالمدارس والمستوصفات وغيرها فهذا شيء طيب، أما إذا أردتم منا أن نحارب طواحين الهواء فلن نفعل. الشيء الغريب أن تجمع بكيل ذاك في ريدة هو احتجاج على حاشد التي تحصل على كل شيء من وجهة نظرهم وأنهم لا يحصلون على شيء, ولكن الذي حدث بعد أنه تكاتف مشايخ حاشد وبكيل بالضغط على الرئيس للانتقام للمشايخ على اعتبار أنهم يشكلون طبقة مصلحتهم واحدة، كنت قد ذهبت بعدها إلى القرية وهي قريبة من قعطبة، جاء الشيخ أحمد علي المطري وبدأ يجند من أهالي المنطقة يعطي السلاح والمال لكل من ينضم إليه في منطقة كتاب، وبعدها بدأت الشاحنات تسير إلى عدن بالزوامل لتدمير وقتل الشيخ عثمان متوعدين أنهم لن يبيتوا إلا في ديوان الشيخ عثمان في عدن!! بعدها بأيام كنت أرى رجال القبائل يرجعون إلى القرية جوعى وفي حالة يرثى لها، وقالوا الجيش عاب بنا، وضعنا في الصفوف الأولى للمعركة وبقى في المؤخرة والجنوبيون أشعلوا الجبال التي كنا فيها ناراً، وإذا رجعنا إلى الخلف أخذ الجيش أسلحتنا وطردنا، فبدا لي أن هناك اتفاقاً بين الحكومتين في الشمال والجنوب لتلقين القبائل درساً عسكرياً وسياسياً في تلك الحرب التي كان عنوانها الانتقام للمشايخ، وأرى أن هذا كان السبب المباشر للضغط على الإرياني بالاستقالة..

ـ عفواً أستاذ أحمد.. أريد ربط هذا بما يجري اليوم على الساحة؟
ما يجري اليوم على الساحة ليس بعيداً عن نمط التفكير القبلي باعتبار القبيلة هي وحدة سياسية واجتماعية، وربما انطبق عليها تعريف الدولة إلى حد كبير، شعب وأرض وموارد اقتصادية إضافة إلى موارد مشتركة، القبيلة عندما تتوسع تتحول إلى دولة، ومنصب الشيخ هو منصب سياسي، الشيخ هو مسئول عن شعبه، عن قبيلته، مثلما رئيس الدولة مسئول عن شعبه. عندما يبدأ اختراق من المشايخ للدولة تبدأ هنا الصراعات تظهر، وأضرب لك مثلاً: تم احتجاز ضابط أمن من ذمارفي شرعب، هذا الضابط ابن الدولة، ومرتبط بها بوظيفة رسمية، والذي يفترض أن يخلصه وأن ينتصر له الدولة، ولكن الذي حدث أن مئات الأطقم والسيارات التابعة للمشايخ تحركت من عنس وتجاوزت محافظتي ذمار وإب ووصلت إلى تعز في طريقها إلى شرعب لكي تخلص ابنها من الاعتقال!! هل يمكن أن يحصل هذا لو لم يكن وزير الداخلية شيخاً من عنس؟!! إذن هناك تضارب في المصالح، الشيخ يضع مصالح قبيلته في المقام الأول، والمفترض في الوظيفة الحكومية أنها تخدم الشعب كله، هذا الخلط الذي حصل بين القبيلة والدولة هو أحد أسباب الفوضى الكبيرة التي شاعت في عهد علي عبدالله صالح، كانت هناك حكمة لدى الأئمة سابقاً بعدم السماح للمشايخ بتولي مناصب حكومية، كانوا يوظفون السادة الهاشميين أو من عامة الناس قضاة وحكاماً وغير ذلك، بعد تأهيلهم في دار العلوم أو غيرها، البريطانيون أيضاً كانوا يفعلون ذلك.

ـ طيب لماذا اليوم صار لهم كل هذه الهيمنة؟
انتصروا أصلاً على منطق الدولة واستولوا عليها، ما قاله محمد حسنين هيكل من أن الذي يحصل في اليمن هو قبيلة تبحث عن دولة هو صحيح في مضمونه لكن من حيث تفسيره خطأ، لأن القبيلة قد تحولت إلى دولة فعلاً، وليس مجرد أنها تريد.

ـ لكن القبيلة برموزها اليوم تقف مع الثورة في مختلف الساحات؟
الذي حدث هو أن علي عبدالله صالح ليس شيخاً ولما شعر أن مخالبه قد اكتملت أحسّ بأنه قد أزاح كثيراً من العقبات من أمامه، وأراد أن يفرض منطق الدولة ولكن بمفهومه الشخصي بعد أن ضاق بابتزازهم له، ولذا ثاروا عليه، والمشايخ ركبوا ثورة الربيع العربي، وبدأوا يقودون الثورة المضادة، ومن المؤسف أن الثوار اليوم يصبون بجهودهم اليوم في خانة هذه الثورة المشيخية..

ـ الثوار يصبون في خانة الثورة المشيخية أم العكس؟
لا.. المشايخ جاءوا وركبوا الثورة اليوم أصبحوا يقودون الشباب في طريق استكمال سيطرة السلطة المشيخية على الدولة.
 اليوم المشايخ يقولون إنهم مع قيام الدولة المدنية ودولة النظام والقانون؟
قلت لك إنهم وقعوا معي على بيان يطالب بإسقاط الإقطاع السياسي.. هم مثل الشعراء يقولون ما لا يفعلون.

ـ قلت في مقال سابق لك أن البرجوازية اليمنية برجوازية رثة، أي ـ وحسب ما أفهم ـ برجوازية بعقلية إقطاعية.. كيف؟
نعم. دعني أذكرك بشيء، بعد حرب أكتوبر 74 حدثت طفرة نفطية مهولة في الخليج، في ذلك الوقت كان اقتصاد مصر يوازي تقريباً اقتصاد اسبانيا، وكانت هناك دول عربية كثيرة في حالة جيدة، واليمن كان يمكن له أن يتطور كثيراً بحكم الوشائج السياسية التي تربطه بالسعودية، تحويلات المغتربين كانت مبالغ ضخمة جداً، وكان اليمنيون يسمح لهم بالتجارة وبالعمل الحر وغير ذلك، وقد كنت أنا شخصياً أحد المغتربين في السعودية، رأيت كيف اتجهت الشركات الكورية والتايوانية وغيرها في أسواق الخليج، بدأوا ينافسون الغرب بالذات في مجال المقاولات والإعمار، وبدأوا يخفضون كثيراً من أسعارهم إلى درجة لا يستطيع معها الغرب أن ينافسهم، وسألت مرة وأنا أعمل في شركة هولندية لماذا أنتم هكذا كل صباح تعملون عرضاً عسكرياً كل يوم؟ فقال: نحن عسكريون، وحكومة بلادهم تشكلهم في فيالق وفرق وألوية وتسلمهم للشركات الكبرى، التي بدورها تقوم بتدريبهم على الحدادة والنجارة وغيرها ونأتي نحن الضباط مهندسين في هذه الشركات، هذه الشركات كانت تتمكن من الحصول على المقاولات بأسعار قليلة، الشركات التي كانت تأخذ تلك المقاولات هي الشركات التي تسمع عنها اليوم في عالم الإلكترونيات وصناعة السيارات وغيرها. الدول التي أرادت اقتصادياً رأسمالياً استفادت من هذه الطفرة البترولية، وخلقت تراكماً رأسمالياً كبيراً في مجالات واسعة من صناعة السفن إلى صناعة السيارات إلى صناعة الإلكترونيات، لكن ما ذا فعل رأسماليونا بثرواتهم؟ ما ذا أعطوا الشعوب؟ سمن وصابون وعصائر فاسدة؟ ماذا فعلوا. اليمن بلد غني فيه الكثير من الموارد هل استثمروا فيها؟ هل استثمروا في الزراعة؟ هل استثمروا في صيد الأسماك؟ هل استغلوا شواطئنا؟ هل بنوا مدناً صناعية ولو بالمشاركة مع الدول الأخرى؟ عندنا مخزون استراتيجي كبير، نستطيع أن نكون منطقة تصنيع كبيرة لأفريقيا وجنوب آسيا، كل الذي فعلوا أنهم أمّنوا مستقبل عائلاتهم، يعيشون في قصور تنافس قصور المسئولين، يركبون أفخر السيارات، ويستوردون سيارات البورش وغيرها من وسائل الراحة والرفاهية، يوجهون اليمني نحو الاستهلاك لصالح الشركات الخارجية، لا غير!! هذه ليست رأسمالية وطنية.

ـ لكنها احتوت كثيراً من الأيدي العاملة وامتصت البطالة الموجودة في الشوارع..؟
هناك إحصائية قامت بها منظمة الجي تي زد، لعدد من الشركات الكبيرة وكم عدد العمال الذين تحتويهم؟ بعد حرب 94م عندما تم انخفاض الريال اليمني إلى أقل من 80 % أصبح العامل اليمني أرخص من العامل الأثيوبي، أرخص من أي عامل أفريقي. رجال الأعمال الوطنيون كان يجب أن يستغلوا هذا الرخص لإنشاء المشاريع الصناعية التي سينتج عنها طفرة في البلاد، وستتمتع بميزة لم تكن تتمتع بها من قبل وهي الأيدي العاملة الرخيصة، وكان يفترض أن يؤدي هذا إلى طفرة صناعية كبيرة، لكنهم نقلوا الأموال إلى مصر، نقلوها إلى المغرب، نقلوها إلى الخليج، لكي يمارسوا التجارة التي تحتاج إلى قوة شرائية كبيرة، لم يعملوا شيئاً لتنمية بلدانهم، الرأسمالية الوطنية انتشلت أبناء بلدانها من الفقر والعوز إلى الغنى، دولة صغيرة مثل سنغافورة مساحتها ضعف مساحة المنطقة الحرة بعدن فقط، بكل ما فيها بجزرها بمياهها الإقليمية، دولة ناهضة، عندنا الذي عملوه أنهم تقاسموا ميناء المعلا، واحد جعله صوامع غلال، وآخر مركزاً للتجارة.. ميناء المخا عندنا تحول إلى ميناء لتهريب الديزل وقد أصلحته إحدى الدول الأجنبية وأهلته لاستقبال السفن بعد أن كان لا يستطيع استقبالها. هذا التهريب يجري على يد العسكريين، لا يوجد استغلال جيد من قبل الرأسمالية اليمنية يعود بالنفع على المواطن وعلى البلد بالشكل المطلوب، ليست لديها طموحات حقيقية لأن تكون قائدة للتنمية في البلاد، هي مجرد طفيلي يريد أن يحقق مكاسب من أي طريق بأسرع الطرق الممكنة، ويمارس أيضاً الفساد والإفساد، وهناك قادة عسكريون ومحافظون ومسئولون يتسلمون رواتب من رجال أعمال، لتسهيل أمورهم، وهم لا يدفعون العائدات الضريبية، 80 % من العائدات الضريبية تأتي من راتبي وراتبك وراتب الموظف المسكين فقط! حتى العشرين في المائة الباقية لا تصل كلها إلى الدولة..

ـ عندنا البنوك الإسلامية أو التي تسمي نفسها إسلامية كيف تنظر إليها؟
اليوم حتى الشركات الأمريكية أو البنوك الأمريكية فتحت بنوكاً إسلامية!! أي إسلامية تقصد؟ كل عملياتهم التي تسميها إسلامية والتي يبسط عليها المشايخ هي معاملات ربوية، شبيهة ببيع العينة، تأتي إلى عندي وتقول لي اشتري لي شيء الفلاني بسعر ثم أبيعه عليك بسعر، هذا هو بيع العينة! المسألة تحايل فقط. وهذا تحليل وهابي للربا وموجود في منطقة مقيبرة في المملكة العربية السعودية في الرياض! هم يكذبون على الناس ويقولون إنها عمليات إسلامية وبالعكس لا علاقة لها بالإسلام! هناك جوانب راقية وجيدة في الإسلام لو تأملناها بعيداً عن هذه الأنماط، واحدة من أهم المشكلات الاقتصادية العالمية هي بيع ما لا تملك عن طريق البورصة.. وقد تمكن أحد المرابين اليهود من تدمير الكثير من الشركات العملاقة بهذه الطريقة التي تسمى “شورت أوبريشن”!!

ـ إذن ما هي أولويات اليمن خلال الفترة القادمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي؟
أولويات اليمن هي بناء الدولة، أنا لا يهمني أن يكون القانون عادلاً أو جائراً، الذي يهمني أن يتم تطبيقه على الجميع، المساواة في الظلم عدل، على الصغير والكبير، الدولة الحديثة يجب أن يتساوى فيها الكل، لا يمكن للدولة أن تبنى إلا إذا خضعت القوة العسكرية والأمنية للقيادة السياسية، سواء كانت شرعية وراثية أو شرعية شعبية أو غيرها، لا تتحول القوى العسكرية إلى إقطاعية.. وللوصول إلى هذا يجب علينا خلق نوع من التوازن بين مختلف القوى، البعض تغول حتى الآن، وعلى أي رئيس قادم أن يعمل على تقوية الضعيف خلال المرحلة القادمة فإن لم يتمكن من ذلك فليعمل على إضعاف القوي، لأنه إذا توازنت القوى داخل المجتمع سيرغمون على الجلوس إلى الحوار، وعند ذلك سيصلون إلى نقطة الوصل بين الطرفين.

ـ نحن مقدمون على الحوار الوطني خلال المرحلة القادمة ما الذي ينبغي أن يكون؟
هذا الحوار بهذه الطريقة التي تتم الآن، مهزلة، اليمن لا يمكن أن يحكمها حاكم إلا إذا كان يملك قوى عسكرية، القوى العسكرية اليوم بيد علي عبدالله صالح وأولاده وبيد علي محسن والإصلاح، لا توجد قوى قبلية وراء الرئيس هادي، منطقته احتلتها القاعدة أو علي محسن والرئيس، قبيلته هي حزبه المؤتمر الشعبي العام، وجيشه جيش علي عبدالله صالح، وبالتالي فالذي يحكم هو علي عبدالله صالح. كل ما يتحدث عنه الإصلاح من إسقاط لعلي عبدالله صالح هو إنقاذ لأنفسهم، عملية الحصانة والمبادرة جاءت إنقاذاً للقاء المشترك بالدرجة الأولى. الحوار يحتاج الى آلية لاختيار المتحاورين اولاً وأن تكون كل القضايا ممثلة أما أن تختار المتحاورين على مزاجك فأنت تحاور نفسك.

ـ كيف إنقاذاً للقاء المشترك؟
عندما يقوم أي حزب سياسي أو مجموعة سياسية بوضع مشاريع سياسية تفشل الواحدة تلو الأخرى، بدأوا بالمجلس العسكري، ثم أنشأت توكل كرمان المجلس الانتقالي، ثم المجلس الوطني، وحدثت تلك الاستقالات منه، وقبله لجنة الحوار الوطني، ومع هذا فلا أحد عبرهم، أو سار في ركبهم، جاءت المبادرة الخليجية ورفعتهم إلى السقف وأخرجتهم من ورطتهم وأدخلتهم الحكومة دون استحقاق.

ـ لكن ألا ترى أن الإصلاح على وجه التحديد يملك شعبية واسعة وجماهيرية وعنده إمكانيات كبيرة؟
كيف لا يكون ذلك، وعنده خمسمائة مليون دولار من قطر، هذا المبلغ لو يملكه أي عامل نظافة في الشارع لأصبح ذا شأن كبير..

ـ هم موجودون من قبل ولهم تواجدهم الملحوظ؟
سأقول لك كيف هم متواجدون، عندما قام علي عبدالله صالح ونقض الاتفاق بخصوص التعديلات الدستورية خرجوا وعملوا مؤتمراً في ملعب الشهيد الظرافي، ثم أخرجوا نوابهم في البرلمان إلى الشمس من داخل القاعة، ثم طالبوا بهبّة شعبية، هل رأيت أحداً هبّ؟ ولا أحد هبّ!!

ـ طيب من أخرج هؤلاء الجموع والحشود إلى الساحات والميادين في أنحاء البلاد؟
الذي أخرجهم هو البوعزيزي..

ـ كل هؤلاء أخرجهم البوعزيزي؟!!
نعم. حصلت موجة، والناس ركبوا الموجة، والمشايخ حضروا، والذي حصل أن شبابنا كانوا أغبياء، تقبلوا هذه القوى مرددين حيا بهم حيا بهم.

ـ من يرعاهم؟ من يوجههم؟
لو أن الثورة تركت لمسارها الطبيعي وكان الشعب سيتعلم كيف يعتمد على نفسه، هذه فكرة الساحات هي وسيلة لاستغلال الناس، لم يحصل في أي مجتمع ساحة، يثور الناس طوال النهار في الشوارع ثم يعودون إلى بيوتهم، انظر ما يحصل في سوريا اليوم. ما عدا في مصر تجمع الناس يومين أو ثلاثة أيام في الميدان وانتهى النظام واليوم لايزالون يعاودون الميدان بحكم أن الثورة لم تحقق أهدافها، التظاهر لا يحتاج إلى ساحات، تجمع الناس ويحوطهم علي محسن بجنوده، ثم يأتي صالح السنباني ليدير الساحة، لا اللجنة التنظيمية ولا شباب الثورة هو من يدير، فقط إدارة صالح السنباني، وفلوس حميد الأحمر، ساحة تعز ضربت لأنه ما استطاع أن يحتويها مدير تنفيذي.

ـ برأيك لماذا أخذت الثورة في اليمن مساراً مغايراً لما سارت عليه مختلف الثورات العربية؟
سيطروا على الثورة من أول يوم وأفشلوها، ومع هذا لايزال هناك ثوار في الساحة، لايزال هناك من يقاوم لإيجاد شيء، لكن القوة الغالبة اليوم هم القبائل من أرحب من خولان، من بني الحارث من غيرها، الإصلاح يحشد أعضاءه حشداً، وهذه هي طريقة علي عبدالله صالح في الحكم ثلاثاً وثلاثين سنة مضت، الشيخ ليس نفوذاً إلا من خلال الدولة، الدولة هي التي تمنحه النفوذ، الشيخ يتحالف مع الدولة على القبيلي لخلق مشكلات له، وهو نفس أسلوب الإمام تماماً، مقابل أن يحشد الشيخ الناس في الانتخابات لعلي عبدالله صالح، وأعتقد أن الذي كان يطبقه علي عبدالله صالح هو ما يطبقه الإصلاح تماماً، الإصلاح خبير في هذه المسائل.

ـ الإسلاميون الآن قادمون ويبدو أنهم من سيتصدر المشهد السياسي القادم.. ما ذا ترى؟
أنا أتنبأ لهم بنهاية سريعة ومخزية قريبة، لا يمكن أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، هؤلاء ناس ظلاميون بكل معنى الكلمة، ومتخلفون إلى أبعد الحدود، ناس يعيشون في القرن الثالث الهجري، أفضل إسلامي في الوطن العربي سيصل إلى النموذج السوداني، النموذج التركي مستحيل، لأن النموذج التركي لم يكن له النجاح إلا في ظل الدائرة العلمانية المفروضة عليهم، جعلهم يتلاءمون مع روح العصر، والأسوأ مما قد يصلون إليه هو النموذج الطالباني أو الصومالي.

ـ عندهم شباب مؤهلون وعندهم حملة الشهادات العليا والمهندسون والأطباء؟
لديهم كوادر، لكن هل هؤلاء الكوادر هم الذين يقودون؟ كتبت مقالاً سابقاً وقلت نعمل ما يسمى بـ”التابولا رازا” أي الطاولة النظيفة، نبدأ من الجهاز الحكومي وعن طريق قياداته بمحاولة التغيير بصدق وجدية، كل وزارة، كل إدارة حكومية من درجة مدير عام فما فوق يقوم الموظفون باختيار مسئولهم من بينهم من الكوادر النزيهة، وهكذا يتم التغيير بهذه الصورة من درجة مدير عام فما فوق، اقترحت بالنسبة للأحزاب أن تستقيل جميع قياداتها القديمة، ولجانها المركزية ويصعدون قيادات شبابية، اقترحت بالنسبة للجيش أن يكرر اليوم ما فعله أثناء حصار السبعين، تقوم الكتائب بانتخاب قائد لها ثم القادة الكبار فالقيادة العامة من أسفل إلى أعلى وهكذا..

ـ لكن ألا ترى أن هذه الفكرة قد تكون طوباوية إلى حد ما؟
لم تكن طوباوية في السبعينيات. عندما جد الجد وقف الناس معلنين إما الجمهورية أو الموت، هذا ما حدث، تم تحديث جذري في الجيش والإدارات الحكومية مباشرة، تم إبعاد القيادات القديمة بصرف النظر عن انتماءاتهم.

ـ هذا ما نادى به الثوار وهو ما عملته وتعمله ثورة المؤسسات اليوم؟
نعم، ولكن ليؤتي بفاسد بدلاً عن الفاسد السابق، أو إصلاحي ليحل محل مؤتمري كما لو أنها عملية تقاسم، نحن نريد أن تتم العلمية بقناعات الناس وبقناعات الموظفين، أهل مكة أدرى بشعابها، الموظفون هم الذين يعلمون من هو النزيه ومن هو غير النزيه. وقاعدة الفساد غير واسعة عندنا لأن الفاسد الكبير يأكل ولا يؤكل..

ـ مؤخراً السلفيون يفاجئون الشارع بإعلانهم حزباً سياسياً بعد أن كانوا جماعات بعيدة عن العمل السياسي المباشر إلى حد ما؟
أنا مع أن يعمل الناس كلهم في إطار سياسي أياً كان اتجاههم، السلفيون هم زراعة سعودية، الإخوان المسلمون حصلت بينهم خلافات مع المملكة العربية السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر، خرج الأمير نايف يقول: الإخوان المسلمون هم أصل كل البلاء في المنطقة، وكانت قد حصلت خلافات بين قطر والسعودية بعد أحداث الخفوس بينهما، على الحدود القطرية السعودية حيث هاجم الحرس الملكي السعودي هذا المكان واستولوا عليه، وكان أبو حمد الأمير الحالي خانعاً أمام السعودية، ويتعامل معهم بالحسنى، فغضب الابن وقام بالانقلاب عليه وأتى بالقواعد الأمريكية إلى قطر، لكي يحدث نوعاً من التوازن مع السعودية وأنشأ قناة الجزيرة، وعندما تخلت السعودية عن الإخوان المسلمين احتضنهم هو، الآن مع موجة الربيع العربي أصبحت قطر هي التي تقود موجة التغيير وتدعم الإخوان المسلمين وتوزع لهم الأموال، وبدأت تسخر الثورات للمصالح الأمريكية والأمريكيون استغلاليون بطبعهم، وتمكنوا من تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه في العراق وفي غزة وفي جنوب لبنان.

ـ وهل الإخوان من السذاجة بمكان أن ينقادوا وراء المصالح الأمريكية بهذه السهولة؟
هم في مأزق تاريخي، ويشعرون بأنهم كما قال علي عبدالله صالح فاتهم القطار ويريدون أن يلحقوا بآخر محطة في المشوار ولو كانت أمريكية..

ـ نعود إلى السلفيين مرة أخرى؟
السلفيون هم ذراع السعودية، والسعودية لها طريقة في الحصول على النفوذ في البلدان من خلال الرشوة، ترشو الناس من عند رئيس الدولة فما تحته عبر اللجنة الخاصة من مدنيين وعسكريين وقبائل، وغيرهم، حتى أمريكا ترشوها المملكة، إذا رأوا نجماً لامعاً في السياسة الأمريكية يأتي رجال المال والأعمال السعوديين ويدخلون معه في شراكة و”ينفعونه” حسب المصطلح السعودي، السعوديون اتجهوا إلى دعم المسئولين في المنطقة كلها، دعموا ابن علي، دعموا مبارك، والآن دعموا السلفيين يحركونهم كما شاءوا، وجهوهم بإنشاء حزب سياسي وقد كانوا يعتبرون الحزبية رجساً من عمل الشيطان لكن الشغل شغل سياسة، والدين عندنا سياسة، والأغبياء الذين يتحمسون للدين من وجهة نظرهم يدافعون عن عائشة وعن صفية وعن علي وعن معاوية وعن زليخاء، هذه وسائل سياسية، لكن جميل أن يتحاوروا مع الناس ويدخلوا السياسة بدلاً أن يذهبوا لعمل قاعدة وقاعدة، بدلاً من أن يتقاتلوا يتحاورون. المعاهد العلمية عملت غسيل دماغ لأجيال من اليمنيين، الآن تأخذ أكبر حداثي من الشباب تناقشه لكن سرعان ما يقفز السلفي من داخله.

ـ توقعاتك المستقبلية؟
توقعاتي أحد أمرين إما أن يحدث توازن وحوار حقيقي وأنا أؤمل على الدور الإيراني في اليمن أن يوازن الدور السعودي وهو دور مطلوب ولو أنه ضعيف ومخترق، الأمن القومي حقنا يمكن أنه اخترق الإيرانيين، أنا أعرف كثيرين من الذين يتعاملون مع الإيرانيين هم أصلاً أعضاء في الأمن القومي، والإيرانيون يمولون مشاريع الأمن القومي دون أن يدروا أحياناً يصل بهم الغباء إلى هذا الحد، لابد أن يتوازى الدور السعودي الإيراني في اليمن، نحن ليست لدينا خصومة مع إيران، الإيرانيون لم يحتلوا أراضينا، لم يخلقوا فتناً في بلادنا، لم يتسببوا في خلق فتنة عامة أو مذهبية في بلادنا..

ـ لم يؤسسوا لوبيا ما في اليمن أو جماعة؟
لم يؤسسوا لوبيا ما في اليمن، هذا ما يحاولون أن يفعلوه. وهذا من حقهم، هم بلد واسع، وهناك صراع عالمي وإيران من دول الممانعة في الشرق الأوسط ضد أمريكا، وأعتقد أن وقوف الصين وروسيا معها هو في إطار مصالحها، ومن يستطيع أن يمنح ويمنع الطاقة اليوم هو من يحكم العالم، الطاقة تشح هذه حقيقة معروفة، هناك سباق عالمي..

ـ هل أنت مع عملقة التيار الحوثي عندنا في اليمن؟
أنا مع أن الضعيف يقوى أو القوي يضعف، لا أريد لأحد أن يتعملق على حساب الآخرين، أنا أفضل ألا أحد يمتلك القوة غير الدولة، لكن هذا أمر واقع اليوم، لا تستطيع أن تأتي بأناس يتغولون على حساب أناس آخرين ثم تلوم الآخرين لأنهم لجأوا إلى دولة ثانية يطلبون القوة منها، هذا الدعم مطلوب، الدولة اليمنية إذا أردتها أن تكون مستقلة وآمنة فلابد أن تبحث لها عن علاقة قوية مع إيران..

ـ لماذا مع إيران؟
لأن إيران هي قطب الرحى في المنطقة وكل الأمور تدور حولها، فإذا أنت بنيت علاقات قوية مع غيرها حتى هؤلاء الجيران الذين يريدون أن يستغلوك ويضغطوا عليك ويستخدموك، سينظرون إليك بالعينين بدلاً من العين الواحدة، هؤلاء الذين يتعاملون مع اليمنيين كالعبيد ويضربونهم ويهينونهم ويتهمونهم..

ـ هناك جدل بشأن الحضور الإيراني أو السعودي في اليمن وكل طرف يرى في الطرف الآخر أنه خطر.. ما الذي تراه أنت؟
اليمن خطر على نفسه أولاً، لكن وجود الإيرانيين يمكن أن يكون مفيداً جداً، لو فتح باب الاستثمار في اليمن لتحولت اليمن إلى بلد عظيم وإلى جنة، وفي فترة وجيزة، اليمنيون لم يحسنوا استغلال وجودهم بجانب الخليجيين، بناتهم يتم استغلالهن في الزواج السياحي، رجالهم يتسللون في الحدود أساءوا إلى سمعتهم، الحكومة منبطحة، المسئولون تافهون، المشايخ متسولون ومبتذلون هناك، أين الكرامة اليمنية التي صدعونا بها؟

ـ أنت اطلعت على الوثيقة الفكرية للحوثي ما الذي لفت نظرك فيها.
هذا أمر طبيعي، وهذا فكر موجود من قديم ولديه الرغبة في حفظ المركز الرئيسي الأول وتقويته في البلاد، الفكرة سياسية، والصراع القبلي لا يسمح بالتعايش ولهذا كان الناس يبحثون عن تدعيم المنصب الأول بسلطة من غير سلطة البشر، لكي لا يحصل صراع وتنافس واسع.. أنا شخصياً ما عندي مانع أن أحداً من آل البيت، من أبناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقع ملكاً دستورياً في اليمن أو غيره، هذا جيد أننا نحترم نبينا، ونوقر آل بيته ولكن لا يحكم.

ـ كيف يكون ملكاً دستورياً ولا يحكم؟
يكون ذلك، كنموذج بريطانيا مثلاً.

ـ هل ترى أننا محتاجون اليوم لذلك؟
قد ربما هذا الصراع الكبير على منصب الرئاسة في اليمن، كل شيخ يريد أن يصبح رئيساً، تخيل لو فتح باب الصراع أمام المشايخ للرئاسة فكم سيطلع مرشحون للرئاسة؟ منصب الملك الذي أشرت إليه أنا قبل قليل شرفي لا يحكم من خلاله..

ـ لكن سننتقل من صراع المشايخ إلى صراع الهاشميين من آل البيت؟
علامَ يتصارعون؟ الإمامة الدستورية لا يوجد فيها مغنم.. وهي فكرة في النهاية، انظر ما قاله الإمام الهادي مثلاً وما ذا كتب؟ قال إنه لا يجوز له أن يأكل إلا ما يأكله أدنى الناس. ولا يجوز له أن يلبس إلا ما يلبس أفقر الناس، لا يجوز له أن يملك، ولكن مع الوقت تحولت الأمور إلى مسألة طائفية.. المسألة إذا ضبطت بشكل قانوني ودستور لا إشكالية فيها، الشعب هو الذي يقرر وهو الذي يحكم..

ـ لم تقل لي رأيك في الوثيقة؟
هؤلاء الناس هذه عقيدتهم أبرزوها بصراحة والصراحة فضيلة، الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان من آل البيت وإلا فهو محتسب والمحتسب الصالح مقبول.

ـ لكنهم يتبعون فكرتهم بالسلاح؟
لا. هم يتبعون فكرتهم بالسلاح لأنهم عوملوا بالسلاح. لعلك قرأت حديث الشيخ محمد الشايف في «الجمهورية»، قال: الإصلاح هو الذي خلق المشكلة في صعدة، تروح تنشئ مركزاً سلفياً داخل صعدة في معقلهم وتشارك في الحروب ضدهم، وتريد منهم أن يبقوا بلا سلاح؟!
شارك الخبر