تبدأ منذ إعلانه عن نفسه في العام 1990، في بعض مناطق محافظة صعدة شمال العاصمة صنعاء، أي بُعَيد إعلان الوحدة اليمنية، والسماح الدستوري للتعددية السياسية إطاراً ثقافياً وسياسياً، بطبيعة المنهج الذي تم تقريره على الطلبة في الفترة الصيفية، وكذا محاضرات التوعية، وجملة النشاطات الفكرية والسياسية المصاحبة، والمقدمة لمنتسبي هذا التنظيم، أو المنتدى، أو الجماعة، وكانت تتضمن دروساً دينية، كالفقه، والحديث، والتفسير، والعقائد، إضافة إلى نشاطات مختلفة كالرياضة، وتعليم الخطابة، والأناشيد، والمسرحيات، واللقاءات، والحوارات، وغيرها، كل ذلك في إطار برنامج يومي مكون من ثلاث فترات: فترة صباحية، وفترة الظهيرة، وفترة المساء.
ثمة مكونان مذهبيان رئيسان سائدان في اليمن، عبر تاريخها الإسلامي هما الشافعية والزيدية. عاش في ظلهما اليمنيون منذ نشأتهما على نحو من التآخي العام، دون أن يعني ذلك خلو الأجواء من حدوث قدر من المناكفات والمشاحنات بين حين وآخر، وعادة ما يسهم في تأجيجها تسييس أي من المذهبين حين تدول الغلبة لأي منهما في الحكم والإمارة، وخاصة الزيدي منهما؛ ذلك أنه قد تمكن بعض الأئمة الزيدية من السيطرة على بعض المناطق في اليمن، وجعل المذهب الرسمي للحكم فيها هو المذهب الزيدي الهادوي (نسبة إلى الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن القاسم الرسي. ت: 298هـ) لمدة تزيد عن الألف عام.
وإذا كان الإمام زيد هو المؤسس الأول للزيدية في اليمن؛ فإن تراثه خال من الزعم باشتراط نسبي أو عائلي أو حتى أفضلية لحصر الخلافة في البيت العلوي، بل يراعي في ذلك مصلحة المسلمين وعدالة الوالي، وإن سمى واقعاً كهذا "إمامة المفضول"، مراعاة لشرطي الكفاية والعدالة، بعيداً عن الافتراضات المثالية.
وينص أحد أئمة الهادوية، وهو المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (ت 840هـ)، في أبرز مصدر هادوي معتمد حتى اليوم لدى الزيدية المعاصرة، وهو "متن الأزهار"، على شرط العلوية والفاطمية بقوله: "ويجب على المسلمين شرعاً نصب إمام مكلف ذكر حر علوي فاطمي، ولو عتيقاً لا مدعِي، سليم الحواس والأطراف، مجتهد عدل سخي، يوضع الحقوق في مواضعها، مدبر، أكثر رأيه الإصابة، مِقدام، حيث يجوز السلامة، لم يتقدمه مجاب. وطريقها الدعوة، ولا يصح إمامان".
كما عد الإمام يحيى بن حمزة (ت 749هـ) (وهو من أعدل الزيدية، وأكثرهم شهرة بالذب عن الصحابة) واحداً من صفات الزيدي حصره الإمامة في الفاطمية، حين عرف الزيدية ونسبها إلى الإمام زيد، ثم أعقب ذلك بقوله: "فمن كان على عقيدته في الديانة والقول بالمسائل الإلهية، والقول بالحكمة، والاعتراف بالوعد والوعيد، وحصر الإمامة في الفرقة الفاطمية، والنص في الإمامة على الثلاثة الذين هم علي وولداه، وأن طريق الإمامة الدعوة في من عداهم، فمن كان مقراً في هذه الأصول فهو زيدي".
لم يؤثر عن الإمام زيد النيل من كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر، بل إن التحقيق العلمي ليقرر أنه مما ثبت عنه واشتهر صحة ولاية الشيخين (أبي بكر وعمر)، والتبرؤ ممن نال منهما أو قدح في خلافتهما، وأن ذلك الموقف منه هو سبب انفصال معظم جيشه عنه، حيث لم يقاتل معه ساعة المواجهة مع جيش هشام بن عبد الملك الأموي (ت 125هـ)، سوى مائتين وثمانية عشر رجلاً، مما جعل زيداً يقول: "سبحان الله، أين الناس؟ فقيل: هم في المسجد محصورون"، بل إن بعض المصادر الزيدية المعاصرة لتقرر – تبعاً لما هو ثابت في أمهات المصادر التاريخية - أن الوصف بالرفض الذي ينزعج منه الشيعة الإمامية المعاصرون، قد سنه الإمام زيد حين اشترط بعض غلاة الشيعة الذين كانوا معه -كي يخرجوا معه ويقاتلوا- أن يتبرأ أولاً من أبي بكر وعمر، وحين أبى ذلك، رفضوا القتال معه، "فقال لهم: اذهبوا فأنتم الروافض، فصارت هذه الكلمة علماً لهم".
غير أنه قد ظهرت فرقة تاريخية تمثل واحدة من فِرق المذهب الزيدي، تقترب في جوهرها من الفكر السياسي الاثني عشري، في النتيجة والمآل، وتلكم هي فرقة الجارودية (نسبة إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد، وقال بعضهم: إنه زياد بن المنذر العبدي، ت 150هـ، وقيل 160هـ)، وترى "أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده، وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول، ثم الحسن من بعد علي هو الإمام، ثم الحسين هو الإمام من بعد الحسن". ونرى الفكر الحوثي قد اقترب من هذه الفرقة.
انسجاماً مع المنطق القائل: إنه لا يمكن لأية فكرة قادمة من الخارج أن تجد لها قبولاً أو ترحيباً داخل بلاد ما، ما لم يكن ثمة استعداد ذاتي داخلي لدى أهلها، وقابلية لاحتضانها ورعايتها؛ فإنه يمكن تقسيم عوامل ظهور الحوثية، وبلوغها هذا المدى من التأثير والانعكاس على الوضع العام في اليمن؛ على عاملين: ذاتي داخلي، وآخر خارجي طارئ. مع الإشارة إلى أنه يتعذر الفصل الكامل بين العاملين، كما يتعذر إطلاق أحكام جزافية غير محققة؛ من مثل أن العامل الخارجي هو الأساس؛ إذ الفكر الحوثي ليس سوى نسخة مطابقة لما عند الآخرين؛ فالحق أن ثمة تداخلاً لا يخفى على متابع جيد، كما سيتضح لاحقاً.
" ميدل ايست أونلاين"