يعود تاريخ التصوير الفوتوغرافي في اليمن إلى عشرينات القرن الماضي، حين برز المصور اليمني أحمد عمر العبسي كأول فوتوغرافي في اليمن والجزيرة العربية.
افتتح العبسي الاستوديو الأول في مدينة عدن عام 1930، وفي 1949 انتقل إلى مدينة تعز حيث افتتح أول استوديو في شمال اليمن ووثّق الحركة الوطنية اليمنية بين 1955 و1959، واستطاع أن يصور معظم قادة الحركة الوطنية الذين أُعدموا لاحقاً، كما استطاع أن يقنع إمام اليمن حينها بضرورة التقاط الصور الأولى والوحيدة ربما لأفراد من الأسرة المالكة. وتعد صور العبسي حتى اليوم التوثيق الضوئي الوحيد ربما لتلك المرحلة المهمة من التاريخ اليمني المعاصر.
وإلى جانب الدور الذي اضطلع به العبسي على الصعيدين السياسي والتاريخي، فهو استطاع أن يلهم جيلاً من المصورين الذين أتوا بعده ومن أبرزهم عبدالرحمن الغابري الذي يعود إليه الفضل في نقل فن التصوير اليمني إلى مرحلة الاحتراف.
ويقول الغابري لصحيفة «الحياة» إن التصوير الفوتوغرافي في اليمن كان في الفترة التي تلت عميد المصورين اليمنيين أحمد عمر، عبارة عن استوديوات لتصوير الأشخاص لأغراض خدماتية تتعلق باستخراج الأوراق الثبوتية مثل بطاقات الهوية وجوازات السفر، ولم يتجاوز حاملو الكاميرات عدد أصابع اليدين في ذلك الوقت حين كانوا يصورون المدن القريبة ويوثقون المناسبات الوطنية، كما هو حال المصورَين علي الرموش وعلي السمة.
ويرجع الغابري هذا التردي في وضع فن التصوير إلى الصعوبات التقنية التي كان يواجهها المصورون في تلك الفترة. ويوضح: «كان المصورون مجتهدين على رغم شح الإمكانات، فمثلا ًاستطاع الرموش أن يخلط بعض الأدوية لتحميض البوزيتيف (السلايد)، كما كان المصور خالد السقاف أول من طبع الأفلام الملونة وحمّضها يدوياً في اليمن».
وعن التطور النسبي في السنوات التالية يضيف الغابري: «بعد ذلك جاء جيلنا وأخذنا الحرفة من هؤلاء الرواد إلى جانب قراءتنا الكتب المتخصصة بهذا الفن، وكنا أنا والمصور عقبات نشتغل الأفلام الملونة يدوياً كوننا كنا محترفي التصوير الخارجي الصحافي. والحقيقة أن الطبيعة كانت ولا تزال أبرز المواضيع التي نستهدفها، فمن الطبيعة نستلهم كل شيء نود أن نقدمه، والطبيعة حين تتعامل معها وتكتشف أسرارها لا بد أن تخدمك كفنان».
يسرد الغابري قصة ولعه بفن التصوير: «منذ الطفولة وأنا أحلم بأن أجسد وأدوّن ضوئياً المشاهد الرائعة في قريتي، وكنت لا أدري حينها كيف. كنت أتخيل المشهد وأرسمه بذاكرتي. لم أكن أمتلك كاميرا ولا أعرف حتى شكلها. ما كنت أعرفه هو مجرد صور شخصية كان يرسلها شقيقي الأكبر زيد الذي كان يدرس في العراق قبل الثورة في منتصف القرن الماضي».
ويضيف: «كنت أتعجب وأفرح بتلك الصور وأتمنى أن أحصل على هذه الآلة الساحرة. وحدث أن تصور والدي في نهاية الخمسينات في تعز في أستوديو احمد عمر ولم يأتِ بالصورة معه، وبعد وفاته حصلت على الصورة وفي نفسي سؤال: لماذا أبي لم يشترِ هذه الآلة المحببة إلى قلبي؟». ويوضح: «كنت حينها ادرس في «كتاتيب» القرية وارتسمت في ذهني هذه الآلة طوال الوقت. ومع مرور الأيام وبعد وصولي إلى صنعاء وأثناء الدراسة وانتمائي إلى الإعلام العسكري، تدربت على الطبع والتحميض قبل أن استخدم الكاميرا. وتوالت الأيام والشهور وحصلت على الكاميرا. وسافرت وتخصصت في مجالات فرز الألوان والتصوير والزنكوغراف وامتلكت الكثير من الكاميرات وصورت بها كثيراً، وكانت أكثر صورة أحببتها وشغفت بها صورة أمي في الحقل في قريتي. وهذا واحد من المشاهد التي حلمت بتجسيدها وأنا طفل».
وعن الجانب المضيء في كونه مصوراً يمنياً، يتحدث عبدالرحمن الغابري عن الميزة التي يمكن أن يحظى بها أي مصور فوتوغرافي في بلد شديد الثراء ثقافياً وبيئياً. ويقول: «اليمن أحد البلدان العظيمة والملهمة لأي فنان. بلدنا نادر ومختلف كثيراً عن بلدان كثيرة من حيث تنوعه البيئي وتضاريسه وسكانه. وهو بلد لو أخلص له حكامه ومسؤولوه لأصبح قبلة العالم سياحياً ومرسم عظماء الإبداع وملهم كل مفكر وفيلسوف. أتمنى أن أولد مجدداً كي أواصل اكتشاف أسرار هذا البلد الذي يعتبر كنزاً إنسانياً لكل البشر».
وفي المقابل، يشكو الغابري من قلة التفاعل مع الفن الإبداعي في اليمن وخصوصاً فن التصوير، وهو الأمر الذي يقول إنه لمسه من خلال معارضه الشخصية التي بلغت 69 معرضاً داخل اليمن وخارجه، مشيراً الى أنها كلها كانت عبارة عن محاور، منها الطبيعة والتراث والفولكلور.
ويضيف: «الهدف أولاً هو خلق جمهور لهذا الفن قبل التفكير في المردود المادي، لذلك خسرت أموالاً كثيرة لكنني كسبت جمهوراً محباً. ونادراً ما يقتني أعمالي مثقفون متمكنون مادياً. فرجال الأعمال لدينا والكثير من المسؤولين يفتقرون إلى الثقافة. هم أغنياء لكنهم فقراء فنياً وجمالياً وجشعون حد التخمة، فيما المثقف الحقيقي للأسف فقير مادياً ومحارب معيشياً يحن إلى اقتناء صورة أو لوحة لكنه لا يملك حتى ثمن الإطار وهذا يحزنني».
ويختتم الغابري حديثه بمستقبل التصوير الفوتوغرافي: «ينشأ في اليمن جيل لديه رؤية ويمتلك لمسات إبداعية. والبعض يصقل مواهبه بالدراسة إلى جانب متابعته مستجدات التصوير من خلال الانترنت. وقد برزت بعض المواهب، لكن كما قلت الابتكارات يصنعها الموهوبون وهؤلاء يشكلون مدارس جديدة مختلفة نوعياً».