في تناقض يثير الذهول، يُحرق مليار دولار شهرياً في اليمن على كهرباء تكلف خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، بينما تشع الأراضي اليمنية بطاقة شمسية هائلة تضعها ضمن أفضل عشر دول عالمياً في إمكانيات الطاقة المتجددة. وتحت الأرض، يرقد 17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بينما يختنق المواطنون من دخان المولدات الخاصة التي تنفث سمومها في كل حي.
كشف الخبير اليمني والدولي في مجال الطاقة، مروان ذمرين، مسؤول العلاقات الدولية في جمعية الطاقة الشمسية اليابانية، عن حقائق صادمة تفضح حجم الكارثة والفرصة الضائعة. "اليمن يمتلك واحداً من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم، بين 5.5 إلى 6.5 كيلووات ساعة لكل متر مربع يومياً"، قال ذمرين في تصريحات حصرية، مضيفاً: "يمكن توليد الكيلووات ساعة بأقل من ثلاثة سنتات فقط، الأرخص عالمياً حتى دون أي دعم حكومي". في الوقت نفسه، تروي أم محمد، ربة بيت من صنعاء: "أضطر لشراء الثلج يومياً لحفظ طعام أطفالي، بينما أرى الشمس تحرق وجهي 12 ساعة يومياً".
خلف هذا التناقض المذهل، تكشف الحقائق عن عقود من الفساد المنظم حولت اليمن من مصدر طاقة محتمل إلى مستورد للكهرباء المكلفة. "الطاقة الشمسية تكسر الحلقة الكبرى للفساد"، يؤكد ذمرين، "لا وقود يُباع ولا عقود طاقة مشتراة مشبوهة". والغاز الطبيعي يحمل حلولاً مماثلة، حيث تصل كفاءة محطات الدورة المركبة إلى 60%، مما يجعلها ثاني أرخص مصدر للطاقة بعد الشمس. كما أثبتت محطة مأرب الغازية لسنوات أنها الأفضل في البلاد، بينما تعمل المحطات الحكومية الأخرى بكفاءة لا تتجاوز 30% فقط.
المعاناة اليومية تصرخ في كل بيت يمني، حيث يدفع سالم، صاحب محل في عدن، ثلث دخله الشهري لتشغيل المولدات الخاصة. وبينما تُهدر 40% من الكهرباء المنتجة بسبب السرقات والاهتراء، تتراكم فواتير غير مدفوعة وشبكات متآكلة. "المشكلة ليست تقنية بل سياسية"، يقول د. أحمد الطاقي، مهندس كهرباء يمني، "الحل موجود والموارد متوفرة، لكن الإرادة السياسية غائبة والفساد مستشري". المؤتمر الأول للطاقة في عدن يعد بـ"حلول جذرية"، لكن الوعود السابقة تبخرت مع دخان المولدات التي لا تصمت أبداً.
اليوم، يقف اليمن على مفترق طرق تاريخي: إما استغلال ثروته الطاقوية الهائلة ليصبح مصدراً إقليمياً للطاقة النظيفة، أو البقاء في دوامة الفساد والظلام. الفرصة ذهبية للمستثمرين والشعب، والتحدي يتطلب إرادة سياسية حقيقية لكسر حلقات الفساد المتجذرة. السؤال الذي يحرق الضمائر: كم مليار دولار آخر سيُحرق في المولدات قبل أن ننظر إلى الشمس المشرقة فوق رؤوسنا؟