الرئيسية / طب وصحة / قادرة على تشتيت جيوش وتدمير مدن.. كيف تحولت حشرةٌ إلى أخطر قاتل في العالم
قادرة على تشتيت جيوش وتدمير مدن.. كيف تحولت حشرةٌ إلى أخطر قاتل في العالم

قادرة على تشتيت جيوش وتدمير مدن.. كيف تحولت حشرةٌ إلى أخطر قاتل في العالم

21 فبراير 2016 04:00 صباحا (يمن برس)
يعد البعوض من أخطر الكائنات على وجه الأرض، فهو يستخدم إبرته الدقيقة في امتصاص دم ضحيته، حيث يتغذى بشكل أساسي على دماء البشر ويتواجد حيث يعيشون. يضع البعوض بيضه في أغطية الزجاجات، الإطارات المستعملة وأواني الزهور وغيرها من الأشياء حولنا. على الرغم من صغر حجمه الذي لا يتجاوز حجم ظفر الإصبع، إلا أنه قادر على تشتيت جيوش وتدمير مدن بأكملها.

صحيفة "washingtonpost" نشرت تقريرا لها الجمعة 19 فبراير/شباط 2016، قالت فيه "تعيش آلاف أنواع البعوض على ظهر الكوكب، إلا أن القليل من تلك أنواع هو ما أثبت كفاءته في مهاجمة البشر وإلحاق الأذى بهم، أخطر تلك الأنواع هو البعوضة الزاعجة المصرية، حيث عملت على نقل أخطر الأمراض بين دول العالم مثل حمى الضنك والحمى الصفراء ومرض شيكونغونيا الفيروسي، وأخيرا فيروس زيكا".

يقول بيتر هوتيز، وهو عميد المدرسة الوطنية للطب الاستوائي بجامعة بايلور للطب للصحيفة: "إنها من أكثر القتلة كفاءةً في هذا العالم".

تسببت البعوضة الزاعجة المصرية من قبل في انتشار مرض الحمى الصفراء الخطير في 1890 وهو ما أجبر فرنسا على التخلي عن إنشاء قناة بنما، كما أصاب آلاف الجنود خلال الحرب بين أميركا وإسبانيا، كما كانت تلك البعوضة السبب أيضاً في انتشار المرض مجدداً في القرن التاسع عشر في عدة مناطق في الولايات المتحدة، وحتى اليوم، يصيب هذا النوع من البعوض ما يزيد عن 20 مليون شخص حول العالم بحمى الضنك سنوياً.

إذاً، ما الذي يجعل من تلك البعوضة خطرةً لتلك الدرجة؟ وما الذي يجعلها بهذه الدرجة من الكفاءة في نقل الأمراض الخطيرة؟

هناك سببان رئيسيان لهذا الأمر، الأول هو سبب بيولوجي، بينما يتعلق الثاني بقدرة تلك الكائنات على التكيف. تعيش البعوضة بالأساس في مناطق يسكنها ما يقارب نصف عدد سكان الأرض، كما طورت من نفسها لتكتسب قدرة على التعايش حيث يوجد البشر. تفضل البعوضة العيش في الأماكن عالية الكثافة السكانية والأماكن الحضرية التي تمتلئ بالقمامة، كما أن لديها قدرة عالية على التكاثر، حيث يستطيع البيض الصمود لمدة تصل إلى سنة أو أكثر دون أن يفقس، وبمجرد أن يوضع في الماء، سرعان ما يفقس.

وفقاً لروناد روزنبيرغ، وهو طبيب متخصص بالأمراض التي تنتقل عن طريق الحشرات في أحد المراكز الطبية الكبرى، فقد صرح قائلاً في مؤتمر عقد هذا الأسبوع: "مثل بعض الحشرات الأخرى، كالصراصير، تطور ذلك البعوض خلال الـ15000 عام الأخيرة ليتكيف مع التغيرات التي حدثت للبيئة والإنسان، لأنه يعيش حيث يعيش البشر".

منظمة الصحة العالمية وصفت البعوضة الزاعجة المصرية مؤخراً بـ"النفعية"، كما تحدثت عن قدرتها البالغة على التكيف مع التغيرات البيئية، مستغلة انتقال البشر من بلد إلى بلد، كما تتمتع بقدرة فائقة على ضرب المناطق الفقيرة.

تقوم إناث هذا النوع من البعوض باللدغ، كما تضع من 100 إلى 200 بيضة بعد كل وجبة تأكلها، كما أنها لها قدرة رهيبة على وضع أعداد هائلة من البيض خلال فترة عمرها.

تقول منظمة الصحة العالمية: "توجد اليرقات في الكثير من الأماكن، مثل الأكواب البلاستيكية وأعطية الزجاجات والأطباق والأحواض وأحواض الزرع وأوعية المياه الخاصة بالحيوانات الأليفة، كما يمكن أن تتكاثر أيضاً في خزانات الصرف الصحي والحمامات والأماكن التي يتم إنشائها وفي الإطارات المستعملة، بالإضافة إلى الأماكن التي تتوفر فيها المياه الراكدة والتي تزيد من فرصة تكاثره بصورة هائلة".

جعلت تركيبة وطريقة تغذية الزاعجة المصرية منها الكائن الأمثل لنقل فيروس زيكا بين البشر. إناث البعوض، والتي تتغذى على الدم لتوفر البروتين اللازم للبيض، تقوم بامتصاص الدم من شخص مصاب بالفعل، لينتقل الدم إلى القناة الهضمية لتلك للبعوضة. عند أغلب أنواع البعوض، ينتهي الأمر عند تلك المرحلة ولا يخرج المرض من تلك القناة الهضمية، إلا أن الأمر يختلف في حالة الزاعجة المصرية والتي تمتلك قدرة على نقل المرض، حيث يتكاثر الفيروس داخل البعوض ويجد طريقه مجدداً إلى الغدة اللعابية في عمليةٍ قد تستغرق عدة أيام، وعندما يقوم البعوض بلدغ شخص آخر في تلك الحالة، ينتقل المرض مباشرة إليه.

تقول ريبيكا كيدينغ، أستاذ علم الحشرات بجامعة كولورادو الأميركية "لا يستغرق الأمر الكثير من الوقت، إنها من أخطر الحشرات قدرة على نقل الأمراض". إلا أنها لسوء الحظ أيضاً، حشرات جائعة للغاية.

تنشط الزاعجة المصرية بشكل كبير أثناء النهار، وخاصة وقت الفجر ووقت الغروب، حيث يمكن لها أن تختبئ في الكثير من الأماكن داخل المنزل، كما أنها تتغذى بشكل متقطع، أي أنها تقوم بعملية اللدغ بشكل متكرر على فترات مما يزيد من سرعة نقل المرض. لدى الزاعجة المصرية قدرة كبيرة أيضاً على التخفي والتسلل، حيث تقوم باللدغ سريعاً، خصوصاً في الكاحلين والمرفقين لتتجنب اصطيادها بواسطة البشر.

يقول جوزيف كونلون، وهو المستشار الفني لجمعية مكافحة البعوض الأميركية في نيوجيرسي: "إن لدغتها ليست بتلك القوة، حيث يمكنها أن تقوم بامتصاص الدم من ساقيك بينما تتناول أنت كوباً من القهوة دون أن تشعر بالأمر على الإطلاق، كما أنها تطير بسرعة لتمتص الدم من شخص آخر.. لديها قدره عالية على نقل الفيروس إلى الكثير من الأشخاص".

في الماضي، لم يكن من المعروف بالنسبة للعلماء السبب الحقيقي لانتقال الحمى الصفراء، حتى أدركوا في بداية القرن العشرين أن السبب الرئيسي وراءها هو البعوض. منذ ذلك الوقت، أعلن العالم حرباً أكثر من مرة ضد الزاعجة المصرية ونجح فيها إلى حد ما، ففي نهاية أربعينات وخمسينات القرن الماضي على سبيل المثال، استطاعت إحدى الحملات القضاء على ذلك النوع من البعوض في 18 دولة لاتينية وفي بعض جزر الكاريبي، إلا أن تلك الجهود تعثرت في النهاية نتيجة لضعف المراقبة والرغبة السياسية في مواجهة البعوض. واستطاع البعوض، على مدى سنوات، تطويرَ قدراته على مواجهة المبيدات الحشرية وجهود القضاء عليه، فاستطاعت الزاعجة المصرية العودة من جديد لتنقل أمراضاً أخرى مثل حمى الضنك.

امتدت فترة مكافحة الزاعجة المصرية أكثر من قرن، إلا أنها دائماً ما أثبتت أنها قوية للغاية. حثت منظمة الصحة العالمية الدول التي تواجه فيروس زيكا على اتخاذ مجموعة من التكتيكات، تبدأ من الرش التقليدي للمبيدات وصولاً إلى الهندسة الوراثية للمساعدة في السيطرة على الأعداد الرهيبة من البعوض والتي تسبب انتشار المرض بشكل كارثي.

الزاعجة المصرية تعتبر من أنواع متعددة من البعوض التي تستهدف البشر، فهناك على سبيل المثال بعوض الأنوفيليس والذي ينقل مرض الملاريا المتسبب في قتل مئات الآلاف حول العالم سنوياً، بالإضافة إلى بعوض كيوليكس والذي يعد الناقل الرئيسي لفيروس غرب النيل والذي يسبب مرضاً عصبياً مميتاً وينتشر في أجزاء من إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا وأميركا الشمالية، كما تحمل أنواعاً أخرى من البعوض الكثير من الجراثيم المسببة للكثير من الأمراض القاتلة.

مع استمرار الانتشار الواسع لفيروس زيكا في أميركا الجنوبية، ومع تأكيد العلماء على علاقته المباشرة بمرض دماغي يصيب المواليد بالإضافة إلى متلازمة نادرة إلى حد ما تصيب البالغين بالشلل، تطرح منظمات الصحة سؤالاً تم طرحه كثيراً على مدار أعوام سابقة وهو: كيف نقضي على الزاعجة المصرية؟

الإجابة هي أن الأمر ممكن، ولكنه لن يكون سهلاً أو رخيصاً. يقول كونلون مجدداً "لقد تأثرت الكثير من أجيال البشرية بهذا النوع من البعوض، فعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أن قدرته على الفتك بالبشر تفوق كل الحدود".
شارك الخبر