يتنحى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح -الذي وصف يوما حكمه للبلاد الممتد منذ 33 عاما بأنه يشبه "الرقص على رؤوس الثعابين"- رسميا هذا الاسبوع بعد أن يختار اليمنيون رئيسا جديدا في انتخابات يأمل كثيرون ان تمنح اليمن فرصة للديمقراطية.
وليس من المتوقع أن تقام مراسم ايذانا بنهاية حكم صالح الموجود خارج اليمن لتلقي العلاج في الولايات المتحدة بسبب اصابات لحقت به أثناء محاولة اغتيال في يونيو حزيران الماضي.
لكن الانتخابات التي لم يترشح فيها سوى عبد ربه منصور هادي نائب صالح من المتوقع أن تمهد الطريق كي يدخل اليمن اصلاحات سياسية واقتصادية وتعطيه فرصة لاعادة هيكلة قوات الامن التي يديرها حاليا أقارب صالح.
وقبل أن يتوجه صالح الى الولايات المتحدة الشهر الماضي قال لابناء شعبه "أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالا ونساء عن أي تقصير حدث أثناء ولايتي."
وقال انه يعتزم العودة. وقال لكبار مسؤولي حزبه ومسؤولي الحكومة في الكلمة التي نقلها التلفزيون قبل سفره يوم 22 يناير كانون الثاني "ان شاء الله سأذهب للعلاج في الولايات المتحدة الامريكية وأعود الى صنعاء رئيسا للمؤتمر الشعبي العام."
ومنذ يناير 2011 سعى صالح جاهدا لاخماد احتجاجات شعبية ضد حكمه في الوقت الذي دفعت فيه المعارك اليمن أكثر الى الحرب الاهلية. وبلغ العنف أوجه في اشتباكات فتاكة بين قوات ائتلاف قبيلة حاشد وقوات حكومية.
وفي ظل ضغط متزايد وافق صالح على التوقيع على اتفاق في نوفمبر تشرين الثاني يهدف الى تنازله تدريجيا عن السلطة.
لكن ما زالت هناك مخاوف من أن الاتفاق الذي وقع في المملكة العربية السعودية التي توجد بينها وبين اليمن حدود مشتركة يسهل اختراقها ربما لا يتيح لليمن خارطة طريق للخروج من الشقاء والفوضى.
وأسفرت محاولة تفجير مجمع صالح في يونيو حزيران والذي كان محاولة اغتيال فيما يبدو عن اصابته بحروق بالغة مما اضطره للسفر الى السعودية للعلاج.
وتراجع صالح ثلاث مرات عن توقيع اتفاق نقل السلطة قبل محاولة اغتياله وتجاهل الضغوط الامريكية والسعودية للبقاء خارج البلاد لكنه أوفى بوعد العودة الى بلده في سبتمبر أيلول.
غير أن الضغوط الدولية تضاعفت في اكتوبر تشرين الاول عندما تبنى مجلس الامن التابع للامم المتحدة قرارا يطالب بتوقيعه على خطة تسليم السلطة التي رعتها دول الخليج المجاورة. ولمحت فرنسا وبريطانيا الى فرض عقوبات من الاتحاد الاوروبي.
وتحدثت الولايات المتحدة صراحة عن مخاوفها ازاء الشخصية التي يمكن ان تخلف صالح الذي كان حليفا في معركتها مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وحتى العام الماضي كانت قبضة صالح على السلطة تبدو محكمة. وفي عام 2010 دعا أنصاره الى اجراء تعديلات دستورية تسمح له بفترات ولاية غير محدودة مدة كل منها خمس سنوات. وسرت تكهنات على نطاق واسع بأنه يعد أحد أبنائه لخلافته.
لكن الانتفاضة الشعبية في كل من تونس التي أطاحت بزين العابدين بن علي ومصر التي أطاحت بحسني مبارك كان لها صدى في اليمن مما جعل عشرات الالاف ينطلقون الى الشوارع في احتجاجات يومية بصنعاء وتعز في الجنوب مما هدد طموحاته في توريث حكمه.
حينئذ بدأ صالح يقدم تنازلات.
قال أولا انه لن يرشح نفسه لاعادة انتخابه عام 2013 ونفى فكرة أن يخلفه أي من أبنائه. بعد ذلك عرض اجراء استفتاء على دستور جديد بحلول نهاية العام والتحول الى نظام برلماني ديمقراطي حقيقي.
لكن بعد مقتل 52 محتجا في مارس اذار أغلبهم بنيران القناصة قام عدد من كبار ضباط الجيش وزعماء القبائل والدبلوماسيين والوزراء اما بالاستقالة أو اعلان مناصرتهم للمحتجين.
وكان من بينهم شخصيات بارزة في قبيلتي الاحمر وسنحان من المقربين الذين عينهم صالح في مناصب حيوية عسكرية وغيرها.
وعندما واجه مجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول صالح باتفاق تسليم السلطة أجبر على قبول فكرة أنه فقد القدرة على استعادة تأييد حلفائه السابقين ووقع على الاتفاق.
أصبح صالح حاكما لليمن الشمالي عام 1978 في وقت كان فيه الجنوب بلدا شيوعيا منفصلا ثم قاد اليمن الموحد منذ عام 1990 .
وكان معارضوه يشكون كثيرا من أنه أخفق في تلبية الاحتياجات الاساسية للشعب اليمني الذي يبلغ دخل ثلثيه أقل من دولارين في اليوم. كما أن الثروة النفطية تتناقص والمياه تنفد غير أن صادرات الغاز الطبيعي المسال بدأت عام 2009 .
لكن صالح تمكن من الاحتفاظ بدعم قوى غربية وعربية له.
فبعد هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة أصبحت واشنطن أكثر ادراكا لاهمية اليمن باعتباره مصدرا لمن يلتحقون بتنظيم القاعدة. بل ان الزعيم الراحل للتنظيم أسامة بن لادن رغم كونه سعوديا فان جذوره تعود لمنطقة حضرموت اليمنية.
تعاون صالح مع السلطات الامريكية وبدأت وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) تتخذ اجراءات ضد شخصيات مطلوب القبض عليها. لكن بحلول عام 2007 تمكن المتشددون من اعادة تنظيم صفوفهم في اليمن وفي عام 2008 أعلنوا أن الجناح السعودي والجناح اليمني اندمجا تحت لواء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
واعتبارا من عام 2009 قام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحاولات أكثر جرأة من أي وقت مضى لشن هجمات على أهداف سعودية وأمريكية خارج اليمن وكذلك استهداف سائحين غربيين في الداخل.
وفي الوقت ذاته بدأ الحوثيون في الشمال تمردهم على حكم صالح وبدأ الجنوبيون في شن حملة انفصالية جديدة لشعورهم بالتهميش.
وكان رد السعودية والولايات المتحدة وحلفاء اخرين هو تكثيف الدعم المالي لتعزيز حكم صالح.
واذا جاز لنا أن نقول ان لصالح قدرة كبيرة على تجاوز الازمات فيمكن أن نقول أيضا انه يتمتع بقوة تأثير وكثيرا ما كان يحظى بشعبية وفهم كبير لطبيعة المجتمع اليمني.
ولد صالح عام 1942 قرب صنعاء ولم يحظ بقدر كبير من التعليم قبل انضمامه للجيش ليعمل ضابط صف.
أول منصب رفيع يتقلده جاء عندما عينه الرئيس السابق أحمد الغشمي -وهو مثل صالح من قبيلة حاشد- حاكما عسكريا لتعز ثاني أهم المدن في اليمن الشمالي. وعندما قتل الغشمي في انفجار عام 1978 حل صالح محله.
وفي عام 1990 دفعت مجموعة من الظروف المحلية والاقليمية باليمن الشمالي الذي كان يحكمه صالح واليمن الجنوبي الاشتراكي الى اعادة التوحيد وهو ما كانت ترفضه السعودية في بادئ الامر.
وأغضب صالح الرياض عندما ظل مقربا الى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال احتلال العراق للكويت في 1990 و1991 مما أدى الى طرد ما يصل الى مليون يمني من السعودية. وقبل الازمة كانت الكويت تعطي اليمن مساعدات مالية.
لكن صالح نال الاشادة في ذلك الحين من قوى غربية لاجرائه اصلاحات اقتصادية حددها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبذل جهودا لجذب الاستثمارات الاجنبية.
وفاز حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي له في انتخابات برلمانية أجريت عام 1993 في أول انتخابات تجرى بعد التوحيد. وقام اليمن الجنوبي بمحاولة فاشلة للانفصال خلال حرب قصيرة عام 1994 وسعى صالح حينئذ للتقرب الى السعودية مما أتاح فرصة لانتشار الوهابية في اليمن.
*نقلاً عن وكالة رويترز
وليس من المتوقع أن تقام مراسم ايذانا بنهاية حكم صالح الموجود خارج اليمن لتلقي العلاج في الولايات المتحدة بسبب اصابات لحقت به أثناء محاولة اغتيال في يونيو حزيران الماضي.
لكن الانتخابات التي لم يترشح فيها سوى عبد ربه منصور هادي نائب صالح من المتوقع أن تمهد الطريق كي يدخل اليمن اصلاحات سياسية واقتصادية وتعطيه فرصة لاعادة هيكلة قوات الامن التي يديرها حاليا أقارب صالح.
وقبل أن يتوجه صالح الى الولايات المتحدة الشهر الماضي قال لابناء شعبه "أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالا ونساء عن أي تقصير حدث أثناء ولايتي."
وقال انه يعتزم العودة. وقال لكبار مسؤولي حزبه ومسؤولي الحكومة في الكلمة التي نقلها التلفزيون قبل سفره يوم 22 يناير كانون الثاني "ان شاء الله سأذهب للعلاج في الولايات المتحدة الامريكية وأعود الى صنعاء رئيسا للمؤتمر الشعبي العام."
ومنذ يناير 2011 سعى صالح جاهدا لاخماد احتجاجات شعبية ضد حكمه في الوقت الذي دفعت فيه المعارك اليمن أكثر الى الحرب الاهلية. وبلغ العنف أوجه في اشتباكات فتاكة بين قوات ائتلاف قبيلة حاشد وقوات حكومية.
وفي ظل ضغط متزايد وافق صالح على التوقيع على اتفاق في نوفمبر تشرين الثاني يهدف الى تنازله تدريجيا عن السلطة.
لكن ما زالت هناك مخاوف من أن الاتفاق الذي وقع في المملكة العربية السعودية التي توجد بينها وبين اليمن حدود مشتركة يسهل اختراقها ربما لا يتيح لليمن خارطة طريق للخروج من الشقاء والفوضى.
وأسفرت محاولة تفجير مجمع صالح في يونيو حزيران والذي كان محاولة اغتيال فيما يبدو عن اصابته بحروق بالغة مما اضطره للسفر الى السعودية للعلاج.
وتراجع صالح ثلاث مرات عن توقيع اتفاق نقل السلطة قبل محاولة اغتياله وتجاهل الضغوط الامريكية والسعودية للبقاء خارج البلاد لكنه أوفى بوعد العودة الى بلده في سبتمبر أيلول.
غير أن الضغوط الدولية تضاعفت في اكتوبر تشرين الاول عندما تبنى مجلس الامن التابع للامم المتحدة قرارا يطالب بتوقيعه على خطة تسليم السلطة التي رعتها دول الخليج المجاورة. ولمحت فرنسا وبريطانيا الى فرض عقوبات من الاتحاد الاوروبي.
وتحدثت الولايات المتحدة صراحة عن مخاوفها ازاء الشخصية التي يمكن ان تخلف صالح الذي كان حليفا في معركتها مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وحتى العام الماضي كانت قبضة صالح على السلطة تبدو محكمة. وفي عام 2010 دعا أنصاره الى اجراء تعديلات دستورية تسمح له بفترات ولاية غير محدودة مدة كل منها خمس سنوات. وسرت تكهنات على نطاق واسع بأنه يعد أحد أبنائه لخلافته.
لكن الانتفاضة الشعبية في كل من تونس التي أطاحت بزين العابدين بن علي ومصر التي أطاحت بحسني مبارك كان لها صدى في اليمن مما جعل عشرات الالاف ينطلقون الى الشوارع في احتجاجات يومية بصنعاء وتعز في الجنوب مما هدد طموحاته في توريث حكمه.
حينئذ بدأ صالح يقدم تنازلات.
قال أولا انه لن يرشح نفسه لاعادة انتخابه عام 2013 ونفى فكرة أن يخلفه أي من أبنائه. بعد ذلك عرض اجراء استفتاء على دستور جديد بحلول نهاية العام والتحول الى نظام برلماني ديمقراطي حقيقي.
لكن بعد مقتل 52 محتجا في مارس اذار أغلبهم بنيران القناصة قام عدد من كبار ضباط الجيش وزعماء القبائل والدبلوماسيين والوزراء اما بالاستقالة أو اعلان مناصرتهم للمحتجين.
وكان من بينهم شخصيات بارزة في قبيلتي الاحمر وسنحان من المقربين الذين عينهم صالح في مناصب حيوية عسكرية وغيرها.
وعندما واجه مجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول صالح باتفاق تسليم السلطة أجبر على قبول فكرة أنه فقد القدرة على استعادة تأييد حلفائه السابقين ووقع على الاتفاق.
أصبح صالح حاكما لليمن الشمالي عام 1978 في وقت كان فيه الجنوب بلدا شيوعيا منفصلا ثم قاد اليمن الموحد منذ عام 1990 .
وكان معارضوه يشكون كثيرا من أنه أخفق في تلبية الاحتياجات الاساسية للشعب اليمني الذي يبلغ دخل ثلثيه أقل من دولارين في اليوم. كما أن الثروة النفطية تتناقص والمياه تنفد غير أن صادرات الغاز الطبيعي المسال بدأت عام 2009 .
لكن صالح تمكن من الاحتفاظ بدعم قوى غربية وعربية له.
فبعد هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة أصبحت واشنطن أكثر ادراكا لاهمية اليمن باعتباره مصدرا لمن يلتحقون بتنظيم القاعدة. بل ان الزعيم الراحل للتنظيم أسامة بن لادن رغم كونه سعوديا فان جذوره تعود لمنطقة حضرموت اليمنية.
تعاون صالح مع السلطات الامريكية وبدأت وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) تتخذ اجراءات ضد شخصيات مطلوب القبض عليها. لكن بحلول عام 2007 تمكن المتشددون من اعادة تنظيم صفوفهم في اليمن وفي عام 2008 أعلنوا أن الجناح السعودي والجناح اليمني اندمجا تحت لواء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
واعتبارا من عام 2009 قام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحاولات أكثر جرأة من أي وقت مضى لشن هجمات على أهداف سعودية وأمريكية خارج اليمن وكذلك استهداف سائحين غربيين في الداخل.
وفي الوقت ذاته بدأ الحوثيون في الشمال تمردهم على حكم صالح وبدأ الجنوبيون في شن حملة انفصالية جديدة لشعورهم بالتهميش.
وكان رد السعودية والولايات المتحدة وحلفاء اخرين هو تكثيف الدعم المالي لتعزيز حكم صالح.
واذا جاز لنا أن نقول ان لصالح قدرة كبيرة على تجاوز الازمات فيمكن أن نقول أيضا انه يتمتع بقوة تأثير وكثيرا ما كان يحظى بشعبية وفهم كبير لطبيعة المجتمع اليمني.
ولد صالح عام 1942 قرب صنعاء ولم يحظ بقدر كبير من التعليم قبل انضمامه للجيش ليعمل ضابط صف.
أول منصب رفيع يتقلده جاء عندما عينه الرئيس السابق أحمد الغشمي -وهو مثل صالح من قبيلة حاشد- حاكما عسكريا لتعز ثاني أهم المدن في اليمن الشمالي. وعندما قتل الغشمي في انفجار عام 1978 حل صالح محله.
وفي عام 1990 دفعت مجموعة من الظروف المحلية والاقليمية باليمن الشمالي الذي كان يحكمه صالح واليمن الجنوبي الاشتراكي الى اعادة التوحيد وهو ما كانت ترفضه السعودية في بادئ الامر.
وأغضب صالح الرياض عندما ظل مقربا الى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال احتلال العراق للكويت في 1990 و1991 مما أدى الى طرد ما يصل الى مليون يمني من السعودية. وقبل الازمة كانت الكويت تعطي اليمن مساعدات مالية.
لكن صالح نال الاشادة في ذلك الحين من قوى غربية لاجرائه اصلاحات اقتصادية حددها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبذل جهودا لجذب الاستثمارات الاجنبية.
وفاز حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي له في انتخابات برلمانية أجريت عام 1993 في أول انتخابات تجرى بعد التوحيد. وقام اليمن الجنوبي بمحاولة فاشلة للانفصال خلال حرب قصيرة عام 1994 وسعى صالح حينئذ للتقرب الى السعودية مما أتاح فرصة لانتشار الوهابية في اليمن.
*نقلاً عن وكالة رويترز