في تطور مذهل يعيد تعريف مفهوم التنقل في المنطقة، تشهد العاصمة السعودية إطلاق أكبر مشروع مترو في العالم تم تنفيذه دفعة واحدة، حيث يستعد "قطار الرياض" لاستقبال 1.7 مليون راكب يومياً - رقم يفوق عدد سكان دولة البحرين بأكملها. بينما تقرأ هذه الكلمات، آلاف السيارات عالقة في شوارع الرياض، لكن هذا المشهد قد ينتهي إلى الأبد مع انطلاق هذا الإنجاز العالمي الذي يحمل وعداً بثورة حقيقية في عالم النقل الحضري.
أحمد العامري، الموظف الحكومي البالغ من العمر 35 عاماً، لا يصدق ما يراه: "ثلاث ساعات يومياً كنت أقضيها محاصراً في الازدحام للوصول من شمال الرياض إلى وسطها، واليوم أرى النهاية قريبة." الشبكة الجبارة التي تمتد على 176 كيلومتراً - مسافة تعادل الطريق من الرياض إلى الخرج ذهاباً وإياباً - تضم 85 محطة عصرية لامعة موزعة على 6 محاور رئيسية. "هذا ليس مجرد مترو، إنه إعادة تعريف لمعنى العيش في الرياض"، يؤكد د. محمد الشهري، خبير النقل الحضري، متوقعاً تحسن جودة الحياة بنسبة 40% للمستخدمين.
لم يأت هذا المشروع العملاق من فراغ، بل يمثل حجر الزاوية في رؤية السعودية 2030 لتحويل المملكة إلى دولة عصرية ومستدامة. مع النمو السكاني المتسارع الذي يتوقع وصول سكان الرياض إلى 8.5 مليون نسمة خلال العقد المقبل، كانت الحاجة ملحة لحلول جذرية تواكب هذا التطور. مثل افتتاح مترو لندن عام 1863 الذي غير وجه المدينة للأبد، يستعد مترو الرياض ليكون نقطة تحول تاريخية تضع العاصمة السعودية على خريطة المدن الذكية عالمياً، كجزء من سلسلة مشاريع التطوير الضخمة التي تشمل نيوم والقدية.
فاطمة السالم، مديرة التسويق البالغة 29 عاماً، تحسب الأرقام بسعادة: "سأوفر 15 ألف ريال سنوياً من تكاليف الوقود والصيانة، ناهيك عن الساعات الثمينة التي سأستردها لأقضيها مع أسرتي." المشروع لن يوفر الوقت والمال فحسب، بل سيحدث تأثيراً بيئياً هائلاً بتخفيض 400 ألف طن من انبعاثات الكربون سنوياً - ما يعادل إزالة 87 ألف سيارة من الطرق نهائياً. مليونا رحلة ستختفي من شوارع الرياض يومياً، بينما يتحول الهواء النظيف داخل المحطات العصرية إلى بديل مريح عن عوادم السيارات في الشوارع المزدحمة.
مع اكتمال المرحلة الأولى وانطلاق 3 خطوط رئيسية، تتسارع الخطط لإطلاق باقي الخطوط تدريجياً حتى الربع الأول من 2025. كالشرايين الحيوية التي تنقل الدم لأعضاء الجسم، سينقل هذا المترو الحياة والحيوية لجميع أحياء الرياض، مؤذناً ببداية عهد جديد من الحياة الحضرية المتطورة. الرياض اليوم لا تكتفي بمواكبة المدن العالمية المتقدمة، بل تتجاوزها لتصبح نموذجاً يُحتذى به في التطوير الحضري المستدام. هل أنت مستعد لتترك سيارتك وتنضم لثورة النقل الجديدة؟