قبل أسابيع زار الزميل علي العوارضي ضمن فريق قافلة الحرية مدينتي زنجبار وجعار في محافظة أبين معقل «أنصار الشريعة» حيث تسعى لإعلان الإمارة الإسلامية المزعومة. وهو هنا يسلّط الضوء على أنشطة الجماعة وكيف يفكر أنصارها.
خلال زيارتنا لمحافظة أبين المنكوبة ضمن فريق قافلة الحرية طفنا مدينتي زنجبار وجعار برفقة بعض المسلحين ممن يطلق على أنفسهم اسم «أنصار الشريعة» ويدعون انتماءهم لـ«القاعدة».
لقد وجدنا فيهم من هو منظم فعلاً ويحمل فكر القاعدة، وآخر في مهمة يخدم أجندة معينة، وثالث منتقم من نظام حكم جرعه كل ألوان الظلم، وصنف رابع رمته ظروف الحياة القاسية إلى أحضان تجيد فن الاستغلال باسم الدين والشريعة وتمتلك قدرة فائقة على الإقناع وعمل غسيل المخ.
التقينا هناك في زنجبار وجعار وعلى طول الطريق المؤدية إليهما، شيشانيين وأفغان وصربيين وأفارقة كما التقينا أشخاصاً من مناطق متفرقة في اليمن يقولون إنهم جاؤوا جميعاً من أجل هدف واحد هو التأسيس لخلافة إسلامية تحكم بشريعة الله وتنشر العدل والرخاء.
كان بينهم أصحاب سوابق كما أكد لنا بعض أعضاء قافلة الحرية الذين عرفونا بأشخاص يسكنون معهم في الحي نفسه داخل العاصمة صنعاء (معظمهم من مسيك، سعوان، دار سلم، السواد) ولديهم قضايا أخلاقية وجنائية وتهم بالمتاجرة بالمخدرات والخمور ما يؤهلهم ليكونوا أرباب سوابق حسب ما رواه لنا بعض جيرانهم ممن كانوا معنا في القافلة.
كما لفت انتباهنا طريقة بعضهم في حلق اللحى والشوارب والتي توحي بأنهم حديثو عهد بالتدين وربما القاعدة أيضاً، وهذا ما بدا واضحاً من خلال حديثهم الذي يظهر مدى إفلاسهم الثقافي والديني وتكلفهم الزائد، لدرجة أنهم كانوا يحدثونا عن الإسلام وكأننا لا نفقه منه شيئاً بل ويقدمون أنفسهم للآخر على أنهم وكلاء الله في أرضه.
لكنهم مع ذلك كله بدوا رائعين في كرمهم وحسن تعاملهم ودماثة أخلاقهم وأثبتوا لنا ببساطتهم وتواضعهم ووسطيتهم وتقبلهم للآخر عبر تسهيل مهمتنا والتجاوب معنا- رغم كل الاستفزازات- أنهم على العكس تماماً مما تصوره وسائل الإعلام المحلية والخارجية في هذه الجوانب بالذات، مع احتمال أن يكون ذلك من باب تحسين الصورة فقط، سيما وأنهم قادمون على مرحلة جديدة سيأتي الحديث عنها لاحقاً.
أبو دعاء ومعركة الانتقام
معظم قيادات الصف الأول وكذلك قادة الجبهات القتالية هم خريجو سجون، وقضوا من سنتين إلى أربع سنوات داخل معتقلات جهازي الأمن السياسي والأمن القومي حسب ما رواه لنا أحد القيادات الميدانية لأنصار الشريعة في جعار وزنجبار والمعروف بـ «أبو دعاء الصنعاني».
جمال الحيمي المكنى بـ «أبو دعاء الصنعاني» من حي مسيك بالعاصمة صنعاء، متزوج من منطقة بامحفد محافظة أبين وأب لثلاثة أولاد يعيش معهم حالياً في منطقة جعار التي صار يطلق عليها مؤخراً وقار.
اعتقل من قبل الأمن السياسي بصنعاء عام 2006 ومكث أربع سنوات داخل زنزانة انفرادية تلقى فيها شتى أصناف العذاب وأجبر مراراً على الأكل من الصحن الذي كان يقضي حاجته فيه، فضلاً عن سب العرض وكل ذلك
لأنه فكر فقط بالذهاب إلى العراق للجهاد ضد قوات الاحتلال الأمريكية المتواجدة هناك –حسب قوله.
انضم الحيمي إلى أنصار الشريعة للانتقام من الدولة التي قال إنها تجني الآن ثمرة ما ارتكبته في حقه وحق غيره من ظلم واعتداءات وحماقات، مشيراً إلى أن معظم التكوينات الجهادية الموجودة على الساحة بما فيها القاعدة وأنصار الشريعة هي نتاج طبيعي للظلم والقهر الذي مارسته الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لنظام صالح العائلي.
وأشار الحيمي إلى أن هناك الكثير ممن هتكت أعراضهم واقتحمت غرف نومهم واعتقلوا من بين أهلهم وأولادهم، وهو ما جعلهم –حد قوله - يؤمنون أن الجهاد في اليمن مع مثل تلك الجماعات أولى من الجهاد في العراق أو أي مكان آخر.
وأضاف: «كنت أظن من قبل أن اليهود والنصارى وحدهم من يجب الجهاد ضدهم وإذا بأشخاص من أبناء جلدتنا يمنيين يسبك ويسب الله ويصعقك بالكهرباء لأتفه الأسباب».
ووفقاً للحيمي فإنه يعيش حالياً أفضل أيام حياته في أبين مع إخوانه «المجاهدين» من مختلف بقاع الأرض، بما في ذلك أوروبا وأفريقيا والمرابطين جميعاً في مختلف جبهات القتال، وهو مقتنع تماماً بالوضع الحالي خصوصاً وأنهم يعيشون –حسب قوله- في ظل دولة إسلامية تطبق شرع الله وتحكم بما أنزل.
ويواصل قائلاً: «لقد مللنا من حكومات الكفر والردة والعملاء، نريد حكومة إسلامية مللنا من هؤلاء الطواغيت نريد لشرع الله سبحانه وتعالى أن يحكم فينا».
أمير «وقار» والظهور الأول
بعد سلسلة اتصالات تصاعدية مع قيادات ميدانية تابعة لأنصار الشريعة بمحافظة أبين التقينا أبو حمزة الزنجباري، وسط ولاية وقار حاليا ومدينة جعار سابقاً وهو يرتدي عدة الحرب ويقف إلى جواره عدد من المرافقين الشخصيين المدججين بالأسلحة وبعض أطفال استخدموا كوسيلة دعائية تروج لشيء اسمه التعايش بين سكان جعار وأنصار الشريعة واستمرار الحياة الطبيعية.
اسمه الحقيقي جلال محسن صالح بلعيدي من قبيلة المراقشة «آل بلعيد» الواقعة على بعد 70 كيلو متر من مدينة زنجبار شرقاً ويكنى حركياً بـ «أبو حمزة الزنجباري» يبلغ من العمر 30 عاماً، متزوج وله أولاد، ويظهر من آخر صورة التقطناها له أنه نحيل الجسم، أبيض البشرة، اسود الشعر، قليل الاهتمام بمظهره الخارجي، كثير الانشغال بلحيته التي ما يفتأ يمد يده إليها بين الفينة والأخرى كمن لم يعتاد على إطلاقها من قبل.
كما يتمتع بروح دعابة وابتسامة عريضة لا تفارق محياه ولديه قدرة على كسب تعاطف الآخرين، وهو إلى جانب ذلك دقيق الملاحظة سريع البديهة لكنه في المقابل سطحي التفكير ويتعصب جداً لرأيه رغم ما يتظاهر به من احترام للرأي الآخر، كما لا يتوانى لحظة عن تخوين من يخالفه، كما حدث مع أحد الزملاء الصحفيين الذي قال إن أسئلته لها خلفية سياسية وتخدم أطرافاً أخرى.
يعتبر بلعيدي الحاكم الفعلي لإمارة زنجبار التي تم تعيينه أميراً لها أواخر شهر مارس 2011، بعد انسحاب قوات الأمن منها وسقوطها في أيدي أنصار الشريعة وهو على ارتباط مباشر بالقيادي الأول لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي.
وقد استحق بلعيدي هذا المنصب لأنه أولاً من أبناء زنجبار ثم لما يملكه من رصيد جهادي وما عرف عنه من شجاعة وإقدام وحنكة في المعركة الأخيرة التي خاضوها ضد الجيش، وكان ضمن أول من قاموا بها وخططوا لها، وهذا المنصب بالنسبة له تكليف لا تشريف –حسب قوله.
أطلق أبو حمزة ابتسامة عريضة ثم استهل حديثه بالترحيب بنا كأول فريق صحفي وحقوقي يصل إلى محافظة أبين، معتبراً ذلك خطوة إيجابية طالما انتظروها من أجل تسليط الضوء على ما اعتبرها جرائم ضد الإنسانية ارتكبها علي عبدالله صالح وعصابته بحق أبناء المحافظة.
يقول أبو حمزة: « العالم بأسره تكالب على أبناء محافظة أبين إلى جانب الدولة العميلة التي قصفت المواطنين ودمرت البنية التحتية للمحافظة وكل ذلك لأن أبناء هذه المحافظة قرروا أن يحكموا الشريعة ويتمردوا على الظلم والفساد الذي عم المحافظة».
واعتبر أن هذا التكالب من قبل العالم والنظام الحاكم في اليمن ضدهم هو من دفعهم إلى حمل السلاح كحق مشروع للدفاع عن أنفسهم ولن يتركوا سلاحهم –حسب قوله - حتى يتم تحكيم الشرع ويتوقف الجميع عن قتالهم والاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال.
الوضع في أبين
الوضع الأمني في أبين يشهد حالة استقرار لا توجد في باقي محافظات الجمهورية كما يصوره أبو حمزة، ومثله الوضع المعيشي والخدمي، مشيراً إلى أن الخدمات مستمرة على صعيد الكهرباء والمياه والبلدية، وغيرها ومؤكداً حرصهم على أن تكون ولاية أبين أنموذجاً يحتذى به في تحكيم الشريعة ودفع الظلم والحفاظ على القيم الإنسانية كالعدل والمساواة وسيتم تعميمه –حد قوله- على كل أنحاء الجمهورية.
وعن طبيعة العلاقة بين أنصار الشريعة والمواطنين في مدينتي جعار وزنجبار قال بلعيدي: «علاقتنا بالأهالي جيدة وقائمة على التعاون والتفاعل ونجد استجابة كبيرة وتقبل منقطع النظير من قبل السكان للوضع القائم، ولك أن تقوم بجولة لتتأكد من ذلك بنفسك وترى مدى اللحمة بيننا وبين المواطنين».
أما مسالة تغيير اسم «جعار» إلى «وقار» فيأتي من باب اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم –حسب قوله - والذي كان دائماً يغير الأسماء إلى ما هو أفضل ومن معرفتنا واطلاعنا على الأسماء نعرف أن وقار معناها الضبع ولهذا غيرنا اسمها إلى وقار.
كيف تدار وقار وزنجبار؟
يدير أنصار الشريعة شؤون زنجبار ووقار (جعار) عبر مجموعة لجان منها اللجنة الاجتماعية المختصة بشؤون الخدمات اللجنة الدعوية المرتبطة بمؤسستي الحسبة والتعليم، واللجنة القضائية المرتبطة بمؤسسة الشرطة التي تضم حاليا مركز شرطة واحداً في مدينة جعار.
ويتولى مركز شرطة وقار مهمة الإصلاح بين الناس وفض النزاعات والخصومات وذلك بعد استقبال القضايا وتوثيقها في السجلات الخاصة، إضافة إلى مهام ضبط الأمن في المدينة وأما ما يتعلق بالقضايا التي تحتاج إلى أحكام قضائية مثل تنفيذ أحكام القصاص وإقامة الحدود الشرعية فيحيلها قسم الشرطة إلى مندوب القضاء الشرعي والذي يقوم برفعها إلى اللجنة القضائية التي تضم 6 قضاة لتبت فيها.
وقد قاموا –حسب أمير جعار- بإعادة تأهيل كثير من مؤسسات الدولة المهترئة وبالذات الخدمية منها كالتعليم والصحة ليستفيد منها الأهالي، وقاموا بضخ المياه حتى وصلت إلى الجيش نفسه الذي اتفقوا معه على أن يمدهم بالكهرباء مقابل حصوله على الماء.
وفي الوقت الذي يتهم أنصار الشريعة كل من يتحالف مع الغرب بالعمالة أكد بلعيدي قيامهم بإنشاء مركز صحي داخل مدينة جعار بالتعاون مع الهلال الأحمر بناء على شروط أمنية التزموا بها وذلك كي يحل محل مستشفى الرازي الذي دمر بالكامل جراء أعمال القصف الذي تعرض لها من قبل قوات الجيش.
إعدام وصلب وقطع أيدٍ
لكن ما لا يتحدث عنه أبو حمزة هو موضوع الأحكام التي نفذها أنصار الشريعة منذ سيطرتهم على مدينتي جعار وزنجبار خصوصاً وأن المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى قيام الجماعة بإعدام 8 أشخاص بينهم سعوديون، جميعهم بتهمة التجسس عدا شخص واحد من أبين يقال إن اعتراضه على وجود أنصار الشريعة دفعه إلى مهاجمة بعضهم في إحدى النقاط.
كما نُفّذ من باتوا يعرفون بأنصار الشريعة ثلاثة أحكام بقطع الأيدي، أحدها بحق طفل يدعى خالد عبدالعزيز -15 عاماً- بتهمة سرقة كابلات نحاسية وبيعها لأحد تجار الخردة، وقد توفى بعد يومين من تنفيذ الحكم إثر مضاعفات حصلت له جراء قطع يده.
وشاهد عدد من الأهالي حكم الإعدام بحق أحد الأشخاص الذي تضمن الحكم أيضا صلبه لمدة ثلاثة أيام على مدخل جعار، ليتم مشاهدته من قبل الداخلين والخارجين للمدينة. وكان بعض أنصار الشريعة قد طلبوا منا الانتظار حتى صباح اليوم التالي لنكون ضمن الأشهاد على إعدام وصلب 3 من سكان إمارة وقار (جعار) بينهم امرأة قالوا إنهم متهمين بالتجسس لصالح الجيش وجهات خارجية لم يفصحوا عنها.
والأخطر من ذلك أن حق المتهم في تنصيب محامٍ للدفاع عنه واستئناف الحكم الصادر بحقه كلها إجراءات وضعية في المحاكم التي لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة من وجهة نظر أمير وقار (جعار) جلال بلعيدي، الذي قال خلال مؤتمر صحفي عقد في اليوم نفسه «إن الجانب الإجرائي في القضاء الإسلامي بسيط وغير معقد ويتفق مع سماحة الشريعة الإسلامية».
القات والدخان
تعاطي القات والدخان من الأمور المحظورة في شريعة أنصار الشريعة بمحافظة أبين وخيانة عظمى لأمير إمارة وقار (جعار) الذي وجه بنقل سوق القات الوحيد داخل المدينة إلى خارجها تمهيداً لإلغائه بالكلية، وأصدر مرسوماً بمنع بيع كل أنواع التبغ ومعاقبة من يخالف ذلك.
ونستحضر هنا قصة حدثت لأحد أعضاء قافلة الحرية صلاح المقبولي، أثناء وصولهم مدينة جعار حيث قادته «الولعة» -كما يقول- إلى بقالة بغية الحصول على حبه سيجارة، وهناك فوجئ بصاحبها يومئ له بالسكوت، ثم يطل برأسه من الباب متلفتاً يمنة ويسرة. ويواصل المقبولي: «مد صاحب البقالة يده إلى خزانة سرية والخوف يسيطر على كل حركاته ثم أخرج علبة السيجارة وطلب مبلغ 30 ريالا ثمناً للحبة الواحدة، وفوقها حلفني أيماناً بالغة أن لا أفشي سره لأحد حتى لا يعلم أنصار الشريعة فينزلون به أقصى العقوبة».
سياسة القبضة الحديدية بين الارتياح والاستياء
سياسة «القبضة الحديدية» التي يحكم بها أنصار الشريعة بعض مناطق أبين حالياً بقدر نشرها الرعب والخوف بين أوساط من تبقى من السكان استطاعت في المقابل أن توجد شيئاً من الأمن والأمان الذي افتقده المواطنون هناك لأكثر من عقدين على قيام دولة الوحدة ووضعت حداً لكثير من عصابات السرقة والمتقطعين.
وقد رافق ذلك الأمن قيام أنصار الشريعة بتوزيع بعض المساعدات الغذائية كما حدث في رمضان الماضي وتنفيذ بعض المشاريع الخدمية مثل مسح وتعبيد الطرقات واسترجاع بعض المسروقات وردها لأصحابها، وغير ذلك من الأعمال التي يسعى أنصار الشريعة من خلالها إلى تقديم أنفسهم كبديل للنظام السابق وبما يتواكب مع متطلبات وتحديات المرحلة.
«أ.ح.ق» أحد سكان جعار وموظف حكومي، التقيناه في المطعم الوحيد داخل المدينة فأكد لنا أن كل شيء يسير أفضل من السابق وأن كافة الخدمات متوفرة من كهرباء وماء وغاز وغيرها من الاحتياجات الضرورية التي تفتقدها باقي محافظات الجمهورية، وحين سألناه: «لماذا تأكل في المطعم إذا كان الوضع كما تصوره لنا؟!.. ابتسم في وجوهنا وهزّ رأسه ثم قال:»أنا عندي قرحة في المعدة وأكل البيت لا يناسب حالتي الصحية»..
هذا الارتياح الشعبي الذي خلفته تلك الأفعال والسياسات لدى بعض سكان جعار يقابله استياء كبير لدى السواد الأعظم من سكان تلك المناطق، وهو ما قرأناه في ملامح الخوف التي كست وجوه معظم من التقيناهم داخل وقار وزنجبار وكذلك نبرات أصواتهم وسمعناه علناً من أفواه النازحين خارج أبين والذين يشكلون السواد الأعظم.
فأول مأخذ على أنصار الشريعة من وجهة نظر المعارضين لهم من أبناء أبين هو إيمانهم اليقين بأنهم مجرد ورقة بيد صالح وبقايا نظام حكمه العائلي البائد يستخدمها متى يشاء، وهو ما نفاه أمير ولاية جعار جملة وتفصيلاً واصفاً إياه بالمستحيل مع الاعتراف بوجود جواسيس وعيون للنظام داخل التنظيم.
ويعتبر أبناء أبين المعارضين لأنصار الشريعة أن سقوط جعار وزنجبار في أيدي المسلحين عملية مدبرة بين علي صالح وعناصر تابعة له داخل تنظيم القاعدة من أجل تسليمهم المحافظة، وذلك في محاولة لتخويف الخارج وتحديداً أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي من خطر القاعدة في حال تم نقل السلطة في اليمن كما يطالب بذلك الملايين من أبناء الشعب الذين خرجوا إلى الشارع يطالبون بإسقاط نظامه.
أنصار الشريعة.. مواقف ورؤى
موقف أنصار الشريعة من الثورة: يقول جلال بلعيدي نتفق مع شباب الثورة في الهدف وهو إسقاط النظام لكننا نختلف معهم في الوسيلة باعتبار أن أي نظام حكم جبري لا ينفع معه سوى لغة القوة والسلاح، وإذا كان شباب الثورة قد خرجوا على النظام سلميا منذ 10 أشهر فنحن خرجنا عليه بالسلاح منذ عقود من الزمن.
وأضاف: «القول بأن الطريقة السلمية هي الأجدى هي وجهة نظر نحترمها ونعتبرها هي الطريقة الأسهل على النفس لكن الكل قد يعتصم سلمياً ثم يأتي في النهاية ويقاسمك الثمرة وربما يسحب منك البساط كما حدث من قبل أحزاب المعارضة في ساحات وميادين الحرية والتغيير».
موقفهم من جيش عدن أبين
ينظر أنصار الشريعة إلى ما كان يعرف بجيش عدن أبين الإسلامي الذي يقوده خالد عبد النبي، على أنهم مجموعة بلاطجة يتبعون علي صالح ويأتمرون بأمره وقد استخدمهم مراراً لضرب القاعدة في أبين وكذلك بعض خصومه السياسيين.
ووفقا لبعض القيادات الميدانية لأنصار الشريعة فإن أول معركة دارت في أبين قبل سقوط جعار وزنجبار في أيديهم كانت مع أنصار خالد عبدالنبي الحاكم الفعلي لمحافظة أبين خلال فترة ما قبل الحرب الأخيرة والذي انسحب في بداية المعركة، فيما أعلن قرابة 100 مسلح من أتباعه انضمامهم إلى جماعة أنصار الشريعة، وتم تصفيتهم بعد ذلك خلال المواجهات المسلحة مع الجيش.
موقفهم من الانتخابات
موقف أنصار الشريعة من انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية هو نفس موقف السلفية المتطرفة في اليمن وأيضاً تنظيم القاعدة الذين يحرمون الانتخابات وينظرون لها على أنها الكرت الأمريكي في اليمن والشرق الأوسط برمته، وهو ما أكده جلال بلعيدي بقوله: «نحن شرعاً لا نرى بالانتخابات ومنهجنا معروف في هذه المسألة التي تمثل إشكالية كبيرة بالنسبة لنا من ناحية شرعية».
وتشير النتائج المعلنة من قبل اللجنة العليا للانتخابات إلى أن نسبة المقاطعة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الشريعة بمحافظة أبين وصلت إلى 100 بالمائة حيث لم تتمكن اللجنة من إدخال صناديق الاقتراع إلى تلك المناطق سيما زنجبار وجعار اللتي شهدتا تعزيزاً كبيراً لقوات أنصار الشريعة قبيل الانتخابات الرئاسية المبكرة.
موقفهم من الحوثي
قد يتفق أنصار الشريعة مع جماعة الحوثي في الحرب المزعومة على أمريكا وإسرائيل والتي تتجسد في فكر القاعدة المعادي للغرب عموماً وأمريكا خصوصاً وصرخة الحوثي التي تتمنى الموت لأمريكا وإسرائيل وتلعن اليهود.
لكن ما سمعناه من أمير وقار (جعار) سابقاً ينفي وجود أي نقاط التقاء بين الاثنين، ويؤكد محاربتهم لجماعة الحوثي منذ فترة من الزمن على مبدأ شرعي يتمثل في كونهم روافض يسبون الصحابة بالإضافة إلى جرائمهم التي ارتكبوها بحق أهل السنة في صعدة وغيرها من المحافظات –حسب قوله- والتي صارت معروفة للجميع. زد على ذلك اتهام جلال بلعيدي جماعة الحوثي بأنهم من يقاتلونهم حالياً إلى جانب اللواء 25 ميكا.
موقفهم مما حدث في رداع
يقول جلال بلعيدي «إن ما حدث في رداع كان بإرادة من أبناء المدينة نفسها الذين ملوا من الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية وهو ما حدث قبلها بزنجبار ووقار التي ثار أبناؤها ضد نظام حكم علماني وجميعنا يصب في نفس الاتجاه».
خلال زيارتنا لمحافظة أبين المنكوبة ضمن فريق قافلة الحرية طفنا مدينتي زنجبار وجعار برفقة بعض المسلحين ممن يطلق على أنفسهم اسم «أنصار الشريعة» ويدعون انتماءهم لـ«القاعدة».
لقد وجدنا فيهم من هو منظم فعلاً ويحمل فكر القاعدة، وآخر في مهمة يخدم أجندة معينة، وثالث منتقم من نظام حكم جرعه كل ألوان الظلم، وصنف رابع رمته ظروف الحياة القاسية إلى أحضان تجيد فن الاستغلال باسم الدين والشريعة وتمتلك قدرة فائقة على الإقناع وعمل غسيل المخ.
التقينا هناك في زنجبار وجعار وعلى طول الطريق المؤدية إليهما، شيشانيين وأفغان وصربيين وأفارقة كما التقينا أشخاصاً من مناطق متفرقة في اليمن يقولون إنهم جاؤوا جميعاً من أجل هدف واحد هو التأسيس لخلافة إسلامية تحكم بشريعة الله وتنشر العدل والرخاء.
كان بينهم أصحاب سوابق كما أكد لنا بعض أعضاء قافلة الحرية الذين عرفونا بأشخاص يسكنون معهم في الحي نفسه داخل العاصمة صنعاء (معظمهم من مسيك، سعوان، دار سلم، السواد) ولديهم قضايا أخلاقية وجنائية وتهم بالمتاجرة بالمخدرات والخمور ما يؤهلهم ليكونوا أرباب سوابق حسب ما رواه لنا بعض جيرانهم ممن كانوا معنا في القافلة.
كما لفت انتباهنا طريقة بعضهم في حلق اللحى والشوارب والتي توحي بأنهم حديثو عهد بالتدين وربما القاعدة أيضاً، وهذا ما بدا واضحاً من خلال حديثهم الذي يظهر مدى إفلاسهم الثقافي والديني وتكلفهم الزائد، لدرجة أنهم كانوا يحدثونا عن الإسلام وكأننا لا نفقه منه شيئاً بل ويقدمون أنفسهم للآخر على أنهم وكلاء الله في أرضه.
لكنهم مع ذلك كله بدوا رائعين في كرمهم وحسن تعاملهم ودماثة أخلاقهم وأثبتوا لنا ببساطتهم وتواضعهم ووسطيتهم وتقبلهم للآخر عبر تسهيل مهمتنا والتجاوب معنا- رغم كل الاستفزازات- أنهم على العكس تماماً مما تصوره وسائل الإعلام المحلية والخارجية في هذه الجوانب بالذات، مع احتمال أن يكون ذلك من باب تحسين الصورة فقط، سيما وأنهم قادمون على مرحلة جديدة سيأتي الحديث عنها لاحقاً.
أبو دعاء ومعركة الانتقام
معظم قيادات الصف الأول وكذلك قادة الجبهات القتالية هم خريجو سجون، وقضوا من سنتين إلى أربع سنوات داخل معتقلات جهازي الأمن السياسي والأمن القومي حسب ما رواه لنا أحد القيادات الميدانية لأنصار الشريعة في جعار وزنجبار والمعروف بـ «أبو دعاء الصنعاني».
جمال الحيمي المكنى بـ «أبو دعاء الصنعاني» من حي مسيك بالعاصمة صنعاء، متزوج من منطقة بامحفد محافظة أبين وأب لثلاثة أولاد يعيش معهم حالياً في منطقة جعار التي صار يطلق عليها مؤخراً وقار.
اعتقل من قبل الأمن السياسي بصنعاء عام 2006 ومكث أربع سنوات داخل زنزانة انفرادية تلقى فيها شتى أصناف العذاب وأجبر مراراً على الأكل من الصحن الذي كان يقضي حاجته فيه، فضلاً عن سب العرض وكل ذلك
لأنه فكر فقط بالذهاب إلى العراق للجهاد ضد قوات الاحتلال الأمريكية المتواجدة هناك –حسب قوله.
انضم الحيمي إلى أنصار الشريعة للانتقام من الدولة التي قال إنها تجني الآن ثمرة ما ارتكبته في حقه وحق غيره من ظلم واعتداءات وحماقات، مشيراً إلى أن معظم التكوينات الجهادية الموجودة على الساحة بما فيها القاعدة وأنصار الشريعة هي نتاج طبيعي للظلم والقهر الذي مارسته الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لنظام صالح العائلي.
وأشار الحيمي إلى أن هناك الكثير ممن هتكت أعراضهم واقتحمت غرف نومهم واعتقلوا من بين أهلهم وأولادهم، وهو ما جعلهم –حد قوله - يؤمنون أن الجهاد في اليمن مع مثل تلك الجماعات أولى من الجهاد في العراق أو أي مكان آخر.
وأضاف: «كنت أظن من قبل أن اليهود والنصارى وحدهم من يجب الجهاد ضدهم وإذا بأشخاص من أبناء جلدتنا يمنيين يسبك ويسب الله ويصعقك بالكهرباء لأتفه الأسباب».
ووفقاً للحيمي فإنه يعيش حالياً أفضل أيام حياته في أبين مع إخوانه «المجاهدين» من مختلف بقاع الأرض، بما في ذلك أوروبا وأفريقيا والمرابطين جميعاً في مختلف جبهات القتال، وهو مقتنع تماماً بالوضع الحالي خصوصاً وأنهم يعيشون –حسب قوله- في ظل دولة إسلامية تطبق شرع الله وتحكم بما أنزل.
ويواصل قائلاً: «لقد مللنا من حكومات الكفر والردة والعملاء، نريد حكومة إسلامية مللنا من هؤلاء الطواغيت نريد لشرع الله سبحانه وتعالى أن يحكم فينا».
أمير «وقار» والظهور الأول
بعد سلسلة اتصالات تصاعدية مع قيادات ميدانية تابعة لأنصار الشريعة بمحافظة أبين التقينا أبو حمزة الزنجباري، وسط ولاية وقار حاليا ومدينة جعار سابقاً وهو يرتدي عدة الحرب ويقف إلى جواره عدد من المرافقين الشخصيين المدججين بالأسلحة وبعض أطفال استخدموا كوسيلة دعائية تروج لشيء اسمه التعايش بين سكان جعار وأنصار الشريعة واستمرار الحياة الطبيعية.
اسمه الحقيقي جلال محسن صالح بلعيدي من قبيلة المراقشة «آل بلعيد» الواقعة على بعد 70 كيلو متر من مدينة زنجبار شرقاً ويكنى حركياً بـ «أبو حمزة الزنجباري» يبلغ من العمر 30 عاماً، متزوج وله أولاد، ويظهر من آخر صورة التقطناها له أنه نحيل الجسم، أبيض البشرة، اسود الشعر، قليل الاهتمام بمظهره الخارجي، كثير الانشغال بلحيته التي ما يفتأ يمد يده إليها بين الفينة والأخرى كمن لم يعتاد على إطلاقها من قبل.
كما يتمتع بروح دعابة وابتسامة عريضة لا تفارق محياه ولديه قدرة على كسب تعاطف الآخرين، وهو إلى جانب ذلك دقيق الملاحظة سريع البديهة لكنه في المقابل سطحي التفكير ويتعصب جداً لرأيه رغم ما يتظاهر به من احترام للرأي الآخر، كما لا يتوانى لحظة عن تخوين من يخالفه، كما حدث مع أحد الزملاء الصحفيين الذي قال إن أسئلته لها خلفية سياسية وتخدم أطرافاً أخرى.
يعتبر بلعيدي الحاكم الفعلي لإمارة زنجبار التي تم تعيينه أميراً لها أواخر شهر مارس 2011، بعد انسحاب قوات الأمن منها وسقوطها في أيدي أنصار الشريعة وهو على ارتباط مباشر بالقيادي الأول لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي.
وقد استحق بلعيدي هذا المنصب لأنه أولاً من أبناء زنجبار ثم لما يملكه من رصيد جهادي وما عرف عنه من شجاعة وإقدام وحنكة في المعركة الأخيرة التي خاضوها ضد الجيش، وكان ضمن أول من قاموا بها وخططوا لها، وهذا المنصب بالنسبة له تكليف لا تشريف –حسب قوله.
أطلق أبو حمزة ابتسامة عريضة ثم استهل حديثه بالترحيب بنا كأول فريق صحفي وحقوقي يصل إلى محافظة أبين، معتبراً ذلك خطوة إيجابية طالما انتظروها من أجل تسليط الضوء على ما اعتبرها جرائم ضد الإنسانية ارتكبها علي عبدالله صالح وعصابته بحق أبناء المحافظة.
يقول أبو حمزة: « العالم بأسره تكالب على أبناء محافظة أبين إلى جانب الدولة العميلة التي قصفت المواطنين ودمرت البنية التحتية للمحافظة وكل ذلك لأن أبناء هذه المحافظة قرروا أن يحكموا الشريعة ويتمردوا على الظلم والفساد الذي عم المحافظة».
واعتبر أن هذا التكالب من قبل العالم والنظام الحاكم في اليمن ضدهم هو من دفعهم إلى حمل السلاح كحق مشروع للدفاع عن أنفسهم ولن يتركوا سلاحهم –حسب قوله - حتى يتم تحكيم الشرع ويتوقف الجميع عن قتالهم والاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال.
الوضع في أبين
الوضع الأمني في أبين يشهد حالة استقرار لا توجد في باقي محافظات الجمهورية كما يصوره أبو حمزة، ومثله الوضع المعيشي والخدمي، مشيراً إلى أن الخدمات مستمرة على صعيد الكهرباء والمياه والبلدية، وغيرها ومؤكداً حرصهم على أن تكون ولاية أبين أنموذجاً يحتذى به في تحكيم الشريعة ودفع الظلم والحفاظ على القيم الإنسانية كالعدل والمساواة وسيتم تعميمه –حد قوله- على كل أنحاء الجمهورية.
وعن طبيعة العلاقة بين أنصار الشريعة والمواطنين في مدينتي جعار وزنجبار قال بلعيدي: «علاقتنا بالأهالي جيدة وقائمة على التعاون والتفاعل ونجد استجابة كبيرة وتقبل منقطع النظير من قبل السكان للوضع القائم، ولك أن تقوم بجولة لتتأكد من ذلك بنفسك وترى مدى اللحمة بيننا وبين المواطنين».
أما مسالة تغيير اسم «جعار» إلى «وقار» فيأتي من باب اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم –حسب قوله - والذي كان دائماً يغير الأسماء إلى ما هو أفضل ومن معرفتنا واطلاعنا على الأسماء نعرف أن وقار معناها الضبع ولهذا غيرنا اسمها إلى وقار.
كيف تدار وقار وزنجبار؟
يدير أنصار الشريعة شؤون زنجبار ووقار (جعار) عبر مجموعة لجان منها اللجنة الاجتماعية المختصة بشؤون الخدمات اللجنة الدعوية المرتبطة بمؤسستي الحسبة والتعليم، واللجنة القضائية المرتبطة بمؤسسة الشرطة التي تضم حاليا مركز شرطة واحداً في مدينة جعار.
ويتولى مركز شرطة وقار مهمة الإصلاح بين الناس وفض النزاعات والخصومات وذلك بعد استقبال القضايا وتوثيقها في السجلات الخاصة، إضافة إلى مهام ضبط الأمن في المدينة وأما ما يتعلق بالقضايا التي تحتاج إلى أحكام قضائية مثل تنفيذ أحكام القصاص وإقامة الحدود الشرعية فيحيلها قسم الشرطة إلى مندوب القضاء الشرعي والذي يقوم برفعها إلى اللجنة القضائية التي تضم 6 قضاة لتبت فيها.
وقد قاموا –حسب أمير جعار- بإعادة تأهيل كثير من مؤسسات الدولة المهترئة وبالذات الخدمية منها كالتعليم والصحة ليستفيد منها الأهالي، وقاموا بضخ المياه حتى وصلت إلى الجيش نفسه الذي اتفقوا معه على أن يمدهم بالكهرباء مقابل حصوله على الماء.
وفي الوقت الذي يتهم أنصار الشريعة كل من يتحالف مع الغرب بالعمالة أكد بلعيدي قيامهم بإنشاء مركز صحي داخل مدينة جعار بالتعاون مع الهلال الأحمر بناء على شروط أمنية التزموا بها وذلك كي يحل محل مستشفى الرازي الذي دمر بالكامل جراء أعمال القصف الذي تعرض لها من قبل قوات الجيش.
إعدام وصلب وقطع أيدٍ
لكن ما لا يتحدث عنه أبو حمزة هو موضوع الأحكام التي نفذها أنصار الشريعة منذ سيطرتهم على مدينتي جعار وزنجبار خصوصاً وأن المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى قيام الجماعة بإعدام 8 أشخاص بينهم سعوديون، جميعهم بتهمة التجسس عدا شخص واحد من أبين يقال إن اعتراضه على وجود أنصار الشريعة دفعه إلى مهاجمة بعضهم في إحدى النقاط.
كما نُفّذ من باتوا يعرفون بأنصار الشريعة ثلاثة أحكام بقطع الأيدي، أحدها بحق طفل يدعى خالد عبدالعزيز -15 عاماً- بتهمة سرقة كابلات نحاسية وبيعها لأحد تجار الخردة، وقد توفى بعد يومين من تنفيذ الحكم إثر مضاعفات حصلت له جراء قطع يده.
وشاهد عدد من الأهالي حكم الإعدام بحق أحد الأشخاص الذي تضمن الحكم أيضا صلبه لمدة ثلاثة أيام على مدخل جعار، ليتم مشاهدته من قبل الداخلين والخارجين للمدينة. وكان بعض أنصار الشريعة قد طلبوا منا الانتظار حتى صباح اليوم التالي لنكون ضمن الأشهاد على إعدام وصلب 3 من سكان إمارة وقار (جعار) بينهم امرأة قالوا إنهم متهمين بالتجسس لصالح الجيش وجهات خارجية لم يفصحوا عنها.
والأخطر من ذلك أن حق المتهم في تنصيب محامٍ للدفاع عنه واستئناف الحكم الصادر بحقه كلها إجراءات وضعية في المحاكم التي لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة من وجهة نظر أمير وقار (جعار) جلال بلعيدي، الذي قال خلال مؤتمر صحفي عقد في اليوم نفسه «إن الجانب الإجرائي في القضاء الإسلامي بسيط وغير معقد ويتفق مع سماحة الشريعة الإسلامية».
القات والدخان
تعاطي القات والدخان من الأمور المحظورة في شريعة أنصار الشريعة بمحافظة أبين وخيانة عظمى لأمير إمارة وقار (جعار) الذي وجه بنقل سوق القات الوحيد داخل المدينة إلى خارجها تمهيداً لإلغائه بالكلية، وأصدر مرسوماً بمنع بيع كل أنواع التبغ ومعاقبة من يخالف ذلك.
ونستحضر هنا قصة حدثت لأحد أعضاء قافلة الحرية صلاح المقبولي، أثناء وصولهم مدينة جعار حيث قادته «الولعة» -كما يقول- إلى بقالة بغية الحصول على حبه سيجارة، وهناك فوجئ بصاحبها يومئ له بالسكوت، ثم يطل برأسه من الباب متلفتاً يمنة ويسرة. ويواصل المقبولي: «مد صاحب البقالة يده إلى خزانة سرية والخوف يسيطر على كل حركاته ثم أخرج علبة السيجارة وطلب مبلغ 30 ريالا ثمناً للحبة الواحدة، وفوقها حلفني أيماناً بالغة أن لا أفشي سره لأحد حتى لا يعلم أنصار الشريعة فينزلون به أقصى العقوبة».
سياسة القبضة الحديدية بين الارتياح والاستياء
سياسة «القبضة الحديدية» التي يحكم بها أنصار الشريعة بعض مناطق أبين حالياً بقدر نشرها الرعب والخوف بين أوساط من تبقى من السكان استطاعت في المقابل أن توجد شيئاً من الأمن والأمان الذي افتقده المواطنون هناك لأكثر من عقدين على قيام دولة الوحدة ووضعت حداً لكثير من عصابات السرقة والمتقطعين.
وقد رافق ذلك الأمن قيام أنصار الشريعة بتوزيع بعض المساعدات الغذائية كما حدث في رمضان الماضي وتنفيذ بعض المشاريع الخدمية مثل مسح وتعبيد الطرقات واسترجاع بعض المسروقات وردها لأصحابها، وغير ذلك من الأعمال التي يسعى أنصار الشريعة من خلالها إلى تقديم أنفسهم كبديل للنظام السابق وبما يتواكب مع متطلبات وتحديات المرحلة.
«أ.ح.ق» أحد سكان جعار وموظف حكومي، التقيناه في المطعم الوحيد داخل المدينة فأكد لنا أن كل شيء يسير أفضل من السابق وأن كافة الخدمات متوفرة من كهرباء وماء وغاز وغيرها من الاحتياجات الضرورية التي تفتقدها باقي محافظات الجمهورية، وحين سألناه: «لماذا تأكل في المطعم إذا كان الوضع كما تصوره لنا؟!.. ابتسم في وجوهنا وهزّ رأسه ثم قال:»أنا عندي قرحة في المعدة وأكل البيت لا يناسب حالتي الصحية»..
هذا الارتياح الشعبي الذي خلفته تلك الأفعال والسياسات لدى بعض سكان جعار يقابله استياء كبير لدى السواد الأعظم من سكان تلك المناطق، وهو ما قرأناه في ملامح الخوف التي كست وجوه معظم من التقيناهم داخل وقار وزنجبار وكذلك نبرات أصواتهم وسمعناه علناً من أفواه النازحين خارج أبين والذين يشكلون السواد الأعظم.
فأول مأخذ على أنصار الشريعة من وجهة نظر المعارضين لهم من أبناء أبين هو إيمانهم اليقين بأنهم مجرد ورقة بيد صالح وبقايا نظام حكمه العائلي البائد يستخدمها متى يشاء، وهو ما نفاه أمير ولاية جعار جملة وتفصيلاً واصفاً إياه بالمستحيل مع الاعتراف بوجود جواسيس وعيون للنظام داخل التنظيم.
ويعتبر أبناء أبين المعارضين لأنصار الشريعة أن سقوط جعار وزنجبار في أيدي المسلحين عملية مدبرة بين علي صالح وعناصر تابعة له داخل تنظيم القاعدة من أجل تسليمهم المحافظة، وذلك في محاولة لتخويف الخارج وتحديداً أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي من خطر القاعدة في حال تم نقل السلطة في اليمن كما يطالب بذلك الملايين من أبناء الشعب الذين خرجوا إلى الشارع يطالبون بإسقاط نظامه.
أنصار الشريعة.. مواقف ورؤى
موقف أنصار الشريعة من الثورة: يقول جلال بلعيدي نتفق مع شباب الثورة في الهدف وهو إسقاط النظام لكننا نختلف معهم في الوسيلة باعتبار أن أي نظام حكم جبري لا ينفع معه سوى لغة القوة والسلاح، وإذا كان شباب الثورة قد خرجوا على النظام سلميا منذ 10 أشهر فنحن خرجنا عليه بالسلاح منذ عقود من الزمن.
وأضاف: «القول بأن الطريقة السلمية هي الأجدى هي وجهة نظر نحترمها ونعتبرها هي الطريقة الأسهل على النفس لكن الكل قد يعتصم سلمياً ثم يأتي في النهاية ويقاسمك الثمرة وربما يسحب منك البساط كما حدث من قبل أحزاب المعارضة في ساحات وميادين الحرية والتغيير».
موقفهم من جيش عدن أبين
ينظر أنصار الشريعة إلى ما كان يعرف بجيش عدن أبين الإسلامي الذي يقوده خالد عبد النبي، على أنهم مجموعة بلاطجة يتبعون علي صالح ويأتمرون بأمره وقد استخدمهم مراراً لضرب القاعدة في أبين وكذلك بعض خصومه السياسيين.
ووفقا لبعض القيادات الميدانية لأنصار الشريعة فإن أول معركة دارت في أبين قبل سقوط جعار وزنجبار في أيديهم كانت مع أنصار خالد عبدالنبي الحاكم الفعلي لمحافظة أبين خلال فترة ما قبل الحرب الأخيرة والذي انسحب في بداية المعركة، فيما أعلن قرابة 100 مسلح من أتباعه انضمامهم إلى جماعة أنصار الشريعة، وتم تصفيتهم بعد ذلك خلال المواجهات المسلحة مع الجيش.
موقفهم من الانتخابات
موقف أنصار الشريعة من انتخاب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية هو نفس موقف السلفية المتطرفة في اليمن وأيضاً تنظيم القاعدة الذين يحرمون الانتخابات وينظرون لها على أنها الكرت الأمريكي في اليمن والشرق الأوسط برمته، وهو ما أكده جلال بلعيدي بقوله: «نحن شرعاً لا نرى بالانتخابات ومنهجنا معروف في هذه المسألة التي تمثل إشكالية كبيرة بالنسبة لنا من ناحية شرعية».
وتشير النتائج المعلنة من قبل اللجنة العليا للانتخابات إلى أن نسبة المقاطعة في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الشريعة بمحافظة أبين وصلت إلى 100 بالمائة حيث لم تتمكن اللجنة من إدخال صناديق الاقتراع إلى تلك المناطق سيما زنجبار وجعار اللتي شهدتا تعزيزاً كبيراً لقوات أنصار الشريعة قبيل الانتخابات الرئاسية المبكرة.
موقفهم من الحوثي
قد يتفق أنصار الشريعة مع جماعة الحوثي في الحرب المزعومة على أمريكا وإسرائيل والتي تتجسد في فكر القاعدة المعادي للغرب عموماً وأمريكا خصوصاً وصرخة الحوثي التي تتمنى الموت لأمريكا وإسرائيل وتلعن اليهود.
لكن ما سمعناه من أمير وقار (جعار) سابقاً ينفي وجود أي نقاط التقاء بين الاثنين، ويؤكد محاربتهم لجماعة الحوثي منذ فترة من الزمن على مبدأ شرعي يتمثل في كونهم روافض يسبون الصحابة بالإضافة إلى جرائمهم التي ارتكبوها بحق أهل السنة في صعدة وغيرها من المحافظات –حسب قوله- والتي صارت معروفة للجميع. زد على ذلك اتهام جلال بلعيدي جماعة الحوثي بأنهم من يقاتلونهم حالياً إلى جانب اللواء 25 ميكا.
موقفهم مما حدث في رداع
يقول جلال بلعيدي «إن ما حدث في رداع كان بإرادة من أبناء المدينة نفسها الذين ملوا من الاشتراكية والديمقراطية والعلمانية وهو ما حدث قبلها بزنجبار ووقار التي ثار أبناؤها ضد نظام حكم علماني وجميعنا يصب في نفس الاتجاه».