الرئيسية / تقارير وحوارات / تحليل: نظرة على واقع الحوار والانقسامات في اليمن
تحليل: نظرة على واقع الحوار والانقسامات في اليمن

تحليل: نظرة على واقع الحوار والانقسامات في اليمن

11 نوفمبر 2012 04:01 صباحا (يمن برس)
بعد مرور نحو عام على عقد صفقة بوساطة مجلس التعاون الخليجي لوضع اليمن نظرياً على طريق الانتقال السياسي، لا تزال البلاد تواجه انقساماً حاداً وسط تزايد معدلات الفقر.
 
وتضم اللجنة الفنية التي تشكلت في شهر يوليو الماضي والمكلفة بتنظيم الفترة الانتقالية كافة القوى الرئيسية، باستثناء الحراك الجنوبي. وقد أعلنت اللجنة، التي ينظر إليها الكثيرون على أنها محايدة وشرعية، عن خطة عمل من 20 نقطة، غير أنه لم يتم تنفيذ توصية واحدة منها حتى الآن.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي نص على أن الحوار الوطني هو السبيل الرئيسي للمضي قدماً. ورغم تأخره لمدة شهرين، إلا أنه من المقرر أن يبدأ الحوار في 15 نوفمبر الجاري.
 
ويشعر الكثيرون بالإحباط بسبب بطء وتيرة الإصلاح، ومن هؤلاء الصحفي ناصر الربيعي الذي يرى أن "اليمن الجديد هو اليمن القديم نفسه، فالقادة الذين كانوا يتولون مهاماً في نظام الرئيس [علي عبد الله] صالح مازالوا في السلطة، والشخص الوحيد الذي رحل هو صالح".
 
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أفاد تيم بتشولات، المدير القطري لمؤسسة "فريدريش إيبرت" في اليمن، وهي منظمة غير حكومية ألمانية، أن اتفاقية مجلس التعاون الخليجي ساعدت على تجنب الحرب الأهلية، وهذه حقيقة غالباً ما يتجاهلها العديد من اليمنيين الذين يشعرون بأن الثورة قد اختطفت من قبل النخب.
 
ويرى آخرون أن عملية الحوار مبهمة جداً بالنسبة للمواطنين العاديين، إذ قالت كوليت فيرون، المديرة القطرية لمنظمة أوكسفام اليمن، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "يُنظر إلى الحوار على أنه مقتصر على النخب. لكن التحدي يتمثل في كيفية إجراء حوار على جميع مستويات المجتمع؟"
 
كما يشعر الشباب بالتهميش؛ فالحكومة الانتقالية تشمل فقط أعضاء أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام. أما الشباب الذين بدأوا الثورة والذين احتلوا الساحات بمخيماتهم الاحتجاجية، فقد تم تهميشهم إلى حد كبير، مما أدى إلى استياء شديد.
 
ووفقاً لتقرير صادر في سبتمبر 2011 عن مركز للبحوث والدراسات قُتل حوالي 2,195 شخصاً خلال الفترة من فبراير إلى أغسطس 2011 (ذروة الاحتجاجات)، من بينهم 238 من الثوار الشباب/المحتجين، و600 جندي من الوحدات الموالية أو المعارضة للثورة، أما باقي القتلى فمن المدنيين ورجال القبائل الذين دعموا انتفاضة الشباب أو عارضوها.
 
الانتخابات في فبراير 2014؟
 
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة الثانية من العملية الانتقالية، التي تغطي الأشهر الستة المقبلة، الاتفاق على تسع قضايا من بينها إصلاح الخدمة العامة وحماية الأقليات وصياغة دستور جديد قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في فبراير، ولكن قد لا يكون هذا الإطار الزمني واقعياً، إذ قال بتشولات: "لا أستطيع أن أتخيل كيف سيتم تنفيذ ذلك قبل فبراير 2014. يجب أن يغطي الحوار موضوعات أساسية كثيرة. وإذا كنا نريد أن نرى عملية حقيقية بقيادة اليمنيين أنفسهم، فإن هذا الإطار الزمني لن يصلح".
 
وتتثمل العقبة الأخرى التي تواجه الحوار في أن العديد من اليمنيين العاديين منشغلون في كفاحهم للبقاء على قيد الحياة. ومع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، فقد استنفد العديد منهم آليات الصمود والمواجهة.
 
ووفقاً للبنك الدولي، ارتفعت مستويات الفقر من 42 بالمائة في عام 2009 إلى 54.4 بالمائة في عام 2012. ويعتبر سكان الأرياف والنساء والنازحون داخلياً، الذين يبلغ عدهم 507,970 شخصاً، الأكثر تضرراً.
 
وأكدت فيرون أن "الناس يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة ولا يرون أن الحكومة تستجيب لاحتياجاتهم الأساسية. وإذا لم ينعكس الإصلاح على حياتهم، فلن يشعروا بأي أثر إيجابي له".
 
معركة هادي مع الجيش
 
في الوقت نفسه، يحاول الرئيس هادي جاهداً إعادة هيكلة الجيش، لكن الثقة في قدرته على تنفيذ الاتفاق الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي تتضاءل.
 
فهادي لا يتمتع بقاعدة نفوذ واسعة ويتأثر سلباً بالمنافسة المشتعلة بين القائدين العسكريين المتنافسين - أحمد علي صالح، نجل الرئيس السابق، واللواء علي محسن، فالأول يسيطر على الحرس الجمهوري والثاني على الفرقة الأولى المدرعة.
 
وكان كلا القائدين يأملان في أن يضعف اتفاق مجلس التعاون الخليجي من قوة منافسه العسكرية، لكن حتى الآن لم ينقص سوى نفوذ أسرة الرئيس السابق، لذا يقول مؤيدوها أن هذا يثبت أن الثورة لم تكن أكثر من مؤامرة بقيادة محسن، حسبما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية.
 
"قد يشعل أي من هذين القائدين العسكريين نيران الفوضى، إذا فشل الحوار في مساعدته على الاحتفاظ بمنصبه ونفوذه،" وفقاً لراجح الحسني، وهو محلل عسكري من محافظة أبين.
 
الوضع يتلخص في احتمالين: إما دولة اتحادية حقيقية أو حرب أهلية
وقد تغير التكوين المتوازن نسبياً للجنة الفنية التي تضم 25 عضواً عندما عين هادي ستة رجال آخرين فيها (ينظر إليهم على نطاق واسع على أنهم من أنصار آل الأحمر ومحسن).
 
علاوة على ذلك، أظهر التعديل الحكومي الذي أجراه هادي مؤخراً تعيين أشخاص من منطقة أبين، مسقط رأسه، في مناصب قيادية وهذا نذير شؤم، كما يقول البعض.
 
الرئيس السابق لا يزال متحكماً؟
 
ويعتقد العديد من المحللين أن الرئيس السابق ما زال نشطاً جداً في السياسة اليمنية، على الأقل من خلال نجله.
 
وتطالب أحزاب اللقاء المشترك بإبعاد الرئيس السابق عن السياسة (الذي لا يزال رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام)، وإزالة أتباعه من المناصب الرئيسية في الجيش. وأكد صادق الأحمر في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "صالح حصل على الحصانة من الملاحقة القضائية مقابل اعتزال السياسة".
 
وقد تحقق أحد أهداف اتفاق مجلس التعاون الخليجي، وهو نزع السلاح في المدن الرئيسية، ولكن بصورة جزئية فقط. ولا تزال المليشيات المسلحة بشكل جيد تحرس بيوت القادة الأكثر نفوذاً.
 
"يزعم أعضاء تحالف قبائل حاشد "الموالي لأحزاب اللقاء المشترك" أنهم يريدون الدولة المدنية، ولكن أفعالهم لا توحي بذلك، فبيوتهم في صنعاء ممتلئة بالأسلحة،" كما أشار العضو البارز في حزب المؤتمر الشعبي العام علي سنان الغولي في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
 
الحوثيون
 
وبينما قد ينتقد المتمردون الحوثيون الشيعة في شمال البلاد ما يسمونه تدخلاً من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في شؤون البلاد، إلا إنهم يقولون أيضاً أنهم مستعدون للمشاركة في الحوار الوطني.
 
والجدير بالذكر أن التمرد الحوثي، الذي بدأ بشكل جدي عام 2004، لا يزال مستمراً في شمال البلاد. وفي حين يرى البعض الحوثيين جزءاً من حرب بالوكالة على النفوذ الإقليمي بين إيران والمملكة العربية السعودية، يقول الحوثيون أنهم يقاتلون لمجرد نيل دور أكبر في إدارة شؤونهم الخاصة.
 
وقد وقعت اشتباكات متفرقة مع السلفيين (الذين يعتبرون الحوثيين كفاراً) في ثلاث محافظات شمالية هي عمران وحجة والجوف.
 
كما أدى القتال إلى عملية نزوح ضخمة، إذ أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن النزاع في الشمال تسبب في نزوح 323,992 شخصاً حتى شهر سبتمبر 2012.
 
كما انتقد قادة الحوثيين هادي لسماحه للولايات المتحدة بالتدخل في شؤون اليمن الداخلية. وقال ضيف الله الشامي، أحد كبار قادة الحوثيين لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "كيف يمكننا الدخول في حوار يحضره السفير الأمريكي الحالي؟ لن نشارك في حوار تشرف عليه الولايات المتحدة التي تقتل اليمنيين بطائرات بدون طيار".
 
اللاعبون الرئيسيون
 
المؤتمر الشعبي العام - حزب سياسي يقوده الرئيس السابق وتدعمه شخصيات قبلية وعسكرية واسعة النفوذ كانت قد خدمت تحت قيادته، وكذلك المسؤولون الذين ما زالوا يحتلون مناصب قيادية عسكرية وأمنية.
 
أحزاب اللقاء المشترك - ائتلاف من ستة أحزاب رئيسية يدعمها الشيخ الثري حامد الأحمر وأخوه الأكبر صادق، الذي يقود تحالف قبائل حاشد، واللواء علي محسن.
 
الحراك الجنوبي - يطالب الحراك الجنوبي بالانفصال منذ عام 2007 والعودة إلى حالة ما قبل 1990 بتكوين دولة مستقلة في الجنوب.
 
الحوثيون - حركة التمرد الزيدية الشيعية في الشمال التي تقاتل من أجل إعادة حكم الإمام الزيدي في فترة ما قبل عام 1962. وهناك مزاعم بأن هذه المجموعة مدعومة من قبل إيران، ومؤخراً من قبل الرئيس السابق.
 
قائدا الجيش المتنافسان - أحمد علي صالح، نجل الرئيس السابق، واللواء علي محسن صالح. الأول يسيطر على الحرس الجمهوري والثاني على الفرقة الأولى المدرعة.
 
أما عبد الرحمن المرواني، رئيس منظمة دار السلام، وهي منظمة غير حكومية محلية، فيعتقد أن كافة الجماعات في اليمن تشعر بالقلق بشأن مصالحها الخاصة أولاً وقبل كل شيء.
 
مسألة الجنوب
 
ولن يشارك الحراك الجنوبي في الحوار الوطني. ونظراً لوجود أكثر من 70 بالمائة من موارد النفط والغاز اليمنية في الجنوب، يشعر الكثير من الجنوبيين أن قرار دمج جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب مع الجمهورية العربية اليمنية في الشمال في عام 1991 كان خطأ كبيراً. وكانت حرباً أهلية قد نشبت بين الطرفين عام 1994 دامت لشهرين.
 
ويقول نشطاء ومحللون جنوبيون أن التوترات المتزايدة في الجنوب ترجع إلى التعنت من جانب زعماء الشمال. وتساءلت نجلاء عبد الواسع، وهي ناشطة في عدن، قائلة: "كيف يمكن أن نقيم حواراً مع أولئك الذين ما زالوا يستولون بطريقة غير مشروعة على ممتلكاتنا؟"
 
وأضاف بتشولات من مؤسسة فريدريش إيبرت أنه "لا يوجد إجماع على الانفصال في الجنوب، ولكن الناس يريدون حواراً مفتوحاً دون خطوط حمراء. ترفض أحزاب الحراك الجنوبي اتفاق مجلس التعاون الخليجي بسبب الإصرار على "اليمن الموحد" كهدف للحوار الوطني. كما أنها لا تثق في أن أي حكومة في صنعاء ستفعل أي شيء للجنوب".
 
بدوره، حذر طارق الهرواي، وهو ناشط آخر في عدن قائلاً: "لم تتغير بعد طرق شيوخ "الشمال". إنهم يجرون البلاد إلى مزيد من الانقسام والتشرذم".
 
أما محمد بلغيث، أستاذ القانون في جامعة عدن، فيشعر بأن لا خيار أمام الحراك الجنوبي: "كيف يقبل الجنوبيون المشاركة في حوار يقام في ظل هذه المعاملة غير العادلة؟ ينبغي على سكان الجنوب مقاطعة الحوار وتصعيد نضالهم حتى تتم استعادة حقوقهم".
 
ويعتقد بتشولات أن التعقل يقتضي من الحوثيين والحراك الجنوبي والاشتراكيين وغيرهم بناء تحالف للضغط من أجل تأسيس دولة فيدرالية لديها برلمان قوي لمواجهة أولئك الذين يريدون الحفاظ على السيطرة المركزية، أي المؤتمر الشعبي العام، الذي يرى أن إنجازه السياسي الأهم - الوحدة - في خطر، والسلفيون الذين يخشون أنه سيكون من الصعب عليهم الضغط من أجل منح الدين دور أقوى، وآل الأحمر، الذين سيقتصر نفوذهم على محافظة عمران فقيرة الموارد.
 
ولكنه أضاف أن "الحديث السائد بين أحزاب الحراك الجنوبي حتى الآن هو الدعوة للانفصال. وما بين الإصرار على مركزية الدولة والدعوة للانفصال، يبدو خيار الفيدرالية وكأنه حل وسط طبيعي، إذ من غير المحتمل أن يتخلى الشمال عن الجنوب الغني بالموارد، في الوقت الذي لا يريد فيه المجتمع الدولي للجنوب أن يصبح مستقلاً. وبذلك يتلخص الوضع في احتمالين: إما دولة اتحادية حقيقية أو حرب أهلية".
 
شبكة "ايرين" الانسانية
شارك الخبر