خلال آخر مناظرة رئاسية بعد أكثر من 11 عاما على شن إدارة جورج بوش حربها العالمية على الإرهاب حدد باراك اوباما "الشبكات الإرهابية" على أنها أكبر الأخطار الأمنية على أميركا. لكن اليمن التي هي مقر أخطر منظمة مرتبطة بالقاعدة اجتذبت اهتماما قليلا من جانب أي من المرشحين لهذه الانتخابات. وخلال المناظرة حول السياسة الخارجية، لم يرد ذكر اليمن إلا مرة واحدة، مقارنة مع إيران التي ذكرت 47 مرة.
وبطرق مختلفة فقد أصبحت اليمن مختبرا لهذه الحرب، ومكانا يمكن أن تجرب فيه الولايات المتحدة الطرق الجديدة لمحاربة الإرهاب. وفي كانون الأول (ديسمير) 2009، افتتح اوباما الحملة بضربة على ما اعتقد المخططون الأميركيون أنه معسكر تدريب للقاعدة جنوبي اليمن. وضربت الصواريخ من طراز "كروز" المزودة بقنابل عنقودية هدفها، فقتلت 55 شخصا خلال الدقائق التي استغرقها القصف. ولكن بدلا من معسكر التدريب الذي اعتقدت الولايات المتحدة أنه يعود للقاعدة، ضربت قرية بدوية كان يقيم فيها عدد من ناشطي القاعدة. وبعد حوالي أسبوع ويوم عيد الميلاد عام 2009، حاول انتحاري محتمل أرسلته القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن يسقط طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية نورث ويست رحلة رقم 253 فوق ديترويت.
وخلال السنوات الثلاث التالية حاولت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مرارا ضرب الولايات المتحدة – بزوج من رزم القنابل عام 2010 وقنبلة في الملابس الداخلية تم اكتشافها اوائل العام 2012- بينما ردت الولايات المتحدة بغارات بطائرات غير مأهولة مع زيادة المعونة الاقتصادية للحكومة المركزية في صنعاء. كما كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية ناشطة على الأرض، حيث سيطرت وأدارت لفترة قصيرة عددا من المدن جنوب اليمن خرجت عن سيطرة الحكومة خلال انتفاضة عام 2011 التي أجبرت الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي عن الحكم مقابل حصوله على الحصانة.
وبدعم عسكري خفي- وبأكبر صفة مساعدات سخية من واشنطن- تمكن الجيش اليمني من استعادة الكثير من الأراضي التي فقدها. لكنه لم يهزم القاعدة كليا. ولم يعتقل المقاتلون أو يقتلوا وإنما تراجعوا إلى الوراء نحو الجبال التي كانوا يعيشون فيها ويخططون لعدة سنوات.
وإذا كانت المساعدة الأميركية هي التي انتشلت اليمن من المأزق طيلة هذه الفترة، فالسبب هو علاقة الحب- الكراهية التي تربط واشنطن بصنعاء والتي أتاحت للقاعدة أن تعيد تنظيم صفوفها مرة بعد أخرى في الوقت الذي وجهت فيه الولايات المتحدة أنظارها إلى أماكن أخرى. وبالفعل فقصة العناد الذي أبدته القاعدة في المناطق الداخلية اليمنية هي قصة العلاقة الأميركية المعذبة مع صالح- ومحاولتها التعويض عن أخطائها السابقة من خلال دعم نائب الرئيس السابق عبد ربو منصور هادي الذي تولى الرئاسة بالمساعدات.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 سافر صالح- الذي لم تكن لديه فكرة عن الثورة التي ستطيح به بعد 6 سنوات- إلى واشنطن في زيارة رسمية. وكان يتوق لدعوة لأكثر من عام، ولكن مع السيطرة الظاهرية على القاعدة في اليمن فلم يكن هناك استعجال كذلك الذي أعقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عندما تدفقت المساعدات الأميركية على الرئيس اليمني في محاولة لاحتواء الخطر الإرهابي. والآن وقد بدا أن أميركا تربح على جبهة الإرهاب فإن إدارة جورج بوش حولت انتباهها نحو دعم الديموقراطية.
وأمضى توماس كراجيسكي، سفير الولايات المتحدة في صنعاء والمحللون في مكتب الاستخبارات والأبحاث في الخارجية الأميركية شهورا وهم يحاولون تقييم الطريقة الأفضل لتشجيع صالح على القيام بإصلاحات. وكما حدث مع الجهاديين المصريين في التسعينات فقد وجد الأميركيون أن الرئيس اليمني متأرجح المواقف. فقد كان متعاونا ومتوافقا في السر، لكنه قتالي في العلن. فمن هو صالح الحقيقي؟ واصل المخبرون المأجورون الذين لهم اتصال بصالح نشر قصص عنه متندرين بقدرته على ذر الرماد في عيون الأميركيين.
وكان لا بد أن يتغير شيء ما وهذا على الأقل ما كان واضحا. ولم تنفع تحذيرات كراجيسكي على انفراد. وكررها السفير الأميركي وهز صالح رأسه ولكن لم يقم أبدا بأي عمل. الفساد انتشر ولم يعد بالإمكان السيطرة عليه عندما اشترى الضباط الديزل بأسعار مدعمة قبل أن يهربوه خارج البلاد لبيعه بالاسعار العالمية . والكوادر في مكتب الأمن القومي كانوا متورطين بالفعل وهي وكالة الاستخبارات الجديدة التي سعت الولايات المتحدة نحوها عام 2002 على أملأن تحل محل منظمة الأمن السياسي اليمنية التي اخترقها الجهاديون كانوا متورطين بالفعل كسابقيهم في بيع الديزل، وكذلك يحيى صالح ابن شقيق الرئيس وضباطه في الوات الأمنية المركزية الذين كانوا يتلقون كذلك تمويلا وتدريبا من جانب الولايات المتحدة.
والفساد مشكلة في اليمن منذ عقود حيث استولت عائلة صالح والمقربون منه على أراض في أرجاء البلاد لمصالحهم التجارية الخاصة. لكن الجيل القديم من المحتالين الحريصين الذين وصلوا للحكم مع صالح أفسحوا المجال للشباب المدللين الذين اعتقدوا أنهم جديرون بكل ما يستطيعون نهبه. وما كانت الولايات المتحدة سابقا مستعدة للتغاضي عنه مقابل تعاون اليمن في مكافحة الإرهاب أصبح قضيبة شائكة.
وفي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2005، أي قبل شهر من رحلة صالح إلى الولايات المتحدة صرح كراجيسكي علنا بانتقاداته صحيفة معارضة بأن الإصلاح الديموقراطي في اليمن "توقف". وإذا كان السفير الجديد في اليمن ينتظر ردا فلم ينتظر طويلا. في اليوم التالي هاجمه اصطبل كتاب الأعمدة الرسميون والصحفيون بقسوة في الصحف وعلى التلفزيون، وحذروا كراجيسكي من التدخل في شؤون اليمن الداخلية. وهذا الجهد المنسق والإجماعي تقريبا أشار إلى توجيهات من أعلى. وبدا كأن الولايات المتحدة اجتذبت أخيرا اهتمام صالح.
لكن صالح لم يستوعب مطلقا رسالة كراجيسكي. وبسبب إشاراته وغموضه فقد فشل كراجيسكي في التواصل حول التغير في السياسة الأميركية مع الرجل الأكثر أهمية. وعندما توجه صالح إلى واشنطن أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) توقع الحصول على مكافأة باعتباره حليفا مقربا لا يمكن الاستغناء عنه. فبعد كل شيء فخلال السنوات الأربع التي انقضت على زياره الأولى للرئيس بوش فقد فعل كل ما أرادته الولايات المتحدة. فقد قتل أو سجن كل قادة القاعدة وفقا لقائمة سلمتها له وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2001 ولم يحدث أي هجوم إرهابي منذ تفجير ليمبورغ قبل ثلاث سنوات. وكلما لاح خطر أمني فقد تعامل معه بقوة. وفي أوائل العام 2005 عندما تكونت خلية ناشطين وهددت السفارة الأميركية في صنعاء وأجبرتها على الإغلاق لفترة قصيرة اعتقلت قوات الح الرجال المسؤولين خلال أيام. وقال صالح للسفارة :"استجبت لكم فورا عندما كنتم تحتاجون أي شيء".
رئيس اليمن صاحب الحسابات كانت لديه أفكار حول الكيفية التي سيرد بوش الثمن له على يقظته وسرعة أفعاله. وفي تفكير صالح فإن رحلة واشنطن كانت فرصة للتسوق ، وعندما هبط في واشنطن كانت لديه قائمة بالمرغوبات. وتواصلت في الشمال حرب ضد الحوثيين الانفصاليين هي الثالثة في ثلاث سنوات واحتاج الرئيس لتحديث سلاح مدرعاته. وقد ساعد الأميركيين ضد القاعدة والآن هو يريد المساعدة ضد الإرهابيين الذين يحاربون نظامه.
في اليوم الاول من زيارته التي استغرقت ثلاثة ايام، احس صالح بالتغيير الذي طرأ على الوضع. فقد ابلغته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ان اليمن استُثني من "مؤسسة مواجهة الالفية"، وهي منظمة تمويل اسسها بوش للربط بين المعونات والاصلاح. وكان هذا يعني ان اليمن سيخسر 20 مليون دولار من المساعدات. ولما انه لم يكن مستعدا بما يكفي لهذا اللقاء، فان الرئيس اليمني لم يستطع الا ان يبلع ريقه بسبب خيبة الامل التي احس بها فيما واصلت رايس تكبيله بتهم الفساد وعدم اجراء اصلاحات. وواصلت كلامها قائلة انه اذا لم يحصل أي تغيير فان الولايات المتحدة لن ترى في صالح مرشحا مشروعا لانتخابات الرئاسة العام 2006. وكان كراجيسكي قد كرر هذا القول لعدة اشهر، الا ان صالح لم يكن ليصدق ان الولايات المتحدة كانت جادة. وخلال الليل ادخلت الولايات المتحدة تعديلات على الاسباب الداعية لتوفير معونات خارجية. وقالت ان تنظيم "القاعدة" لا يمثل اليوم مشكلة.
وفي اليوم التالي، عقد صالح اجتماعات في المقر الرئيسي للبنك الدولي، الذي لا يبعد الا قليلا عن البيت الابيض في شارع بنسيلفانيا. ولم يضع المسؤولون في البنك كثيرا من الوقت. اذ قالوا ان اليمن أهمل المؤشرات الرئيسة بشكل كبير. ونتيجة لذلك فان البنك سيخفض المعونة من 420 مليون دولار الى 280 مليونا. ومثلما فعلت رايس فانهم اشاروا الى الفساد الحكومي الواسع باعتباره عاملا حاسما.
وبعد يومين وفيما كان صالح في طريق العودة جوا الى بلاده فقد اعصابه وصرخ في وجه مساعديه واقال مستشاريه الاقتصاديين بعد دقائق من اقلاع الطائرة. وضاق صدر المجموعة من الشبان الذين تلقوا العلم في الغرب الذين يتحدثون الانغليزية في انتظار الوصول الى صنعاء ومن ثم الابتعاد عن رئيسهم الثائر غضبا. وقال احدهم في وقت لاحق "كان شيئا مرعبا، وكانت اطول رحلة بالطائرة مرت علي في حياتي".
لكن صالح لم يلبث بعد بضعة اسابيع عندما هدأت نفسه أن اعاد معظمهم الى مناصبهم. وسأل احد الشبان الذي كان من اقرباء احدث زوجات صالح "هل كنت تعتقد ان تغيير "فريدم هاوس" لمكانتنا سيترك اي أثر؟"
وجاء الرد بحدة "طبعا. لقد كان ذلك هو السبب الذي دفعهم الى حرماننا منه اساسا".
افتر ثغر صالح عن ابتسامة وهز رأسه قائلا ان "الاميركيين يدفعون المال حسب رغبتهم عندما يشاؤون ذلك".
كانت الرحلة نقط تحول في العلاقات الاميركية اليمنية. ففي مطلع العام 2006- عندما انخفضت المعونات الامنية الاميركية الى مستوى متدن جديد بقيمة 4.6 مليون دولار- قررت الولايات المتحدة ان تنظيم "القاعدة" في ذلك الوقت لم يعد يمثل تهديدا، وانها تستطيع ان تحول اموالها ومصادرها الى مكان اخر. وفي غياب "القاعدة" فان اليمن سيعود مرة اخرى الى دولة اخرى فقيرة.
لكن الحال لم يدم على هذا الوضع. ففي الثالث من شباط (فبراير) العام 2006 – بعد اسابيع من زيارة صالح الكارثية الى واشنطن – تمكن 23 من المشتبه بانهم من "القاعدة" من الخروج عبر انفاق من احد السجون التي تشتد فيها الحراسة الامنية في ضواحي صنعاء ليلجأوا الى مسجد مجاور، حيث اقاموا صلاة الفجر ثم انطلقوا من المدخل الرئيسي احرارا. وعادت "القاعدة" الى الظهور بهذه الطريقة. وكانت عملية الهروب اساس حركة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي تسبب بسنوات من الهجمات.
لم تلبث الولايات المتحدة ان استنتجت على عجل ان السجناء حصلوا على معونة من الداخل. وكان حفر خندق لمسافة 50 مترا من زنزانة السجن الى موقع مرحاض النسوة في مسجد مجاور، عملا جريئا للغاية. اذ ان السجن كانت يخضع لادارة المنظمة ذاتها التي خرج منها عبد السلام الهيلة، المحتجز في قاعدة غوانتانامو وهو نفسه الذي ابلغ اسامه بن لادن وايمن الظواهري عن احد الخونة بين صفوفهم. ولم يكن بامكان وكالة الاستخبارات الاميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالية الاميركي الا التخمين بمجريات هذه الخطة. وقال احد المسؤولين اننا لا نعرف "عدد المشتركين في العملية". وقال البعض في واشنطن ان الهروب من السجن قد يكون رد صالح على تخفيض المعونة قبل اربعة اشهر. بينما اعرب اخرون عن اعتقادهم ان الحرس المتعاطفين غضوا النظر عن عمليات الحفر.
وايا كان من وقف وراء الهروب من السجن، فان تنظيم "القاعدة" عاد مرة خرى باعتبار انه يمثل تهديدا كبيرا. وعلى مدى الاشهر اللاحقة اضطرت الولايات المتحدة من جديد الى تركيز اهتمامها ومعوناتها الى اليمن. وقررت ادارة بوش اعادة اليمن الى "مؤسسة مواجهة الالفية". لكن عملية التأهيل الجديدة لم تعش الا لفترة قصيرة. في تشرين الاول (اكتوبر) العام 2007، اعلن صالح انه توصل الى اتفاق مع جمال البدوي، احد الفارين المشتبه الرئيس في حادث الهجوم على السفينة الحربية الاميركية "كول" قبل سبع سنوات، الذي ادى الى مقتل 17 من البحارة الاميركيين.
اصيب بوش بالدهشة لدى اطلاق اليمن لشخص قتل بحارة اميركيين وعلى قائمة اكثر المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقام بايفاد كبيرة مستشاريه لمكافحة الارهاب فرانسيس تاونسند الى اليمن. وخلال لقاء في مقره الشتوي بمدينة عدن، حاول صالح ان يطئن تاونسند. قال لها لا تأبهي لبدوي "انه تحت المراقبة". واوضح صالح على حفل غداء انه ظل على اتصال مع بدوي لعدة اشهر، وانه لم يطلع حلفائه الاميركيين بتلك المعلومات. وواصل صالح قائلا انه التقى قبل اسبوعين مع الهارب في محادثات صريحة. وقال "وعدني بدوي ان يتخلى عن الارهاب وقلت له ان افعاله اضرت باليمن وصورته. وبدأ يدرك ذلك".
لم تنبس تاونسند ببنت شفه وهي تستمع الى صالح يشرح لها الصفقة كأنها عملية اقامة جبرية. كان بدوي يعيش ويعمل في مزرعته خارج عدن. وقال صالح ان الحكومة تراقبه عن كثب، وانه لن يرتكب اي جريمة بعد الان.
لكن الوعود التي قطعها صالح على نفسه لم تقنع احدا، ففي الولايات المتحدة وعلى هامش الحملة الانتخابية كان المرشح الجمهوري وعمدة نيويورك السابق روددولف غويلياني قد انتهزا الفرصة ووجها الدعوة الى اليمن لتتوقف عن مساندة الارهابيين. "كخطوة اولى، نحث الحكومة الاميركية على الغاء المعونات التي تتجاوز 20 مليون دولار المقرر ارسالها الى اليمن". وبعد ايام قلائل قامت الولايات المتحدة باتخاذ تلك الخطوة، وذلك باستثناء اليمن من مؤسسة مواجهة الالفية للمرة الثانية.
وهكذا انخفض التمويل الاميركي الى اليمن. الا ان العام 2008 كان العام الذي اصدر فيه تنظيم "القاعدة" ما اطلق عليه "صدى الملاحم"، وهو مجلة على الانترنت للدعاية والدعاوى الدينية، وفي ايلول (سبتمبر) هاجم فريق من سبعة رجال السفارة الاميركية في ساعة مبكرة. وكانت الخطوة التي اتخذها مقاول الامن اليمني المحلي بسرعة بانزال قضيب معدني امام سيارة مسرعة قبل ثوان من اطلاق النار عليه وقتله، قد انقذت السفارة من الدمار. وبدلا من انفجار السيارة عند المدخل الرئيسي للسفارة والسماح لخمسة من المهاجمين المسلحين بالدخول الى المجمع، انفجرت السيارة في الطريق على مقربة من مجموعة من اليمنيين الذين كانوا ينتظرون الحصول على تأشيرة. وفي خضم الحملة في الولايات المتحدة، قال باراك اوباما الذي كان مرشح الديمقراطيين للصحفيين انه لا بد للولايات المتحدة ان تبذل المزيد في اليمن. ومرة اخرى عاد المال والمعونات الاميركية في التدفق على صالح وعائلته في قوات الامن اليمنية.
وفي اعقاب وراثة سجلات المعونة لليمن، اسست ادارة اوباما من دون تأخير مستويات عالية جديدة في العام 2009 ومرة اخرى في العام 2010 – الى ان اجبرت الاحتجاجات الشعبية الحكومة الاميركية على تخفيض التمويل والتخلي عن صالح كلية في العام 2011. وفي اوائل ذلك العام عندما استلم هادي، الذي كان نائبا للرئيس صالح، زمام الحكم بمقتضى صفقة سياسية غير ناضجة منحت صالح حصانة، اعادت الولايات المتحدة صفقة المعونات الى اليمن مرة اخرى.
وللعام الثالث على التوالي، قررت الولايات المتحدة حدا مرتفعا جديدا للمعونات لليمن، وبلغت هذا العام 337 مليون دولار، وللسنة الثالثة على التوالي رفع تنظيم "القاعدة" عدد مقاتليه الذي يقدر حاليا بعدة الاف بعد ان كان مجرد الف مقاتل.
وبعد اكثر من عشر سنوات من المعونات التي تمنح وتلغى الى اليمن فان فرع "القاعدة" في اليمن اقوى مما كان عليه في 11 ايلول (سبتمبر) 2001. واثرت الاموال الاميركية العشرات في اليمن، وقتلت صواريخها التي اطلقت في البلاد المئات. ويظل تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ينمو باستمرار.
"القدس" الفلسطينية
وبطرق مختلفة فقد أصبحت اليمن مختبرا لهذه الحرب، ومكانا يمكن أن تجرب فيه الولايات المتحدة الطرق الجديدة لمحاربة الإرهاب. وفي كانون الأول (ديسمير) 2009، افتتح اوباما الحملة بضربة على ما اعتقد المخططون الأميركيون أنه معسكر تدريب للقاعدة جنوبي اليمن. وضربت الصواريخ من طراز "كروز" المزودة بقنابل عنقودية هدفها، فقتلت 55 شخصا خلال الدقائق التي استغرقها القصف. ولكن بدلا من معسكر التدريب الذي اعتقدت الولايات المتحدة أنه يعود للقاعدة، ضربت قرية بدوية كان يقيم فيها عدد من ناشطي القاعدة. وبعد حوالي أسبوع ويوم عيد الميلاد عام 2009، حاول انتحاري محتمل أرسلته القاعدة في شبه الجزيرة العربية أن يسقط طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية نورث ويست رحلة رقم 253 فوق ديترويت.
وخلال السنوات الثلاث التالية حاولت القاعدة في شبه الجزيرة العربية مرارا ضرب الولايات المتحدة – بزوج من رزم القنابل عام 2010 وقنبلة في الملابس الداخلية تم اكتشافها اوائل العام 2012- بينما ردت الولايات المتحدة بغارات بطائرات غير مأهولة مع زيادة المعونة الاقتصادية للحكومة المركزية في صنعاء. كما كانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية ناشطة على الأرض، حيث سيطرت وأدارت لفترة قصيرة عددا من المدن جنوب اليمن خرجت عن سيطرة الحكومة خلال انتفاضة عام 2011 التي أجبرت الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي عن الحكم مقابل حصوله على الحصانة.
وبدعم عسكري خفي- وبأكبر صفة مساعدات سخية من واشنطن- تمكن الجيش اليمني من استعادة الكثير من الأراضي التي فقدها. لكنه لم يهزم القاعدة كليا. ولم يعتقل المقاتلون أو يقتلوا وإنما تراجعوا إلى الوراء نحو الجبال التي كانوا يعيشون فيها ويخططون لعدة سنوات.
وإذا كانت المساعدة الأميركية هي التي انتشلت اليمن من المأزق طيلة هذه الفترة، فالسبب هو علاقة الحب- الكراهية التي تربط واشنطن بصنعاء والتي أتاحت للقاعدة أن تعيد تنظيم صفوفها مرة بعد أخرى في الوقت الذي وجهت فيه الولايات المتحدة أنظارها إلى أماكن أخرى. وبالفعل فقصة العناد الذي أبدته القاعدة في المناطق الداخلية اليمنية هي قصة العلاقة الأميركية المعذبة مع صالح- ومحاولتها التعويض عن أخطائها السابقة من خلال دعم نائب الرئيس السابق عبد ربو منصور هادي الذي تولى الرئاسة بالمساعدات.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 سافر صالح- الذي لم تكن لديه فكرة عن الثورة التي ستطيح به بعد 6 سنوات- إلى واشنطن في زيارة رسمية. وكان يتوق لدعوة لأكثر من عام، ولكن مع السيطرة الظاهرية على القاعدة في اليمن فلم يكن هناك استعجال كذلك الذي أعقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عندما تدفقت المساعدات الأميركية على الرئيس اليمني في محاولة لاحتواء الخطر الإرهابي. والآن وقد بدا أن أميركا تربح على جبهة الإرهاب فإن إدارة جورج بوش حولت انتباهها نحو دعم الديموقراطية.
وأمضى توماس كراجيسكي، سفير الولايات المتحدة في صنعاء والمحللون في مكتب الاستخبارات والأبحاث في الخارجية الأميركية شهورا وهم يحاولون تقييم الطريقة الأفضل لتشجيع صالح على القيام بإصلاحات. وكما حدث مع الجهاديين المصريين في التسعينات فقد وجد الأميركيون أن الرئيس اليمني متأرجح المواقف. فقد كان متعاونا ومتوافقا في السر، لكنه قتالي في العلن. فمن هو صالح الحقيقي؟ واصل المخبرون المأجورون الذين لهم اتصال بصالح نشر قصص عنه متندرين بقدرته على ذر الرماد في عيون الأميركيين.
وكان لا بد أن يتغير شيء ما وهذا على الأقل ما كان واضحا. ولم تنفع تحذيرات كراجيسكي على انفراد. وكررها السفير الأميركي وهز صالح رأسه ولكن لم يقم أبدا بأي عمل. الفساد انتشر ولم يعد بالإمكان السيطرة عليه عندما اشترى الضباط الديزل بأسعار مدعمة قبل أن يهربوه خارج البلاد لبيعه بالاسعار العالمية . والكوادر في مكتب الأمن القومي كانوا متورطين بالفعل وهي وكالة الاستخبارات الجديدة التي سعت الولايات المتحدة نحوها عام 2002 على أملأن تحل محل منظمة الأمن السياسي اليمنية التي اخترقها الجهاديون كانوا متورطين بالفعل كسابقيهم في بيع الديزل، وكذلك يحيى صالح ابن شقيق الرئيس وضباطه في الوات الأمنية المركزية الذين كانوا يتلقون كذلك تمويلا وتدريبا من جانب الولايات المتحدة.
والفساد مشكلة في اليمن منذ عقود حيث استولت عائلة صالح والمقربون منه على أراض في أرجاء البلاد لمصالحهم التجارية الخاصة. لكن الجيل القديم من المحتالين الحريصين الذين وصلوا للحكم مع صالح أفسحوا المجال للشباب المدللين الذين اعتقدوا أنهم جديرون بكل ما يستطيعون نهبه. وما كانت الولايات المتحدة سابقا مستعدة للتغاضي عنه مقابل تعاون اليمن في مكافحة الإرهاب أصبح قضيبة شائكة.
وفي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2005، أي قبل شهر من رحلة صالح إلى الولايات المتحدة صرح كراجيسكي علنا بانتقاداته صحيفة معارضة بأن الإصلاح الديموقراطي في اليمن "توقف". وإذا كان السفير الجديد في اليمن ينتظر ردا فلم ينتظر طويلا. في اليوم التالي هاجمه اصطبل كتاب الأعمدة الرسميون والصحفيون بقسوة في الصحف وعلى التلفزيون، وحذروا كراجيسكي من التدخل في شؤون اليمن الداخلية. وهذا الجهد المنسق والإجماعي تقريبا أشار إلى توجيهات من أعلى. وبدا كأن الولايات المتحدة اجتذبت أخيرا اهتمام صالح.
لكن صالح لم يستوعب مطلقا رسالة كراجيسكي. وبسبب إشاراته وغموضه فقد فشل كراجيسكي في التواصل حول التغير في السياسة الأميركية مع الرجل الأكثر أهمية. وعندما توجه صالح إلى واشنطن أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) توقع الحصول على مكافأة باعتباره حليفا مقربا لا يمكن الاستغناء عنه. فبعد كل شيء فخلال السنوات الأربع التي انقضت على زياره الأولى للرئيس بوش فقد فعل كل ما أرادته الولايات المتحدة. فقد قتل أو سجن كل قادة القاعدة وفقا لقائمة سلمتها له وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2001 ولم يحدث أي هجوم إرهابي منذ تفجير ليمبورغ قبل ثلاث سنوات. وكلما لاح خطر أمني فقد تعامل معه بقوة. وفي أوائل العام 2005 عندما تكونت خلية ناشطين وهددت السفارة الأميركية في صنعاء وأجبرتها على الإغلاق لفترة قصيرة اعتقلت قوات الح الرجال المسؤولين خلال أيام. وقال صالح للسفارة :"استجبت لكم فورا عندما كنتم تحتاجون أي شيء".
رئيس اليمن صاحب الحسابات كانت لديه أفكار حول الكيفية التي سيرد بوش الثمن له على يقظته وسرعة أفعاله. وفي تفكير صالح فإن رحلة واشنطن كانت فرصة للتسوق ، وعندما هبط في واشنطن كانت لديه قائمة بالمرغوبات. وتواصلت في الشمال حرب ضد الحوثيين الانفصاليين هي الثالثة في ثلاث سنوات واحتاج الرئيس لتحديث سلاح مدرعاته. وقد ساعد الأميركيين ضد القاعدة والآن هو يريد المساعدة ضد الإرهابيين الذين يحاربون نظامه.
في اليوم الاول من زيارته التي استغرقت ثلاثة ايام، احس صالح بالتغيير الذي طرأ على الوضع. فقد ابلغته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ان اليمن استُثني من "مؤسسة مواجهة الالفية"، وهي منظمة تمويل اسسها بوش للربط بين المعونات والاصلاح. وكان هذا يعني ان اليمن سيخسر 20 مليون دولار من المساعدات. ولما انه لم يكن مستعدا بما يكفي لهذا اللقاء، فان الرئيس اليمني لم يستطع الا ان يبلع ريقه بسبب خيبة الامل التي احس بها فيما واصلت رايس تكبيله بتهم الفساد وعدم اجراء اصلاحات. وواصلت كلامها قائلة انه اذا لم يحصل أي تغيير فان الولايات المتحدة لن ترى في صالح مرشحا مشروعا لانتخابات الرئاسة العام 2006. وكان كراجيسكي قد كرر هذا القول لعدة اشهر، الا ان صالح لم يكن ليصدق ان الولايات المتحدة كانت جادة. وخلال الليل ادخلت الولايات المتحدة تعديلات على الاسباب الداعية لتوفير معونات خارجية. وقالت ان تنظيم "القاعدة" لا يمثل اليوم مشكلة.
وفي اليوم التالي، عقد صالح اجتماعات في المقر الرئيسي للبنك الدولي، الذي لا يبعد الا قليلا عن البيت الابيض في شارع بنسيلفانيا. ولم يضع المسؤولون في البنك كثيرا من الوقت. اذ قالوا ان اليمن أهمل المؤشرات الرئيسة بشكل كبير. ونتيجة لذلك فان البنك سيخفض المعونة من 420 مليون دولار الى 280 مليونا. ومثلما فعلت رايس فانهم اشاروا الى الفساد الحكومي الواسع باعتباره عاملا حاسما.
وبعد يومين وفيما كان صالح في طريق العودة جوا الى بلاده فقد اعصابه وصرخ في وجه مساعديه واقال مستشاريه الاقتصاديين بعد دقائق من اقلاع الطائرة. وضاق صدر المجموعة من الشبان الذين تلقوا العلم في الغرب الذين يتحدثون الانغليزية في انتظار الوصول الى صنعاء ومن ثم الابتعاد عن رئيسهم الثائر غضبا. وقال احدهم في وقت لاحق "كان شيئا مرعبا، وكانت اطول رحلة بالطائرة مرت علي في حياتي".
لكن صالح لم يلبث بعد بضعة اسابيع عندما هدأت نفسه أن اعاد معظمهم الى مناصبهم. وسأل احد الشبان الذي كان من اقرباء احدث زوجات صالح "هل كنت تعتقد ان تغيير "فريدم هاوس" لمكانتنا سيترك اي أثر؟"
وجاء الرد بحدة "طبعا. لقد كان ذلك هو السبب الذي دفعهم الى حرماننا منه اساسا".
افتر ثغر صالح عن ابتسامة وهز رأسه قائلا ان "الاميركيين يدفعون المال حسب رغبتهم عندما يشاؤون ذلك".
كانت الرحلة نقط تحول في العلاقات الاميركية اليمنية. ففي مطلع العام 2006- عندما انخفضت المعونات الامنية الاميركية الى مستوى متدن جديد بقيمة 4.6 مليون دولار- قررت الولايات المتحدة ان تنظيم "القاعدة" في ذلك الوقت لم يعد يمثل تهديدا، وانها تستطيع ان تحول اموالها ومصادرها الى مكان اخر. وفي غياب "القاعدة" فان اليمن سيعود مرة اخرى الى دولة اخرى فقيرة.
لكن الحال لم يدم على هذا الوضع. ففي الثالث من شباط (فبراير) العام 2006 – بعد اسابيع من زيارة صالح الكارثية الى واشنطن – تمكن 23 من المشتبه بانهم من "القاعدة" من الخروج عبر انفاق من احد السجون التي تشتد فيها الحراسة الامنية في ضواحي صنعاء ليلجأوا الى مسجد مجاور، حيث اقاموا صلاة الفجر ثم انطلقوا من المدخل الرئيسي احرارا. وعادت "القاعدة" الى الظهور بهذه الطريقة. وكانت عملية الهروب اساس حركة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي تسبب بسنوات من الهجمات.
لم تلبث الولايات المتحدة ان استنتجت على عجل ان السجناء حصلوا على معونة من الداخل. وكان حفر خندق لمسافة 50 مترا من زنزانة السجن الى موقع مرحاض النسوة في مسجد مجاور، عملا جريئا للغاية. اذ ان السجن كانت يخضع لادارة المنظمة ذاتها التي خرج منها عبد السلام الهيلة، المحتجز في قاعدة غوانتانامو وهو نفسه الذي ابلغ اسامه بن لادن وايمن الظواهري عن احد الخونة بين صفوفهم. ولم يكن بامكان وكالة الاستخبارات الاميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالية الاميركي الا التخمين بمجريات هذه الخطة. وقال احد المسؤولين اننا لا نعرف "عدد المشتركين في العملية". وقال البعض في واشنطن ان الهروب من السجن قد يكون رد صالح على تخفيض المعونة قبل اربعة اشهر. بينما اعرب اخرون عن اعتقادهم ان الحرس المتعاطفين غضوا النظر عن عمليات الحفر.
وايا كان من وقف وراء الهروب من السجن، فان تنظيم "القاعدة" عاد مرة خرى باعتبار انه يمثل تهديدا كبيرا. وعلى مدى الاشهر اللاحقة اضطرت الولايات المتحدة من جديد الى تركيز اهتمامها ومعوناتها الى اليمن. وقررت ادارة بوش اعادة اليمن الى "مؤسسة مواجهة الالفية". لكن عملية التأهيل الجديدة لم تعش الا لفترة قصيرة. في تشرين الاول (اكتوبر) العام 2007، اعلن صالح انه توصل الى اتفاق مع جمال البدوي، احد الفارين المشتبه الرئيس في حادث الهجوم على السفينة الحربية الاميركية "كول" قبل سبع سنوات، الذي ادى الى مقتل 17 من البحارة الاميركيين.
اصيب بوش بالدهشة لدى اطلاق اليمن لشخص قتل بحارة اميركيين وعلى قائمة اكثر المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقام بايفاد كبيرة مستشاريه لمكافحة الارهاب فرانسيس تاونسند الى اليمن. وخلال لقاء في مقره الشتوي بمدينة عدن، حاول صالح ان يطئن تاونسند. قال لها لا تأبهي لبدوي "انه تحت المراقبة". واوضح صالح على حفل غداء انه ظل على اتصال مع بدوي لعدة اشهر، وانه لم يطلع حلفائه الاميركيين بتلك المعلومات. وواصل صالح قائلا انه التقى قبل اسبوعين مع الهارب في محادثات صريحة. وقال "وعدني بدوي ان يتخلى عن الارهاب وقلت له ان افعاله اضرت باليمن وصورته. وبدأ يدرك ذلك".
لم تنبس تاونسند ببنت شفه وهي تستمع الى صالح يشرح لها الصفقة كأنها عملية اقامة جبرية. كان بدوي يعيش ويعمل في مزرعته خارج عدن. وقال صالح ان الحكومة تراقبه عن كثب، وانه لن يرتكب اي جريمة بعد الان.
لكن الوعود التي قطعها صالح على نفسه لم تقنع احدا، ففي الولايات المتحدة وعلى هامش الحملة الانتخابية كان المرشح الجمهوري وعمدة نيويورك السابق روددولف غويلياني قد انتهزا الفرصة ووجها الدعوة الى اليمن لتتوقف عن مساندة الارهابيين. "كخطوة اولى، نحث الحكومة الاميركية على الغاء المعونات التي تتجاوز 20 مليون دولار المقرر ارسالها الى اليمن". وبعد ايام قلائل قامت الولايات المتحدة باتخاذ تلك الخطوة، وذلك باستثناء اليمن من مؤسسة مواجهة الالفية للمرة الثانية.
وهكذا انخفض التمويل الاميركي الى اليمن. الا ان العام 2008 كان العام الذي اصدر فيه تنظيم "القاعدة" ما اطلق عليه "صدى الملاحم"، وهو مجلة على الانترنت للدعاية والدعاوى الدينية، وفي ايلول (سبتمبر) هاجم فريق من سبعة رجال السفارة الاميركية في ساعة مبكرة. وكانت الخطوة التي اتخذها مقاول الامن اليمني المحلي بسرعة بانزال قضيب معدني امام سيارة مسرعة قبل ثوان من اطلاق النار عليه وقتله، قد انقذت السفارة من الدمار. وبدلا من انفجار السيارة عند المدخل الرئيسي للسفارة والسماح لخمسة من المهاجمين المسلحين بالدخول الى المجمع، انفجرت السيارة في الطريق على مقربة من مجموعة من اليمنيين الذين كانوا ينتظرون الحصول على تأشيرة. وفي خضم الحملة في الولايات المتحدة، قال باراك اوباما الذي كان مرشح الديمقراطيين للصحفيين انه لا بد للولايات المتحدة ان تبذل المزيد في اليمن. ومرة اخرى عاد المال والمعونات الاميركية في التدفق على صالح وعائلته في قوات الامن اليمنية.
وفي اعقاب وراثة سجلات المعونة لليمن، اسست ادارة اوباما من دون تأخير مستويات عالية جديدة في العام 2009 ومرة اخرى في العام 2010 – الى ان اجبرت الاحتجاجات الشعبية الحكومة الاميركية على تخفيض التمويل والتخلي عن صالح كلية في العام 2011. وفي اوائل ذلك العام عندما استلم هادي، الذي كان نائبا للرئيس صالح، زمام الحكم بمقتضى صفقة سياسية غير ناضجة منحت صالح حصانة، اعادت الولايات المتحدة صفقة المعونات الى اليمن مرة اخرى.
وللعام الثالث على التوالي، قررت الولايات المتحدة حدا مرتفعا جديدا للمعونات لليمن، وبلغت هذا العام 337 مليون دولار، وللسنة الثالثة على التوالي رفع تنظيم "القاعدة" عدد مقاتليه الذي يقدر حاليا بعدة الاف بعد ان كان مجرد الف مقاتل.
وبعد اكثر من عشر سنوات من المعونات التي تمنح وتلغى الى اليمن فان فرع "القاعدة" في اليمن اقوى مما كان عليه في 11 ايلول (سبتمبر) 2001. واثرت الاموال الاميركية العشرات في اليمن، وقتلت صواريخها التي اطلقت في البلاد المئات. ويظل تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ينمو باستمرار.
"القدس" الفلسطينية