لو لم تلتبس الأمور على صحيفة فرنسية فتخطئ بخبر نشرته في 1888 تحت عنوان "موت تاجر الموت" لما ظهرت للوجود جوائز نوبل، التي يتم توزيعها سنوياً في الشهر الذي ولد فيه الرجل الذي تحمل اسمه، وهو أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتسليمها بديسمبر/كانون الأول، لأنه الشهر الذي توفي فيه بنزيف دماغي، من دون أن يترك زوجة أو أبناء.
ومع أن الصحيفة، التي لم تعثر "العربية.نت" على صورة الإعلان المنشور فيها، ذكرت الخبر مختصراً وفقيراً بالتفاصيل وكأنه برقية، إلا أنها بدأته وأنهته بعبارة صاعقة: "الدكتور ألفريد نوبل الذي جمع ثروته من اختراع يقتل أكبر عدد من الأشخاص بأقصر وقت، توفي أمس".
من العنوان والأسلوب الذي استخدمته الصحيفة في وصف نوبل الذي لم يكن هو المتوفى، بل شقيقه لودفيغ، أدرك "مخترع الديناميت" ما سيقولون عنه بعد الوفاة، فانتابته على ما يبدو حزمة أحاسيس سلبية، مع تأنيب للضمير يذكرون أنه كان واضحاً عليه كجمرة نارية تؤذيه ولم تخمد إلا بعد وصية كتبها وولدت معها الجائزة المسيلة للعاب.
في الوصية الموجودة في متحف له افتتحوه في 2001 باستوكهولم بمناسبة 100 عام على انطلاق الجائزة، خصص نوبل كل ثروته بعد الوفاة لتعزيز السلام والتقدم العلمي بجائزة طلب منحها لأبرز الناشطين من أجل السلام، ولنظرائهم بالفيزياء والطب والأدب والكيمياء، ومن بعدها في 1968 أضافوا إليها سادسة للبارزين بالاقتصاد، مع أنه تجاهل هذا الحقل تماماً.
ناشطة من أجل السلام عرفها لأسبوع فقط
وهناك امرأة مرت كغيمة صيف في حياة نوبل الذي أبصر النور في 1933 باستوكهولم، فعرفته لوقت قصير جداً، لكنها كانت على اتصال به استمر بالمراسلات، وكان لها تأثير عليه واضح أدى لظهور الجائزة أيضا، هي برثا فون سوتنر، وكانت ناشطة نمساوية وصحافية أصغر منه بعشر سنوات، وعملت معه في 1876 كسكرتيرة ومديرة لمنزله عندما كان مقيماً في باريس، طبقاً لما راجعته "العربية.نت" من سيرة حياتها.
يكتبون أن رسائلها إليه "كانت تعكس ميلها لنشر السلام" فتأثر بها وأصبح يميل إليه مثلها، لذلك ولدت لديه فكرة تزيل عنه هم ربحه للمال من ديناميت قاتل اخترعه، وهي منحه جائزة لمن يعمل للسلام، خصوصا عندما قرأ كتابا لها صدر في 1889 بعنوان "أسقطوا الأسلحة" واكتسبت معه شهرة دولية.
كما تأثر بنشاط مؤسسة نمساوية للسلام أسستها في 1891 بفيينا ونشطت من خلالها، وبسببها منحوها في 1905 نوبل للسلام كأول امرأة تحصل عليها، ثم طبعوا صورتها على أوراق العملة المحلية، وهي محفورة اليوم على قطعة 2 يورو النقدية المسكوكة في النمسا.
أول حزمة ديناميت صنعها نوبل
وكان نوبل تعرف إليها بعد إعلان نشره في 1876 بأشهر صحيفة في كل عاصمة أوروبية مهمة، ومنها واحدة في فيينا، وقال في الإعلان: "رجل ثري جدا، ذو تعليم عال، وجنتلمان متوسط العمر مقيم في باريس، يطلب سيدة ملمة بلغات ومتوسطة العمر للعمل لديه كسكرتيرة ومديرة شؤون المنزل" فقرأت الإعلان وأبرقت إليه، وبعد أيام كانت معه في باريس.
"أقنعيني وأنا سأقوم بشيء عظيم"
نسخة عن وصية نوبل
لكن قلب برثا التي توفيت في 1914 كان مرتبطاً برجل تركته في فيينا، فلم تطق الفراق، وبعد أسبوع واحد فقط من العمل مع ألفريد نوبل عادت وتزوجت بمن تحب، ثم مرت سنوات طويلة اكتشفوا بعدها كلمات كتبها نوبل في إحدى رسائله إليها، وفيها تطرق للمؤسسة التي أسستها للسلام، وقال: "أقنعيني وأنا سأقوم بشيء عظيم نحوها".
ويبدو أنها أقنعته بسرعة، فقام بالشيء العظيم لمؤسستها ولكل من يعمل للسلام أو يبرز بعلوم تفيد الآخرين، وخصص 9 ملايين دولار تركها حين وفاته في 1896 بإيطاليا، أي تقريبا 170 مليوناً الآن، لتحويل الديناميت الذي اخترعه في 1867 من أداة للقتل والتدمير إلى أداة للتعمير وجوائز جديرة بكل احترام.