الرئيسية / تقارير وحوارات / يمنيات ينتصرن للحياة بإحياء اللباس التراثي
يمنيات ينتصرن للحياة بإحياء اللباس التراثي

يمنيات ينتصرن للحياة بإحياء اللباس التراثي

09 يونيو 2016 02:12 مساء (يمن برس)
 
 
الحياة تتواصل في اليمن رغم الفوضى التي تعم البلاد، ويقبل الناس على الحياة محاولين أن يكتشفوا الجانب الجميل فيها، فقد أقبل الشباب والشابات على ارتداء الملابس التقليدية التي تميز اليمنيين وتجعلهم متشبثين بتفاصيل الحياة في بلادهم.
 
وتعتبر الملابس التقليدية والشعبية جزءا لا يتجزأ من تراث الشعوب كونها تعبر عن تميز وتفرد تلك الشعوب وحضاراتها، وتلعب دورا مهما في تحديد معالم هويتها.وترتبط الأزياء الشعبية بالعادات والتقاليد والمؤثرات الاجتماعية والاقتصادية على مر الزمن.
 
وفي اليمن، احتلت الأزياء التقليدية والشعبية مكانة مرموقة في أوساط المجتمع، وكان لتلك الأزياء حضور بارز في جميع المناسبات الاجتماعية، إلا أن الكثير من هذه الأزياء أصبحت مهملة في الوقت الحالي ولا يرتديها إلا بعض الناس، وخصوصا كبار السن، بعد أن طغت الأزياء الحديثة عليها وأصبحت رائجة أكثر في أوساط المجتمع وخاصة من فئة الشباب الذين أغوتهم الموضة. والماركات العالمية هي حيلة ابتدعها الأذكياء ليسلبوا بها أموال الأغنياء فوقع فيها الفقراء.
 
ورغم الحرب الدائرة في البلاد اتجهت بعض مصممات الأزياء اليمنيات مؤخرا نحو مزج الأزياء الحديثة بالأزياء التقليدية لابتكار موديلات تجمع بين كلاسيكية الماضي وعصرية الحاضر وتتناسب مع الحياة اليومية للفتاة اليمنية، لتستطيع ارتداءها في أي مكان سواء في العمل أو الجامعة أو أي مكان آخر.
 
وتركز التجديد في الأزياء الحديثة على إدخال أقمشة الأزياء التقليدية في تصاميم العباءات النسائية السوداء والحقائب النسائية كونها أكثر ما ترتديه المرأة اليمنية عند الخروج من المنزل.
 
وتقول سلمى سلمان، مصممة أزياء يمنية، والتي لم تمنعها الفوضى من التفكير في بهجة الحياة “إنها تحاول من خلال معظم تصاميمها المزج بين القديم والحديث من أجل إعادة إظهار جمال الزي اليمني التقليدي في قالب عصري حديث”.
 
وتشير سلمان إلى أن قماش “الستارة” هو أكثر ما تستخدمه في تصاميمها للعبايات والحقائب النسائية لتستطيع من خلاله إعادة رونق “الستارة اليمنية القديمة”.
 
والستارة هي قطعة قماشية قطنية مربعة الشكل ومزخرفة بأشكال هندسية حمراء اللون، وتتميز بنقوشها وزخارفها الملونة والمزدحمة في الوسط والحواف والأركان. وكانت النساء في صنعاء وبعض المحافظات في شمال اليمن يرتدين الستارة في الماضي لتغطية أجسادهن قبل رواج العباءات السوداء في أوساط المجتمع.
 
طالبات يصممن عباءات التخرج ممزوجة بقماش الستارة، فيصبح منظرهن في حفلة التخرج جميلا مثل لون قوس قزح
ولا توجد إشارات تؤكد تاريخ ظهور الستارة الصنعانية واستخدامها من قبل المرأة اليمنية، إلا أن هناك بعض القصص عن البداية أبرزها أن أحد الأئمة عندما دخل صنعاء أمر النساء بلف أجسادهن بقطعة قماش عند الخروج من المنزل.
 
وقبل ظهور الستارة كان هناك ما يسمى بالمصون التي تعرّفها أمة الرزاق جحاف مدير عام البيوت اليمنية التقليدية بأنها قطعة قماش قطنية مربعة الشكل، كان لون أرضيتها أبيض في البداية، وزُخرفت بأشكال هندسية باللونين الأحمر والأسود، وتميزت بنقوشها وزخارفها المزدحمة في الوسط والحواف والأركان.
 
وبحسب سلمان، تعتبر الستارة هوية الزي التقليدي للمرأة الصنعانية إلا أن ظهور العباءات السوداء طغى على جمال الستارة والأزياء التقليدية القديمة الأخرى “كالمغمق” وهو غطاء للوجه مصنوع من الحرير أو القطن يلبس مع الستارة ويتميز بلونه الأسود والأحمر.
 
واشتهرت اليمن منذ القدم بتعدد الأزياء التقليدية النسائية والرجالية التي تختلف في تصاميمها وألوانها من منطقة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى.
 
كما اشتهرت نساء صنعاء بالحياكة وغزل الثياب بأياديهن وبالنمطين الفارسي والحميري ومن أهم تلك الأزياء الستارة أو العباية النسائية؛ تلك القطعة القماشية الزاهية كلوحة فنية متحركة تسحر ناظريها.
 
سماح الغصيني، مصممة أزياء يمنية، تحاول هي الأخرى من خلال تصاميم الأزياء النسائية أن تجمع بين الموضة الحديثة وبين نكهة التقليد والتراث اليمني، لاسيما في ما يتعلق بالألوان ونوعية الأقمشة المستخدمة.
 
وتقول الغصيني “إن المرأة اليمنية تميزت في الماضي بجمال أزيائها التي حوت أجمل الألوان، ومن أجمل تلك الأزياء الستارة الصنعانية التي تعد تحفة فنية”.
 
وتضيف “لكن في الفترة الحالية طغت العباءات السوداء على تلك الألوان والأزياء التقليدية الجميلة، وأصبح الكثيرون يعتبرون ارتداءها عيباً واقتصر لبس الستارة فقط على النساء الكبيرات في السن”.
 
 
وانتشرت العباية السوداء الحديثة بشكل واسع بين اليمنيات، وأصبحت هي الزي الرسمي لهن أثناء الخروج من المنزل إلى العمل أو الأسواق أو زيارة الأهل والأقارب.
 
واكتسبت الأزياء التقليدية المزخرفة شهرة واسعة بين الأجانب القادمين إلى اليمن فسحرتهم بألوانها الخلابة كأنها لوحة من قصص ألف ليلة وليلة.
 
وترى الغصيني أن إعادة إحياء ارتداء الأزياء التقليدية اليمنية القديمة، بما فيها الستارة، مهمة جدا وهذا ما ظهر مؤخرا من خلال استخدام أقمشة الأزياء القديمة كالستارة والمغمق والأقمشة التقليدية المشهورة بزخرفتها وألوانها في تصميم العباءات السوداء، أو تصميمها في شكل تنانير طويلة، وأغطية للرأس والحقائب النسائية.
 
وتوضح الغصيني قائلة “بهذه الطريقة نستطيع إعادتها بشكل حديث ونكسر اللون الأسود الذي طغى مؤخراً على جمال الزي اليمني المعروف منذ القدم”.
 
وتضيف “تصاميم الأزياء و العباءات التي تجمع بين الأزياء القديمة والحديثة لاقت قبولا في أوساط النساء والفتيات في المجتمع اليمني”.
 
وتقول نور صلاح، مذيعة يمنية، إنها تحب الستارة الصنعانية والأزياء اليمنية التقليدية بشكل كبير كونها تشع بالحياة من خلال ألوانها وزخارفها وتصاميمها.
 
وتضيف “حاليا لم تعد المرأة في المجتمع اليمني ترتدي الأزياء القديمة عند الخروج من المنزل كونها ملونة ومزخرفة، حيث طغت العباءات السوداء على كل شيء، ولكن بعد ظهور عبايات سوداء ممزوجة بأقمشة الستارة والمغمق الذي يندرج ضمن الأزياء القديمة تشجعت أنا والكثير من الفتيات على ارتدائها”.
 
وترتدي صلاح عباية سوداء عليها قطع قماشية من أقمشة الستارة وتغطي رأسها بطرحة مصنوعة من قماش المغمق التقليدي نفسه، مؤكدة “أكون سعيدة جدا عندما ارتدي هذه العباية خصوصا أثناء مشاركتي في مؤتمرات أو فعاليات يحضرها أشخاص من جنسيات مختلفة، فمن خلالها أبرز جمال الزي اليمني القديم بتشكيلات تواكب الموضة الحديثة”.
 
وإلى جانب استخدام هذه التصاميم الجديدة في العباءات التي ترتديها النساء والفتيات عند الخروج من المنزل، استخدمت بعض الطالبات الجامعيات هذه الفكرة في تصميم عبايات التخرج.
 
أماني عبدالله، طالبة في كلية الآثار بجامعة صنعاء، قررت مع صديقاتها تصميم عبايات التخرج بالشكل الحديث ومزجه بالزي التقليدي القديم.
 
وتقول عبدالله “قمنا بتصميم عبايات سوداء ممزوجة بقماش الستارة وجمعنا ما بين القديم والحديث، فكانت عبايات التخرج مميزة جدا ولفتت انتباه الفتيات في باقي الكليات، كان منظرنا في حفل التخرج جميلا مثل لون قوس قزح”.
 
وتؤكد عبدالله أن الأزياء اليمنية هي من أجمل الأزياء وخصوصا الستارة الصنعانية لما فيها من ألوان وزخارف تميزها عن غيرها، إلا أن العادات المغلوطة التي ظهرت مؤخراً تسببت في اختفاء هذا الجمال، وهو ما يجب مقاومته من خلال إعادة تلك الأزياء بشكل حديث يشجع بقية الفتيات على ارتدائه وكسر قاعدة التقيد “بالعباءات السوداء”.
 
محمد الباشا، صاحب محل عبايات، يقول إن العباءات السوداء التي تكون ممزوجة بألوان وأقمشة الستارة اليمنية بدأت تلقى قبولا لدى الفتيات
 
بشكل كبير، إلا أن لبسها لا يزال لدى معظمهن محصورا في أماكن ومناسبات معينة، “وهذا على الرغم من كل التطورات التي أدخلت عليها حتى تكون مناسبة لارتدائها في كل الأماكن بشكل حديث يحافظ على التراث اليمني”.
 
ويستغرب الباشا من ذلك ويضيف “يجب أن نعيد جمال الزي اليمني وهو ما بدأناه بالفعل ولا نعتبره عيبا، فهو ما كانت ترتديه أمهاتنا وجداتنا ويجب ألّا نعتبر ذلك عيبا فالأزياء اليمنية القديمة جميلة ومحتشمة في الوقت نفسه”.
 
ويرى الباشا أن بداية انتشار الأزياء التقليدية بشكل حديث، وتقبلها من بعض الفتيات سيساعدان على تشجيع الأخريات وكسر الحاجز لبدء إحياء لبس الأزياء اليمنية التقليدية والتخلص من لبس العباءات السوداء التي انتشرت لدى معظم اليمنيات.
 
وعلى الرغم من القبول المجتمعي الذي لاقته تلك التصاميم الجديدة، ترى بعض النساء أن ارتداء العباءات التي تدخل في تصميمها أقمشة الأزياء التقليدية يجب أن يقتصر على المناسبات فقط.
 
سمر القدسي، موظفة قطاع خاص، تقول “من الممكن أن ارتدي ملابس مصنوعة من قماش الستارة أو حتى المصون أو المغمق، أو أزياء يمنية أخرى، ولكن في المناسبات فقط، فلبسها في أي مكان وفي أي وقت يجعل الفتاة محط أنظار الجميع كون الأزياء التقليدية تتميز بألوانها الملفتة للأنظار”.
 
وتعتقد القدسي أن سبب عزوف الكثير من الفتيات عن ارتداء الأزياء التقليدية على الرغم من جمالها وحبهن لها، هو نظرة المجتمع والعادات الدخيلة التي حكمت عليهن بلبس الأسود معتبرين أن الأزياء القديمة التي كانت ترتديها اليمنيات خارج المنزل “عيب”.
 
ليست مصممات الأزياء وحدهن اللاتي حرصن على المحافظة على جمال الزي التقليدي وحمايته من الاندثار، بل يعمل الفنانون التشكيليون أيضا على استلهام الزخارف الجميلة في اللباس اليمني في لوحاتهم.
 
ومن وجهة نظر الكاتبة والناقدة الفنانة التشكيلية آمنة النصيري شكلت الستارة الصنعانية جزءا مهما من هوية البيئة الصنعانية لاسيما وأن منظر المرأة بالستارة مع باقي تلك التفاصيل يجعلها تقترب من تقاسيم البيت الصنعاني من الخارج بزخارفه والأحزمة التي تتوج واجهاته، والتي تبدو قريبة الشبه من تزيين المرأة لملبسها، بما في ذلك الستارة.
 
وأرجعت الناقدة الفنانة التشكيلية آمنة النصيري رسم العديد من الفنانين للستارة إلى اعتبارها مظهرا هاما من مظاهر الموروث الشعبي، والذي وُظف بأشكال مختلفة داخل اللوحات الفنية، منها اللوحات التي اعتمدت النقل الفوتغرافي للواقع بما فيه الأزياء الشعبية، ومنها ما أصبح ضمن موضوعات اللوحة، منوهة بوجود لوحات أخرى وظفت الستارة فيها ضمن مفاهيم تشكيلية معـاصرة، مستفيدة من العناصر الفنية الموجودة فيه.
 

 
 
 
 
 
 
شارك الخبر