في تطور صادم قلب موازين التوقعات الاقتصادية، يقف الريال اليمني شامخاً عند مستوى 1,630 ريالاً مقابل الدولار، رافضاً الانهيار رغم إعلان صندوق النقد الدولي تعليق المادة الرابعة من ميثاقه. هذا الثبات المذهل يحمي 30 مليون مواطن يمني من كارثة اقتصادية محققة، في وقت توقع فيه الخبراء انهياراً مدوياً يسحق آخر بقايا القوة الشرائية للمواطن البسيط.
كشف الدكتور يوسف سعيد أحمد، الخبير الاقتصادي، عن الأسرار الثلاثة وراء هذه المعجزة النقدية التي حيرت المحللين العرب والدوليين. "الاستقرار النقدي المتحقق أثبت أن اليمن قادر على تحدي المستحيل"، هكذا وصف الخبير إنجازاً بدا مستحيلاً قبل شهور. أحمد غالب، محافظ البنك المركزي، الرجل الذي تحدى العواصف وحقق المعجزة، نجح في تثبيت سعر الصرف ضمن نطاق محصن بين 1617-1630 ريالاً منذ يوليو، بينما اللجنة الوطنية لتنظيم الاستيراد اعتمدت مليار دولار كاملاً لحماية الأسواق دون المساس بالاحتياطيات الثمينة.
خلف هذا الانتصار المذهل، قصة صمود تمتد لأكثر من عقد من الزمن، حيث تحدى الاقتصاد اليمني كل التوقعات وحقق استقراراً لم يصدقه أحد. كما صمدت القلاع اليمنية القديمة أمام الغزاة عبر القرون، يقف البنك المركزي اليوم شامخاً أمام العواصف الاقتصادية العاتية. السبب الثالث المذهل يكمن في حقيقة صادمة: الاستقرار الحالي تحقق بينما كان صندوق النقد معلقاً أصلاً لأكثر من عشر سنوات! هذا يعني أن الإعلان الأخير مجرد تأكيد لواقع قائم، وليس ضربة مدمرة كما توقع الجميع.
في أسواق صنعاء وعدن، تشعر أم محمد، ربة المنزل البسيطة، بارتياح حذر وهي تحسب مصروف البيت دون قلق من تذبذب الأسعار اليومي الذي طالما أرقها. خالد، صاحب محل الصرافة في عدن، يؤكد أن أجهزة عد النقود في محله تظهر نفس الأرقام منذ شهور، رغم كل التوقعات المؤسفة. لكن التحدي الحقيقي يأتي من جشع بعض التجار الذين يستغلون الوضع لرفع الأسعار دون مبرر، مما يهدد بتقويض ثمار هذا الإنجاز التاريخي. الخبراء يحذرون: هذه فرصة ذهبية للاستثمار المحلي، لكن المضاربات المدمرة قد تحول النعمة إلى نقمة في لحظة واحدة.
معادلة معقدة نجح اليمن في حلها بإعجاز اقتصادي حقيقي: استقرار العملة بدون دعم خارجي وسط أزمة سياسية خانقة. الطريق لا يزال طويلاً والعواصف القادمة قد تكون أعنف، لكن البداية مبشرة والأمل عاد يدق أبواب قلوب اليمنيين. على الجهات الرقابية تشديد المراقبة على الأسواق، وعلى المواطنين دعم هذا الإنجاز النادر بتجنب الإشاعات المدمرة. السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: هل سيصمد هذا الاستقرار المعجز أمام العواصف القادمة، أم أن اليمن على موعد مع نهضة اقتصادية تعيد كتابة قوانين المستحيل؟