أظهرت صور أقمار صناعية حديثة التقطتها شركة Planet Labs PBC في الخامس من يوليو 2025 وجود حفرة كبيرة بطول 150 متراً وعرض 60 متراً قرب مركز شيمون بيريز للأبحاث النووية في ديمونا، مما أثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت إسرائيل تشيد مفاعلاً نووياً جديداً في هذا الموقع الحساس.
الحفرة التي بدأت كموقع حفر في عام 2021 تحولت الآن إلى منشأة معقدة تحت الأرض مع جدران خرسانية سميكة وعدة طوابق، حسبما تكشف الصور الجوية المحدثة. الموقع الذي يقع على بعد مئات الأمتار من مفاعل ديمونا الأصلي يشهد حالياً أعمال بناء مكثفة مع وجود رافعات إنشائية متعددة.

فحص سبعة خبراء دوليين متخصصين في الشؤون النووية هذه الصور وتوصلوا إلى استنتاجات متباينة حول طبيعة البناء الجاري. ثلاثة منهم يعتقدون أن الأبعاد والموقع والتصميم متعدد الطوابق يشير بقوة إلى أن المنشأة الجديدة ستكون مفاعلاً للماء الثقيل قادراً على إنتاج البلوتونيوم والتريتيوم، وهما عنصران حاسمان في تصنيع الأسلحة النووية المتطورة.
في المقابل، يرى الخبراء الأربعة الآخرون أن البناء قد يكون مرتبطاً بمنشأة جديدة لتجميع وتصنيع الأسلحة النووية، مؤكدين صعوبة الجزم بطبيعة المشروع نظراً لكونه لا يزال في مراحله الأولى ولغياب المؤشرات البصرية الواضحة مثل قبة الاحتواء التقليدية.
جيفري لويس، الخبير في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي بمعهد ميدلبري، علق على الصور قائلاً إن الحكم "ظرفي لكن هذه هي طبيعة هذه الأمور. من الصعب جداً تخيل أنه شيء آخر" غير مفاعل نووي، مستنداً في تقييمه إلى موقع البناء وحجمه وتاريخ منشأة ديمونا.
الحفرة الضخمة التي تم اكتشافها أول مرة في 2021 شهدت تطوراً دراماتيكياً خلال السنوات الثلاث الماضية. ما بدأ كموقع حفر بسيط تحول إلى مجمع معقد من الهياكل الخرسانية المتعددة الطوابق تحت الأرض، مما يعكس الاستثمار الكبير والجهد التقني المتقدم المبذول في هذا المشروع السري.

يسري أبو شادي، الخبير في المفاعلات النووية وكبير المفتشين السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، استبعد أن تكون المنشأة الجديدة مفاعلاً نووياً من النوع الثقيل بسبب صغر أبعاد المبنى مقارنة بالمعايير المعتادة. ورجح أن يكون المبنى مخزناً لليورانيوم أو مصنعاً للأسلحة النووية المصنوعة من اليورانيوم المنضب، خاصة مع وجود فتحات تهوية على سطح المبنى وغياب المداخن المتعارف عليها في المفاعلات النووية.
الخبير النووي طارق عبد العزيز اعتبر أن الصور تشير إلى "توسعات كبيرة في مفاعل ديمونا"، مؤكداً أن إسرائيل "في طريقها إلى تطوير إمكانياتها النووية من خلال تطوير الموقع القديم إضافة إلى منشآت جديدة". وأشار إلى احتمالية أن تكون المنشأة الجديدة مخصصة لنقل المخزونات الخاصة بالنفايات النووية أو تطوير قدرات إنتاج أسلحة نووية محدثة.
مفاعل ديمونا الأصلي، الذي بدأ تشغيله في ستينيات القرن الماضي، يعمل حالياً لفترة أطول بكثير من معظم المفاعلات في نفس الحقبة الزمنية، مما يثير تساؤلات حول ضرورة استبداله أو تحديثه جذرياً. المفاعل الذي بني بمساعدة فرنسية سرية يُعتقد أنه أنتج المواد الانشطارية اللازمة لترسانة نووية تُقدر بحوالي 90 رأساً حربياً، وفقاً لتقديرات نشرة علماء الذرة لعام 2022.

الحفرة الجديدة وما تحويه من منشآت تحت الأرض تكتسب أهمية خاصة في ظل السياق الإقليمي المتوتر، حيث نفذت إسرائيل في يونيو الماضي ضربات استهدفت منشآت نووية إيرانية وسط مخاوف من تطوير طهران لقدرات نووية عسكرية. هذا التطوير المحتمل في ديمونا قد يعكس رغبة إسرائيلية في تعزيز قدراتها النووية كرد على التحديات الإقليمية المتنامية.
داريل جي. كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة، أوضح أنه "إذا كان مفاعلاً يعمل بالماء الثقيل، فإنهم يسعون إلى الحفاظ على القدرة على إنتاج وقود مستهلك يمكنهم معالجته لاحقاً لفصل البلوتونيوم لإنتاج المزيد من الأسلحة النووية".
الحفرة الغامضة بطولها البالغ 150 متراً تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل التوازن النووي في الشرق الأوسط، خاصة أن إسرائيل تواصل انتهاج سياسة "الغموض النووي" برفضها تأكيد أو نفي امتلاكها أسلحة ذرية، بينما تبقى خارج إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي انضمت إليها 191 دولة منذ عام 1970.