كشفت مصادر يمنية حكومية وأخرى غير حكومية عن حرب خفية تدور رحاها حاليا داخل أروقة مجلس الوزراء وخارج المجلس بين طرفي الائتلاف اليمني يشارك فيها وزراء ومسؤولون حكوميون كبار من الطرفين بناء على تعليمات تأتيهم من خارج الحكومة دون أن يدرك بعض المشاركين فيها أنها حرب كسر عظم قد تؤدي إلى انهيار الدولة اليمنية برمتها أو عجزها عن دفع رواتب منتسبي القوات المسلحة والأمن وموظفي الدولة المدنيين.
ويسعى أحد طرفي هذه الحرب الخفية إلى تهيئة الظروف لإيقاف عمليات انتاج وتصدير النفط من حقل المسيلة اليمني أكبر حقول البلاد أو إحداث أضرار فادحة في آبار الانتاج في قطاع 14 على أمل أن يؤدي ذلك إلى قطع المورد الرئيسي للمال من الوصول إلى خزينة الدولة وبالتالي شل حركة الرئيس هادي ماليا استباقا لأي قرارات تهدف إلى إضعاف خصومه عسكريا.
وتكمن خطورة هذه الخطة التي يحاول التصدي لها وزراء ومسؤولون حكوميون من الطرف الآخر في الائتلاف إلى أن منفذيها ليسوا من مدمري أبراج الكهرباء أو مفجري انبوب النفط في مارب الذين يمكن القبض عليهم ومحاكمتهم، فهم لا يرتدون أزياء قطاع الطرق بل يرتدون بدلات أنيقة وربطات عنق ويرتبطون بعلاقات وثيقة جدا مع الرئيس السابق حيث أن بعضهم يمثلونه في مجلس الوزراء والبعض الآخر يقود نقابات ترفع شعارات الدفاع عن العمال وعن حقوق الإنسان.
ولم يكن من قبيل الصدف أن خطة إيقاف تدفق النفط من آبار المسيلة في حضرموت كانت على وشك التنفيذ في شهر فبراير الماضي قبيل انتخاب المشير عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية، ولكن الضغوط الدولية أدت إلى تأجيل الخطة وليس إلى إلغائها، فإذا بها تتكرر مجددا بالتزامن مع توقعات تتزايد كل يوم عن صدور قرارات مفصلية لتوحيد االجيش بما يمثله ذلك من قضاء على نفوذ عائلة الرئيس السابق داخل القوات المسلحة.
وهناك أخبار منشورة قد يمر عليها القارئ مرور الكرام ولكنها في حقيقة الأمر تعكس بعض الآثار الظاهرة للحرب الضروس الدائرة خلف الكواليس, ومن بين هذه الأخبار ما أعلنته الجمعية العمومية لعمال شركة المسيلة لاستكشاف وانتاج البترول (بترو مسيلة) عن إضراب شامل بدأ أمس الأحد الأحد في جميع المواقع بقطاع 14، بما في ذلك المكتب الرئيسي في صنعاء وميناء التصدير.
هذا الإضراب يذكرنا بإضراب مماثل في شهر فبراير الماضي قبل أيام من انتخاب الرئيس هادي وادى إلى توقف تصدير النفط اليمني لفترة قصيرة ولكن تم تجاوز المشكلة في حينه عن طريق ضغوط قوية على المتسبب غير المباشر بها.
وفي حال استمرار هذا الإضراب في مواقع الانتاج في آبار النفظ المنتجة التي يقدر عددها بأكثر من ثلاثمئة بئر فإن الضرر التي قد تتعرض له هذه الآبار لا يمكن إصلاحه مثلما يتم إصلاح أبراج الكهرباء، فالمهندسون وخبراء انتاج النفط يحذرون من أن التوقف في ضخ النفظ من أي بئر لا يمكن استئنافه بسهولة بل يحتاج استئناف الضخ إلى تكاليف باهظة وإجراءات معقدة، علاوة على أن كثير من الآبار تتعرض لأضرار دائمة لا يمكن إصلاحها، وهذا هو ما يهدف إليه أصحاب المصلحة الخفية من الإضراب.
ومن المثير للدهشة أن منتسبي الشركة الذين أعلنوا إضرابهم يبلغ متوسط رواتبهم الشهرية مليون ريال يمني لكل موظف أي أنهم يتقاضون رواتب مجزية لا ينافسهم فيها أي قطاع وظيفي آخر في الدولة اليمنية. ومن هنا يمكن الاستنتاج أن هذا الإضراب يتبناه أثرياء الموظفين إن صح التعبير، وهو ما يثير الشبهة حول الأهداف الحقيقية من هذا الإضراب الذي يقول عنه بعض وزراء حكومة الوفاق الوطني بأنه إضراب غير قانوني كونه يهدد الاقتصاد الوطني بالخطر ويشمل مواقع انتاجية تمثل موردا أساسيا حيويا للبلاد.
أما قادة النقابة العمالية الداعية للإضراب فإنها تبرره بالقول إنه يأتي نتيجة " لطريقة تعامل الشركة مع قضايانا ورغم علم الجهات الرسمية بما كنا نمر به من عراقيل خطوة بخطوة، أجبرنا مضطرين إلى الوصول إلى مرحلة الإضراب الشامل والذي كان قرارا اتخذته الجمعية العمومية في اجتماع الخميس 15/11/2012".
وطلبت الجمعية العمومية لعمال المسيلة منهم عدم مباشرة أي عمل في ميناء التصدير بعد ابتداء الإضراب الشامل، داعية جميع العمال إلى التجاوب والتفاعل الإيجابي مع ما تقرر.
ومن الواضح أن الجمعية تدرك تماما خطورة ما تقوم به على اقتصاد البلاد في مرحلة حساسة من تاريخ اليمن إذ أن البيان الداعي للإضراب حمل شركة ( بترو مسيلة) كامل المسؤولية من عواقب وانعكاسات أي إجراء من شأنِه أن يؤدي إلى الإيقاف المُفاجئ للإنتاج والتصدير ومن ثم الإضرار باقتصاد اليمن والإخلال ومُخالفة القانون, وأضاف البيان: "نُنبه الجهات المُختصة وذات العلاقة عن عدم مسؤوليتنا عن أي إجراءِ كهذا".
ومن المهم أن نعرف أن شركة بترو مسيلة هي شركة وطنية يمنية تأسست قبيل قرب انتهاء عقد الشراكة مع شركة كنديان نيكسون التي بذلت الغالي والرخيص لتجديد عقد الانتاج لولا أن وزير النفظ في حكومة تصريف الأعمال السابقة أمير العيدروس وقف بالمرصاد لتجديد العقد مع شركة أفسدت كثيرا من المسؤولين اليمنيين الكبار.
ويقول أحد المصادر أن شركة نيكسون دفعت خمسين مليون دولار لقائد الحرس الجمهوري الذي كان قبل اندلاع الثورة الشبابية يشرف على قطاعات الاستثمار كاملة ويتحكم فيها تماما، ولكن نائب الرئيس وقتها عبدربه منصور هادي رفض تجديد العقد مع الشركة المشار إليها واستحسن رأي العيدروس بتكليف شركة وطنية يمنية بإكمال المهمة، ويبدو أن شركة نيكسون الكندية اضطرت لخصم الخمسين مليون دولار من حقوق الموظفين ومكافآت نهاية الخدمة للعمال، وتحملت هذه الحقوق الشركة الوارثة دون أن يكون لديها القدرة على استعادة المبلغ من قائد الحرس الجمهوري..
وعندما جاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني حرص رئيس المؤتمر الشعبي العام على عدم التجديد لأمير العيدروس واستبداله بشخص طيع ومطيع حيث وقع الاختيار حينها على هشام شرف الذي عمل المستحيل من أجل التجديد للشركة الكندية بناء على تعليمات من أحمد علي عبدالله صالح ووالده المخلوع علي عبدالله صالح، ولكنه فشل فشلا ذريعا بسبب تصدي وزير المالية صخر الوجيه ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة لفكرة التجديد.
وبعد فشل هشام شرف في التجديد للشركة الكندية وفقا لأكثر من مصدر استغل صلاحياته كوزير للنفط وأصدر قرارا عين فيه نفسه رئيسا بالانابة لشركة بترو مسيلة كي يعمل على تدميرها من داخلها. ولعب الرجل أدوارا سلبية عديدة سيأتي لاحقا مجال الحديث عنها، ولكن الخلاصة أن الرئيس هادي استعشر الخطر من الدور الذي يؤديه هشام شرف في قطاع حيوي للبلاد في مرحلة عصيبة جدا، فقرر إجراء تعديل وزاري محدود في سبتمر الماضي تم بموجبه نقل هشام شرف إلى وزارة التعليم العالي بدلا عن وزيرها المستقيل يحي الشعيبي وتعيين أحمد دارس وزيرا للنفظ بدلا عن هشام شرف لانقاذ النفط من مخالب علي عبدالله صالح.
وكان الرئيس هادي قبل ذلك قد أصدر قرارا جمهوريا في مارس الماضي رقم (24) لسنة 2012م ، قضت المادة الأولى منه بتعيين محمد احمد حسن بن سميط مديرا عاما تنفيذيا لشركة المسيلة لاستكشاف وإنتاج البترول (بترومسيلة). وحسب مصدر مقرب من الرجل فإنه بعد تعيينه ظل في الشهور اللاحقة يكرس جل وقته لإصلاح الأضرار التي تعمد إلحاقها بالشركة سلفه في قيادتها هشام شرف الذي كان أيضا رئيسه المباشر بصفته وزيرا للنفظ.
وكان محمد بن سميط الذي ينتمي لمحافظة حضرموت قد قضى سنوات طويلة جدا في أعلى المناصب بشركة نيكسون الكندية ولهذا فقد كان الشخص المناسب جدا لرئاسة الشركة الوطنية (بترو مسيلة ) الوارثة للشركة الكندية. ومن المفارقات أن مطالب النقابة العمالية من الشركة الجديدة تصب في مصلحة رئيسها محمد سميط بصفته موظف سابق في الشركة الكندية التي انتهت مهمتها ويحق له الحصول على مبالغ باهظة جدا من حقوقه مع الشركة الكندية لو أنه وافق على تنفيذ مطالب النقابة.
ورغم المصلحة الشخصية المباشرة للرجل من تنفيذ تلك المطالب إلا أنه عمد إلى تغليب المصلحة العامة أولا الأمر الذي يعطيه مصداقية لتأنيه في تنفيذ مطالب مختلف عليها. ولكن مما يؤخذ عليه أنه لم يشرك الصحافة في إيضاح مبرراته وردوده على مطالب النقابة، وقد تعذر الاتصال به قبل كتابة هذا التقرير، كما تعذر التواصل مع محامية الشركة السيدة نبيلة المفتي للاستيضاح منها عن جوانب الخلاف بين الشركة والنقابة العمالية، لكن أحد المصادر أكد لكاتب التقرير أن المحامية تركز في دفاعها عن الشركة على قانون العمل رقم 5 لسنة 1995م، والذي يحظر ويمنع الاضراب وممارسته في المهن التي يتسبب الاضراب فيها الى الحاق اضرار وخسائر بالاقتصاد الوطني، وهو المبرر ذاته الذي يستند إليه رئيس الوزراء الاستاذ محمد سالم باسندوة ووزير المالية المهندس صخر الوجيه في انزعاجهما من تعطيل انتاج وتصدير نفط المسيلة.
ووفقا لرجل أعمال يمني على صلة بصناع القرار فإن الشركة الكندية ذاتها التي تولت انتاج النفط من حقول ا لمسيلة كانت تدفع اتاوات شهرية خاصة منذ بدء عملها في اليمن لكل من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وحيدر العطاس. واستمرت تلك المخصصات التي لم أتمكن من معرفة حجمها على وجه التحديد حتى عام 2007 حينما طلب أحمد علي من الشركة المعنية تحويل تلك المبالغ إلى حساب جميعة الصالح الخيرية وهو الأمر الذي أثار حنق البيض وأخرجه من صمته في ذلك العام، مثلما دفع العطاس للمزيد من التصعيد الكلامي ضد نظام صنعاء. وإذا ما توفرت أدلة على صحة هذه المخصصات فإن مثل هذه الأدلة ستقطع الشك باليقين أن البيض والعطاس عند انضمامهما للحراك الجنوبي لم تكن دوافعهما وطنية، وإنما ناجمة عن صراعات خفية على نفط المسيلة . ومن القرائن وليس الأدلة فيما يتعلق بعلي سالم البيض على وجه التحديد ان نظام علي عبدالله صالح سهل له تملك فنادق واستثمارات في عدن طوال الفترة بين 1994 و2007، ولم تعرف طبيعة تلك الاستثمارات إلا لا حقا عندما تم نقلها من اسم الدكتور الكاف الطبيب الخاص لمعظم رؤساء اليمن الجنوبي إلى اسم عمرو علي سالم البيض النجل الأصغر للبيض. أما عدنان البيض ا
لنجل الأكبر لعلي سالم البيض فإن أعماله وشراكاته المالية مع رموز كبار في نظام صنعاء لم تكن مخفية أبدا في يوم من الأيام. ومما يثير الاستغراب والدهشة ان المطالبات باستعادة منزل البيض في عدن كانت على الدوام تأتي من ناشطين جنوبيين ذوي دوافع وطنية ولم نسمع هذه المطالبة أبدا من البيض نفسه أو من أحد أولاده.
وخلاصة القول أن نفط المسيلة تسبب إلى حد كبير في فتح شرخ عميق في الوحدة اليمنية وليس من المستبعد أن يتسبب حاليا في تدمير الدولة اليمنية واحباط جهود الرئيس هادي ومحاولاته الحثيثة لانقاذ البلاد من مصير مجهول لا تعرف ملامحه.
وقد تتحمل اليمن نتائج فشل حكومة الوفاق الوطني في مهامها ولكن الدولة لا يمكن ان تصمد طويلا في حال تعثر الرئيس هادي وزير الدفاع محمد ناصر أحمد في استكمال توحيد المؤسسة العسكرية أو تمكنت القوى المعرقلة للنقل السلطة في تحجيم قدرة صخر الوجيه على دفع مخصصات القوات المسلحة من رواتب واعاشات جراء توقف المورد المالي الأساسي للخزنة العامة.
ومن أجل التصدي لمثل هذا الاحتمال المخيف فإن السبيل الوحيد هو الاستعانة بالمجتمع الدولي لتجميد أموال علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وإنزال أقسى العقوبات على أقرب أنصارهما، وعندها لن نسمع ابدا عن تدمير أبراج الكهرباء ولا أحراق أنابيب النفط، ولا حراك يرفع صور زعيم ضيع ثلثي وطنه، ولا إضراب يقوم به أغنى أغنياء موظفي اليمن.
ويسعى أحد طرفي هذه الحرب الخفية إلى تهيئة الظروف لإيقاف عمليات انتاج وتصدير النفط من حقل المسيلة اليمني أكبر حقول البلاد أو إحداث أضرار فادحة في آبار الانتاج في قطاع 14 على أمل أن يؤدي ذلك إلى قطع المورد الرئيسي للمال من الوصول إلى خزينة الدولة وبالتالي شل حركة الرئيس هادي ماليا استباقا لأي قرارات تهدف إلى إضعاف خصومه عسكريا.
وتكمن خطورة هذه الخطة التي يحاول التصدي لها وزراء ومسؤولون حكوميون من الطرف الآخر في الائتلاف إلى أن منفذيها ليسوا من مدمري أبراج الكهرباء أو مفجري انبوب النفط في مارب الذين يمكن القبض عليهم ومحاكمتهم، فهم لا يرتدون أزياء قطاع الطرق بل يرتدون بدلات أنيقة وربطات عنق ويرتبطون بعلاقات وثيقة جدا مع الرئيس السابق حيث أن بعضهم يمثلونه في مجلس الوزراء والبعض الآخر يقود نقابات ترفع شعارات الدفاع عن العمال وعن حقوق الإنسان.
ولم يكن من قبيل الصدف أن خطة إيقاف تدفق النفط من آبار المسيلة في حضرموت كانت على وشك التنفيذ في شهر فبراير الماضي قبيل انتخاب المشير عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية، ولكن الضغوط الدولية أدت إلى تأجيل الخطة وليس إلى إلغائها، فإذا بها تتكرر مجددا بالتزامن مع توقعات تتزايد كل يوم عن صدور قرارات مفصلية لتوحيد االجيش بما يمثله ذلك من قضاء على نفوذ عائلة الرئيس السابق داخل القوات المسلحة.
وهناك أخبار منشورة قد يمر عليها القارئ مرور الكرام ولكنها في حقيقة الأمر تعكس بعض الآثار الظاهرة للحرب الضروس الدائرة خلف الكواليس, ومن بين هذه الأخبار ما أعلنته الجمعية العمومية لعمال شركة المسيلة لاستكشاف وانتاج البترول (بترو مسيلة) عن إضراب شامل بدأ أمس الأحد الأحد في جميع المواقع بقطاع 14، بما في ذلك المكتب الرئيسي في صنعاء وميناء التصدير.
هذا الإضراب يذكرنا بإضراب مماثل في شهر فبراير الماضي قبل أيام من انتخاب الرئيس هادي وادى إلى توقف تصدير النفط اليمني لفترة قصيرة ولكن تم تجاوز المشكلة في حينه عن طريق ضغوط قوية على المتسبب غير المباشر بها.
وفي حال استمرار هذا الإضراب في مواقع الانتاج في آبار النفظ المنتجة التي يقدر عددها بأكثر من ثلاثمئة بئر فإن الضرر التي قد تتعرض له هذه الآبار لا يمكن إصلاحه مثلما يتم إصلاح أبراج الكهرباء، فالمهندسون وخبراء انتاج النفط يحذرون من أن التوقف في ضخ النفظ من أي بئر لا يمكن استئنافه بسهولة بل يحتاج استئناف الضخ إلى تكاليف باهظة وإجراءات معقدة، علاوة على أن كثير من الآبار تتعرض لأضرار دائمة لا يمكن إصلاحها، وهذا هو ما يهدف إليه أصحاب المصلحة الخفية من الإضراب.
ومن المثير للدهشة أن منتسبي الشركة الذين أعلنوا إضرابهم يبلغ متوسط رواتبهم الشهرية مليون ريال يمني لكل موظف أي أنهم يتقاضون رواتب مجزية لا ينافسهم فيها أي قطاع وظيفي آخر في الدولة اليمنية. ومن هنا يمكن الاستنتاج أن هذا الإضراب يتبناه أثرياء الموظفين إن صح التعبير، وهو ما يثير الشبهة حول الأهداف الحقيقية من هذا الإضراب الذي يقول عنه بعض وزراء حكومة الوفاق الوطني بأنه إضراب غير قانوني كونه يهدد الاقتصاد الوطني بالخطر ويشمل مواقع انتاجية تمثل موردا أساسيا حيويا للبلاد.
أما قادة النقابة العمالية الداعية للإضراب فإنها تبرره بالقول إنه يأتي نتيجة " لطريقة تعامل الشركة مع قضايانا ورغم علم الجهات الرسمية بما كنا نمر به من عراقيل خطوة بخطوة، أجبرنا مضطرين إلى الوصول إلى مرحلة الإضراب الشامل والذي كان قرارا اتخذته الجمعية العمومية في اجتماع الخميس 15/11/2012".
وطلبت الجمعية العمومية لعمال المسيلة منهم عدم مباشرة أي عمل في ميناء التصدير بعد ابتداء الإضراب الشامل، داعية جميع العمال إلى التجاوب والتفاعل الإيجابي مع ما تقرر.
ومن الواضح أن الجمعية تدرك تماما خطورة ما تقوم به على اقتصاد البلاد في مرحلة حساسة من تاريخ اليمن إذ أن البيان الداعي للإضراب حمل شركة ( بترو مسيلة) كامل المسؤولية من عواقب وانعكاسات أي إجراء من شأنِه أن يؤدي إلى الإيقاف المُفاجئ للإنتاج والتصدير ومن ثم الإضرار باقتصاد اليمن والإخلال ومُخالفة القانون, وأضاف البيان: "نُنبه الجهات المُختصة وذات العلاقة عن عدم مسؤوليتنا عن أي إجراءِ كهذا".
ومن المهم أن نعرف أن شركة بترو مسيلة هي شركة وطنية يمنية تأسست قبيل قرب انتهاء عقد الشراكة مع شركة كنديان نيكسون التي بذلت الغالي والرخيص لتجديد عقد الانتاج لولا أن وزير النفظ في حكومة تصريف الأعمال السابقة أمير العيدروس وقف بالمرصاد لتجديد العقد مع شركة أفسدت كثيرا من المسؤولين اليمنيين الكبار.
ويقول أحد المصادر أن شركة نيكسون دفعت خمسين مليون دولار لقائد الحرس الجمهوري الذي كان قبل اندلاع الثورة الشبابية يشرف على قطاعات الاستثمار كاملة ويتحكم فيها تماما، ولكن نائب الرئيس وقتها عبدربه منصور هادي رفض تجديد العقد مع الشركة المشار إليها واستحسن رأي العيدروس بتكليف شركة وطنية يمنية بإكمال المهمة، ويبدو أن شركة نيكسون الكندية اضطرت لخصم الخمسين مليون دولار من حقوق الموظفين ومكافآت نهاية الخدمة للعمال، وتحملت هذه الحقوق الشركة الوارثة دون أن يكون لديها القدرة على استعادة المبلغ من قائد الحرس الجمهوري..
وعندما جاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني حرص رئيس المؤتمر الشعبي العام على عدم التجديد لأمير العيدروس واستبداله بشخص طيع ومطيع حيث وقع الاختيار حينها على هشام شرف الذي عمل المستحيل من أجل التجديد للشركة الكندية بناء على تعليمات من أحمد علي عبدالله صالح ووالده المخلوع علي عبدالله صالح، ولكنه فشل فشلا ذريعا بسبب تصدي وزير المالية صخر الوجيه ورئيس الوزراء محمد سالم باسندوة لفكرة التجديد.
وبعد فشل هشام شرف في التجديد للشركة الكندية وفقا لأكثر من مصدر استغل صلاحياته كوزير للنفط وأصدر قرارا عين فيه نفسه رئيسا بالانابة لشركة بترو مسيلة كي يعمل على تدميرها من داخلها. ولعب الرجل أدوارا سلبية عديدة سيأتي لاحقا مجال الحديث عنها، ولكن الخلاصة أن الرئيس هادي استعشر الخطر من الدور الذي يؤديه هشام شرف في قطاع حيوي للبلاد في مرحلة عصيبة جدا، فقرر إجراء تعديل وزاري محدود في سبتمر الماضي تم بموجبه نقل هشام شرف إلى وزارة التعليم العالي بدلا عن وزيرها المستقيل يحي الشعيبي وتعيين أحمد دارس وزيرا للنفظ بدلا عن هشام شرف لانقاذ النفط من مخالب علي عبدالله صالح.
وكان الرئيس هادي قبل ذلك قد أصدر قرارا جمهوريا في مارس الماضي رقم (24) لسنة 2012م ، قضت المادة الأولى منه بتعيين محمد احمد حسن بن سميط مديرا عاما تنفيذيا لشركة المسيلة لاستكشاف وإنتاج البترول (بترومسيلة). وحسب مصدر مقرب من الرجل فإنه بعد تعيينه ظل في الشهور اللاحقة يكرس جل وقته لإصلاح الأضرار التي تعمد إلحاقها بالشركة سلفه في قيادتها هشام شرف الذي كان أيضا رئيسه المباشر بصفته وزيرا للنفظ.
وكان محمد بن سميط الذي ينتمي لمحافظة حضرموت قد قضى سنوات طويلة جدا في أعلى المناصب بشركة نيكسون الكندية ولهذا فقد كان الشخص المناسب جدا لرئاسة الشركة الوطنية (بترو مسيلة ) الوارثة للشركة الكندية. ومن المفارقات أن مطالب النقابة العمالية من الشركة الجديدة تصب في مصلحة رئيسها محمد سميط بصفته موظف سابق في الشركة الكندية التي انتهت مهمتها ويحق له الحصول على مبالغ باهظة جدا من حقوقه مع الشركة الكندية لو أنه وافق على تنفيذ مطالب النقابة.
ورغم المصلحة الشخصية المباشرة للرجل من تنفيذ تلك المطالب إلا أنه عمد إلى تغليب المصلحة العامة أولا الأمر الذي يعطيه مصداقية لتأنيه في تنفيذ مطالب مختلف عليها. ولكن مما يؤخذ عليه أنه لم يشرك الصحافة في إيضاح مبرراته وردوده على مطالب النقابة، وقد تعذر الاتصال به قبل كتابة هذا التقرير، كما تعذر التواصل مع محامية الشركة السيدة نبيلة المفتي للاستيضاح منها عن جوانب الخلاف بين الشركة والنقابة العمالية، لكن أحد المصادر أكد لكاتب التقرير أن المحامية تركز في دفاعها عن الشركة على قانون العمل رقم 5 لسنة 1995م، والذي يحظر ويمنع الاضراب وممارسته في المهن التي يتسبب الاضراب فيها الى الحاق اضرار وخسائر بالاقتصاد الوطني، وهو المبرر ذاته الذي يستند إليه رئيس الوزراء الاستاذ محمد سالم باسندوة ووزير المالية المهندس صخر الوجيه في انزعاجهما من تعطيل انتاج وتصدير نفط المسيلة.
ووفقا لرجل أعمال يمني على صلة بصناع القرار فإن الشركة الكندية ذاتها التي تولت انتاج النفط من حقول ا لمسيلة كانت تدفع اتاوات شهرية خاصة منذ بدء عملها في اليمن لكل من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وحيدر العطاس. واستمرت تلك المخصصات التي لم أتمكن من معرفة حجمها على وجه التحديد حتى عام 2007 حينما طلب أحمد علي من الشركة المعنية تحويل تلك المبالغ إلى حساب جميعة الصالح الخيرية وهو الأمر الذي أثار حنق البيض وأخرجه من صمته في ذلك العام، مثلما دفع العطاس للمزيد من التصعيد الكلامي ضد نظام صنعاء. وإذا ما توفرت أدلة على صحة هذه المخصصات فإن مثل هذه الأدلة ستقطع الشك باليقين أن البيض والعطاس عند انضمامهما للحراك الجنوبي لم تكن دوافعهما وطنية، وإنما ناجمة عن صراعات خفية على نفط المسيلة . ومن القرائن وليس الأدلة فيما يتعلق بعلي سالم البيض على وجه التحديد ان نظام علي عبدالله صالح سهل له تملك فنادق واستثمارات في عدن طوال الفترة بين 1994 و2007، ولم تعرف طبيعة تلك الاستثمارات إلا لا حقا عندما تم نقلها من اسم الدكتور الكاف الطبيب الخاص لمعظم رؤساء اليمن الجنوبي إلى اسم عمرو علي سالم البيض النجل الأصغر للبيض. أما عدنان البيض ا
لنجل الأكبر لعلي سالم البيض فإن أعماله وشراكاته المالية مع رموز كبار في نظام صنعاء لم تكن مخفية أبدا في يوم من الأيام. ومما يثير الاستغراب والدهشة ان المطالبات باستعادة منزل البيض في عدن كانت على الدوام تأتي من ناشطين جنوبيين ذوي دوافع وطنية ولم نسمع هذه المطالبة أبدا من البيض نفسه أو من أحد أولاده.
وخلاصة القول أن نفط المسيلة تسبب إلى حد كبير في فتح شرخ عميق في الوحدة اليمنية وليس من المستبعد أن يتسبب حاليا في تدمير الدولة اليمنية واحباط جهود الرئيس هادي ومحاولاته الحثيثة لانقاذ البلاد من مصير مجهول لا تعرف ملامحه.
وقد تتحمل اليمن نتائج فشل حكومة الوفاق الوطني في مهامها ولكن الدولة لا يمكن ان تصمد طويلا في حال تعثر الرئيس هادي وزير الدفاع محمد ناصر أحمد في استكمال توحيد المؤسسة العسكرية أو تمكنت القوى المعرقلة للنقل السلطة في تحجيم قدرة صخر الوجيه على دفع مخصصات القوات المسلحة من رواتب واعاشات جراء توقف المورد المالي الأساسي للخزنة العامة.
ومن أجل التصدي لمثل هذا الاحتمال المخيف فإن السبيل الوحيد هو الاستعانة بالمجتمع الدولي لتجميد أموال علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض وإنزال أقسى العقوبات على أقرب أنصارهما، وعندها لن نسمع ابدا عن تدمير أبراج الكهرباء ولا أحراق أنابيب النفط، ولا حراك يرفع صور زعيم ضيع ثلثي وطنه، ولا إضراب يقوم به أغنى أغنياء موظفي اليمن.