باتت القضية الجنوبية تحتل مكان الصدارة في المشهد السياسي اليمني، بل إن حلها ومعالجة تداعياتها يحدد مستقبل البلاد ونظام الحكم فيه، ويمتد تأثيره إقليمياً ودولياً، والأهم في الكيفية التي ستحل بها القضية وأثرها في وحدة الجمهورية اليمنية، التي قامت بعد دمج جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في العام ،1990 وشهدت حرباً أهلية عرفت بحرب صيف ،1990 أقصي بعدها الحزب الاشتراكي اليمني بقياداته وكوادره من منظومة الحكم، وهو الذي كان يحكم جنوب البلاد حتى العام ،1990 لينفرد الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالحكم، حتى إخراجه من موقع رئاسة اليمن بعد ثورة احتجاجية شعبية اندلعت ضد حكمه مطلع العام الماضي، فيما كانت قامت حركة احتجاجية سلمية مبكرة في جنوب اليمن ضد نظامه في 7 يوليو/تموز ،2007 عرفت لاحقاً بالحراك الجنوبي السلمي . إلا أن مواقف الناشطين السياسيين في المحافظات الشمالية إزاء القضية الجنوبية تختلف بالنسبة لحلها عما هو موقف الجنوبيين، إلا أنهم يقرون بأن الجنوب والجنوبيين تعرضوا لانتهاكات شتى، ناهيك عن تعرضهم لاستباحة النظام السابق .
صحيفة “الخليج”تسعى من خلال ضيوف ندوة نظمتها في مدينة عدن وأخرى في صنعاء، لتقديم تعريف للقضية الجنوبية والإشكاليات القائمة أمام قوى الحراك الجنوبي السلمي لجهة تمثيلها والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل المفترض انطلاقه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفقاً لبنود التسوية السياسية التي قامت على أساس المبادرة الخليجية الموقعة بين أطراف النزاع السياسي في نوفمبر العام الماضي .
شارك في الحوار كل من الجنوب: قاسم داؤود، (الناشط السياسي، السكرتير الثاني لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة عدن)، العميد ناصر الطويل، (أمين عام الحراك الجنوبي في عدن)، ويعد أحد ابرز القياديين العسكريين المتقاعدين، الذين أشعلوا شرارة الحراك الجنوبي الاحتجاجي السلمي ضد نظام الرئيس صالح في العام ،2007 الدكتور سالم سعيد الهامل، (الناشط السياسي، أستاذ جامعي في كلية العلوم الإدارية بجامعة عدن)، محمد عمر زين السقاف، (الناشط السياسي، عضو الهيئة العليا في التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي)، وشارك من الشمال: عبده غالب العديني (رئيس الدائرة السياسية في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري)، وعبدالله علي صبري (ناشط سياسي وكاتب صحفي)، ونائف القانص (الناطق باسم تكتل اللقاء المشترك) .
“الخليج«: في البدء كيف يمكن توصيف القضية الجنوبية من وجهة نظركم كناشطين سياسيين ارتبطتم بها؟
قاسم داؤود: القضية الجنوبية تعني الشعب في الجنوب، وهو صاحب الحق بها . وللقضية بعدان، سياسي وحقوقي خصوصاً لجهة بعض الإجراءات التي حصلت بعد حرب ،94 فقد دخل الجنوب في الوحدة مع الشمال في عام 90 وبعدها حصل انقلاب على الوحدة، حيث تحول الجنوب بعد الحرب العدوانية الظالمة في عام 94 من شريك في مشروع الوحدة إلى شعب واقع تحت الاحتلال .
الوضع الذي واجهه الجنوب يتمثل في مشروع استهدف تاريخه واستهدف المجتمع الجنوبي بذاته، ومقومات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية واستهدف مؤسسات دولة الجنوب وحتى طموحات الجنوبيين بأن يعيشوا في وضع أفضل، ليس كما يقال إن الحرب استهدفت فقط السياسات التي اتبعت في الجنوب قبل الوحدة، أو أنها استهدفت مجموعة أو شريحة معينة، فلو كان هذا الذي حصل لكنا قلنا هذا أمر آخر، أي استهداف الحزب الاشتراكي أو السلطة التي كانت في الجنوب، لكن الذي اتضح أن المشروع استهدف كل الجنوبيين من دون استثناء من الإنسان الأمي إلى السياسي، من الفقير إلى رجل الأعمال من الجنوبيين، أكانوا داخل الوطن أو الذين كانوا خارجه، فالمجتمع كله وجد نفسه مستهدفاً في تاريخه وفي حاضره ومستقبله، فالقضية مرتبطة بحق هذا الشعب أن يعيش في دولة، أن يعيش في تطلعات وان تكون له سيادة على أرضه .
الجنوبيون فقدوا كل شيء
“الخليج«: تتحدث عن الشعب في الجنوب، ألا يعاني الشعب في الشمال من القضايا نفسها؟
قاسم داؤود: الشعب في الشمال يعاني معاناة تاريخية، لكن منطلقات المعاناة هناك وأسبابها تختلف عن الجنوب، الجنوب دخل كدولة في وحدة، بعد أن تخلص الجنوب من مشاكل الماضي، والجنوبيون بدلاً من أن يحصلوا على ما كان ينقصهم في الماضي وجدوا أنفسهم في ضياع، فقدوا كل شيء، أرضهم وتاريخهم، فقدوا هويتهم وشراكتهم في صنع مستقبل، كما فقدوا وجودهم في الدولة التي كانوا طرفاً فيها، وجدوا أنفسهم تحت هيمنة عسكرية أمنية بدائية، هذا هو الوضع الحاصل الآن .
هذا لا يعني أنه ليس للشمال الحق في التغيير وفي مستقبل أفضل، لكن قضية الجنوب لها عناصرها ولها مقوماتها وخلفيتها ولها مجتمعها الذي هو معني بها، القضية الجنوبية هي قضية هذا الشعب الذي دخل في مشروع وحدوي وتم إجهاضه . فالقضية الجنوبية تتعلق بتاريخ الشعب الجنوبي والوضع الذي كان يعيشه وتطلعاته، معاناة عشرين عاماً وانقلبت في الأخير على اليمن كله، فحروب صعدة في الشمال، امتداد ل حرب 1994 في الجنوب .
عودة الفرع إلى الأصل
“الخليج«: ألم يشارك القادة السياسيون من الجنوبيين بالسلطة التي قامت في العام 90 وما بعد ،94 كما أن جزءاً منهم مشارك في السلطة القائمة الآن، فكيف يمكن فهم القضية الجنوبية من هذه الزاوية؟
د . سالم الهامل: الأستاذ قاسم ذكر قضية محورية تتعلق بمفهوم القضية الجنوبية، حيث أشار إلى أن القضية الجنوبية تحمل في طياتها طمس هوية من جهة أصيلة في اليمن أو في جنوب الجزيرة بشكل عام، القضية الجنوبية جاءت باعتبارها قضية حقوقية، وتاريخية وهوية، يضاف إليها أن الجنوب كان صاحب دولة دخل في شراكة عام 1990 مع الشمال في إقامة جمهورية جديدة على أنقاض ما كان يسمى “الجمهورية العربية اليمنية”في الشمال و”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”في الجنوب .
كان من المفترض أن تذوب الجمهوريتان في نظامهما الإداري والمالي وكل فلسفتهما في إطار الجمهورية الجديدة كلية تماما، وأن يتم الأخذ بالأفضل من التجربتين في الجمهوريتين، لكن الذي حصل هو إنزال علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على انه منذ البداية كان يراد لها أن تنتهي نظاما وفلسفة وتاريخاً وأرضاً وهوية، هذا كان واضحاً ومبطناً غير معلن من الطرف الآخر، وبالتالي فقد باشر الطرف الآخر منذ أول يوم للوحدة، وهو علي عبدالله صالح وأركان نظامه بالاغتيالات للطرف الثاني الشريك في الوحدة لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ومن يمثل الجنوب واستمر إلى حرب ،94 التي كانت شكلاً من إشكال التجلي الحقيقي للفكر الباطني للشريك الآخر، المتمثل في علي عبدالله صالح ومن وقف معه بأن الجنوب كان مراداً له حسب فلسفتهم “عودة الفرع إلى الأصل«، وهذا هو مربط الفرس وهذا هو الخطأ، خطأ نظري وتاريخي وأخلاقي، فالطرف الجنوبي كان شريكاً لكن في المناصب وليس في السلطة، فمنذ اليوم الأول لم يكن شريكاً في السلطة، بمعنى أنه أعطيت مناصب كثيرة للجنوبيين منذ توقيع الوحدة إلى اليوم، لكن السلطة ومحاورها تدار من قبل الطرف الآخر .
“الخليج«: نتحول إلى العميد ناصر الطويل، ألم تبدأ القضية الجنوبية، كما فهمها الرأي العام بالداخل والخارج من خلال مطالب حقوقية للمتقاعدين العسكريين والمدنيين، أي أنها لم تكن منذ البداية قضية سياسية بحتة، هل هذا التطور كان منطقياً، أم أن هذه البداية كانت للوصول التدريجي إلى القضية السياسية؟
العميد ناصر الطويل: القضية الجنوبية سياسية بامتياز، لكن المجموعة العسكرية التي خرجت كان هدفها المطالبة بحقوقها باعتبارها جزءاً من هذا المجتمع فقط ولم يكن عندها صلاحيات بأن تطالب باستعادة دولة إلا بعدما وقف شعب الجنوب إلى جانبه، حينها بدأت القضية تتحول من مطالب حقوقية في البداية إلى مطالب سياسية، وأول حق هو استعادة دولتهم .
أما بالنسبة للوحدة فانا أؤكد نفس الكلام الذي قاله إخواني، الوحدة كانت خديعة من قبل الطرف الآخر، قرار الوحدة من الاتجاه الآخر، أي الطرف الشمالي وبالتحديد من علي عبدالله صالح ومن يقف إلى جانبه من الآخرين في الداخل والخارج كانت خديعة للقيادة في الجنوب ولها أهداف مبطنة، كما أشار إليها الدكتور سالم والهدف الرئيس هو القضاء على دولة الجنوب وتاريخها وهويتها وتحويل الجنوب إلى تابع .
الوحدة كانت هدفنا
“الخليج«: لماذا القضاء على دولة الجنوب لأي سبب، هل لأنها كانت دولة استثنائية في المنطقة أو لأنها كانت ذات توجه سياسي معين؟
العميد ناصر الطويل: لكثير من الاعتبارات، بالنسبة للوحدة كان الجنوب هو الطرف الأكثر وحدوية، فهو الذي كان يضع شعار الوحدة في مقدمة أولوياته، كانت أي عريضة لم تدون فيها عبارة “لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة اليمنية”لا تقبل في المعاملات الرسمية، وكان القسم العسكري والمدني يتضمن “تحقيق الوحدة اليمنية”حتى في طوابير الصباح في المدارس، أما الطرف الآخر فإنك لن تجد أي وثيقة إطلاقاً تتكلم عن الوحدة اليمنية . ونحن الآن نتحداهم أن يأتوا بأي وثيقة من وثائقهم بما فيها حتى الميثاق الوطني تتكلم عن الوحدة، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الوحدة كانت بالنسبة لهم مغنماً، وذلك عن طريق القضاء على النظام في الجنوب وعلى الدولة فيه وأخذ ثروته واستباحة أرضه وإلغاء تاريخه وهويته .
الأمر الثاني أن الوحدة كانت ارتجالية بين طرفين، وبين عليين (علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح) ولم تأخذ بعين الاعتبار رأي الشعبين في الجنوب والشمال؛ فقد اتفق العليان بورقة صغيرة بان يدمجا الشعبين، وقد انتهت مؤسسة الدولة العسكرية والأمنية للجمهورية التي كانت في الجنوب، هل تتصور أن وزارة أمن الدولة والاستخبارات العسكرية والاستطلاع العسكري كل هذه الأركان الرئيسة لدولة الجنوب أنهوها بقرار من الطرفين منذ اليوم الأول للوحدة، وبعد ذلك دخلا بمسألة الاغتيالات من الطرف الآخر .
“الخليج«: هل جوهر القضية المطالبة بدولة نموذجية أو المطالبة بدولة الجنوب السابقة؟
العميد ناصر الطويل: الذين يفهمون أن عودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي مطلب للجنوبيين خاطئون، فنحن نريد عودة دولة الجنوب بالكيفية وبالطريق الذي يتفق عليه أبناء الجنوب اليوم، ليس تلك الدولة التي كانت قائمة بالماضي، تلك دولة انتهت وكانت أسباب نهايتها فيها، لكن شعب الجنوب يبحث عن دولة تضمن له حقه في الحياة، وكما قلت إن الأرض والمباني والوظيفة وكل شيء استولوا عليه، حتى الدراسات في المدارس العليا وفي البعثات الخارجية أصبح ابن الجنوب محروماً منها وكأنه لم يكن .
قيادات غير مؤهلة
“الخليج«: ننتقل إلى الأستاذ محمد السقاف، هل هذه التوصيفات وتلك التي سمعناها وتابعناها من قبل سياسيين حول تعريف القضية الجنوبية تساعد على إيصال القضية إلى المعنيين بحلها في الداخل وفي الخارج في الشمال وفي الجنوب أم أن هناك قصوراً ينتاب هذا التوصيف؟
محمد السقاف: البعض يصر للأسف على أن القضية بدأت من عام ،94 وأنا أرى في ذلك قصوراً، بسبب إشكال في السلطة ما بعد ،94 لكن الإشكال الحقيقي اعتقد أنه كان في عام 90 أو في عام 89 90؛ فلو أتينا إلى اتفاقية الوحدة بدءاً من إعلان الوحدة، فإنني أعتقد أن الإشكال الكبير أن النظام في الجنوب كان يجهل ما يحدث في الشمال وهذا أمر اعتبره في غاية السوء، أو أن السلطة كانت أكبر منهم، أعني القائمين على السلطة قبل الوحدة .
أعتقد أن السلطة كانت أكبر منهم بحيث إنهم لم يدركوا ماذا يحدث حولهم في الشمال والجنوب على السواء، حتى إن النظام الذي كان يحكم في الجنوب كان مخالفاً لما هو سائد في المنطقة كلها تقريباً، وهذا دلالة على عدم قدرة فهم المعنيين حينها لطبيعة المنطقة واليمن، صحيح كما يقول البعض إنه كان في الجنوب تعليم مجاني، لكن نقول: هل هذا التعليم المجاني كان من جيب السلطة أو من ثروة البلد أو من الديون؟، هنا يوجد الإشكال عندما نقول إن هذا من فضل السلطة علينا أو من فضل الحزب الاشتراكي اليمني، الحاكم حينها في الجنوب .
الخلاصة أقول إنه للأسف إن ما حدث في عام 94 كان نتيجة طبيعة لتلك الاتفاقات التي حدثت في عام 89 ،90 فلم تكن القيادتان على مستوى البلدين مؤهلتين لأن تخوضا تجربة ما تسمى الوحدة، لسبب واحد أنهما تابعتان لأحزاب شمولية، فكيف يمكننا القول إننا كنا ننادي بالوحدة العربية أولاً، إذا كان ابن الضالع لا يقبل ابن الضالع وبعد ذلك ابن الضالع لم يقبل ابن أبين وشبوة والعكس، وهذا إشكال كبير .
غياب المشروع الوطني
كانت حرب صيف 94 نتيجة طبيعة بسبب قصر نظر الأطراف وعدم فهم كل طرف للآخر، وبدرجة رئيسة غياب المشروع الوطني الذي كان يمكن أن يكون عامل استقرار لليمن الجديد، وعندما غاب المشروع الوطني بقينا نتكلم على مصالح، وأريد أن أسأل الأخوة هل من حكم الجنوب ما قبل الوحدة هم أنفسهم سلوكاً وتأثيراً في حكم ما بعد الوحدة؟ بمعنى أنه كانت هناك بساطة في الحكم حتى في عملية النهب مثل الاستفادة من مركز الحكم، وهنا نستطيع القول إن فيها نوع من الإساءة ولكن ليس بتلك الضخامة والثقافة التي في الشمال، وقد لاحظنا أنه حدث تسابقاً وتسارعاً ما بعد عام 90 بين النظام الذي حكم في الشمال وبين إخواننا الذين حكموا في الجنوب في هذه الدولة الوليدة (الجمهورية اليمنية)، والإشكالية هنا أنهم رأوا مزايا الحكم في الشمال .
اليوم الوضع أكبر بكثير ومعقد جدا، وإذا كانت وما زالت التشخيصات والاستخلاصات بهذه النظرة الضيقة فاعتقد أننا قادمون على أزمة في إطار الجنوب نفسه، نحن قادمون على أزمة كبيرة أكبر من التي حدثت في السابق على اعتبار أننا لم نفهم الوضع بالضبط تماما إن كان قبل أو بعد أو الآن أو في المستقبل . لاحظوا أن هناك اختزالاً حتى لقضية ثورة الجنوب باعتبارها بدأت منذ خمس سنوات مع بدء احتجاجات المتقاعدين العسكريين في عام ،2007 وهو أمر مجحف أن نقول إنه لا يوجد ضحايا ولا توجد مشاكل ولا يوجد ثوار خرجوا قبل الخمس السنوات، وهنا أسأل الأخوة: هل كنا راضين لما حدث بعد حرب 94؟، نحن نرى أن هناك أناساً ضحت وهناك من قتلوا ما قبل هذا بكثير والبعض سجن .
بدأت مطلبية وانتهت سياسية
د . سالم الهامل: استدراك فقط، في ما يتعلق بتوصيف القضية الجنوبية، فلماذا لا نقول قضية عدن أو أبين أو حضرموت، نقول القضية الجنوبية معناه قضية ما كانت تسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ما قبل 22 مايو/أيار ،90 بمعنى أن هذه المنطقة من حيث جغرافيا وتاريخ وسكان تضررت سياسيا بأن أقصي من مثلها في دولة الوحدة، وهذه المنطقة تضرر سكانها جميعاً من أقصى الجنوب شرقاً إلى أقصاها غرباً تضرراً سياسياً بعد ما أقصي ممثلها في دولة الوحدة، بالذات بعد حرب 94 .
لقد تضرر سكان هذه المنطقة الجغرافية اقتصادياً بأن صودرت كل تلك الامتيازات التي كانوا حصلوا عليها ما قبل 22 مايو/أيار 1990 واستهدفت مصالحهم بعد سنة 94 على نحو صارخ وسافر، إلى جانب أن هذه المنطقة بكاملها بكل ما كانت تعنيه جغرافية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تضررت أيضاً في ما يتعلق بالخدمة المدنية والعسكرية، حيث سجلت أعلى أرقام التسريح العسكري والمدني من هذه المنطقة، وبالتالي فإن القضية صارت قضية جنوبية حينما خرج الناس في كل مناطق ما كانت تسمى “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تعبر عن ضيم وعن احتجاج ورفض لسياسة حرب 94 التي أوضحت على نحو لا يدع أي مجال للالتباس أو الشك أن فلسفة الشريك الآخر هي ضم الجنوب وليس التحاور معه أو التفاوض معه على أن يكون شريكاً .
“الخليج«: كيف يمكن أن نفهم ماضي الجنوب بين الدولة والنظام السياسي الحاكم فيه آنذاك؟
قاسم داؤود: عندما نتكلم عن الماضي يجب أن نميز بين نظام سياسي كان قائماً وموجوداً في الجنوب وبين دولة، الدولة هي مؤسسات كل الجنوب ومن حق كل الشعب، النظام السياسي الذي كان موجوداً له سياساته وفق فلسفة الحكم، اقتصادية، اجتماعية وثقافية وهو نظام سياسي قد انتهى، أنهى نفسه بنفسه عندما قبل الوحدة مع الشمال، أي أن النظام هذا لا يمكن تعميمه ولا يمكن استمراره، لكن كان قد اتفق على أن تقام دولة جديدة لليمن كلها على أنقاض دولتي الشمال والجنوب، إلا أن هذا لم يتم وجرى تعميم سلطة الجمهورية العربية اليمنية على الجنوب بأسوأ ما فيها، والنظام السابق في الجنوب لن يعود لأنه انتهى زمنه، كان يحكم بظروف وتوازنات محلية وإقليمية وهذه انتهت، لكن للشعب الحق في أن يستعيد دولته بالنظام الذي يراه بالعصر الجديد .
أصوات من الشمال
تختلف مواقف الناشطين السياسيين في المحافظات الشمالية إزاء القضية الجنوبية وحلها والموقف من دعوات قوى الحراك الجنوبي للفيدرالية أو الانفصال، إلا أن ما يميزها الإقرار بان الجنوب والجنوبيين تعرضوا لانتهاكات شتى .
يرى عبده غالب العديني رئيس الدائرة السياسية في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري أن “القضية الجنوبية ممكن أن تحل عبر مرحلتين، الأولى: حل القضايا الحقوقية لأن القضية الجنوبية عبارة عن قضية مركبة من قضايا حقوقية وقضايا سياسية، القضايا الحقوقية ممكن أن تحل عبر قرارات عاجلة من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، وفقاً لما قدمته اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني وهي إعادة المسرحين والمبعدين قسرياً وعودة الممتلكات إلى أصحابها، هذه قضايا عاجلة تحتاج إلى قرارات ولا تحتاج إلى حوارات .
والمرحلة الثانية المتعلقة بالمصالحة الوطنية وعملية رد الاعتبارات، وهذه أعتقد بأنها يمكن أن تعالج عبر قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية المزمع الاتفاق عليه خلال المرحلة الانتقالية”.
وحول دعوة الانفصال من قبل قوى في الحراك الجنوبي يقول العديني: “أعتقد أن دعاة الانفصال في هذه المرحلة سيكونوا دعاة خاسرين، لأننا نقول إن الحوار الوطني يمكن أن يكون حلا لكافة مشكلات اليمن وان الذين لهم رأي، أياً كان هذا الرأي عليهم أن يأتوا إلى طاولة الحوار ليطرحوا آرائهم، وفي تصوري فإن اليمنيين لا يمكن إلا أن يتفقوا على ما هو في المصلحة العامة لكل اليمنيين”.
ويضيف: “مؤتمر الحوار وكما هو متفق عليه سقفه مفتوح ومن حق أي فصيل أن يأتي وأن يقول إنه يريد حتى الانفصال، لكن في تصوري أن المخرجات المتبلورة في المجتمع اليمني لا يمكن إلا أن تتفق على المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا واعتقد أنها ستكون حاضرة في مؤتمر الحوار الوطني”.
ويدعو العديني الكل إلى أن “يأتي إلى طاولة الحوار وليقول ما يريد، ونحن في التنظيم الوحدوي الناصري نقول هذا الكلام، ورؤيتنا بان القضية الجنوبية لم تعد قضية إخواننا في الحراك ولا قضية أبناء المحافظات الجنوبية، بل هي قضية الشعب اليمني كله، وعلى الجميع أن يدرك بان حل القضية الجنوبية هو البداية الحقيقية لبناء الدولة المدنية الحديثة”.
الناشط السياسي والكاتب الصحفي عبدالله علي صبري يعتبر أن “شكل القضية الجنوبية الرديف الآخر لمأزق الوحدة اليمنية القائمة منذ ،1990 ويتجه الحراك الجنوبي الحامل للقضية إلى الحل عبر فك الارتباط عن الشمال وإقامة دولة الجنوب الذي يذهب بعض عناصر الحراك إلى إنكار هويته اليمنية لتشكل القضية الجنوبية في جانبها المتطرف أزمة هوية تدفع إلى الحسرة، خاصة إذا عرفنا أن ساسة ومثقفي الجنوب كانوا رواد الوحدة اليمنية بالقول وبالفعل، بعكس الوضع في الشمال حين ظهرت أصواتاً متحفظة على الوحدة مع نظام كانوا يصفونه بالاشتراكي / العلماني”.
ويضيف قائلاً: “اليوم لا أجد مدخلاً لمعالجة هذه الأزمة إلا عبر بوابة الاعتذار لما لحق بالجنوب منذ حرب 1994 ومعالجة كل ما يتصل بها من تداعيات حقوقية وسياسية، ثم لا بد من الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصير الوحدة ابتداءً، ثم ليكن الحوار حول خياري الوحدة والانفصال وأيهما أنجع لليمن ككل أو حتى للجنوب منفرداً”.
ويقول صبري “باعتقادي أنه في حال وجدت عناصر الحراك أن خيار الانفصال مطروح على طاولة الحوار، فإن الرشد السياسي سيقتضي التفكير بالمصلحة الوطنية للجنوب ولليمن ككل، وقد يجد الحراكيون قبل غيرهم أن الفيدرالية تبقى الخيار الأنسب لمستقبل اليمن بغض النظر عن التفصيلات الواردة بهذا الشأن، لكن من المهم أن يكون هذا الخيار نابعاً عن حوار جنوبي / جنوبي بعيداً عن أية ضغوطات خارجية، وإلا فإنه كما لا إكراه في الدين فلا إكراه في السياسة ولا في الوحدة”.
من جانبه يؤكد نائف القانص، الناطق باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك أن القضية الجنوبية قضية عادلة يجب الوقوف أمامها بمسؤولية، إذا أردنا أن نحافظ على اليمن ووحدته وتماسك بنيته الاجتماعية وفي عملية الحوار الوطني لابد أن نأخذ بعين الاعتبار بان القضية الجنوبية هي من أساسيات الحوار، إن لم تكن قضيته الأولى .
ويقول القانص: “الحوار الوطني سيكون سقفه مرتفع ومن حق الإخوة في الحراك أن يشاركوا في الحوار ومن حقهم أن يطرحوا مطالبهم العادلة وسيقف اليمنيون بمسؤولية كاملة أمام مثل مطالب الانفصال أو غيرها وسيعملون على حل الإشكاليات المسببة التي أوصلت إخواننا في المحافظات الجنوبية إلى المطالبة بمثل هذه المطالب”.
"الخليج" الاماراتية
صحيفة “الخليج”تسعى من خلال ضيوف ندوة نظمتها في مدينة عدن وأخرى في صنعاء، لتقديم تعريف للقضية الجنوبية والإشكاليات القائمة أمام قوى الحراك الجنوبي السلمي لجهة تمثيلها والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل المفترض انطلاقه في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفقاً لبنود التسوية السياسية التي قامت على أساس المبادرة الخليجية الموقعة بين أطراف النزاع السياسي في نوفمبر العام الماضي .
شارك في الحوار كل من الجنوب: قاسم داؤود، (الناشط السياسي، السكرتير الثاني لمنظمة الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة عدن)، العميد ناصر الطويل، (أمين عام الحراك الجنوبي في عدن)، ويعد أحد ابرز القياديين العسكريين المتقاعدين، الذين أشعلوا شرارة الحراك الجنوبي الاحتجاجي السلمي ضد نظام الرئيس صالح في العام ،2007 الدكتور سالم سعيد الهامل، (الناشط السياسي، أستاذ جامعي في كلية العلوم الإدارية بجامعة عدن)، محمد عمر زين السقاف، (الناشط السياسي، عضو الهيئة العليا في التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي)، وشارك من الشمال: عبده غالب العديني (رئيس الدائرة السياسية في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري)، وعبدالله علي صبري (ناشط سياسي وكاتب صحفي)، ونائف القانص (الناطق باسم تكتل اللقاء المشترك) .
“الخليج«: في البدء كيف يمكن توصيف القضية الجنوبية من وجهة نظركم كناشطين سياسيين ارتبطتم بها؟
قاسم داؤود: القضية الجنوبية تعني الشعب في الجنوب، وهو صاحب الحق بها . وللقضية بعدان، سياسي وحقوقي خصوصاً لجهة بعض الإجراءات التي حصلت بعد حرب ،94 فقد دخل الجنوب في الوحدة مع الشمال في عام 90 وبعدها حصل انقلاب على الوحدة، حيث تحول الجنوب بعد الحرب العدوانية الظالمة في عام 94 من شريك في مشروع الوحدة إلى شعب واقع تحت الاحتلال .
الوضع الذي واجهه الجنوب يتمثل في مشروع استهدف تاريخه واستهدف المجتمع الجنوبي بذاته، ومقومات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية واستهدف مؤسسات دولة الجنوب وحتى طموحات الجنوبيين بأن يعيشوا في وضع أفضل، ليس كما يقال إن الحرب استهدفت فقط السياسات التي اتبعت في الجنوب قبل الوحدة، أو أنها استهدفت مجموعة أو شريحة معينة، فلو كان هذا الذي حصل لكنا قلنا هذا أمر آخر، أي استهداف الحزب الاشتراكي أو السلطة التي كانت في الجنوب، لكن الذي اتضح أن المشروع استهدف كل الجنوبيين من دون استثناء من الإنسان الأمي إلى السياسي، من الفقير إلى رجل الأعمال من الجنوبيين، أكانوا داخل الوطن أو الذين كانوا خارجه، فالمجتمع كله وجد نفسه مستهدفاً في تاريخه وفي حاضره ومستقبله، فالقضية مرتبطة بحق هذا الشعب أن يعيش في دولة، أن يعيش في تطلعات وان تكون له سيادة على أرضه .
الجنوبيون فقدوا كل شيء
“الخليج«: تتحدث عن الشعب في الجنوب، ألا يعاني الشعب في الشمال من القضايا نفسها؟
قاسم داؤود: الشعب في الشمال يعاني معاناة تاريخية، لكن منطلقات المعاناة هناك وأسبابها تختلف عن الجنوب، الجنوب دخل كدولة في وحدة، بعد أن تخلص الجنوب من مشاكل الماضي، والجنوبيون بدلاً من أن يحصلوا على ما كان ينقصهم في الماضي وجدوا أنفسهم في ضياع، فقدوا كل شيء، أرضهم وتاريخهم، فقدوا هويتهم وشراكتهم في صنع مستقبل، كما فقدوا وجودهم في الدولة التي كانوا طرفاً فيها، وجدوا أنفسهم تحت هيمنة عسكرية أمنية بدائية، هذا هو الوضع الحاصل الآن .
هذا لا يعني أنه ليس للشمال الحق في التغيير وفي مستقبل أفضل، لكن قضية الجنوب لها عناصرها ولها مقوماتها وخلفيتها ولها مجتمعها الذي هو معني بها، القضية الجنوبية هي قضية هذا الشعب الذي دخل في مشروع وحدوي وتم إجهاضه . فالقضية الجنوبية تتعلق بتاريخ الشعب الجنوبي والوضع الذي كان يعيشه وتطلعاته، معاناة عشرين عاماً وانقلبت في الأخير على اليمن كله، فحروب صعدة في الشمال، امتداد ل حرب 1994 في الجنوب .
عودة الفرع إلى الأصل
“الخليج«: ألم يشارك القادة السياسيون من الجنوبيين بالسلطة التي قامت في العام 90 وما بعد ،94 كما أن جزءاً منهم مشارك في السلطة القائمة الآن، فكيف يمكن فهم القضية الجنوبية من هذه الزاوية؟
د . سالم الهامل: الأستاذ قاسم ذكر قضية محورية تتعلق بمفهوم القضية الجنوبية، حيث أشار إلى أن القضية الجنوبية تحمل في طياتها طمس هوية من جهة أصيلة في اليمن أو في جنوب الجزيرة بشكل عام، القضية الجنوبية جاءت باعتبارها قضية حقوقية، وتاريخية وهوية، يضاف إليها أن الجنوب كان صاحب دولة دخل في شراكة عام 1990 مع الشمال في إقامة جمهورية جديدة على أنقاض ما كان يسمى “الجمهورية العربية اليمنية”في الشمال و”جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”في الجنوب .
كان من المفترض أن تذوب الجمهوريتان في نظامهما الإداري والمالي وكل فلسفتهما في إطار الجمهورية الجديدة كلية تماما، وأن يتم الأخذ بالأفضل من التجربتين في الجمهوريتين، لكن الذي حصل هو إنزال علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على انه منذ البداية كان يراد لها أن تنتهي نظاما وفلسفة وتاريخاً وأرضاً وهوية، هذا كان واضحاً ومبطناً غير معلن من الطرف الآخر، وبالتالي فقد باشر الطرف الآخر منذ أول يوم للوحدة، وهو علي عبدالله صالح وأركان نظامه بالاغتيالات للطرف الثاني الشريك في الوحدة لقادة الحزب الاشتراكي اليمني ومن يمثل الجنوب واستمر إلى حرب ،94 التي كانت شكلاً من إشكال التجلي الحقيقي للفكر الباطني للشريك الآخر، المتمثل في علي عبدالله صالح ومن وقف معه بأن الجنوب كان مراداً له حسب فلسفتهم “عودة الفرع إلى الأصل«، وهذا هو مربط الفرس وهذا هو الخطأ، خطأ نظري وتاريخي وأخلاقي، فالطرف الجنوبي كان شريكاً لكن في المناصب وليس في السلطة، فمنذ اليوم الأول لم يكن شريكاً في السلطة، بمعنى أنه أعطيت مناصب كثيرة للجنوبيين منذ توقيع الوحدة إلى اليوم، لكن السلطة ومحاورها تدار من قبل الطرف الآخر .
“الخليج«: نتحول إلى العميد ناصر الطويل، ألم تبدأ القضية الجنوبية، كما فهمها الرأي العام بالداخل والخارج من خلال مطالب حقوقية للمتقاعدين العسكريين والمدنيين، أي أنها لم تكن منذ البداية قضية سياسية بحتة، هل هذا التطور كان منطقياً، أم أن هذه البداية كانت للوصول التدريجي إلى القضية السياسية؟
العميد ناصر الطويل: القضية الجنوبية سياسية بامتياز، لكن المجموعة العسكرية التي خرجت كان هدفها المطالبة بحقوقها باعتبارها جزءاً من هذا المجتمع فقط ولم يكن عندها صلاحيات بأن تطالب باستعادة دولة إلا بعدما وقف شعب الجنوب إلى جانبه، حينها بدأت القضية تتحول من مطالب حقوقية في البداية إلى مطالب سياسية، وأول حق هو استعادة دولتهم .
أما بالنسبة للوحدة فانا أؤكد نفس الكلام الذي قاله إخواني، الوحدة كانت خديعة من قبل الطرف الآخر، قرار الوحدة من الاتجاه الآخر، أي الطرف الشمالي وبالتحديد من علي عبدالله صالح ومن يقف إلى جانبه من الآخرين في الداخل والخارج كانت خديعة للقيادة في الجنوب ولها أهداف مبطنة، كما أشار إليها الدكتور سالم والهدف الرئيس هو القضاء على دولة الجنوب وتاريخها وهويتها وتحويل الجنوب إلى تابع .
الوحدة كانت هدفنا
“الخليج«: لماذا القضاء على دولة الجنوب لأي سبب، هل لأنها كانت دولة استثنائية في المنطقة أو لأنها كانت ذات توجه سياسي معين؟
العميد ناصر الطويل: لكثير من الاعتبارات، بالنسبة للوحدة كان الجنوب هو الطرف الأكثر وحدوية، فهو الذي كان يضع شعار الوحدة في مقدمة أولوياته، كانت أي عريضة لم تدون فيها عبارة “لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة اليمنية”لا تقبل في المعاملات الرسمية، وكان القسم العسكري والمدني يتضمن “تحقيق الوحدة اليمنية”حتى في طوابير الصباح في المدارس، أما الطرف الآخر فإنك لن تجد أي وثيقة إطلاقاً تتكلم عن الوحدة اليمنية . ونحن الآن نتحداهم أن يأتوا بأي وثيقة من وثائقهم بما فيها حتى الميثاق الوطني تتكلم عن الوحدة، وهذا يدل دلالة واضحة على أن الوحدة كانت بالنسبة لهم مغنماً، وذلك عن طريق القضاء على النظام في الجنوب وعلى الدولة فيه وأخذ ثروته واستباحة أرضه وإلغاء تاريخه وهويته .
الأمر الثاني أن الوحدة كانت ارتجالية بين طرفين، وبين عليين (علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح) ولم تأخذ بعين الاعتبار رأي الشعبين في الجنوب والشمال؛ فقد اتفق العليان بورقة صغيرة بان يدمجا الشعبين، وقد انتهت مؤسسة الدولة العسكرية والأمنية للجمهورية التي كانت في الجنوب، هل تتصور أن وزارة أمن الدولة والاستخبارات العسكرية والاستطلاع العسكري كل هذه الأركان الرئيسة لدولة الجنوب أنهوها بقرار من الطرفين منذ اليوم الأول للوحدة، وبعد ذلك دخلا بمسألة الاغتيالات من الطرف الآخر .
“الخليج«: هل جوهر القضية المطالبة بدولة نموذجية أو المطالبة بدولة الجنوب السابقة؟
العميد ناصر الطويل: الذين يفهمون أن عودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي مطلب للجنوبيين خاطئون، فنحن نريد عودة دولة الجنوب بالكيفية وبالطريق الذي يتفق عليه أبناء الجنوب اليوم، ليس تلك الدولة التي كانت قائمة بالماضي، تلك دولة انتهت وكانت أسباب نهايتها فيها، لكن شعب الجنوب يبحث عن دولة تضمن له حقه في الحياة، وكما قلت إن الأرض والمباني والوظيفة وكل شيء استولوا عليه، حتى الدراسات في المدارس العليا وفي البعثات الخارجية أصبح ابن الجنوب محروماً منها وكأنه لم يكن .
قيادات غير مؤهلة
“الخليج«: ننتقل إلى الأستاذ محمد السقاف، هل هذه التوصيفات وتلك التي سمعناها وتابعناها من قبل سياسيين حول تعريف القضية الجنوبية تساعد على إيصال القضية إلى المعنيين بحلها في الداخل وفي الخارج في الشمال وفي الجنوب أم أن هناك قصوراً ينتاب هذا التوصيف؟
محمد السقاف: البعض يصر للأسف على أن القضية بدأت من عام ،94 وأنا أرى في ذلك قصوراً، بسبب إشكال في السلطة ما بعد ،94 لكن الإشكال الحقيقي اعتقد أنه كان في عام 90 أو في عام 89 90؛ فلو أتينا إلى اتفاقية الوحدة بدءاً من إعلان الوحدة، فإنني أعتقد أن الإشكال الكبير أن النظام في الجنوب كان يجهل ما يحدث في الشمال وهذا أمر اعتبره في غاية السوء، أو أن السلطة كانت أكبر منهم، أعني القائمين على السلطة قبل الوحدة .
أعتقد أن السلطة كانت أكبر منهم بحيث إنهم لم يدركوا ماذا يحدث حولهم في الشمال والجنوب على السواء، حتى إن النظام الذي كان يحكم في الجنوب كان مخالفاً لما هو سائد في المنطقة كلها تقريباً، وهذا دلالة على عدم قدرة فهم المعنيين حينها لطبيعة المنطقة واليمن، صحيح كما يقول البعض إنه كان في الجنوب تعليم مجاني، لكن نقول: هل هذا التعليم المجاني كان من جيب السلطة أو من ثروة البلد أو من الديون؟، هنا يوجد الإشكال عندما نقول إن هذا من فضل السلطة علينا أو من فضل الحزب الاشتراكي اليمني، الحاكم حينها في الجنوب .
الخلاصة أقول إنه للأسف إن ما حدث في عام 94 كان نتيجة طبيعة لتلك الاتفاقات التي حدثت في عام 89 ،90 فلم تكن القيادتان على مستوى البلدين مؤهلتين لأن تخوضا تجربة ما تسمى الوحدة، لسبب واحد أنهما تابعتان لأحزاب شمولية، فكيف يمكننا القول إننا كنا ننادي بالوحدة العربية أولاً، إذا كان ابن الضالع لا يقبل ابن الضالع وبعد ذلك ابن الضالع لم يقبل ابن أبين وشبوة والعكس، وهذا إشكال كبير .
غياب المشروع الوطني
كانت حرب صيف 94 نتيجة طبيعة بسبب قصر نظر الأطراف وعدم فهم كل طرف للآخر، وبدرجة رئيسة غياب المشروع الوطني الذي كان يمكن أن يكون عامل استقرار لليمن الجديد، وعندما غاب المشروع الوطني بقينا نتكلم على مصالح، وأريد أن أسأل الأخوة هل من حكم الجنوب ما قبل الوحدة هم أنفسهم سلوكاً وتأثيراً في حكم ما بعد الوحدة؟ بمعنى أنه كانت هناك بساطة في الحكم حتى في عملية النهب مثل الاستفادة من مركز الحكم، وهنا نستطيع القول إن فيها نوع من الإساءة ولكن ليس بتلك الضخامة والثقافة التي في الشمال، وقد لاحظنا أنه حدث تسابقاً وتسارعاً ما بعد عام 90 بين النظام الذي حكم في الشمال وبين إخواننا الذين حكموا في الجنوب في هذه الدولة الوليدة (الجمهورية اليمنية)، والإشكالية هنا أنهم رأوا مزايا الحكم في الشمال .
اليوم الوضع أكبر بكثير ومعقد جدا، وإذا كانت وما زالت التشخيصات والاستخلاصات بهذه النظرة الضيقة فاعتقد أننا قادمون على أزمة في إطار الجنوب نفسه، نحن قادمون على أزمة كبيرة أكبر من التي حدثت في السابق على اعتبار أننا لم نفهم الوضع بالضبط تماما إن كان قبل أو بعد أو الآن أو في المستقبل . لاحظوا أن هناك اختزالاً حتى لقضية ثورة الجنوب باعتبارها بدأت منذ خمس سنوات مع بدء احتجاجات المتقاعدين العسكريين في عام ،2007 وهو أمر مجحف أن نقول إنه لا يوجد ضحايا ولا توجد مشاكل ولا يوجد ثوار خرجوا قبل الخمس السنوات، وهنا أسأل الأخوة: هل كنا راضين لما حدث بعد حرب 94؟، نحن نرى أن هناك أناساً ضحت وهناك من قتلوا ما قبل هذا بكثير والبعض سجن .
بدأت مطلبية وانتهت سياسية
د . سالم الهامل: استدراك فقط، في ما يتعلق بتوصيف القضية الجنوبية، فلماذا لا نقول قضية عدن أو أبين أو حضرموت، نقول القضية الجنوبية معناه قضية ما كانت تسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ما قبل 22 مايو/أيار ،90 بمعنى أن هذه المنطقة من حيث جغرافيا وتاريخ وسكان تضررت سياسيا بأن أقصي من مثلها في دولة الوحدة، وهذه المنطقة تضرر سكانها جميعاً من أقصى الجنوب شرقاً إلى أقصاها غرباً تضرراً سياسياً بعد ما أقصي ممثلها في دولة الوحدة، بالذات بعد حرب 94 .
لقد تضرر سكان هذه المنطقة الجغرافية اقتصادياً بأن صودرت كل تلك الامتيازات التي كانوا حصلوا عليها ما قبل 22 مايو/أيار 1990 واستهدفت مصالحهم بعد سنة 94 على نحو صارخ وسافر، إلى جانب أن هذه المنطقة بكاملها بكل ما كانت تعنيه جغرافية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تضررت أيضاً في ما يتعلق بالخدمة المدنية والعسكرية، حيث سجلت أعلى أرقام التسريح العسكري والمدني من هذه المنطقة، وبالتالي فإن القضية صارت قضية جنوبية حينما خرج الناس في كل مناطق ما كانت تسمى “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تعبر عن ضيم وعن احتجاج ورفض لسياسة حرب 94 التي أوضحت على نحو لا يدع أي مجال للالتباس أو الشك أن فلسفة الشريك الآخر هي ضم الجنوب وليس التحاور معه أو التفاوض معه على أن يكون شريكاً .
“الخليج«: كيف يمكن أن نفهم ماضي الجنوب بين الدولة والنظام السياسي الحاكم فيه آنذاك؟
قاسم داؤود: عندما نتكلم عن الماضي يجب أن نميز بين نظام سياسي كان قائماً وموجوداً في الجنوب وبين دولة، الدولة هي مؤسسات كل الجنوب ومن حق كل الشعب، النظام السياسي الذي كان موجوداً له سياساته وفق فلسفة الحكم، اقتصادية، اجتماعية وثقافية وهو نظام سياسي قد انتهى، أنهى نفسه بنفسه عندما قبل الوحدة مع الشمال، أي أن النظام هذا لا يمكن تعميمه ولا يمكن استمراره، لكن كان قد اتفق على أن تقام دولة جديدة لليمن كلها على أنقاض دولتي الشمال والجنوب، إلا أن هذا لم يتم وجرى تعميم سلطة الجمهورية العربية اليمنية على الجنوب بأسوأ ما فيها، والنظام السابق في الجنوب لن يعود لأنه انتهى زمنه، كان يحكم بظروف وتوازنات محلية وإقليمية وهذه انتهت، لكن للشعب الحق في أن يستعيد دولته بالنظام الذي يراه بالعصر الجديد .
أصوات من الشمال
تختلف مواقف الناشطين السياسيين في المحافظات الشمالية إزاء القضية الجنوبية وحلها والموقف من دعوات قوى الحراك الجنوبي للفيدرالية أو الانفصال، إلا أن ما يميزها الإقرار بان الجنوب والجنوبيين تعرضوا لانتهاكات شتى .
يرى عبده غالب العديني رئيس الدائرة السياسية في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري أن “القضية الجنوبية ممكن أن تحل عبر مرحلتين، الأولى: حل القضايا الحقوقية لأن القضية الجنوبية عبارة عن قضية مركبة من قضايا حقوقية وقضايا سياسية، القضايا الحقوقية ممكن أن تحل عبر قرارات عاجلة من رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، وفقاً لما قدمته اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني وهي إعادة المسرحين والمبعدين قسرياً وعودة الممتلكات إلى أصحابها، هذه قضايا عاجلة تحتاج إلى قرارات ولا تحتاج إلى حوارات .
والمرحلة الثانية المتعلقة بالمصالحة الوطنية وعملية رد الاعتبارات، وهذه أعتقد بأنها يمكن أن تعالج عبر قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية المزمع الاتفاق عليه خلال المرحلة الانتقالية”.
وحول دعوة الانفصال من قبل قوى في الحراك الجنوبي يقول العديني: “أعتقد أن دعاة الانفصال في هذه المرحلة سيكونوا دعاة خاسرين، لأننا نقول إن الحوار الوطني يمكن أن يكون حلا لكافة مشكلات اليمن وان الذين لهم رأي، أياً كان هذا الرأي عليهم أن يأتوا إلى طاولة الحوار ليطرحوا آرائهم، وفي تصوري فإن اليمنيين لا يمكن إلا أن يتفقوا على ما هو في المصلحة العامة لكل اليمنيين”.
ويضيف: “مؤتمر الحوار وكما هو متفق عليه سقفه مفتوح ومن حق أي فصيل أن يأتي وأن يقول إنه يريد حتى الانفصال، لكن في تصوري أن المخرجات المتبلورة في المجتمع اليمني لا يمكن إلا أن تتفق على المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا واعتقد أنها ستكون حاضرة في مؤتمر الحوار الوطني”.
ويدعو العديني الكل إلى أن “يأتي إلى طاولة الحوار وليقول ما يريد، ونحن في التنظيم الوحدوي الناصري نقول هذا الكلام، ورؤيتنا بان القضية الجنوبية لم تعد قضية إخواننا في الحراك ولا قضية أبناء المحافظات الجنوبية، بل هي قضية الشعب اليمني كله، وعلى الجميع أن يدرك بان حل القضية الجنوبية هو البداية الحقيقية لبناء الدولة المدنية الحديثة”.
الناشط السياسي والكاتب الصحفي عبدالله علي صبري يعتبر أن “شكل القضية الجنوبية الرديف الآخر لمأزق الوحدة اليمنية القائمة منذ ،1990 ويتجه الحراك الجنوبي الحامل للقضية إلى الحل عبر فك الارتباط عن الشمال وإقامة دولة الجنوب الذي يذهب بعض عناصر الحراك إلى إنكار هويته اليمنية لتشكل القضية الجنوبية في جانبها المتطرف أزمة هوية تدفع إلى الحسرة، خاصة إذا عرفنا أن ساسة ومثقفي الجنوب كانوا رواد الوحدة اليمنية بالقول وبالفعل، بعكس الوضع في الشمال حين ظهرت أصواتاً متحفظة على الوحدة مع نظام كانوا يصفونه بالاشتراكي / العلماني”.
ويضيف قائلاً: “اليوم لا أجد مدخلاً لمعالجة هذه الأزمة إلا عبر بوابة الاعتذار لما لحق بالجنوب منذ حرب 1994 ومعالجة كل ما يتصل بها من تداعيات حقوقية وسياسية، ثم لا بد من الاعتراف بحق الجنوبيين في تقرير مصير الوحدة ابتداءً، ثم ليكن الحوار حول خياري الوحدة والانفصال وأيهما أنجع لليمن ككل أو حتى للجنوب منفرداً”.
ويقول صبري “باعتقادي أنه في حال وجدت عناصر الحراك أن خيار الانفصال مطروح على طاولة الحوار، فإن الرشد السياسي سيقتضي التفكير بالمصلحة الوطنية للجنوب ولليمن ككل، وقد يجد الحراكيون قبل غيرهم أن الفيدرالية تبقى الخيار الأنسب لمستقبل اليمن بغض النظر عن التفصيلات الواردة بهذا الشأن، لكن من المهم أن يكون هذا الخيار نابعاً عن حوار جنوبي / جنوبي بعيداً عن أية ضغوطات خارجية، وإلا فإنه كما لا إكراه في الدين فلا إكراه في السياسة ولا في الوحدة”.
من جانبه يؤكد نائف القانص، الناطق باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك أن القضية الجنوبية قضية عادلة يجب الوقوف أمامها بمسؤولية، إذا أردنا أن نحافظ على اليمن ووحدته وتماسك بنيته الاجتماعية وفي عملية الحوار الوطني لابد أن نأخذ بعين الاعتبار بان القضية الجنوبية هي من أساسيات الحوار، إن لم تكن قضيته الأولى .
ويقول القانص: “الحوار الوطني سيكون سقفه مرتفع ومن حق الإخوة في الحراك أن يشاركوا في الحوار ومن حقهم أن يطرحوا مطالبهم العادلة وسيقف اليمنيون بمسؤولية كاملة أمام مثل مطالب الانفصال أو غيرها وسيعملون على حل الإشكاليات المسببة التي أوصلت إخواننا في المحافظات الجنوبية إلى المطالبة بمثل هذه المطالب”.
"الخليج" الاماراتية