خرج البطل السعودي ماهر الدلبحي من مدينة الملك سعود الطبية بالرياض محمولاً على أكتاف التقدير الشعبي والرسمي، بعد رحلة علاج امتدت لأسابيع من الحروق الشديدة التي أصيب بها أثناء إنقاذه محطة وقود في مركز الجمش بمحافظة الدوادمي من كارثة محققة. وسط أجواء الاحتفاء والتكريم، استقبل الدلبحي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ومكافأة مالية قدرها مليون ريال، في خطوة تعكس التقدير الرسمي للعمل البطولي الذي قام به.
تتويج هذا الإنجاز البطولي جاء بعد حادثة استثنائية شهدتها محطة الوقود في منتصف أغسطس الماضي، عندما اشتعلت النيران في شاحنة محملة بالتبن داخل المحطة. في لحظة فارقة تختبر شجاعة الإنسان وحسن تقديره للمواقف، لم يتردد الدلبحي للحظة واحدة في اتخاذ قرار حاسم غيّر مجرى الأحداث.
ترك سائق الشاحنة مركبته المشتعلة وفرّ من المكان خوفاً من انفجار محتمل، تاركاً وراءه خطراً داهماً يهدد خزانات الوقود في المحطة. هنا برزت شخصية ماهر الدلبحي الاستثنائية، حيث أدرك حجم الكارثة التي قد تحدث إذا امتدت النيران إلى خزانات الوقود، فاقتحم المشهد المرعب وصعد إلى الشاحنة المشتعلة دون تفكير في سلامته الشخصية.
قاد البطل الشاحنة المحترقة لمسافة آمنة بعيداً عن المحطة، متحملاً حرارة النيران اللاهبة التي التهمت أجزاء من جسده. هذا التصرف الجريء منع انفجاراً كان سيؤدي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، وأنقذ عشرات الأرواح التي كانت معرضة للخطر في المنطقة المحيطة بالمحطة.
دفع الدلبحي ثمناً باهظاً مقابل عمله البطولي، حيث أصيب بحروق من الدرجة الثالثة في الوجه والرأس والأطراف. نُقل على وجه السرعة إلى مدينة الملك سعود الطبية بالرياض، حيث تلقى رعاية طبية متخصصة على مدار أسابيع حتى تماثل للشفاء واستقرت حالته الصحية بشكل كامل.
رغم شدة الإصابات التي تعرض لها، أظهر ماهر الدلبحي روحاً متسامحة ومتفائلة خلال فترة علاجه. في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، ظهر البطل وهو يشكر جميع من دعموه ووقفوا إلى جانبه، قائلاً بابتسامة رغم آثار الحروق الواضحة على وجهه: "أشكركم على الدعاء لي والكلام الزين، الله يسعدكم".
تفاعل المجتمع السعودي بقوة مع قصة البطل، حيث تصدر اسم "ماهر الدلبحي" قوائم الترند على منصات التواصل الاجتماعي، وأطلق عليه المغردون لقب "بطل الدوادمي". تناقل السعوديون قصته كنموذج مشرف للشجاعة والإقدام، مطالبين بتكريمه رسمياً تقديراً لتضحيته الجسيمة.
جاء الرد الرسمي سريعاً ومناسباً لحجم العمل البطولي، حيث منحت القيادة السعودية الدلبحي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وهو أحد أرفع الأوسمة في المملكة. بالإضافة إلى ذلك، حصل على مكافأة مالية قدرها مليون ريال، في إشارة واضحة لتقدير الدولة للمواطنين الذين يضحون بأنفسهم لحماية الآخرين.
تمثل قصة ماهر الدلبحي درساً خالداً في معنى المسؤولية المجتمعية والشجاعة الشخصية. في عالم يشهد تراجعاً في القيم النبيلة أحياناً، يبرز أبطال حقيقيون مثل الدلبحي ليذكرونا بأن روح التضحية والإيثار ما زالت حية في نفوس أبناء هذا الوطن. موقفه لم يكن مجرد رد فعل عفوي، بل تجسيد حقيقي لقيم الرجولة والمروءة التي تربى عليها أجيال من السعوديين.
خروج البطل من المستشفى يمثل نهاية سعيدة لقصة كان من الممكن أن تنتهي بشكل مأساوي. عودته إلى أهله وأحبابه محملاً بالتقدير والاحترام تؤكد أن الخير لا يضيع، وأن المجتمع يعرف كيف يقدر أبناءه المضحين. قصة الدلبحي ستبقى محفورة في الذاكرة الجماعية كمثال يُحتذى به في التضحية من أجل الآخرين.