في تطور صادم يهز الضمير الإنساني، تواجه محافظة عدن بمليون ساكن شبح الجوع الحقيقي بعد انقطاع مادة الغاز المنزلي بنسبة 100%، محولة عدن التي كانت لؤلؤة العرب إلى مدينة بلا نار ولا طعام مطبوخ. الساعات القادمة حرجة قبل تفاقم كارثة إنسانية قد تخرج عن السيطرة تماماً، والمواطنون يسابقون الزمن للعثور على حلول قبل فوات الأوان.
شوارع عدن تحولت إلى ساحات بحث محموم، حيث تقف أم محمد من حي كريتر عاجزة أمام أطفالها الأربعة الذين ينتظرون إفطاراً لن يأتي للمرة الثالثة على التوالي. "لم أستطع طبخ أي وجبة منذ ثلاثة أيام، أطفالي يأكلون الخبز الجاف والماء" تقول بصوت مختنق بالدموع. محطات الغاز أغلقت أبوابها الحديدية بالكامل، بينما السوق السوداء تبيع الأسطوانة الواحدة بضعف السعر العادي، مما جعل الحصول على الغاز حلماً بعيد المنال لمعظم الأسر.
الأزمة ليست وليدة اليوم، بل نتيجة مباشرة لسلسلة من النزاعات القبلية المستمرة في محافظة مأرب التي تقطع خطوط الإمدادات الحيوية. "القطاعات القبلية المستمرة في محافظة مأرب هي السبب الرئيسي في تعطّل الإمدادات" أكد مصدر مسؤول في الشركة اليمنية للغاز. هذا السيناريو يشبه إلى حد كبير أزمة الوقود التي ضربت لبنان عام 2021، لكن الفارق أن عدن تواجه انقطاعاً كاملاً وليس جزئياً، مما يجعل الوضع أكثر خطورة وإلحاحاً.
التأثير يتجاوز مجرد عدم القدرة على الطبخ، فقد بدأت الأسر في استخدام بدائل خطيرة مثل الحطب والكيروسين داخل المنازل، مما يزيد من مخاطر الحرائق والتسمم. فاطمة أحمد من حي التواهي تروي معاناتها: "اضطررت لاستخدام موقد الكيروسين القديم، وكدت أحرق المنزل بالأمس". د. علي السقاف، خبير الطاقة اليمني، يحذر من أن "الأزمة انعكاس لفشل منظومة التوزيع وغياب الاستراتيجية الوطنية للطاقة، وقد تؤدي لكارثة صحية حقيقية". المطالبات تتصاعد للسلطات المحلية والحكومة اليمنية للتدخل الفوري، لكن الصمت الرسمي يزيد من مخاوف انتشار الأزمة لمحافظات أخرى.
عدن اليوم تقف على مفترق طرق حاسم: إما حل سريع ينقذ مليون إنسان من معاناة لا تُطاق، أو كارثة إنسانية تضعها في المقدمة كأول مدينة عربية تواجه المجاعة بسبب انعدام النار. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستتحرك السلطات قبل أن يصبح الجوع والبرد مصير مليون يمني في عدن، أم أن المدينة التي كانت بوابة العرب ستصبح شاهداً على أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر؟