وأن النظام هنا يكرس التخلف بكل إمكانيات الدولة ويعمل على مخادعة كل الأطراف التي يتعامل معها في العالم، وينتج ويصدر الإرهاب بأشكال وأدوات متعددة، منها تكريس الطبقية الاجتماعية ودعم الطبقة المهيمنة على حساب الطبقات المسحوقة، وإعادة صنع هيبة "المشائخ" لاستخدامهم في الحروب الشخصية والمواجهات الهامشية وذلك ما تحدثت عنه دراسة عن السجون الخاصة في اليمن لمؤسسة «ثروة» لحقوق الانسان في واشنطن تستعرض «الصحوة» أهم ما جاء فيها:
وللمتنفذين في سجونهم مذاهب
يمتلك المشائخ والمسئولون سجونا خاصة، يقبع فيها المواطنون لفترات طويلة ويموتون فيها أحيانا.. كثيرون من البشر يحصلون على حياة سيئة وتصادف ظروف وجودهم تحت سيطرة أشخاص سيئين يعملون على استعبادهم كانت هذه هي الفرضية التي انطلق منها الكاتب، يوجهه في ذلك شكوك أتوقاها أن ذلك ربما نوع من الوسوسة بسبب قراءة التأريخ لأن هذه المشكلات قد تخلص منها العالم حين قضى على الإتجار بالبشر، إلا أن حجم المأساة يتضح عندما نعرف أن هناك بشرا يعملون بالزراعة وأعمال بدائية حرفية مجانا، ويتعرضون فوق ذلك للإهانة والسجن والقتل دون أن ينالوا نصيبا من حقهم كمواطنين أو كبشر.
كل هولاء هم ضحايا بشكل أو بآخر للتركيبة الاجتماعية التي يعد المشائخ العامل الأكبر في تشكل صورة النتائج الأساسية لمثل هذه المخرجات السلبية التي تؤثر بشكل عام على الصورة العامة لنمط الحياة في مجتمع مركب من مجتمع مدني ناشئ وقبلي متحول ومتدين و...إلخ. وما زال يحتفظ بخصوصية الثنائية اللزجة بين الريف والمدينة، ولا يزال فيها التمييز وعدم المساواة، ويغيب عنها مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات. وبرغم حضارتها وثقافتها المتأصلة، إلا أنه تنتشر فيها سجون بأنواع متعددة، حيث نرى أن السجون العقابية الرسمية "المركزية" وسجون مراكز الشرطة الرسمية التابعة جميعها للدولة تعجُ بالسجناء ويستخدم النوع الثاني في حالات متكررة بشكل غير قانوني ، ولم تكتف بهذه السجون فقط بل هناك سجون غير رسمية تابعة للجهات الرسمية، وهي الوزارات الخدمية وفروعها ومكاتبها في المناطق والمدن اليمنية مثل وزارة الأوقاف، والتي يعاقب ويحبس فيها من يخالف الإجراءات الخاصة بتلك الوزارة أو هذه المؤسسة بعيدا عن القانون المثالي الذي يحمي حرية المواطن ويقدسها، أيضا ويمنع الاعتداء عليها، حيث يعتبر القانون اليمني متقدما جدا من حيث النصوص، إلا أنه يفرغ من محتواه عند التطبيق، وأحيانا يفسره القائمون عليه بطرق خاطئة دعما لمصالحهم الشخصية، وهو ما حدث في قضية حمدان درسي التي حكم فيها على المجني عليه بإحالته للقضاء رغم ثبات موقف الشهود الذين أحيلوا هم أيضا للتحقيق.
أما النوع الرابع من السجون، وهو السجون الخاصة التابعة للمشائخ في القبائل في المناطق الريفية والقبلية والمدن البعيدة غير الرئيسية – وهو محور حديثنا - والتي يحبس فيها من يأمر به الشيخ، يكون السجين رهينة لقضايا وخلافات بين القبائل والجماعات، ويكون أحيانا سجينا حتى يخضع لتحقيق رغبة ما لدى الشيخ. كما أن هناك حالات من السجن أو تقييد الحرية تتم للضغط على أطراف النزاع لتنفيذ أحكام المشائخ التي قد تكون جائرة أحيانا. وحرصا على المصداقية، فالعديد من المشائخ يمارسون أدوارهم بطرق إنسانية، حيث يهتم الشيخ بعدالة الحكم ومن ثم بتنفيذه ولا يتعرض فيها السجين لمعاملة سيئة، حيث يقوم بعض المشائخ بسجن مواطنيهم في مجالسهم الخاصة باستقبال الضيوف، وإن لم تتوفر أماكن خاصة للاحتجاز لديهم، يتم استخدام السجون المركزية الرسمية التابعة للدولة لوضع الرهائن فيه حتى ينتهي الإشكال، كما هو موجود في سجن صنعاء المركزي وصعدة ومناطق أخرى، إلا أن ذلك يتم بمخالفة القانون، والتغاضي عنه يمنح حقا مماثلا لبقية المشائخ الذين فاحت روائح ظلمهم.
كما أن سجن الأمن السياسي بصنعاء وفروعه في المحافظات اليمنية، يقوم باعتقال أي مواطن لأسباب سياسية وبسبب الرأي وحبسه دون أي إجراءات أو قانون، وهو يعتبر مكاناً لاعتقال الأشخاص وإخفائهم من أي مكان وفي أي وقت لدرجة يمكننا فيها أن نعتبر سجن الأمن السياسي نوعاً من أنواع السجون الخاصة إذا ما أنزلنا عليه مواصفات السجون الخاصة فهو يتبع جهة أمنية غير مخولة بالسجن لأكثر من 24 ساعة، كما أنه يقوم بالسجن بدون إذن من الجهات المختصة ، ويسجن فيه المواطنون بدون أي ضمانات قانونية علاوة على أن رعب أجهزة المخابرات تضفي عليه طابعاً خاصاً.
السجون الخاصة نتيجة ضعف دور الدولة
خلال مرحلة البحث عرض الباحث عدة أسئلة على عدد من الناشطين الحقوقيين والتي تركزت حول دور النشاط الاقتصادي في بعث روح القبيلة وتعمد القبيلة الضغط على الدولة من خلال الاختطاف حيث يعتقد البعض أنه من الجميل أن يكون هناك في كل منطقة قبيلة تحمل مورثات جيدة وإيجابية، ولكن ليس بصواب ما نسمعه الآن وما تقوم به القبائل من استخدام أساليب هي ليست من حقها أصلا. فليس من حق سلطات القبيلة ما تقوم به من خطف وسجن وربما قتل في بعض المناطق. والحقيقة أن هذا هو ترجمه فعلية للضعف الثقافي والفكري المسيطرة على وعي المجتمع بفعل الثقافة الأمية التي تمنع من رؤية النور، وانصياع الدولة لقوانين القبيلة في بعض الأمور تنذر بظهور جوانب سلبيه أخرى كما أن السجون الخاصة شيء سيئ جدا، وهو نظام قمعي أعمى البصيرة، وطبيعة اليمن القبلية والانتماءات السياسية أيضا ذات الأصول القبلية تؤشر بأنها هي القوه المتسببة في استمرار هذه السجون الخاصة، برغم رفض الجميع لها وأولهم أبناء هذه المنطقة أو تلك ممن وجدت لديهم السجون، كما يسود اعتقاد بأن القبيلة فرضت نفسها لعدم أهلية الدولة وعدم قدرتها على تسيير الحياة العامة فأصبح الناس يبحثون عن البديل الذي يمكن أن يعوض هذا القصور ويلتزمون به، وبذلك ساعدوا القبيلة على توسيع نشاطها وتمكينها من زمام الأمور. ولذلك فالقبيلة قد اكتسبت أهمية سياسية من خلال توجيه رأي المجتمع نحو اتجاه معين واستجابة المجتمع لها. وفي حال استمر الوضع الذي يضعف فيه دور الدولة وتسيطر الأمية على قطاع واسع من المجتمع، فإن القبيلة ستتمكن من احتلال مساحة أوسع في المستقبل. ويرى عاملون في مجال المحاماة، أن السجون الخاصة كانت في مرحلة معينة هي المسيطرة على الوضع، غير أن دورها قد انحسر في مرحله أخرى ولكن نتيجة ضعف دور الدولة أصبحت السجون الخاصة بمثابة بديل للدولة. ونتيجة إطالة أمد النزاع في القضايا أمام المحاكم يحبذ الكثير أن يكونوا في سجن خاص للشيخ ويحبس فيه شهرا أو شهرين من أن يحبس سنين في السجن التابع للحكومة أي السجون الخاصة أمر غير محبذ، لكنها تلعب دورا مهما في ضبط الحياة القبلية، ويفترض أن تكون القبيلة عون للدولة في رفع الظلم عن الناس وتكون المرادف للدولة. ولكن نظرا للنفسية المتسلطة لدى بعض المشائخ ولما لاقوه من دعم سياسي جعلهم في مأمن من رقابة القضاء؛ فقد استغلوا هذا الموضوع في بسط أيديهم بالظلم والاستبداد، فدمروا بذلك أخلاق المجتمع وهزوا قناعاته، حيث كانت السجون الخاصة وسيلة ضبط قضائي تحميها إرادة المجتمع، وكانت حينها تؤدي دور أقسام الشرطة، لكنها الآن فقدت قيمتها وأصبحت وسيلة للقمع والسيطرة غير المشروعه، لذلك أصبح من الضروري أن نقف يدا واحده لإقفالها ومحاسبة كل من دعمته الدولة للمساهمة في هذا القمع، وعلينا أن نحاول بقدر الإمكان محاربة هذه السجون وإثبات كل الحالات التي تعرضت لهذا القمع والتعذيب، ونجعل منها قضايا رأي عام لكي نردع مثل هؤلاء المرضى الذين عانى الشعب المسكين من ظلمهم ويتنامى دور القبيلة السياسي كواقع ونتيجة طبيعية لغياب الدولة، وبدأت القبيلة تظهر كلاعب أساسي ورئيسي في العملية السياسية كمعادل طبيعي لضعف الدولة، وسيكبر دور القبيلة في ظل انعدام فعالية مؤسسات الدولة، حتى تصبح السجون الخاصة أكثر بشاعة وعنفا من وضعها الحالي. وتلافيا لذلك، لا بد من توعية الضحايا المساكين الذين يستسلمون لهذا الوضع نتيجة وقوعهم تحت التأثير النفسي لهيلمان المشائخ، علاوة على معاناتهم من الأمية. ولا يعتقد كثيرون أن القبيلة فرضت نفسها من خلال النشاط الاقتصادي. فالقبيلة لا زالت هي المكون الأساسي للمجتمع في كافة جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وما الظهور الذي يتبدى للبعض في الجانب الاقتصادي لبعض رموز القبيلة إلا نتيجة طبيعية للانفتاح الحاصل والتسهيلات التي تتوفر للجميع بمن فيهم المشائخ، ولا نغفل أن توسع النشاط الاقتصادي لبعض الأسر جعل منها ذات تأثير في الحياة العامة. وعلى الصعيد السياسي، لم تحضر القبيلة بهذا الشكل إلا حينما ترهلت سلطات الدولة وذهبت بعيدا عن واجباتها والتزاماتها القانونية والدستورية سواء مع الداخل أو الخارج، وإذا لم تعد الدولة للقيام بدورها وفقا للقوانين وتخضع الجميع لذلك بما في ذلك رجال الحكم، فإن القبيلة في طريقها للاستحواذ على كل شي وستلتهم الدولة، كونها أصبحت من الهشاشة والضعف ما لا يصعب معه على القبيلة ذلك. وتسود ثقة بأن السجون الخاصة في طريقها إلى التلاشي بفعل الضربات المتتالية من مؤسسات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين لهذه الأوكار البعيدة كل البعد من متطلبات العصر في ظل تنامي الوعي الحقوقي والقانوني. ويقلل البعض من حجم مشكلة السجون الخاصة، حيث يعترف بوجودها، ولكنها من وجهة نظره غير منتشرة بذلك القدر الذي يتم تصويره لأنة مقارنة بالسجون الدولة، فهي محدودة. ولا ننسى أن هناك مشائخ توكل إليهم مهام حكومية، وخلال ذلك يقومون بأعمالهم القبلية بغطاء حكومي.كيف يمكن أن نجعل القبيلة أداة من أدوات المجتمع المدني؟ وهو أمر غير صعب المنال.. لقد كانت القبيلة فعلا أداة من أدوات المجتمع المدني في الماضي، بل وكانت الضامن الأساسي لحريات المجتمع..
أرقام وعلامات
نتيجة بحث ميداني قام به الباحث مع خمسة متطوعين من خلال توزيع استمارت على عينات عشوائية من سكان صنعاء وإب والحديدة:
بجانب أسماء سبعة سجون خاصة ليس بينها فيها سجن إدارة الأمن الذي ينفذ أوامر نافذين، حصل الباحث على أسماء 22 سجينا تعرضوا للسجن في محافظة إب خلال عامي 2007 والنصف الأول من 2008م طلب منه 8 شطب أسمائهم ويستعد 3 من الباقين لرفع دعاوى قضائية ضد من قام بسجنهم في حال حصولهم على العون القضائي من رجال القانون وأغلب السجناء في عمر أقل من 35 عاما ونصفهم يعمل في قطاع التعليم. وبينما حصل الباحث على خمسة أسماء لسجون في محافظة الحديدة الساحلية، فإنه لم يحصل على أسماء سوى ثلاثة سجناء - لم يتناولهم الإعلام- كلهم طلبوا التراجع عن ادعائهم، بعد أن حكمت محكمة ابتدائية بعدم معاقبة شيخ أدين بواقعة تقييد حرية أحد المواطنين في حادثة بشعة تناولتها الصحافة (قضية درسي) .
نتيجة البحث
أفاد 79 % جازما بوجود السجون الخاصة، بينما يعتقد 10% بعدم وجودها وربما يعود إنكارهم لوجودها لعدم فهم السؤال أو لاقتناعهم بأنها أصلا نابعة من ثقافة المجتمع ويستند وجودها إلى حاجة المجتمعات المحلية إليها و 11 %أفادوا بأنهم لا يعرفون هل هي موجودة أم لا ويعتقد 55 % أن سجون المشائخ منتشرة، بينما يخالفهم الرأي 19 % حيث يعتقدون أنها ليست ظاهرة وأن وجودها في الحدود المعقولة ولا يعرف 26 % ما إذا كانت منتشرة أم لا. كما أفاد 31% بأن أحد معارفهم أو أقاربهم قد سجن في سجن خاص وهذا يعني أن نسبة عالية من المواطنين يقتربون إلى حد كبير من المعاناة من هذه المشكلة، بينما أفاد 69% بـأنهم لا يعرفون أحد تعرض للسجن في سجن خاص، في حين أن 12% فقط من العينة أفاد بتعرضه شخصيا لاعتقال في سجن خاص،وهي أيضا نسبة تظل في الحدود الطبيعية لعلاقات المجتمع وطبيعة نفسيات الضحايا والتكتم على حالات الإذلال الجماعي كما أن كل الحالات التي تعرضت للسجن في السجون الخاصة كانت من فئة الرجال حيث لا تتعرض المرأة في المجتمع اليمني للسجن في ظل أعراف القبيلة وفي مثل هذه الحالة فإن النسبة الحقيقة ستكون أن 24% من الرجال في العينة المبحوثة قد أفادوا بتعرضهم للسجن في سجون خاصة وإذا ما استبعدنا الحالات البعيدة جغرافيا عن نطاق نفوذ المشائخ من العينة فإن نصف المبحوثين تقريبا من المناطق الريفية قد أفادوا بأنهم كانوا ضحايا سجون خاصة.
وأفاد 88% من المبحوثين بأنهم لم يتعرضوا للسجن في سجون خاصة. ويعتقد 32% أن نفوذ المشائخ يساهم في حفظ النظام واستقرار البلاد، بينما يخالفهم الرأي 54%. وبقي 14% لم يحددوا موقفهم، حيث اختاروا خيار "لا أعرف". ويعتقد 69% أن الدولة تغض الطرف عن وجود سجون المشائخ، بينما يخالفهم الرأي 9 %. ويبقى 22% على الحياد، ويعارض 87% وجود هذه السجون، بينما يؤيدها 12%. ويعتقد 72% أن سجون المشائخ تنتهك حقوق الإنسان، بينما يعتقد 14% أنها لا تنتهك حقوق الإنسان، و14% لا يعرفون هل تنتهك حقوق الإنسان أم لا. ويستعد 68% للتوجه للقضاء في حال تعرضهم للسجن في سجن خاص، بينما يؤكد 20% أنهم لن يتوجهوا للقضاء، ولا يعرف 12% ماذا سيفعلون بالضبط في حال تعرضهم للسجن في سجن خاص. و 42% لا يثقون بالقضاء اليمني، بينما يثق به 11% بشكل دائم، ويثق به 47% أحيانا. ويعتقد 47% أن النظام القبلي أقوى من أجهزة الدولة، بينما يخالفهم الرأي 53%، حيث لا يعتقدون أن النظام القبلي أقوى من أجهزة الدولة.
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |