على مدار سنوات طويلة كان اليمنيون يتغنون ببلادهم مطلقين عليها عبارة “اليمن السعيد”، لكن على ما يبدو باتت هذه السعادة مفقودة في هذا البلد العربي جرّاء ويلات الحرب التي يعاني منها منذ الربع الأخير من سنة 2014، وبات معها توفير القوت اليومي “همّا ثقيلا” جاثما بقوة على صدور الكثير من اليمنيين.
وحذرت منظمات إنسانية من تدهور الأوضاع الغذائية في اليمن بسبب منع الانقلابيين دخول المعونات الغذائية إلى المدن المحاصرة. وأكد مسؤولون في الأمم المتحدة أن سياسة التجويع التي تنتهجها الميليشيات الانقلابية في اليمن جعلت الملايين من اليمنيين يعيشون في عوز، بحسب ما أكده ممثلون للأمم المتحدة في اليمن، حيث تحدثوا عن أرقام مخيفة لأعداد اليمنيين الذين باتوا لا يجدون ما يسدون به جوعهم.
ودفعت سياسة الحصار والتجويع ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى المدن المحاصرة بمنظمات إنسانية إلى التحذير من أن مناطق عدة في اليمن تقترب من خط المجاعة وتحتاج إلى مساعدات عاجلة، وأن استمرار الحرب يجعل معظم الجهود عاجزة عن تلبية الاحتياجات الكبيرة.
وأفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، في تقرير لها الشهر الماضي، بأن 14.4 مليون من أصل 26 مليون يمني يواجهون خطر “انعدام الأمن الغذائي”، ومن بينهم 7.6 مليون يعانون منه بشكل حادّ.
وقال جورج خوري، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن نحو 14 مليون شخص، أو حوالي نصف السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي عند مستويي “الأزمة” أو “الطوارئ”. وبهذا المستوى الأخير يصبح اليمن على بعد خطوة واحدة من المجاعة على قياس انعدام الأمن الغذائي.
وأوضحت “فاو”، في تقريرها، أن 19 من محافظات اليمن الـ22، تواجه انعداما حادا في الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن ما يصل إلى 70 بالمئة من السكان في البعض من المحافظات يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الطعام.
وأوضحت “فاو”، في تقريرها، أنه “استنادا إلى بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فإن نحو ثلاثة ملايين طفل تحت سن الخمس سنوات إضافة إلى نساء حوامل أو مرضعات، يحتاجون إلى خدمات للعلاج من سوء التغذية الحادّ أو الوقاية منه”.
وحذرت من نقص المواد الغذائية الذي سيستفحل على الأرجح خاصة مع عدم ظهور أي ّبادرة في الأفق تنبئ بانتهاء الصراع، والأرقام تؤشر إلى وضع معيشي صعب جعل الشكوى تطغى في أحاديث الكثير من اليمنيين.
ومن بين هؤلاء المتذمرين من سوء الوضع المواطن الأربعيني المقيم بصنعاء، عبدالعالم أحمد، الذي يقول، إنه يكافح منذ أشهر في سبيل الحصول على الغذاء الأساسي لأسرته المتكونة من سبعة أفراد.
أحمد كان يعمل قبل الحرب في أحد مكاتب المقاولات، لكنه فقد عمله مع توقف الشركة التي يعمل بها عن العمل كحال الكثير من الشركات في مجال المقاولات والإنشاءات، ويعمل حاليا لأيام قليلة خلال الشهر في أعمال شاقة مثل حمل البضائع وإنزالها من العربات.
وأضاف مشتكيا من تدني أوضاعه أن “الحرب في البلاد أدت إلى تسريح الكثير من اليمنيين من أعمالهم ما أدّى إلى تفاقم الأزمات في وضعهم المعيشي، وبات الكثيرون يكافحون فقط في سبيل الحصول على المواد الأساسية الضرورية”.
وتابع أحمد حديثه “إن استمرار الحرب في البلاد قد يزيد بشكل أكبر وضع الأسر اليمنية سوءا”، معربا عن أمله في “الوصول إلى حل عاجل للأزمة”.
وأحمد واحد من بين الملايين من اليمنيين الذين يعانون أوضاعا معيشية صعبة، في ظل تفشي الفقر والبطالة اللذين أديا إلى انخفاض القدرة الشرائية للعديد من المواطنين، وباتوا لا يفكرون إلّا في الجوانب الأساسية للحياة.
لقد ذكر تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (غير حكومي) في نهاية أبريل، أن نحو مليون ونصف المليون عامل من اليمنيين، فقدوا أعمالهم بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.
وأوضح التقرير أن “الارتفاع في أسعار السلع الأساسية، خلال الربع الأول من العام الجاري (2016)، بلغ 25 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي”.
الجوع قاتل الأطفال
أنيسة فتاة في الثامنة عشرة من عمرها فقط، لكنها أم لطفلين، أصبحت فعليا أرملة. كانت قد تزوجت من صياد سمك، حين كان عمرها 13 عاما، لكن مركبه غرق، كما تقول، ولم يعد بعد ذلك أبدا. تهدهد في حضنها ابنتها الصغرى أمينة، التي تقترب من عامها الثالث، لكنها تبدو أقرب إلى طفلة رضيعة من طفلة توشك على المشي، وتغطي جبينها الزائد عن الحجم الطبيعي قطرات رقيقة من العرق، كانت تتنفس لاهثة، فيبرز بطنها من قميص قصير الأكمام قذر، ويشدّ الناظر إليها انتفاخها من شدة الجوع. ومثل الكثيرين من اليمنيين القرويين الفقراء، عانت أنيسة وأمينة سلسلة من الصدمات التي ربما لا تتعافيان منها أبدا.
كان والد أنيسة، وهو حلاق، يقدم ما في وسعه لمساعدة ابنته، كما يساعدها الجيران بدورهم بالطعام وبشيء من المال، ولطالما خففت روح المجتمع التضامنية من غائلة المعاناة في بلد وصفه رجال الإغاثة بأنه “يقف على الحافة” لعقود من الزمان.
لقد نشرت وسائل الإعلام العالمية تقريرا يتضمن صورا صادمة للأوضاع الإنسانية والحالة الصحية الحرجة في اليمن، منها صورة تظهر طفلا رضيعا قبل يومين فقط من وفاته بعد أن عانى من سوء التغذية، حيث تفاقمت وزادت من حرج حالته الصحية حتى انتهت به إلى الموت.
تقول انتصار حزام والدة الطفل عدي “لم يكن يبكي أو تسيل من عينيه دموع، لقد كان يختنق من الداخل ثم يفقد الوعي..
وفجأة تقيّأ وخرج من فمه وأنفه سائل أصفر، ثم توفي”، لم تكن انتصار تمتلك غير صرخات أطلقتها بحرقة في استرسال وهي ترى رضيعها على هذه الحال، إلى أن سقطت مغشيا عليها.
انتصار حزام قامت بالرضاعة الطبيعية لابنها حديث الولادة لمدة 20 يوما، ولكن بعد ذلك انحبس حليبها بسبب سوء التغذية الخاصة بها. فحتى بعد الولادة مباشرة، قالت إنها كانت تذهب لجمع الحطب للموقد المعدّ على عتبة بيتها من طوب اللبن، مثل الكثيرين في البلاد، منذ فترة طويلة انقطعت الكهرباء في حيهم، إما بسبب الضربات الجوية وإما بسبب نقص الوقود، وهناك نادرا ما يتوفر الغاز للطهي.
مصير الطفل عدي يوضح العديد من الأمور، التي تفاقمت كلها بسبب الحرب التي أدت إلى وفاة الأطفال وضعاف الحال؛ تعيش العائلة من راتب والده فيصل أحمد، الجندي السابق الذي يحصل على حوالي مئتي دولار في الشهر، وقد لا تكفي لإعالته وزوجته وتسعة أطفال آخرين أكبرهم يبلغ من العمر ستة عشر عاما. وكان فيصل يعمل أحيانا في البناء ليوسشع على عائلته، ولكن تلك الأعمال اختفت في الحرب.
الوضع يتفاقم
يعاني اليمن ضائقة مالية لم يسبق لها مثيل منذ سيطرة الحوثيين على السلطة في أواخر سبتمبر 2014، حيث توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 بالمئة من إيرادات البلاد.
وحذرت الناطقة باسم منظمة “العمل ضد الجوع” غير حكومية، كريستينا تيفونو في مارس الماضي، من أن “الوضع الإنساني يتفاقم، والمنظمات غير الحكومية لم تعد قادرة على تغطية حاجات السكان”، موضحة أن “الوضع خلال عام سجل تدهورا كبيرا، وعلى أبواب المجاعة”.
وذكرت تيفونو في تصريح أنه “في حين كان 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية في مارس 2015، نقدر اليوم بـ21 مليونا أي 80 بالمئة من السكان، عدد الذين يحتاجون إلى مثل هذه المساعدة”، لافتة إلى أن “مستوى الوضع الإنساني الطارئ ارتفع إلى الدرجة 4، أي ما قبل المجاعة مباشرة في عشر محافظات من أصل 21”.
وأشارت تيفونو إلى “العقبات التي تعترض عمل المنظمات غير الحكومية، ومنها الحد من حرية تنقلها و”التهديدات واعتقال موظفيها”، مشددة على أن “مليون شخص يعانون من سوء تغذية حادة، حيث أن طفلا من كل ثلاثة، يعاني من هذا الوضع في محافظة الحديدة”.
من جانبه، قال الباحث اليمني في الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية، سعيد عبدالمؤمن، إن اليمن يعاني من أزمة شديدة في توفير المواد الغذائية، مشيرا إلى أن معظم اليمنيين وصلوا إلى حدّ الفقر الغذائي الشديد، خصوصا في الأرياف.
وأرجع ذلك إلى أن “مسألة استيراد المواد الغذائية من الخارج أصبحت مكلفة بسبب انهيار قيمة الريال اليمني أمام الدولار، إضافة إلى العقوبات المفروضة والإجراءات الشديدة التي تفرض على بواخر المواد الغذائية القادمة إلى اليمن من الخارج”.
في 21 مارس الماضي، قرر البنك المركزي اليمني، الذي يسيطر عليه الحوثيون، تحديد سعر شراء الدولار عند 250 ريالا يمنيا، مسجلا ارتفاعا عن سعر 215 ريالا الذي استمر لعدة سنوات. لكن متعاملين بشركات للصرافة يقولون إن نقص العملة الصعبة جراء الصراع دفع سعر العملة المحلية لمواصلة الانخفاض ليصل سعر شراء الدولار إلى 300 ريال في السوق السوداء.
عبدالمؤمن أورد سببا آخر أدّى إلى تفاقم الأزمة الغذائية في البلاد، لافتا إلى أن “بلاده تعاني شحة في الأمطار هذا العام، ما أثر على الجانب الزراعي”، موضحا أن ذلك “جعل المحصول الزراعي معدوما أو ضعيفا”.
وبيّن الخبير الاقتصادي اليمني، كذلك، أن القدرة الشرائية لدى اليمنيين انخفضت بشكل كبير بسبب تفشي ظاهرة البطالة، وانخفاض الدخل لدى الأسر بسبب الأزمة، مختتما بالقول “أصبحت الأزمة المعيشية في اليمن مركبة وشديدة التعقيد”.
وفي دراسة نشرتها مؤخرا، قالت منظمة “الفاو” إن “الصراع الدائر في اليمن له تأثيرات خطيرة على واردات الغذاء وشبكات النقل والمعروض في السوق وبالتالي على أسعار السلع الغذائية المستوردة والمنتجة محليا”.
وتابعت مبينة أن “هذا يمثل تهديدا خطيرا إذ يستورد اليمن ما بين 80 و95 بالمئة من المواد الغذائية الضرورية، ويتوقع أن يؤثر عدم الاستقرار المستمر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي والتسويق”.
ومما ساهم في أزمة الغذاء باليمن الضائقة المالية التي يعاني منها هذا البلد العربي، والتي تقلل من قدرته على استيراد الغذاء، فمنذ الفوضى التي أحدثها الحوثيون في أواخر سبتمبر 2014 توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 بالمئة من إيرادات البلاد.
وحذرت منظمات إنسانية من تدهور الأوضاع الغذائية في اليمن بسبب منع الانقلابيين دخول المعونات الغذائية إلى المدن المحاصرة. وأكد مسؤولون في الأمم المتحدة أن سياسة التجويع التي تنتهجها الميليشيات الانقلابية في اليمن جعلت الملايين من اليمنيين يعيشون في عوز، بحسب ما أكده ممثلون للأمم المتحدة في اليمن، حيث تحدثوا عن أرقام مخيفة لأعداد اليمنيين الذين باتوا لا يجدون ما يسدون به جوعهم.
ودفعت سياسة الحصار والتجويع ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى المدن المحاصرة بمنظمات إنسانية إلى التحذير من أن مناطق عدة في اليمن تقترب من خط المجاعة وتحتاج إلى مساعدات عاجلة، وأن استمرار الحرب يجعل معظم الجهود عاجزة عن تلبية الاحتياجات الكبيرة.
وأفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، في تقرير لها الشهر الماضي، بأن 14.4 مليون من أصل 26 مليون يمني يواجهون خطر “انعدام الأمن الغذائي”، ومن بينهم 7.6 مليون يعانون منه بشكل حادّ.
وقال جورج خوري، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن نحو 14 مليون شخص، أو حوالي نصف السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي عند مستويي “الأزمة” أو “الطوارئ”. وبهذا المستوى الأخير يصبح اليمن على بعد خطوة واحدة من المجاعة على قياس انعدام الأمن الغذائي.
وأوضحت “فاو”، في تقريرها، أن 19 من محافظات اليمن الـ22، تواجه انعداما حادا في الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن ما يصل إلى 70 بالمئة من السكان في البعض من المحافظات يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الطعام.
وأوضحت “فاو”، في تقريرها، أنه “استنادا إلى بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فإن نحو ثلاثة ملايين طفل تحت سن الخمس سنوات إضافة إلى نساء حوامل أو مرضعات، يحتاجون إلى خدمات للعلاج من سوء التغذية الحادّ أو الوقاية منه”.
وحذرت من نقص المواد الغذائية الذي سيستفحل على الأرجح خاصة مع عدم ظهور أي ّبادرة في الأفق تنبئ بانتهاء الصراع، والأرقام تؤشر إلى وضع معيشي صعب جعل الشكوى تطغى في أحاديث الكثير من اليمنيين.
ومن بين هؤلاء المتذمرين من سوء الوضع المواطن الأربعيني المقيم بصنعاء، عبدالعالم أحمد، الذي يقول، إنه يكافح منذ أشهر في سبيل الحصول على الغذاء الأساسي لأسرته المتكونة من سبعة أفراد.
أحمد كان يعمل قبل الحرب في أحد مكاتب المقاولات، لكنه فقد عمله مع توقف الشركة التي يعمل بها عن العمل كحال الكثير من الشركات في مجال المقاولات والإنشاءات، ويعمل حاليا لأيام قليلة خلال الشهر في أعمال شاقة مثل حمل البضائع وإنزالها من العربات.
وأضاف مشتكيا من تدني أوضاعه أن “الحرب في البلاد أدت إلى تسريح الكثير من اليمنيين من أعمالهم ما أدّى إلى تفاقم الأزمات في وضعهم المعيشي، وبات الكثيرون يكافحون فقط في سبيل الحصول على المواد الأساسية الضرورية”.
وتابع أحمد حديثه “إن استمرار الحرب في البلاد قد يزيد بشكل أكبر وضع الأسر اليمنية سوءا”، معربا عن أمله في “الوصول إلى حل عاجل للأزمة”.
وأحمد واحد من بين الملايين من اليمنيين الذين يعانون أوضاعا معيشية صعبة، في ظل تفشي الفقر والبطالة اللذين أديا إلى انخفاض القدرة الشرائية للعديد من المواطنين، وباتوا لا يفكرون إلّا في الجوانب الأساسية للحياة.
لقد ذكر تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (غير حكومي) في نهاية أبريل، أن نحو مليون ونصف المليون عامل من اليمنيين، فقدوا أعمالهم بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.
وأوضح التقرير أن “الارتفاع في أسعار السلع الأساسية، خلال الربع الأول من العام الجاري (2016)، بلغ 25 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي”.
الجوع قاتل الأطفال
أنيسة فتاة في الثامنة عشرة من عمرها فقط، لكنها أم لطفلين، أصبحت فعليا أرملة. كانت قد تزوجت من صياد سمك، حين كان عمرها 13 عاما، لكن مركبه غرق، كما تقول، ولم يعد بعد ذلك أبدا. تهدهد في حضنها ابنتها الصغرى أمينة، التي تقترب من عامها الثالث، لكنها تبدو أقرب إلى طفلة رضيعة من طفلة توشك على المشي، وتغطي جبينها الزائد عن الحجم الطبيعي قطرات رقيقة من العرق، كانت تتنفس لاهثة، فيبرز بطنها من قميص قصير الأكمام قذر، ويشدّ الناظر إليها انتفاخها من شدة الجوع. ومثل الكثيرين من اليمنيين القرويين الفقراء، عانت أنيسة وأمينة سلسلة من الصدمات التي ربما لا تتعافيان منها أبدا.
كان والد أنيسة، وهو حلاق، يقدم ما في وسعه لمساعدة ابنته، كما يساعدها الجيران بدورهم بالطعام وبشيء من المال، ولطالما خففت روح المجتمع التضامنية من غائلة المعاناة في بلد وصفه رجال الإغاثة بأنه “يقف على الحافة” لعقود من الزمان.
لقد نشرت وسائل الإعلام العالمية تقريرا يتضمن صورا صادمة للأوضاع الإنسانية والحالة الصحية الحرجة في اليمن، منها صورة تظهر طفلا رضيعا قبل يومين فقط من وفاته بعد أن عانى من سوء التغذية، حيث تفاقمت وزادت من حرج حالته الصحية حتى انتهت به إلى الموت.
تقول انتصار حزام والدة الطفل عدي “لم يكن يبكي أو تسيل من عينيه دموع، لقد كان يختنق من الداخل ثم يفقد الوعي..
وفجأة تقيّأ وخرج من فمه وأنفه سائل أصفر، ثم توفي”، لم تكن انتصار تمتلك غير صرخات أطلقتها بحرقة في استرسال وهي ترى رضيعها على هذه الحال، إلى أن سقطت مغشيا عليها.
انتصار حزام قامت بالرضاعة الطبيعية لابنها حديث الولادة لمدة 20 يوما، ولكن بعد ذلك انحبس حليبها بسبب سوء التغذية الخاصة بها. فحتى بعد الولادة مباشرة، قالت إنها كانت تذهب لجمع الحطب للموقد المعدّ على عتبة بيتها من طوب اللبن، مثل الكثيرين في البلاد، منذ فترة طويلة انقطعت الكهرباء في حيهم، إما بسبب الضربات الجوية وإما بسبب نقص الوقود، وهناك نادرا ما يتوفر الغاز للطهي.
مصير الطفل عدي يوضح العديد من الأمور، التي تفاقمت كلها بسبب الحرب التي أدت إلى وفاة الأطفال وضعاف الحال؛ تعيش العائلة من راتب والده فيصل أحمد، الجندي السابق الذي يحصل على حوالي مئتي دولار في الشهر، وقد لا تكفي لإعالته وزوجته وتسعة أطفال آخرين أكبرهم يبلغ من العمر ستة عشر عاما. وكان فيصل يعمل أحيانا في البناء ليوسشع على عائلته، ولكن تلك الأعمال اختفت في الحرب.
الوضع يتفاقم
يعاني اليمن ضائقة مالية لم يسبق لها مثيل منذ سيطرة الحوثيين على السلطة في أواخر سبتمبر 2014، حيث توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 بالمئة من إيرادات البلاد.
وحذرت الناطقة باسم منظمة “العمل ضد الجوع” غير حكومية، كريستينا تيفونو في مارس الماضي، من أن “الوضع الإنساني يتفاقم، والمنظمات غير الحكومية لم تعد قادرة على تغطية حاجات السكان”، موضحة أن “الوضع خلال عام سجل تدهورا كبيرا، وعلى أبواب المجاعة”.
وذكرت تيفونو في تصريح أنه “في حين كان 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية في مارس 2015، نقدر اليوم بـ21 مليونا أي 80 بالمئة من السكان، عدد الذين يحتاجون إلى مثل هذه المساعدة”، لافتة إلى أن “مستوى الوضع الإنساني الطارئ ارتفع إلى الدرجة 4، أي ما قبل المجاعة مباشرة في عشر محافظات من أصل 21”.
وأشارت تيفونو إلى “العقبات التي تعترض عمل المنظمات غير الحكومية، ومنها الحد من حرية تنقلها و”التهديدات واعتقال موظفيها”، مشددة على أن “مليون شخص يعانون من سوء تغذية حادة، حيث أن طفلا من كل ثلاثة، يعاني من هذا الوضع في محافظة الحديدة”.
من جانبه، قال الباحث اليمني في الشؤون الاقتصادية والاستراتيجية، سعيد عبدالمؤمن، إن اليمن يعاني من أزمة شديدة في توفير المواد الغذائية، مشيرا إلى أن معظم اليمنيين وصلوا إلى حدّ الفقر الغذائي الشديد، خصوصا في الأرياف.
وأرجع ذلك إلى أن “مسألة استيراد المواد الغذائية من الخارج أصبحت مكلفة بسبب انهيار قيمة الريال اليمني أمام الدولار، إضافة إلى العقوبات المفروضة والإجراءات الشديدة التي تفرض على بواخر المواد الغذائية القادمة إلى اليمن من الخارج”.
في 21 مارس الماضي، قرر البنك المركزي اليمني، الذي يسيطر عليه الحوثيون، تحديد سعر شراء الدولار عند 250 ريالا يمنيا، مسجلا ارتفاعا عن سعر 215 ريالا الذي استمر لعدة سنوات. لكن متعاملين بشركات للصرافة يقولون إن نقص العملة الصعبة جراء الصراع دفع سعر العملة المحلية لمواصلة الانخفاض ليصل سعر شراء الدولار إلى 300 ريال في السوق السوداء.
عبدالمؤمن أورد سببا آخر أدّى إلى تفاقم الأزمة الغذائية في البلاد، لافتا إلى أن “بلاده تعاني شحة في الأمطار هذا العام، ما أثر على الجانب الزراعي”، موضحا أن ذلك “جعل المحصول الزراعي معدوما أو ضعيفا”.
وبيّن الخبير الاقتصادي اليمني، كذلك، أن القدرة الشرائية لدى اليمنيين انخفضت بشكل كبير بسبب تفشي ظاهرة البطالة، وانخفاض الدخل لدى الأسر بسبب الأزمة، مختتما بالقول “أصبحت الأزمة المعيشية في اليمن مركبة وشديدة التعقيد”.
وفي دراسة نشرتها مؤخرا، قالت منظمة “الفاو” إن “الصراع الدائر في اليمن له تأثيرات خطيرة على واردات الغذاء وشبكات النقل والمعروض في السوق وبالتالي على أسعار السلع الغذائية المستوردة والمنتجة محليا”.
وتابعت مبينة أن “هذا يمثل تهديدا خطيرا إذ يستورد اليمن ما بين 80 و95 بالمئة من المواد الغذائية الضرورية، ويتوقع أن يؤثر عدم الاستقرار المستمر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي المحلي والتسويق”.
ومما ساهم في أزمة الغذاء باليمن الضائقة المالية التي يعاني منها هذا البلد العربي، والتي تقلل من قدرته على استيراد الغذاء، فمنذ الفوضى التي أحدثها الحوثيون في أواخر سبتمبر 2014 توقف تصدير النفط الذي تشكل إيراداته 70 بالمئة من إيرادات البلاد.