عام واحد يفصلنا على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستكون فاصلا بين ما قبل الثورة وما بعدها. ويبدو باب الأمل مفتوحا أمام قوى الثورة والخيارات متعددة لخوض هذه الانتخابات التي ستتوج نضالاتها، إلا أن نظام علي صالح لم ييأس -بعد- من العودة، خاصة وأن المبادرة الخليجية التي تمثل إطار التسوية السياسية لم تمنع أحدا من رموز النظام من الترشح، بما في ذلك أحمد علي عبدالله صالح، فضلا عن غيره.
وإذ لم تقم الثورة ضد علي صالح لشخصه، بل ضد نظامه العائلي ومخطط التوريث الذي كان قد استعد به وكان واقعا مفروضا لا خيار للشعب اليمني سوى القبول به والتعامل معه. فإن هذه النقطة تجعل من ترشيح المؤتمر الشعبي لأحمد علي بمثابة عودة باليمن إلى مربع الصفر، بما يعيد ذلك للثورة من حياة وتوحيد للصف، وينسف الجهود الإقليمية والدولية التي ما تزال مستمرة لاحتواء الموقف في اليمن، الأمر الذي يحمل أشخاصا محسوبين على صالح (مؤتمريا، وقبليا) للطمع في تقديم أنفسهم كحلول بديلة تجبر هذا التيار على تبنيهم، باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد الذي سيبقي صالح وأولاده حاضرين في المشهد، وإن إلى جوار هؤلاء أو من ورائهم، ناهيك عن أملهم بالعودة في دورات انتخابية قادمة.
وتظهر هذه الشخصيات في الأفق غير واضحة المعالم كألوان تشكيلية متداخلة. وعلى أن الثورة قد فوتت الفرصة عليهم جميعا، أو هذا ما يفترض، إلا أن من بين هؤلاء الأشخاص من يرى أمامه فرصة سانحة للعبور، وأبرز هؤلاء الأشخاص القيادي في المؤتمر الشعبي عبدالقادر هلال -أمين العاصمة.
يجمع عبدالقادر هلال بين الشخصية العسكرية والمدنية، وسبق له أن عمل -في عهد صالح- محافظا لمحافظة إب، ثم محافظا لحضرموت، وحصد خلال هذه الفترة سمعة تحول بسببها إلى مصدر قلق لعلي صالح الذي فكر وقدر وأراد أن يحرق هذه السمعة أو ينتقص منها على الأقل، فأسند إليه وزارة الإدارة المحلية، ليقسم له نصيبا من لعنات الشعب التي ظلت تتوالى على حكوماته المتعاقبة، ولم ير هلال في ذلك بأسا، إذ اعتقد أن الوزارة باب جديد من الأبواب التي يمكنه أن يضيف من خلالها شيئا جديدا إلى رصيده، وانتهى الأمر بالتعادل السلبي، أي لم يحقق أي منهما شيئا مما كان يرمي إليه، فلا هلال أضاف خلال عمله في الوزارة شيئا إلى رصيده، ولا صالح تمكن من إحراقه أو الانتقاص من سمعته.
دفع به إلى رأس لجنة لدراسة الوضع في الجنوب لحل «القضية الجنوبية»، وكان هدف صالح المعلن هو حل القضية الجنوبية فيما هدفه الباطن إحراق هلال لدى الجنوبيين الذين خرج من عندهم بسمعة جيدة إبان عمله محافظا لحضرموت، إلا أن مساعي صالح خابت، وزاد احتقان الجنوبيين ضده هو وليس ضد هلال.
أعاد صالح الكرة في اتجاه الشمال، ودفع بعبدالقادر هلال إلى رأس لجنة مماثلة تتجه صوب الحوثي، وحين بلغ هلال منتصف الطريق صوب صعدة قام صالح بتنفيذ «قطاع» اعترض به طريقه، وتلخص -كحدث- بما عرف من قصة بنت الصحن الشهيرة، وتلخصت نتيجته بالإحراق الإعلامي لهلال وإسقاطه من نظر من يرتبط معهم بعلاقة جيدة من القادة العسكريين في المنطقة الشمالية والوسط القبلي الشمالي برمته. وعلى أن معرفة هؤلاء القادة والمشائخ بألاعيب صالح حالت دون تحقيق صالح للنتيجة المرجوة إلا أن صالح تعامل مع الأمر كما لو أنه لا رجعة عنه ولا لعب فيه، فجعل هلال في التابوت فألقاه في يم النسيان وأقصاه عن الحياة السياسية.
وهكذا، زاد رصيده لدى الجنوبيين من خلال تكليف صالح له بدراسة أسباب القضية الجنوبية ووضع أسس علاجها، وهي المهمة التي انتهت بما عرف بتقرير (هلال -باصرة). وكسب ود الحوثيين إذ لم يخلص من وساطته المذكورة آنفا إلى نهاية تدينهم، بل العكس من ذلك هو الذي حدث. وقيام صالح بإقصائه -لاحقا- من العملية السياسية زاده قربا من خصوم صالح العسكريين والسياسيين والقبليين، وفي مقدمة العسكريين اللواء علي محسن، وعلى رأس السياسيين التجمع اليمني الإصلاح وتكتل المشترك عموما، وفي مقدمة القبليين أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.
وهنا، اندلعت الثورة الشبابية السلمية، وتوقع كثير من الناس أن يكون عبدالقادر هلال من أول المنضمين إليها، لأنها الفرصة التي يعيد فيها لصالح الصاع صاعين، ولأنها ثورة رفعت شعار إسقاط نظام الفساد الذي كان هلال يشكو منه شأنه في ذلك شأن غيره، وازداد احتمال انضمامه للثورة بعد انضمام جميع أولئك الأصدقاء الذين كان آخرهم اللواء علي محسن والذي انضم للثورة يوم الاثنين (21 مارس 2011م) على خلفية مجزرة «جمعة الكرامة». إلا أن عبدالقادر هلال فاجأ الأصدقاء والخصوم بعدم الانضمام للثورة، وكان صالح مضطرا يومها لتفعيل برنامج «استعادة المحذوفات»، فعاد هلال إلى مطبخ صالح ولقي عنده الحظوة من جديد.
بدا الأمر غريبا أن يعود هلال إلى مربع صالح رغم كل مارتكبه صالح في حقه وفي حق الشعب اليمني من مجازر وجرائم وما افتعله -العام الماضي- من أزمة خانقة تركت آثارها الرهيبة. لكن هلال لم يكن ينطلق -في ذلك- من منطلقات الفعل وردة الفعل حتى ينتهز الفرصة للانتقام، ولا من منطلقات المصلحة الوطنية والشعبية حتى ينضم للثورة، بل حسب الأمور -فيما يبدو- حسبة سياسية وفق معايير أخرى، إذ كان يعتقد أن الثورة ناجحة بلا شك، وأتذكر -لتأكيد هذا- أن أحد المشائخ المقربين من صالح وممن استمر معه حتى النهاية قام في أحد الأشهر الأولى للثورة بزيارة أحد الأصدقاء، وقال يومها في ذلك المقيل: لم يحدث في التاريخ أن قامت ثورة شعبية وفشلت.
وكم يبدو الأمر غريبا أن ترى لديهم قناعة بالثورة، ويقينا بنجاحها، ثم تراهم يستمرون -بعد ذلك- بالاصطفاف مع صالح.
ولكل شخص من هؤلاء حساباته المانعة من الانضمام للثورة، ومن هؤلاء عبدالقادر هلال، وهو المقصود بهذه التناولة. وبالنظر إلى ما يمكن أن تكون هي حساباته المانعة من الانضمام للثورة فخلاصتها في نقطتين.
أما الأولى فهي عدم رغبته في الانضمام إلى ثورة سبقه إليها أصدقاؤه المذكورون آنفا، نظرا لأن هذه الصداقة لا تقوم على مقومات الصداقة الحقيقية والصادقة بقدر ما تقوم على التظاهر الخارجي تبعا للمصلحة السياسية.
وأما الثانية -وهي الأهم- فمفادها أن الرجل كان يعتقد أن استمراره بجوار صالح سيسمح بتقديمه حلاً سياسياً بموجب المبادرة الخليجية أو غيرها، وأنه في وضع يؤهله لذلك بما يتوفر لديه من نقاط يتفوق بها على عبدربه منصور هادي. وأبرز هذه النقاط أنه كان يرى نفسه أقرب إلى صالح من عبدربه (جغرافيا، وقبليا، وحزبيا)، وأقرب من عبدربه -في ذات الوقت- إلى الطرف الآخر (الإصلاح والمشترك، اللواء علي محسن، بيت الأحمر)، وأقرب من عبدربه إلى المملكة العربية السعودية ثالثاً.
ظل الحوار قائما بشأن المبادرة الخليجية والرجل ينتظر من الطرفين -أحدهما أو كليهما- أن يطرح اسمه بدلاً عن عبدربه منصور لكن الرياح مضت بغير ما تشتهي السفن، وفرضت آخر الأمر شيئا آخر، وانتهى الأمر على النحو الذي انتهى إليه، وحينها كان باب الانضمام إلى الثورة قد أغلق.
مرت الأيام، وهاهو هلال مجددا يرى لنفسه الأولوية بترشيح المؤتمر الشعبي إذ لا يزال يرى نفسه الأقرب إلى صالح بحكم أن ترشيح أحمد علي مستحيل (من وجهة نظره، أو وفق الواقع الذي فرضته الثورة وأشارت إليه الأسطر الأولى)، كما يرى أنه الأقرب إلى القبائل التي يعتقد أنها ستميل إليه باعتباره من محيطها ومن ربعها ومربعها، وأنه الأولى -لذات السبب- بدعم الطرف الآخر كاللواء علي محسن وبيت الأحمر، وفوق هذا فهو يحرص على علاقة جيدة مع كل من الإصلاح والمشترك والحوثيين ومختلف توجهات المشائخ، وهو اليوم -بتعبير أحد الزملاء- «القاسم المشترك بين قناة (اليمن اليوم) التي يملكها العميد أحمد علي، وقناة (سهيل) التي يملكها الشيخ حميد الأحمر. بل إن هذه العلاقة الودية متبادلة بينه وبين بعض من هؤلاء، ذلك أن في هؤلاء من انضم إلى الثورة بسبب خصومته مع صالح وأولاده وبهدف إزاحة عائلته من الحكم، وبعد أن يتحقق له هذا المطلب كاملا فلن يكون هناك ما يحمله على مواصلة السير مع المكونات الثورية نحو تحقيق بقية أهداف الثورة التي يراها تهدد نفوذه ومصالحه.
إن الواقع لا يمكن أن يختزل على الورق، ومهما بدت الأمور واضحة على الورق فقد لا تكون -كذلك- على الواقع.
وعلى هذا، فجميع هذه المعطيات التي تجعل من هلال الرجل الأول في المرحلة القادمة، هي ذاتها التي كانت تتوفر له في المرحلة السابقة ولم تؤت ثمرة ولا نتيجة، وبما أن هذه قاعدة ثبتت على أرض الواقع فإن المعطيات التي تتفق ضد أحمد علي على الورق، قد تتفق له على أرض الواقع (الواقع المؤتمري بالطبع).
وهكذا، فإن للاثنين كليهما (هلال وأحمد علي) أن يطمحا للوصول إلى كرسي الرئاسة، وهو -قطعا- طموح مشروع. وقد يكون الاثنان بمثابة خيارات متكافئة أمام المؤتمر الشعبي العام لولا أن الهوة الفاصلة بينهما تزداد على الدوام بفعل استمرار سياسة أحمد علي القائمة -حاليا- على التقوقع، واستمرار الأداء الحالي لعبدالقادر هلال القائم على العكس، والحديث في كل ما سبق ليس إلا عن خيارات المؤتمر الشعبي وحده دون سواه.
وإذ لم تقم الثورة ضد علي صالح لشخصه، بل ضد نظامه العائلي ومخطط التوريث الذي كان قد استعد به وكان واقعا مفروضا لا خيار للشعب اليمني سوى القبول به والتعامل معه. فإن هذه النقطة تجعل من ترشيح المؤتمر الشعبي لأحمد علي بمثابة عودة باليمن إلى مربع الصفر، بما يعيد ذلك للثورة من حياة وتوحيد للصف، وينسف الجهود الإقليمية والدولية التي ما تزال مستمرة لاحتواء الموقف في اليمن، الأمر الذي يحمل أشخاصا محسوبين على صالح (مؤتمريا، وقبليا) للطمع في تقديم أنفسهم كحلول بديلة تجبر هذا التيار على تبنيهم، باعتبار أن ذلك هو الحل الوحيد الذي سيبقي صالح وأولاده حاضرين في المشهد، وإن إلى جوار هؤلاء أو من ورائهم، ناهيك عن أملهم بالعودة في دورات انتخابية قادمة.
وتظهر هذه الشخصيات في الأفق غير واضحة المعالم كألوان تشكيلية متداخلة. وعلى أن الثورة قد فوتت الفرصة عليهم جميعا، أو هذا ما يفترض، إلا أن من بين هؤلاء الأشخاص من يرى أمامه فرصة سانحة للعبور، وأبرز هؤلاء الأشخاص القيادي في المؤتمر الشعبي عبدالقادر هلال -أمين العاصمة.
يجمع عبدالقادر هلال بين الشخصية العسكرية والمدنية، وسبق له أن عمل -في عهد صالح- محافظا لمحافظة إب، ثم محافظا لحضرموت، وحصد خلال هذه الفترة سمعة تحول بسببها إلى مصدر قلق لعلي صالح الذي فكر وقدر وأراد أن يحرق هذه السمعة أو ينتقص منها على الأقل، فأسند إليه وزارة الإدارة المحلية، ليقسم له نصيبا من لعنات الشعب التي ظلت تتوالى على حكوماته المتعاقبة، ولم ير هلال في ذلك بأسا، إذ اعتقد أن الوزارة باب جديد من الأبواب التي يمكنه أن يضيف من خلالها شيئا جديدا إلى رصيده، وانتهى الأمر بالتعادل السلبي، أي لم يحقق أي منهما شيئا مما كان يرمي إليه، فلا هلال أضاف خلال عمله في الوزارة شيئا إلى رصيده، ولا صالح تمكن من إحراقه أو الانتقاص من سمعته.
دفع به إلى رأس لجنة لدراسة الوضع في الجنوب لحل «القضية الجنوبية»، وكان هدف صالح المعلن هو حل القضية الجنوبية فيما هدفه الباطن إحراق هلال لدى الجنوبيين الذين خرج من عندهم بسمعة جيدة إبان عمله محافظا لحضرموت، إلا أن مساعي صالح خابت، وزاد احتقان الجنوبيين ضده هو وليس ضد هلال.
أعاد صالح الكرة في اتجاه الشمال، ودفع بعبدالقادر هلال إلى رأس لجنة مماثلة تتجه صوب الحوثي، وحين بلغ هلال منتصف الطريق صوب صعدة قام صالح بتنفيذ «قطاع» اعترض به طريقه، وتلخص -كحدث- بما عرف من قصة بنت الصحن الشهيرة، وتلخصت نتيجته بالإحراق الإعلامي لهلال وإسقاطه من نظر من يرتبط معهم بعلاقة جيدة من القادة العسكريين في المنطقة الشمالية والوسط القبلي الشمالي برمته. وعلى أن معرفة هؤلاء القادة والمشائخ بألاعيب صالح حالت دون تحقيق صالح للنتيجة المرجوة إلا أن صالح تعامل مع الأمر كما لو أنه لا رجعة عنه ولا لعب فيه، فجعل هلال في التابوت فألقاه في يم النسيان وأقصاه عن الحياة السياسية.
وهكذا، زاد رصيده لدى الجنوبيين من خلال تكليف صالح له بدراسة أسباب القضية الجنوبية ووضع أسس علاجها، وهي المهمة التي انتهت بما عرف بتقرير (هلال -باصرة). وكسب ود الحوثيين إذ لم يخلص من وساطته المذكورة آنفا إلى نهاية تدينهم، بل العكس من ذلك هو الذي حدث. وقيام صالح بإقصائه -لاحقا- من العملية السياسية زاده قربا من خصوم صالح العسكريين والسياسيين والقبليين، وفي مقدمة العسكريين اللواء علي محسن، وعلى رأس السياسيين التجمع اليمني الإصلاح وتكتل المشترك عموما، وفي مقدمة القبليين أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.
وهنا، اندلعت الثورة الشبابية السلمية، وتوقع كثير من الناس أن يكون عبدالقادر هلال من أول المنضمين إليها، لأنها الفرصة التي يعيد فيها لصالح الصاع صاعين، ولأنها ثورة رفعت شعار إسقاط نظام الفساد الذي كان هلال يشكو منه شأنه في ذلك شأن غيره، وازداد احتمال انضمامه للثورة بعد انضمام جميع أولئك الأصدقاء الذين كان آخرهم اللواء علي محسن والذي انضم للثورة يوم الاثنين (21 مارس 2011م) على خلفية مجزرة «جمعة الكرامة». إلا أن عبدالقادر هلال فاجأ الأصدقاء والخصوم بعدم الانضمام للثورة، وكان صالح مضطرا يومها لتفعيل برنامج «استعادة المحذوفات»، فعاد هلال إلى مطبخ صالح ولقي عنده الحظوة من جديد.
بدا الأمر غريبا أن يعود هلال إلى مربع صالح رغم كل مارتكبه صالح في حقه وفي حق الشعب اليمني من مجازر وجرائم وما افتعله -العام الماضي- من أزمة خانقة تركت آثارها الرهيبة. لكن هلال لم يكن ينطلق -في ذلك- من منطلقات الفعل وردة الفعل حتى ينتهز الفرصة للانتقام، ولا من منطلقات المصلحة الوطنية والشعبية حتى ينضم للثورة، بل حسب الأمور -فيما يبدو- حسبة سياسية وفق معايير أخرى، إذ كان يعتقد أن الثورة ناجحة بلا شك، وأتذكر -لتأكيد هذا- أن أحد المشائخ المقربين من صالح وممن استمر معه حتى النهاية قام في أحد الأشهر الأولى للثورة بزيارة أحد الأصدقاء، وقال يومها في ذلك المقيل: لم يحدث في التاريخ أن قامت ثورة شعبية وفشلت.
وكم يبدو الأمر غريبا أن ترى لديهم قناعة بالثورة، ويقينا بنجاحها، ثم تراهم يستمرون -بعد ذلك- بالاصطفاف مع صالح.
ولكل شخص من هؤلاء حساباته المانعة من الانضمام للثورة، ومن هؤلاء عبدالقادر هلال، وهو المقصود بهذه التناولة. وبالنظر إلى ما يمكن أن تكون هي حساباته المانعة من الانضمام للثورة فخلاصتها في نقطتين.
أما الأولى فهي عدم رغبته في الانضمام إلى ثورة سبقه إليها أصدقاؤه المذكورون آنفا، نظرا لأن هذه الصداقة لا تقوم على مقومات الصداقة الحقيقية والصادقة بقدر ما تقوم على التظاهر الخارجي تبعا للمصلحة السياسية.
وأما الثانية -وهي الأهم- فمفادها أن الرجل كان يعتقد أن استمراره بجوار صالح سيسمح بتقديمه حلاً سياسياً بموجب المبادرة الخليجية أو غيرها، وأنه في وضع يؤهله لذلك بما يتوفر لديه من نقاط يتفوق بها على عبدربه منصور هادي. وأبرز هذه النقاط أنه كان يرى نفسه أقرب إلى صالح من عبدربه (جغرافيا، وقبليا، وحزبيا)، وأقرب من عبدربه -في ذات الوقت- إلى الطرف الآخر (الإصلاح والمشترك، اللواء علي محسن، بيت الأحمر)، وأقرب من عبدربه إلى المملكة العربية السعودية ثالثاً.
ظل الحوار قائما بشأن المبادرة الخليجية والرجل ينتظر من الطرفين -أحدهما أو كليهما- أن يطرح اسمه بدلاً عن عبدربه منصور لكن الرياح مضت بغير ما تشتهي السفن، وفرضت آخر الأمر شيئا آخر، وانتهى الأمر على النحو الذي انتهى إليه، وحينها كان باب الانضمام إلى الثورة قد أغلق.
مرت الأيام، وهاهو هلال مجددا يرى لنفسه الأولوية بترشيح المؤتمر الشعبي إذ لا يزال يرى نفسه الأقرب إلى صالح بحكم أن ترشيح أحمد علي مستحيل (من وجهة نظره، أو وفق الواقع الذي فرضته الثورة وأشارت إليه الأسطر الأولى)، كما يرى أنه الأقرب إلى القبائل التي يعتقد أنها ستميل إليه باعتباره من محيطها ومن ربعها ومربعها، وأنه الأولى -لذات السبب- بدعم الطرف الآخر كاللواء علي محسن وبيت الأحمر، وفوق هذا فهو يحرص على علاقة جيدة مع كل من الإصلاح والمشترك والحوثيين ومختلف توجهات المشائخ، وهو اليوم -بتعبير أحد الزملاء- «القاسم المشترك بين قناة (اليمن اليوم) التي يملكها العميد أحمد علي، وقناة (سهيل) التي يملكها الشيخ حميد الأحمر. بل إن هذه العلاقة الودية متبادلة بينه وبين بعض من هؤلاء، ذلك أن في هؤلاء من انضم إلى الثورة بسبب خصومته مع صالح وأولاده وبهدف إزاحة عائلته من الحكم، وبعد أن يتحقق له هذا المطلب كاملا فلن يكون هناك ما يحمله على مواصلة السير مع المكونات الثورية نحو تحقيق بقية أهداف الثورة التي يراها تهدد نفوذه ومصالحه.
إن الواقع لا يمكن أن يختزل على الورق، ومهما بدت الأمور واضحة على الورق فقد لا تكون -كذلك- على الواقع.
وعلى هذا، فجميع هذه المعطيات التي تجعل من هلال الرجل الأول في المرحلة القادمة، هي ذاتها التي كانت تتوفر له في المرحلة السابقة ولم تؤت ثمرة ولا نتيجة، وبما أن هذه قاعدة ثبتت على أرض الواقع فإن المعطيات التي تتفق ضد أحمد علي على الورق، قد تتفق له على أرض الواقع (الواقع المؤتمري بالطبع).
وهكذا، فإن للاثنين كليهما (هلال وأحمد علي) أن يطمحا للوصول إلى كرسي الرئاسة، وهو -قطعا- طموح مشروع. وقد يكون الاثنان بمثابة خيارات متكافئة أمام المؤتمر الشعبي العام لولا أن الهوة الفاصلة بينهما تزداد على الدوام بفعل استمرار سياسة أحمد علي القائمة -حاليا- على التقوقع، واستمرار الأداء الحالي لعبدالقادر هلال القائم على العكس، والحديث في كل ما سبق ليس إلا عن خيارات المؤتمر الشعبي وحده دون سواه.