الرئيسية / شؤون محلية / تناقض حكومي صادم: 30 حياً في الخرطوم ملوثة كيمياوياً وشهود يروون عن وفيات فجائية وإجهاضات مفاجئة
تناقض حكومي صادم: 30 حياً في الخرطوم ملوثة كيمياوياً وشهود يروون عن وفيات فجائية وإجهاضات مفاجئة

تناقض حكومي صادم: 30 حياً في الخرطوم ملوثة كيمياوياً وشهود يروون عن وفيات فجائية وإجهاضات مفاجئة

نشر: verified icon أمجد الحبيشي 04 سبتمبر 2025 الساعة 09:40 مساءاً

أثار التناقض الحاد بين موقفي مؤسستين رسميتين سودانيتين بشأن وجود التلوث الكيميائي في العاصمة الخرطوم موجة من الجدل والمخاوف، خاصة في ظل تقارير متزايدة عن انتشار أمراض غامضة ووفيات فجائية في نحو 30 حياً سكنياً وإدارياً بالمدينة. فبينما أكد المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية وجود تلوث كيميائي في مناطق محددة من الخرطوم، أصدرت وزارة الصحة بياناً نافياً لوجود أي أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات.

وكشفت الدكتورة منى علي محمد، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة، خلال ورشة تدريبية حول مخاطر المواد الكيميائية في بورتسودان، أن ولاية الخرطوم تعرضت لتلوث كيميائي خطير، لكنها سارعت إلى إلقاء اللوم على قوات الدعم السريع باعتبارها المسؤولة عن استهداف المصانع في العاصمة.

في المقابل، نفت وزارة الصحة بشكل قاطع هذه الادعاءات، مؤكدة أن "البيانات الواردة من الجهات الوطنية المختصة خلصت إلى عدم وجود أدلة علمية تدعم وجود تلوث إشعاعي بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية". وأضافت الوزارة أن "القياسات والتقارير الرسمية أظهرت أن الوضع العام لا يشكل تهديداً على الصحة العامة".

هذا التضارب في المواقف الرسمية يأتي وسط تصاعد الاتهامات الدولية للجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية في الحرب الدائرة منذ أبريل 2023. ففي مايو الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً أنها تستند إلى أدلة حقيقية تؤكد استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية محظورة دولياً، قبل أن تفرض عليه عقوبات.

تشير معلومات أولية إلى وجود التلوث الكيميائي في المناطق الواقعة بين القصر الجمهوري وجامعة الخرطوم شمالاً وحتى الحدود الجنوبية لأحياء الخرطوم شرق، والتي تشمل العمارات والطائف والرياض والمعمورة وأركويت، إضافة إلى عدد من أحياء مدينة أم درمان. وقد أثارت قضية تسرب من مخزن يحتوي على مادة الكلور في شرق الخرطوم جدلاً كبيراً، خاصة بعد منشورات على منصة ومنصات اجتماعية أخرى أشارت إلى إصابة أعداد كبيرة من سكان المنطقة بأمراض مرتبطة بذلك التسرب.

ووفقاً للصحفي عماد أونسة، فإن هذه التقارير تشير إلى حقيقة وجود تسرب ضار بحياة الإنسان، مما يؤكد الحاجة لإجراء تحقيق فني من جهات اختصاص دولية. وأضاف: "مع تقديرنا لكل التصريحات المتباينة فإن المسألة ليست مسألة تسرب كلور فقط، بل هناك شكوك حول وجود خردل وغازات أخرى تُعتبر ضمن أدوات الحرب المحرمة دولياً".

تتفاقم المخاوف من التداعيات الصحية الكارثية للتلوث الكيميائي المزعوم، خاصة مع تزايد التقارير عن انتشار أمراض غامضة ووفيات مفاجئة في المناطق المتضررة. شهادات الأطباء العاملين في مستشفيات الخرطوم تكشف عن ارتفاع "مرعب" في أعداد الوفيات بين المدنيين بسبب أمراض تبدأ بأعراض مثل الغثيان والإسهال والتشنجات وضيق الصدر وصعوبة التنفس.

في مناطق أخرى من السودان، تشهد دارفور ووسط البلاد ظواهر مماثلة مثيرة للقلق. ففي مدينة مليط بولاية شمال دارفور، كشف الدكتور محمد علي مسبل، المدير الطبي لمستشفى مليط، أن المستشفى استقبل "عشرات الحالات لنساء أجهضن دون أسباب واضحة"، مرجحاً أن تكون هذه الحالات مرتبطة بالمقذوفات التي تلقيها الطائرات على المدينة والتي "غالباً ما تحتوي على أسلحة كيميائية".

في منطقة الكومة بولاية شمال دارفور، وصف أحد القيادات الأهلية من قبيلة الزيادية ما شهدته المنطقة بأنه "سلاح شيطاني"، قائلاً: "لقد مات كثيرون فجأة وهم واقفون. رأينا رماداً أسود لم نره من قبل. الحيوانات أصيبت بالعمى، الأشجار انهارت، وآبار المياه تلوثت بالكامل". وأشار موسى مراح، الناشط المتطوع في غرفة طوارئ الكومة، إلى انتشار أمراض غامضة بين النازحين، خاصة في مراكز الإيواء التي تعرضت مراراً للقصف الجوي.

في وسط السودان، تزايدت المخاوف مع ظهور أمراض غريبة وسط السكان ونفوق أعداد كبيرة من الفئران والقوارض، في ظل تقارير تحدثت عن استخدام أسلحة كيميائية خلال المعارك في منطقة جبل موية قرب سنار. وينبّه عزّا عبد الماجد مردس، عضو الجمعية الملكية البريطانية لتعزيز الصحة، إلى أن التفسير العلمي لظاهرة نفوق الفئران مرتبط إما بمواد كيميائية سامة أو أوبئة أو تغيرات بيئية، معتبراً أن ذلك يشكل إنذاراً بيئياً وصحياً يتطلب استجابة عاجلة.

تقول رحاب مبارك، عضو المكتب التنفيذي لمجموعة "محامو الطوارئ" التي أعدت تقريراً مفصلاً حول الموضوع، إن ظهور علامات واضحة على استخدام الأسلحة الكيماوية يثير ذعراً واسعاً في أوساط المدنيين. ودعت المجموعة إلى تحقيق دولي عاجل فيما وصفته بـ"القاتل الصامت"، مؤكدة أن ما يحدث يمثل "انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني" ويستدعي تدخلاً دولياً فورياً.

يحذر الخبراء من أن "الإنكار" الرسمي للتلوث الكيميائي قد يؤدي إلى مفاقمة التأثيرات الكارثية على حياة السكان، خاصة في ظل تقارير متواترة تحذر من "عدم صلاحية العاصمة للحياة" نتيجة مزاعم تتعلق بالتلوث الإشعاعي واستخدام الأسلحة الكيميائية والتدهور البيئي.

من الناحية القانونية، يحظر القانون الدولي بشكل واضح استخدام الأسلحة الكيميائية، وفقاً لبروتوكول جنيف لعام 1925 واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993. ويقول إسماعيل مضوي، الذي عمل مستشاراً قانونياً في الأمم المتحدة، إن استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان "سيفتح الباب للمساءلة الجنائية الدولية المباشرة ضد القادة، مع عقوبات قاسية قد تصل إلى تدخل دولي مسلح".

يشير مضوي إلى أن استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل واسع النطاق أو منهجي ضد المدنيين يعتبر جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يندرج تحت طائلة جرائم الإبادة الجماعية في حال استخدامه بنية تدمير جماعة عرقية أو دينية أو قومية. وحذر من أن "الذي يظن أنه يحسم الحرب بالكيماوي، إنما يضع عنقه في حبل المحكمة الجنائية الدولية ويجعل قضيته قضية أمن عالمي".

شارك الخبر