الرئيسية / تقارير وحوارات / عبد ربه منصور هادي .. هدوء يعقب العاصفة ام يسبقها؟
عبد ربه منصور هادي .. هدوء يعقب العاصفة ام يسبقها؟

عبد ربه منصور هادي .. هدوء يعقب العاصفة ام يسبقها؟

29 فبراير 2012 02:01 مساء (يمن برس)
تسلم عبدربه منصور هادي السلطة رسميا في اليمن أمس وهو حسب ما عرفناه عنه حتى الآن، هادئ جداً بالفعل، فطوال فترة توليه لمنصب نائب رئيس الجمهورية في اليمن منذ العام 1994، وحتى اندلاع الثورة الشعبية ضد النظام في العام الماضي، لم يُحدث ضجة من أي نوع أو درجة، تحدث قليلاً جداً، واشتهر بظهوره صامتاً بجانب الرئيس علي عبد الله صالح، في منصات الاحتفالات الرسمية، وبعض اللقاءات مع ضيوف اليمن.

لم يقتل احد ولم ينقذ احد
وظل معظم اليمنيين يعتبرون أن هادي مجرد نائب صوري لرئيس يحتكر جل الصلاحيات، ولا يترك للرجل، الذي ينبغي أن يكون الثاني في الدولة، سوى مهام هامشية، مثل ترؤس اللجان التي تشرف على الاحتفالات الوطنية، وافتتاح بعض المشاريع نيابة عن الرئيس.

وعلى الرغم من تبوئه منصب الرجل الثاني في الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) بعد رئيس الحزب علي عبدالله صالح، فان هادي لم يظهر ضمن من حملوا لواءات الخصومة والخلافات مع المعارضة، ولم تشر إليه أصابع الاتهام بممارسة الفساد، لكن خصوم النظام لم يمدحونه، ولم يذموه.

يتحدث عنه الكاتب الصحفي اليمني محمود ياسين، قائلاً لقارئه: "أتحداك أن تكرهه أو تحبه" فهو "بلا فظائع ولا مزايا، لم يقتل أحداً ولم ينقذ أحداً".

وهذا تقريبا نفس ما ذهب إليه الكاتب جمال جبران، عندما وصف هادي بأنه "العسكري العتيد الذي فضّل البقاء دائماً في خلفية المشهد"، وقال في مقال نشرته جريدة "الأخبار" اللبنانية مؤخراً: "يصفونه بالرجل الطيب، لأنهم لم يسمعوا أنه ظلم أحداً أو نهب مال أحد، لكنهم أيضاً يعرفون أنه لم يقم بمساعدة أحد".

أما الكاتب اليمني نصر طه مصطفى، فقد حاول أن يطمئن اليمنيين على مستقبل رئيسهم الجديد، وذكّرهم بنواب رؤساء اعتبر إنهم كانوا من نوع عبدربه منصور هادي، وكانت شخصياتهم "باهتة جداً"، وقال "لكن بعضهم ممن تولى الرئاسة خلفاً لسابقه، أظهر قدرات لم يكن بالإمكان استكشافها وهو في منصب نائب الرئيس" وضرب لذلك مثلاً بأنور السادات، وحسني مبارك في مصر.

نجم سطع اخيرا
سطع نجم هادي بقوة عقب الهجوم الذي استهدف الرئيس علي عبدالله صالح، في مسجد دار الرئاسة اليمنية في يونيو- حزيران 2011. وأدى هادي عقب ذلك الحادث دوره كما ينبغي، فقام بمحاصرة الموقف، وبذل جهوداً كبيرة لمنع وقوع أيه عمليات انتقامية، وعمل على وقف المواجهات المسلحة المستعرة في صنعاء.

وقبل ذلك كانت قوى المعارضة اليمنية، قد التقطت تأكيد الرئيس صالح عزمه التخلي عن السلطة، مع تأكيده انه لن يسلمها إلى المعارضة، ولن يتركها إلا عبر انتخابات. وبمساعدة الوسطاء من دول المنطقة والعالم، تم الاتفاق على أن يقوم صالح بنقل السلطة الى نائبه هادي لفترة انتقالية تجري بعدها انتخابات مبكرة. وجرى تضمين ذلك في اتفاق المبادرة الخليجية، الذي وقعه ممثلو المؤتمر الشعبي العام، وأحزاب اللقاء المشترك في مايو 2011، لكن الرئيس صالح تأخر عدة أشهر في التوقيع عليه.

استجابة لضغوط الثوار، وقوى المعارضة، والمجتمع الإقليمي والدولي، أصدر الرئيس صالح في 12 سبتمبر 2011م قراراً بتفويض نائبه هادي بالصلاحيات الدستورية اللازمة لإجراء حوار مع الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية، والاتفاق على آلية مزمنة لتنفيذها، والبدء بمتابعة التنفيذ، بما يفضي إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

وبنجاح آخر اضطلع هادي بالمهام الواردة في التفويض، وخاض مع آخرين من حزبه، حواراً صعبا مع المعارضين، توصل الى الاتفاق على الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

ومع التوقيع على المبادرة الخليجية من قبل الرئيس صالح في 23 نوفمبر- تشرين الثاني، بالتزامن مع توقيع الآلية التنفيذية، اتسعت الصلاحيات المنقولة لهادي، لتشمل معظم صلاحيات رئيس الجمهورية، بما في ذلك الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، واتخاذ جميع القرارات اللازمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني.

وحددت الآلية هادي كمرشح توافقي في الانتخابات المبكرة، وألزمت الطرفين الموقعين عليها بعدم ترشيح أو تزكية أي شخص غيره لخوض الانتخابات.

رئيس لسنتين
وبموجب الانتخابات التي جرت في يوم الثلاثاء 21 فبراير- شباط الجاري، سيتولى هادي رئاسة الجمهورية لفترة انتقالية تستمر لعامين، يجري خلالها تنفيذ مهام محددة نصت عليها الآلية التنفيذية.

وطوال الفترة منذ توقيع الاتفاقية الخليجية وآليتها التنفيذية تحول هادي الى رمز مرتجى لحكم اليمن في العهد الجديد. وكان من اللافت أن قوى المعارضة ظهرت أكثر حماساٌ في تأييده ودعمه وانتظار لحظة توليه الحكم. وفي المقابل كان حزب المؤتمر الشعبي العام، أقل حماساً لذلك، لسبب بسيط أن هو أن هادي، وعلى الرغم من انه نائب رئيس المؤتمر، إلا انه سيأتي بديلا لرئيس الحزب ومؤسسه وزعيمه الأوحد.

من العسكرية ألى السياسة
وُلد عبدربه هادي سنة 1945م بمحافظة أبين في جنوب اليمن، ونال بكالوريوس علوم عسكرية بالمملكة المتحدة في 1966م، والتحق بدورة في سلاح المدرعات في مصر عام 1969، ثم حصل على الماجستير في العلوم العسكرية من الاتحاد السوفيتي في 1979.

وتوضح سيرة ذاتية رسمية وزعها مكتبه في الأيام الماضية، أنه تقلد عدداً من المناصب القيادية في دولة اليمن الجنوبي السابق، حيث عمل أركان حرب لسلاح المدرعات، وأركان حرب الكلية الحربية، وتقلد مناصب: قائد محور عملياتي، ثم مدير دائرة التدريب القتالي، ثم مدير دائرة الإمداد والتموين، حتى وصل الى موقع نائب رئيس هيئة الأركان العامة.

وعقب تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، عمل هادي مستشاراً عسكرياً لمجلس الرئاسة في دولة اليمن الموحدة، ثم جرى تعيينه وزيراً للدفاع في 1994م. وفي أكتوبر من العام نفسه تولى منصب نائب رئيس الجمهورية.

وعلى المستوى الحزبي تم انتخابه نائباً لرئيس المؤتمر الشعبي في يونيو 1995، ثم انتخب نائبا أول لرئيس المؤتمر وأميناً عاماً في 12 نوفمبر 2008م.
ومما لم تذكره السيرة الرسمية، أن هادي كان من القيادات العسكرية التي وقفت بجانب رئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد في النزاع الدموي الذي اندلع في يناير 1986 بين جناحين في الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم حينها في الجنوب، وأنه كان ممن نزحوا الى اليمن الشمالي، في أعقاب الهزيمة التي لحقت بجناح على ناصر.

تم استيعاب هادي ضمن جيش اليمن الشمالي، وشارك في حرب 1994م ضد قوات الحزب الاشتراكي، وفي خضم تلك المعركة عينه الرئيس صالح وزيراً للدفاع.

كما لم تذكر السيرة الرسمية أن هادي، يجيد اللغة الانجليزية، ويتحدث كذلك بالروسية، وأن له بحوث ومؤلفات في مجال العلوم العسكرية.

سند إقليمي
نال هادي في فترة الأشهر الماضي الكثير من المديح والإشادة والتقدير من كبار المسؤولين في دول المنطقة والعالم، بسبب الدور الذي اضطلع به لمحاصرة الأزمة اليمنية وتداعياتها العسكرية والأمنية. ونقل موقع "إيلاف" عن دبلوماسي غربي لم يذكر اسمه: إن "الطريقة التي أدار بها هادي المفاوضات حول اتفاق انتقال السلطة، ومساهمته في إقناع صالح بالمضي قدماً في الاتفاق، تظهر أنه شخص ماهر جدا". انه "لا يملك قاعدة قبلية، أو عائلية، أو مناطقية، أو فئوية، وليست لديه خبرة حقيقية في الحكم، إلا أنه يبدو فوق صراعات الأطراف، الأمر الذي يعطيه قوة" .

والأهم من الموقف الخارجي أن هادي وجد قبولاً ورضا داخل اليمن من مختلف الأطراف السياسية، وكان محط إجماع، ربما لم يتوفر لمسئول يمني من قبل.

وحاول الكاتب علي الضبيبي، أن يؤصل لنجاحات هادي الأخيرة، فقال، في مقال نشره موقع "المصدر اون لاين"، انه ينحدر من عائلة شهيرة معظم رجالها كانوا مناضلين ضد الاستعمار البريطاني، وانه كان من أفضل الشبان الأذكياء داخل الجيش إبان فترة الاستعمار، وعندما عاد من دراسته العسكرية من بريطانيا لم ينغمس في الصراع والقتال الذي كان دائراً حينها في عدن بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، ولم تطاله لعنة الحرب الأهلية إذ ذاك، وتلك ميزته.

وأضاف: "فالذين لم يعرفوا عبد ربه منصور هادي قبل اليوم، عرفوه هذا العام، عندما أمسك العصا من الوسط بجدارة فائقة"

ويمدحه الضبيبي كثيرا، فهو عنده "رئيس مثقف"، و"رجل المرحلة الفذ بلا منازع"، و"الرئيس الذي يجب أن يحتفل اليمنيون الآن ويتفاءلوا به". ويقول: "على الأقل صار لدينا رئيس مقل في الكلام (...) ويتمتع بحصافة رجل ممتلئ"

من جانبه يري الدكتور عبد السلام المهندي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء، أن هادي شخصية مخضرمة تمتلك من الخصائص الفردية والمؤهلات، ما يجعله بحق رجل التوافق الوطني، ويقول في ورقة قدمها في ندوة نظمتها وزارة الثقافة اليمنية مؤخراً، إن التوافق عليه، "تحقق من خلال شخصيته المهنية والبعيدة عن حالات الصراع السياسي".

ويمضي المهندي أكثر من ذلك فيقول إن اختيار هادي لرئاسة الجمهورية يعد "مصدراً من مصادر التمويل الاقتصادي، وعنصر جذب للعديد من الاستثمارات والمساعدات والمعونات الدولية، التي تنظر إلى هادي باعتباره عنصر الاستقرار السياسي الذي يوفر بيئة آمنة ومناسبة لاستيعاب ما يمكن تقديمه من عون لليمن"

كذلك يعبر الدكتور عدنان الشرجبي، أستاذ علم النفس بجامعة صنعاء، عن قبوله بالرئيس هادي، ويصفه بأنه: "من القلة القليلة المتصفة بالنضج الشخصي والانفعالي والسياسي". ويقول "إن من يتصف بهذه الصفة يغلب مصلحة البلد على كل الاعتبارات الضيقة ويستطيع الفصل بين الميول والولاءات الضيقة، ويعمل من أجل قضايا الوطن الكبيرة".
شارك الخبر