الرئيسية / تقارير وحوارات / القضية الأهم والأخطر التي تعرقل مؤتمر الحوار في اليمن
القضية الأهم والأخطر التي تعرقل مؤتمر الحوار في اليمن

القضية الأهم والأخطر التي تعرقل مؤتمر الحوار في اليمن

20 نوفمبر 2012 05:01 صباحا (يمن برس)
لا يزال اليمن يواجه العديد من التحديات، التي عليه تجاوزها للوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني، الذي سيجتمع على طاولته كل الفرقاء، لتلمس الأدوات والوسائل الممكنة، لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل، والبحث عن سبل النجاة المتاحة، التي تحول دون انزلاق جميع الأطراف إلى ميادين المواجهة والاحتراب.
 
وعلى رغم تعدد المعوقات المرتبطة بالتحضير لمؤتمر الحوار، واشتراطات وطلبات الأطراف التي يفترض مشاركتها فيه، إلا أن قضية «العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية» التي برزت مؤخراً إلى واجهة المشهد اليمني، تعد القضية الأهم والأخطر في الوقت الراهن، باعتبارها البوابة الأولى للحوار الوطني الشامل، والأساس المتين لنفاذ ونجاح التسوية السياسية، لنقل السلطة سلمياً في اليمن.
 
ولتحقيق مبدأ العدالة الانتقالية، الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المنظمتين للتسوية السياسية، ونص عليه أيضاً القانون الذي أصدره البرلمان اليمني مطلع العام 2012، والذي منح بموجبه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية، أعدت وزارة الشؤون القانونية في اليمن مشروع قانون «العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية»، مطلع العام الحالي، ليكون المرجع الأول الذي تتحقق من خلاله العدالة الانتقالية.
 
غير أن مشروع القانون، يلاقي بحسب مصدر مطلع في وزارة الشؤون القانونية، معارضة قوية من قبل الشركاء الموقعين على اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، في العاصمة السعودية الرياض، في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، وهو ما دفع الوزارة إلى رفعه قبل نحو ستة أشهر، إلى رئيس الحكومة التوافقية محمد سالم باسندوة، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، لحسم الأمر ووضع حد لإعاقة الشركاء السياسيين لصدور هذا القانون، من خلال إحالته لمجلس النواب لمناقشته وإقراره.
 
وأكد المصدر الذي طلب عدم كشف هويته لـ «الحياة»، إن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، يعمل على تعطيل العدالة الانتقالية، والحيلولة دون صدور القانون، من خلال حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه، وممثلي الحزب في الحكومة ومجلس النواب، ويعتقد المصدر إن صالح وأركان نظامه السابق، الذين حصلوا على العفو من الملاحقة القانونية والقضائية، يعارضون صدور القانون، حتى لا يضطروا للاعتراف بالجرائم التي ارتكبوها بحق المحتجين سلمياً خلال عام 2011، وحتى لا تتكشف حقائق الانتهاكات التي ارتكبت بحق اليمنيين.
 
موقف «آللقاء المشترك»
 
وقال المصدر إن موقف تكتل «اللقاء المشترك»، الشريك الرئيسي مع حزب المؤتمر في التسوية السياسية لنقل السلطة سلمياً في اليمن، من مشروع قانون العدالة الانتقالية، يصب في مصلحة المعارضين للقانون، على رغم قبولهم المسبق وموافقتهم على تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وأشار المصدر إلى أن موقف المشترك، ربما ناتج من عدم فهم واستيعاب لنصوص مشروع القانون، أو استجابة لضغوط شباب الثورة وأهالي الضحايا، الذين يطالبون بمحاكمة كل من يقف خلف الانتهاكات التي تعرض لها شباب الثورة.
 
وأوضحت مصادر قانونية يمنية، إن مشروع قانون العدالة الانتقالية يهدف بدرجة رئيسية، إلى إنصاف الضحايا ورد الاعتبار لهم ولأهاليهم، وتحقيق السلم الاجتماعي من خلال معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، التي حدثت خلال السنوات الماضية، وفي الوقت ذاته وضع القواعد والآليات الأساسية، التي تمنع تكرار تلك الانتهاكات والجرائم مستقبلاً، وأشارت المصادر القانونية إلى أن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، من أهم مفردات التسوية السياسية، وأن عدم تحقيقها قد يفشل هذه التسوية برمتها.
 
وترى المصادر القانونية التي تحدثت لـ «الحياة»، أن مشروع قانون «العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية»، الذي تحتاجه الدول الخارجة من الصراعات السياسية والمسلحة، يستهدف إرضاء الضحايا وتعويضهم وإعادة حقوقهم، وأنه لا يحمي المتهمين بارتكاب الجرائم وانتهاك حقوق الإنسان، بقدر ما يسعى للوصول إلى عدالة تصالحية، بعيداً عن الملاحقات الجنائية والقضائية، وبعد أن يتم كشف حقيقة ما جرى، من جرائم قتل وانتهاكات بحق المحتجين الشباب والمدنيين، من خلال تحقيقات شاملة تجريها هيئة متخصصة ومستقلة.
 
وأكد مشروع القانون في مادته الثالثة، «على قيام الانتقال السياسي في اليمن على مبادئ وقيم التسامح والصفح والمصالحة الوطنية ونبذ كل أشكال العنف والانتقام والملاحقة»، كما شدد على أهمية «اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تطبيق العدالة الانتقالية بما يضمن إلقاء الضوء على تصرفات الأطراف السياسية خلال الفترة المشمولة بأحكام هذا القانون وضمان التعويض المادي والمعنوي لمن عانوا خلال تلك في الفترة وجبر الضرر المعنوي من أجل إنصافهم والمصالحة معهم».
 
وتنشأ بموجب مشروع القانون هيئة مستقلة غير قضائية، تسمى (هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية)، لإجراء مصالحة وطنية بين أفراد المجتمع اليمني، نتيجة ما خلفته الصراعات السياسية منذ عام 1994 وحتى الآن، «بما في ذلك قضايا الاستيلاء على الممتلكات ورد الحقوق الوظيفية لأصحابها بصرف النظر عما إذا كان مرتكبها الحكومة أو سلطات أخرى مارست السيطرة على مناطق أو أي تشكيلات مسلحة أخرى، كما تقوم بتعويض ورثة من قضوا نحبهم من جراء هذه الانتهاكات بما فيها متطلبات تعليم أبناء الضحايا».
 
وتختص الهيئة بموجب مشروع القانون، «بالنظر في الشكاوى وتعويض ضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة قبل عام 1990 حالة استمرار آثار هذه الانتهاكات حتى الوقت الحاضر، بما يمثل انتهاكاً مستمراً لحقوق الضحايا لم يعالج حتى الآن»، وكذلك «التعويض وجبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت بسبب النزاع والصراع السياسي من كانون الثاني (يناير) 2011، وحتى صدور هذا القانون».
 
حقوق استثنائية
 
كما يمنح مشروع القانون الهيئة «سلطة استدعاء الشهود والاستماع إليهم والحصول على الوثائق الرسمية التي تطلبها والاطلاع على الأرشيفات وعلى الحكومة إلزام جميع من تستدعيهم الهيئة للمثول أمامها وتوفير كافة ما تطلبه منهم»، كما يمنحها «الحق في تفتيش الأماكن التي حدثت فيها الانتهاكات عند الحاجة ومصادرة الوسائل والأدوات التي استخدمت في تلك الانتهاكات»، وألزم المشروع الحكومة اليمنية «بتسديد التعويضات المحددة بقرارات الهيئة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور قرارها».
 
ويشدد محامون وسياسيون يمنيون تحدثوا لـ «الحياة»، على أهمية المضي قدماً لتحقيق العدالة الانتقالية، وإقرار مشروع القانون الذي ينظمها، كون هذه الخطوة في حال تمت، من شأنها إخماد نيران الصراعات السياسية، التي لا تزال متأججة حتى اليوم، وطالبوا في ذات الوقت بتعديل القانون، ليشتمل أيضاً على الصراعات القبلية المسلحة، وبالذات الصراعات المستمرة بين عدد من القبائل المتجاورة منذ عدة عقود من الزمن، بخاصة وقد عجزت السلطات المتعاقبة في اليمن عن احتوائها، لأسباب تتعلق بضعف هذه السلطات وغياب القضاء العادل، ولإصرار أبناء كل قبيلة على أخذ الثأر من القبيلة الأخرى نتيجة لذلك.
 
وأكدوا أن بعض الصراعات القبلية، تفوق في أهميتها الصراعات السياسية أو توازيها، نتيجة للأعداد الكبيرة من الضحايا، التي تخلفها هذه الصراعات، إلى جانب أن استمرارها يساهم في شكل فعال في الانفلات الأمني الذي تشهده اليمن، والذي بدوره يكبد الدولة خسائر كبيرة، ويعيق جهودها وبرامجها التنموية، في المحافظات والمناطق التي تدور فيها هذه الصراعات ويساهم في تخلفها، مثل محافظات الجوف ومأرب (شمال شرقي اليمن)، ومحافظة البيضاء (جنوب البلاد).
 
ويعتقد السياسيون والمحامون اليمنيون، أن السلطات اليمنية كانت تعمل على تغذية بعض الحروب القبلية، وتمد كل الأطراف بالمال والسلاح، أحياناً لشغل هذه القبائل بخلافاتها البينية، وأحياناً أخرى لتصفية حسابات سياسية مع خصوم قبليين، ويرون أن إدراج الصراعات والثارات القبلية ضمن أجندة مؤتمر الحوار، ومشروع قانون العدالة الانتقالية، سيحل معضلة اجتماعية في غاية الخطورة، بخاصة وهذه المعضلة لا تخلو من الحسابات السياسية، ويقولون إن حل هذه المشكلة، سيساهم أيضاً في الحد من تجارة السلاح والتجوال به في مختلف أرجاء اليمن.
 
وعلى رغم خطورة هذه القضية، إلا أنها لا تزال بعيدة عن اهتمامات النخبة السياسية في اليمن، وتقول المصادر المطلعة في وزارة الشؤون القانونية، إن إدراج الصراعات القبلية ضمن نصوص مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، تحتاج إلى ضغوط قبلية وسياسية وجهود حثيثة، تقنع مختلف الأطراف بأهمية المعالجة الشاملة لهذه المشكلة، من خلال قواعد وآليات العدالة الانتقالية، المدعومة من قبل الدول الراعية للتسوية السياسية في اليمن.
 
وأوضحت المصادر أن المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر المتواجد حالياً في صنعاء، وسفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية، يضغطون على الأطراف السياسية المشاركة في التسوية، لإنجاز قانون العدالة الانتقالية قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وأكدت المصادر أن بن عمر ناقش هذا الموضوع، في لقاءاته الأخيرة مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ووزير الشؤون القانونية الدكتور محمد المخلافي، وأطراف سياسية أخرى، وأنه دعا إلى الإسراع بإصدار القانون، وتشكيل هيئة المصالحة والإنصاف.
 
تلاشي معارضة القانون
 
ولفتت المصادر إلى أن قانون العدالة الانتقالية، يمثل أحد أهم مفردات التسوية السياسية، وبالتالي فإن صدوره ومصادقة الرئيس هادي عليه، قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني أمر في غاية الأهمية، لأنه لم يعد أمام الفرقاء السياسيين، المزيد من الوقت لتبديده في المناورات السياسية، وتوقعت المصادر أن تتلاشى المعارضة للقانون من قبل جميع الأطراف، أمام الضغط الإقليمي والدولي المؤيد والداعم للقانون وللمصالحة الوطنية، بخاصة وهناك توجه جدي لدى مجلس الأمن، لفرض عقوبات دولية على أي طرف يعرقل التسوية السياسية لنقل السلطة سلمياً.
 
إضافة إلى ما أصدره مؤخراً مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، من لائحة تفسيرية وتعليمات توجيهية تضم عقوبات جديدة بحق من يعيقون التقدم نحو استكمال جميع بنود هذه التسوية، والتي تأتي تنفيذاً للأمر الصادر من الرئيس الأميركي باراك أوباما في 16 أيار (مايو) الماضي والذي يقضي بتجميد أصول وممتلكات الأشخاص الذين يهددون السلام، والأمن والاستقرار في اليمن، وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه اللائحة تعد حكماً نهائياً، وهو ما عزز قناعات السياسيين اليمنيين، بوجود توجه دولي جاد لفرض عقوبات دولية، تطاول من يعيقون التسوية السياسية في البلاد.
 
وتقدم الأمم المتحدة ضمن المنشورات الصادرة عنها، تحت عنوان «أدوات سيادة القانون لدول ما بعد الصراع»، تدابير العفو التي تمنع مقاضاة أفراد قد يتحملون المسؤولية القانونية عن ارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، على رغم أنها تتنافى مع التزامات الدول بموجب العديد من مصادر القانون الدولي، ومع السياسة العامة للأمم المتحدة، أملاً في تحقيق السلام، غير أن الكثير من التجارب، بحسب المنشورات الدولية، أخفقت في تحقيق هدفها، وجرأت المستفيدين منها على ارتكاب المزيد من الجرائم.
 
وتشير إلى أنه «في المقابل تمّ التوصل إلى اتفاقات سلام من دون تضمينها تدابير تتعلق بالعفو في حالات كان يُقال فيها إن العفو شرط ضروري للسلام وكان يُخشى فيها أن تؤدي الإدانات إلى إطالة أمد الصراع»، ومع ذلك تشدد منشورات الأمم المتحدة ذات الصلة بالعدالة الانتقالية، على أنه «لا يجوز أن تقيد تدابير العفو حق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب في الحصول على سبل انتصاف وجبر فعالة، كما لا يجوز أن تعرقل حق الضحايا أو المجتمعات في معرفة الحقيقة في شأن تلك الانتهاكات».
 
"الحياة" اللندنية
شارك الخبر