كشفت مصادر دبلوماسية أمريكية رفيعة المستوى أن الرئيس دونالد ترامب يستعد لاتخاذ خطوة استراتيجية جذرية تتمثل في إعادة تفسير معاهدة مراقبة تكنولوجيا الصواريخ الموقعة عام 1987، وذلك لفتح الباب أمام بيع أكثر من 100 طائرة مسيّرة متطورة من طراز MQ-9 "ريبر" إلى المملكة العربية السعودية. هذا التعديل التاريخي لمعاهدة عمرها 38 عاماً سيعيد تصنيف هذه الطائرات من "أنظمة صاروخية" إلى "طائرات عسكرية تقليدية"، مما يتجاوز القيود المفروضة منذ عقود.
تتميز طائرات MQ-9 "ريبر" بقدرات تشغيلية استثنائية تجعلها من أكثر الأنظمة العسكرية المسيّرة تقدماً في العالم. تستطيع هذه الطائرات التحليق لمدة تصل إلى 27 ساعة متواصلة دون انقطاع، مما يمنحها قدرة فريدة على تنفيذ مهام الاستطلاع والمراقبة بعيدة المدى. كما تتمتع بقدرة على حمل ذخائر موجهة عالية الدقة، مما يوفر إمكانيات ضربات جراحية بدقة متناهية.
يأتي هذا القرار في إطار صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 142 مليار دولار أُعلن عنها خلال زيارة ترامب التاريخية للرياض في مايو الماضي. السعودية، التي بلغ إنفاقها العسكري 75.8 مليار دولار في عام 2024 لتصبح خامس أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق الدفاعي، كانت قد تقدمت بطلب رسمي لشراء هذه الطائرات المتطورة في وقت سابق من العام الجاري.
المعاهدة الأصلية التي وقعتها 35 دولة عام 1987 كانت تهدف إلى منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي يمكن استخدامها لإيصال أسلحة الدمار الشامل. لكن إعادة التفسير الجديدة ستسمح بمعاملة الطائرات المسيّرة الثقيلة مثل MQ-9 على أنها طائرات مقاتلة تقليدية مثل F-16، مما يسهل عمليات التصدير بشكل كبير.
تتضمن القدرات التقنية المتقدمة لطائرات MQ-9 أنظمة استشعار متطورة تمكنها من جمع معلومات استخباراتية دقيقة، إلى جانب قدرتها على العمل في ظروف جوية متنوعة. هذه الميزات تجعلها أداة استراتيجية مهمة للغاية في عمليات مكافحة الإرهاب والدفاع الحدودي.
يأتي هذا التطور في سياق مواجهة المنافسة العالمية الشديدة في سوق الطائرات المسيّرة، حيث برزت الصين وتركيا وإسرائيل كمنافسين أقوياء. بينما لم تنضم بكين وتل أبيب إلى معاهدة MTCR، مما أتاح لهما بيع أنظمة قتالية متطورة دون قيود، نجحت أنقرة في تسويق مسيراتها "بيرقدار TB2" مستفيدة من كونها ذات مدى محدود.
امتلاك السعودية لطائرات MQ-9 سيعزز قدراتها الدفاعية بشكل نوعي، خاصة في مجالات الاستطلاع بعيد المدى والضربات الدقيقة. هذا التطوير يمثل نقلة استراتيجية مهمة في قدرات الدفاع السعودي، ويعكس التحسن الملحوظ في العلاقات الأمريكية السعودية منذ عودة ترامب للرئاسة.
تستهدف الولايات المتحدة من خلال هذا القرار استعادة الريادة في سوق الطائرات المسيّرة العالمي، ومنع منافسين مثل الصين وتركيا من الاستحواذ على عقود استراتيجية مع حلفاء واشنطن. كما ستستفيد شركات أمريكية مثل جنرال أتوميكس وكراتوس وأندوريل من تسهيل عمليات التصدير.
رغم هذا التطور الإيجابي، تظل جميع صفقات الطائرات المسيّرة خاضعة لآلية المبيعات العسكرية الأجنبية التي تشترط تقييم سجل حقوق الإنسان للدولة المستوردة وقدرتها على حماية التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة من التسرب لأطراف معادية.