تبحث الكاتبة اليمنية ريا أحمد عن الوطن، أو عن بقايا منه، مختبئاً هنا وهناك، في مجموعتها القصصية "وكأنني .. أنا" التي نشرت باعتبارها العدد 82 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 من مجلة "الرافد" الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة. وتضمنت 14 قصة متوسطة الطول نوعاً ما، توزّعت على 135 صفحة من القطع الصغير.
لم تتشابه عناوين القصص هذه المرة عند ريا أحمد، لكنها كانت جميعها تحمل روحاً واحدة، وكأنها فعلاً "هي" كإيحاء من العنوان الرئيسي للمجموعة. فقد جاءت بالترتيب كالتالي: "سوسنة عشقت نورساً"، "ضي"، "زوج لأمي"، ضحكات تلتهم العالم"، "15 ديسمبر"، مستشفى 2000"، "زيارة غير أخيرة لمقبرة حية"، "لعنة الأرض"، "موعد"، "قلب صنعاء"، "أنا أفكر إذن أنا مجنون"، حكاية الفيل الذي صار نملة"، " وكأنني أنا"، و "والشك ثالثنا".
في بداية قصتها الأولى "سوسنة عشقت نورساً" تتالت مفردة "هناك" في عدة مقاطع. حيث أرادت منها كاتبتنا الإشارة إلى الوطن في ذلك المكان البعيد "اللاوطن"، الذي يعلّم الإنسان كيف يكون شخصاً آخر، وكيف يوازي بين الحرية والكرامة من جهة وبين الانتماء من جهة أخرى. وقد يبدو هذا المكان في وصف أحمد، شبيهاً بوطننا العربي من المحيط إلى الخليج، على الأقل في بعض التفاصيل التي لا يستهان بها، فقد قالت أثناء السرد: "هناك في البعيد حيث تقبع الأساطير التي جعلت مني سوسنة يحوّلها سناء القمر إلى حورية تناجيه كل ليلة وتحكي للنجوم عن فارس يمتطي صهوة الحلم يأخذها إلى أبعد من الحلم وأبعد.. إلى عالم لا يعرف سواهما. في ذلك المكان تعلمت منه ما معنى الحرية والكرامة، فهمت منه ما معنى الوطن، وما معنى الاغتراب عنوةً".
أشياء أخرى وأشخاص آخرون، تفتش عنهم ريا احمد دون أن تجد أجوبة شافية لأسئلة كثيرة تؤرقها، لدرجة أننا نجدها طافية بين السطور، تشكّلها الكلمات بمزيد من الألم والحزن والغرابة. وتحتل العائلة بأفرادها جميعهم، قسماً كبيراً من تلك الأسئلة ومن تلك العلامات الضائعة. فيحدث أن يوجد في قصصها ثمة تحديد وتأطير زمني ومكاني للعلاقة مع العائلة، ليس بوصفها مجرد علاقة روتينية تشبه تلك المتعارف عليها، بل باعتبارها علاقة تعيدنا إلى الماضي وتؤسس لأسس وأركان السرد والحوار في كل قصة على حده، تماماً مثلما حصل في "ضي"، القصة التي أطلعتنا عليها الكاتبة بدءاً من "الخمس سنوات" وحتى مرحلة النضج والشباب، متوقفة عند أفراد العائلة بينما "الشخصية الرئيسية" تفتش عن والدتها بحزنٍ لا يضاهيه فعل الكتابة.
أهدت أحمد قصتها "قلب من صنعاء" إلى والديها، فكل الأشياء التي تود أن تقولها لهذين القلبين من الذهب، ذكرتهما في الحكاية من خلال مجموعة من الصور والعبارات التي تنبع من روح المدينة الساحرة، تماماً كما وصفتها في سردها. وقد ربطتها بأحاديث قالها لها والدها في يومٍ من الأيام، عندما كان يشرح لها كم هي جميلة صنعاء، وعلى الرغم من أنها كانت تشير إلى شخصية بضمير الغائب "هي"، كنا نعرف متأكدين أنها تحكي عن نفسها:
"عادت برأسها مرة أخرى إلى وسادة الذكريات، والدها وحديثه الذي لا ينتهي عن أزقة صنعاء، منازلها العتيقة، قبابها ومآذنها، وعن قاع اليهود. "صنعاء أم الدنيا" هذا ما كان يردده بالفرنسية تارة، وبالعربية تارات أخرى. تبتسم بسخرية وهي تتذكر صراخ والدتها الفرنسية عندما يدور الحديث عن صنعاء ويعبق المكان بأريج ذكرياتها".
في قصة "وكأنني.. أنا" التي حملت عنوان المجموعة ذاته وهي أطول القصص فيها، اعتمدت أحمد خاصية التقطيع في السرد، فكانت الحكاية على مقاطع متتالية روت كيف ضاعت البنت الصغيرة والمصير الذي لاقته فيما بعد مع عماد وهو الولد الذي وجدها. لكن بعض المقاطع كانت شبيهة بالخلاصة أو الحكمة المستخلصة بغض النظر عن كونها ترتبط بالحدث بشكل مباشر أو تدور حوله. مقدمةً لنا فيها تفاصيل دقيقة وأحداث مثيرة وخاتمة متميزة فعلاً.
* ميدل إيست أونلاين
* ميدل إيست أونلاين