بعد 8 سنوات من الانتظار والمعاناة، تتنفس آلاف العائلات اليمنية النازحة الصعداء أخيراً. للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب المدمرة، أعلن بنك عدن الإسلامي عن صرف راتبين كاملين لموظفي وزارة النقل من فئة النازحين عن شهري يناير وفبراير 2025. النقود متوفرة الآن عبر شبكة عدن_حوالة، لكن السؤال الذي يؤرق الجميع: إلى متى ستستمر هذه الانفراجة؟
"مثل المطر بعد قحط دام سنوات" - هكذا وصف أحمد المطري، موظف نقل نازح من صنعاء وأب لخمسة أطفال، شعوره عند سماع الخبر. يقف أحمد منذ ساعات الفجر الأولى في طابور طويل أمام أحد فروع البنك، يحمل كيساً بلاستيكياً لحفظ أمواله، ويده ترتجف من التوتر والترقب. "لم أتخيل أن أرى هذا اليوم مرة أخرى" يقول بصوت مخنوق بالدمعات، بينما تملأ رائحة العرق والأمل المكان.
خلف هذا الإعلان التاريخي قصة طويلة من المعاناة بدأت مع اندلاع الصراع عام 2014. فقد تعرض مئات الآلاف من موظفي الدولة لانقطاع رواتبهم، مما دفع الكثيرين للنزوح بحثاً عن فرص عمل أو مساعدات إنسانية. د. محمد العولقي، الخبير الاقتصادي، يؤكد أن "هذه الخطوة تمثل أول إشارة حقيقية لاستعادة النظام المصرفي عافيته في المناطق المحررة". المقارنة صادمة: راتب شهرين يعادل ثمن طعام عائلة متوسطة لستة أشهر كاملة في ظل الأوضاع الحالية.
التأثير الفوري لهذا القرار يتجاوز مجرد الأرقام المالية. فاطمة السالمي، موظفة إدارية ووالدة لثلاثة أطفال، تمكنت من إعادة أطفالها للمدرسة بعد انقطاع دام عامين. "سأشتري لهم الكتب والأقلام والملابس، وسأدفع الإيجار المتأخر" تقول وهي تمسح دموع الفرح. الأسواق المحلية في عدن شهدت انتعاشاً ملحوظاً، حيث ازدادت مبيعات الضروريات بنسبة تقدر بـ 30% خلال اليوم الأول من الإعلان. لكن الخبراء يحذرون من ضرورة الادخار وعدم الإفراط في الإنفاق، خوفاً من عودة دورة الانقطاع.
هذه الخطوة، رغم بساطتها الظاهرة، تحمل رسالة قوية عن استعادة الكرامة لفئة طالما عانت الإهمال والتهميش. السؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: هل ستشهد الأشهر القادمة توسعاً في نطاق الصرف ليشمل وزارات ومحافظات أخرى؟ وهل ستكون هذه بداية عهد جديد من الاستقرار المالي للموظفين اليمنيين، أم مجرد قطرة أمل في بحر من المعاناة المستمرة؟